محمد مغربي يكتب: قوانين الذكاء الاصطناعي.. ولكن!
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
على أعمدة معبد الكرنك العريق ثمة قاعدة محفورة تقول «الخطأ طبيعة بشرية»، وبالتالى فوجود قوانين تحاسب المخطئ وتردع المعتدى على ممتلكات الغير، أمر لا مناص منه لحماية الإنسان نفسه، هكذا أدار الفراعنة القدماء حياتهم، قبل أن تمر آلاف السنين وتتغير الأوضاع، فلم يعد الأمر يتعلق تماماً بالإنسان، وصار هناك أجهزة يمكنها القيام بالكثير من الأفعال، كما يمكنها أيضاً أن تخطئ، وبالتالى وجب ردعها!
ولأن لكل شىء إيجابى آثاراً سلبية، كانت الطفرة التكنولوجية خلال السنوات الماضية صاحبة إنجاز هائل فى تطور البشرية، لكنها من ناحية أخرى أدت إلى مشكلات كثيرة دفعت دول العالم إلى استحداث قوانين ووضع قواعد ولوائح، فى محاولة منها لعدم خروج الأمر عن السيطرة، وفى مصر كان أبرز الأمثلة قوانين مثل التجارة الإلكترونية التى تنظم عمليات البيع والشراء، بجانب قوانين الملاحقة الإلكترونية لكل من يتعرض لابتزاز أو تحرش عبر التطبيقات.
لكن حتى هذا الوقت، كانت القوانين كلها تتعلق بالعنصر البشرى، أما فى حالة الذكاء الاصطناعى الذى شهد هو الآخر طفرة جعلته يؤدى الكثير من المهام اليومية، كان السؤال الأبرز: فى حالة ارتكاب خطأ، من المسئول؟ وكيف يمكن محاكمة آلة، وما هى احتمالات الخطأ، وهل للمبرمج دور فى ذلك ليكون ضمن دائرة الاتهام؟
تلك الأسئلة تزايدت بشكل كبير بعد ظهور عدة حوادث سببها سوء استخدام الذكاء الاصطناعي، وأبرز الحوادث ما وقع فى مدينة تيمبى بولاية أريزونا الأمريكية، حين اصطدمت سيارة ذاتية القيادة بمشاة، ما أدى إلى وفاة سيدة كانت تعبر الطريق، وأظهرت التحقيقات أن نظام الذكاء الاصطناعي الذى كان يقود السيارة لم يتمكن من التعرف على المشاة بشكل صحيح، مما تسبب فى هذا الحادث المأساوي.
وفى اليابان، وقعت حادثة أخرى حين تسببت روبوتات صناعية تعمل بالذكاء الاصطناعي فى مصنع للسيارات فى إصابة عدد من العمال بجروح خطيرة، فالروبوتات خرجت عن السيطرة بعد خطأ فى البرمجة، ما أدى إلى تنفيذ أوامر غير متوقعة عرَّضت حياة العمال للخطر.
تلك الحوادث، هي التي دفعت دولاً عالمية إلى وضع تشريعات قانونية لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعى، ففى اليابان صدرت قوانين تضمن استخدام روبوتات آمنة ذات معايير صارمة للعمل فى المصانع، أما الاتحاد الأوروبى فبدأ بوضع إطار أشمل يركز على حقوق الإنسان وحماية الخصوصية، بما لا يتعارض مع الاستفادة من التكنولوجيا الجديدة.
وكذلك سارت أمريكا على الدرب حين بدأت بعض الولايات بسَنِّ قوانين تحدد المسئولية القانونية فى حالات الحوادث الناجمة عن السيارات ذاتية القيادة، لضمان حماية حقوق الضحايا وتعويضهم، ولم تختلف الصين حين وضعت تشريعات لضمان عدم استخدام التكنولوجيا الحديثة بطرق غير قانونية أو مضرة.
ولأن مصر ليست استثناء من ذلك، إذ بدأ استخدام الذكاء الاصطناعى فيها يأخذ مكانه الطبيعى ويتولى مهام كثيرة، كان لا بد من تقنينه أيضاً ووضع تشريعات تجعلنا نستفيد منه دون إضرار أحد، وظهر ذلك فى مطالبات برلمانية، حيث أكد عدد كبير من النواب أن التطور التكنولوجى يتطلب إطاراً قانونياً شاملاً يضمن استثمار تلك التقنيات ويحمينا من أى مخاطر.
لكن لماذا يحتاج البرلمان إلى الإسراع فى سَنِّ هذه التشريعات، هذا هو السؤال الذى أرى إجابته تتلخص فى النقاط التالية: أولاً، وجود قوانين تنظم استخدام الذكاء الاصطناعى ضرورة لحماية الأفراد من الأخطار المحتملة، ويمكن لهذه القوانين أن تفرض قيوداً على استخدام الذكاء الاصطناعى فى مجالات مثل الرعاية الصحية، حيث يمكن أن تؤدى أخطاء فى القرارات الطبية إلى خسائر فى الأرواح.
ثانياً، تساعد التشريعات فى تعزيز الثقة بين المواطنين والحكومة فيما يتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعى، عندما يشعر المواطنون أن هناك قوانين تحميهم سيصبحون أكثر استعداداً لاستخدام هذه التكنولوجيا فى حياتهم اليومية. ثالثاً، يمكن أن تشجع القوانين المستثمرين والشركات على تبنى تقنيات الذكاء الاصطناعى بثقة أكبر، فوجود إطار قانونى واضح يساعد الشركات على الاستثمار فى هذه التكنولوجيا دون الخوف من العواقب القانونية فى حالة وقوع أى مشاكل.
وإذا كانت هذه هى الضرورات، فالتحديات لا تقل أهمية عن ذلك، ولن أبالغ حين أقول إن الأمر يحتاج إلى مشرط جرَّاح حتى لا يتم تقييد الابتكار أو زيادة التكلفة على الشركات الصغيرة التى تريد العمل وسط هذه المنظومة، ولذلك فالأسئلة المهمة أيضاً: من سيضع هذه القوانين؟ أى سلطة ستُقرها؟ إلى من سيلجأ المشرعون فى وضع الضوابط واللوائح الخاصة بالذكاء الاصطناعى؟ وأى القضايا التى نستخدم فيها أكثر درجات الحرية؟ وما هى القطاعات التى ستشتد المعايير فيها؟
ولأن آلية إصدار القوانين فى مصر تستلزم دوماً الرجوع إلى المختصين وإقامة حوار مجتمعى حول المواد المراد تفعيلