لجريدة عمان:
2025-05-01@16:13:19 GMT

الثقافة من العاصمة إلى المحافظات

تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT

يعرّف ندين لإدوارد تايلور (ت 1917م) الثّقافة بأنّها: «الكلّ المركب الّذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفنّ والأخلاق والقانون والأعراف والقدرات والعادات الأخرى الّتي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع»، فالثّقافة ضرورة لإفراز طاقات المجتمع وإبداعه، فهي لا تنحصر في زاوية محدّدة، كما أنّها لا تهمش الزّوايا الأخرى، ولا تنطلق من أيديولوجيّة ضيّقة.

وإذا ارتفعت الثّقافة كوجود مؤسّسي في المجتمع، وقلّ الاهتمام بها، والالتفاتة إليها، تتوسع دائرة الفراغ، ليملأ بدوائر أخرى قد تحمل طابعا متطرّفا، أو رؤية لاهوتيّة ضيّقة، أو على الأقل نفقد طاقات إبداعيّة يمكن أن تخرج هذه الإبداعات الجماليّة الّتي تعطي رسائل إيجابيّة في المجتمع، أو توجه هذه الطّاقات الإبداعيّة لأغراض خارجيّة وسلبيّة.

عندما أتحدّث هنا عن الثّقافة؛ أتحدّث عن الثّقافة من منظورها الواسع، والمرتبط بالجمال الإنسانيّ، من حيث العقل والقلب والبدن، والإسقاط الخارجيّ النّاتج عن هذه الثّلاثة، فهناك ثقافة العقل وما يرتبط بها من معارف، ومن ابتكارات علميّة، ومن نتائج عقليّة، ومن قراءة للتّأريخ والواقع برؤية منفتحة تضفي شيئا من العمق والتّعدّديّة المعرفيّة.

كما أنّ هناك ثقافة القلب والضّمير والوجدان، المرتبطة بثقافة الفنّ والجمال والأدب، ويصنّفها شوبنهاور (ت 1860م) تصنيفا هرميا، «فيرتبها حسب ما تعبّر عنه من مُثل تكون نابعة من قوى الإرادة، فالمثل الخاصة بقوى الطّبيعة غير العضويّة هي أدنى درجات المثل تعبيرا عن الإرادة، لهذا نجده يرى أنّ فنّ العمارة أدنى درجات الفنون؛ لأنّ المنفعة تتغلّب على الجانب الجماليّ، فيرتفع إلى فنّ النّحت وبعده التّصوير، ويعتبر الشّعر أعلى درجة من التّصوير؛ لأنّه يعبّر عن المثل بواسطة الخيال الّذي يجسّد التّصورات عن طريق الكلمات، أمّا الفنّ الّذي له مكانة عليا عنده فهو فنّ الموسيقى، فالموسيقى عنده كالأعداد والأشكال تكشف عن قانون الوجود، عن الفرح في ذاته، وعن الحزن في ذاته، والموسيقى عالم مستقل من عالم الظّواهر المحسوسة؛ لأنّها تجسّد قوانين الوجود، ولكنّها لا تحاكيه».

وأمّا البدن فهناك ثقافة الرّياضة الشّعبيّة التّقليديّة والرّياضات المعاصرة، وما يرتبط بالبدن عموما، جميع هذه الجوانب الثّلاثة أي العقل والقلب والبدن لها إسقاط ثقافيّ وجماليّ في الخارج، من حيث الوجود بشكل عام، ومن حيث ثقافة المنطقة الّتي ولد فيها الإنسان بشكل أخصّ، وأثر ذلك على طعامه ولباسه وغنائه وأدبه وفنّه وعاداته وتقاليده، ونتاجه المعرفيّ والثّقافيّ.

هذه الرّؤية الواسعة للثّقافة تعطي مساحة واسعة من حريّات الإبداع الثّقافيّ، والّذي ينبغي أن تحتضنه مؤسّسات قادرة على تفعيل هذا التّنوّع والإبداع الثّقافيّ، ولا ينبغي كبت هذا الواقع، ولا خسران مثل هذه الإبداعات؛ لأنّ المؤسّسات الثّقافيّة دورها احتضان وتنميّة مثل هذه الجوانب، ودعمها لتملأ الفراغ المجتمعيّ عند النّاس عموما بشكل عام، وعند الشّباب والمبدعين والموهوبين منهم بشكل خاصّ، حيث يخرجون طاقاتهم الإبداعيّة، ويوجهونها في خدمة الوطن وتنميته، وخدمة الإنسان فيه، بدل أن تستغلّ وتستثمر خارجيّا، وقد توجه ضمن جماعات متطرّفة، أو لها أغراض أيدلوجيّة أو سياسيّة لا علاقة للوطن وتقدّمه بها.

لهذا حصر النّشاط الثّقافيّ واقتصاره عند مركزيّة العاصمة حالة سلبيّة وليست عمليّة بشكل عام، نعم، نشاط الجانب الثّقافيّ في العاصمة حالة طبيعيّة، لسبب تمركز العديد من المواهب والإبداعات فيها، لسبب العمل أو الدّراسة أو الاستقرار الكامل نتيجة الهجرة، لما يجدونه فيها من سعة فضاء حريّة الإبداع الثّقافيّ ما لا يجدونه في مدنهم لسبب الحالة الانغلاقيّة نتيجة بعض العادات الّتي تعوق الإبداع الثّقافيّ، كما يجدون في العاصمة مؤسّسات حاضنة بشكل أوسع، لكن أن يتحوّل هذا إلى ظاهرة تقصر الإبداع الثّقافيّ في العاصمة أو مدن معينة من المجتمع؛ هي ظاهرة ليست حسنة على المدى البعيد، ويفقد المجتمع بها طاقات إبداعيّة، كما في الوقت نفسه ستنقرض فيه ثقافات على مستوى اللّغة واللّهجات والفنون والعادات والتّقاليد شيئا فشيئا، لسبب تمركز الحالة الثّقافيّة في العاصمة، أو تتوقف عند المدن فقط.

وعُمان - كما أسلفتُ في أكثر من مناسبة - تحوي من التّعدّديّة الثقافيّة، في جميع الجوانب المتعلّقة بالعقل والقلب أو الرّوح والبدن، وإسقاطاتها الجماليّة والثّقافيّة في الواقع الخارجيّ، هذا يحتاج إلى مؤسّسات قادرة على تفعيل ذلك، والحفاظ على التّراث الثّقافيّ، وتنمية الإبداعات الثّقافيّة المعاصرة، وبما أنّ عُمان استطاعت في هذه النّهضة المتجدّدة أن تنتقل من مركزيّة العاصمة إلى الشّراك من خلال المحافظات، فينبغي أن نجد حضورا ثقافيّا واسعا في المحافظات، على الأقل مبدئيّا على مستوى عواصم هذه المحافظات، حيث رأينا سلفا نشاطا في بعضها، وركودا عند الأغلب، بيد أنّه أيضا لا ينبغي أن يقتصر الجانب الثّقافيّ عند مهرجانات سنويّة، وإن كانت حالة صحيّة، إلّا أنّ الحالة المهمّة هنا يتمثل في خلق مؤسّسات ثقافيّة فاعلة وقادرة على احتضان التّنوّع الثّقافيّ في المحافظات، مع دعمه وتشجيعه، وعدم قصره عند زوايا معينة.

هناك العديد من المؤسّسات الثقافيّة في المحافظات، من نواد ثقافيّة ورياضيّة، ومن مراكز ثقافيّة وجامعات أهليّة ومكتبات ومبادرات شبابيّة، بيد أنّها تحتاج إلى استراتيجيّة وفق مركزيّة المحافظات ذاتها، لتحضى بالدّعم الماديّ والمعنويّ، لنرى في المستقبل ليس حضورا ثقافيّا فحسب، بل تنافسا في ذلك، يخلق إبداعات تنافسيّة، يرفع من قيمة المحافظة ذاتها، ويجعل اسمها حاضرا ليس على المستوى القطريّ، بل عابرا لفضاءات أوسع، ويضيّق من دائرة الفراغ، أو فقدان المواهب والإبداعات، أو استثمارها سلبا لأغراض تطرفيّة، أو هجرتها إلى خارج الوطن ذاته.

بدر العبري كاتب مهتم بقضايا التقارب والتفاهم ومؤلف كتاب «فقه التطرف»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی العاصمة الث قافی ة الث قافة مؤس سات ثقافی ة

إقرأ أيضاً:

مشاهد من قلب العاصفة.. الأرصاد تحذر: انعدمت الرؤية في تلك المحافظات

كشفت الدكتورة منار غانم، عضو المركز الإعلامي بهيئة الأرصاد الجوية، آخر التحديثات للخرائط التابعة لهيئة الأرصاد الجوية، والتي تقف على مستجدات الأوضاع للعاصفة الترابية، لحظة بلحظة.

الأرصاد الجوية تحذر من العاصفة الترابية على غالبية أنحاء الجمهوريةالأرصاد تعلن موعد استقرار الأحوال الجوية.. فيديو

وقالت خلال مداخلة عبر إكسترا نيوز، إن المنيا انخفضت فيها مستوى الرؤية الأفقية عن 600 متر، علاوة على محافظة أسيوط والتي انخفضت فيها مستويا تالرؤية عند لأقل من 1000 متر.

وأكدت أن المحافظات الجديدة شرق القاهرة وجنوبها الأكثر تأثرا بالعاصفة الترابية، خلال ساعات، إضافة إلى محافظات الوجه البحري الجنوبية مثل الشرقية، إضافة إلى سيناء والسواحل الشمالية ومدن السويس.

وأوضحت أن البلاد تتأثر بمنخفض جوى خماسينى يتحرك فى الصحراء الغربية مصحوب بكتل هوائية صحراوية، لافتة إلى وجود سرعات رياح مرتفعة وستصل ما بين 40 إلى 60 كيلو متر على الساعة مما يؤدى إلى وجود أتربة ورمال مثارة فى معظم المحافظات.

وتابعت: "بعض الأماكن قد تشهد زيادة فى سرعة الرياح من 70 إلى 80 كيلو متر على الساعة، وهذه الرمال قد تحدث انخفاض كبير فى الرؤية الأفقية قد تصل إلى أقل من 1000 متر، أو تصل لحد العاصفة خاصة في شمال الصعيدمثل الفيوم وبني سويف، ومناطق من شرق وجنوب القاهرة الكبرى، ومناطق من سيناء، مناطق من مدن القناة".

وواصلت الدكتورة منار غانم، عضو المركز الإعلامي بهيئة الأرصاد الجوية، أن العاصفة وصلت بالفعل لمحافظات شمال الصعيد، وتصل خلال فترة الظهيرة إلى القاهرة، ومدن القناة ومحافظات الوجه البحري.


 

طباعة شارك الأرصاد الجوية هيئة الأرصاد الأرصاد محافظة أسيوط القاهرة

مقالات مشابهة

  • الأرصاد: هطول أمطار متفرقة ومتفاوتة الشدة على عدد من المحافظات
  • أدباء الغربية يوصون بتوفير مقر دائم لقصر ثقافة العاصمة وبيت لكفر الزيات | تفاصيل
  • أبرزها توفير مقر مناسب لقصر ثقافة العاصمة.. ننشر توصيات مؤتمر اليوم الواحد الأدبي بالغربية
  • أزمنة الكرب وبعثرة الأوطان (٥٢)!.
  • ذي قار تتصدر المحافظات بعدد إصابات الحمى النزفية وتطالب بـ100 طبيب بيطري
  • مشاهد من قلب العاصفة.. الأرصاد تحذر: انعدمت الرؤية في تلك المحافظات
  • عبد الله بن زايد يبحث مع وزير الثقافة اللبناني التعاون الثقافي
  • جامعة الفيوم تعلق الدراسة غدا لسوء الأحوال الجوية
  • قائمة بأسعار صرف الدولار في المحافظات العراقية
  • غارات أمريكية جديدة على العاصمة وبعض المحافظات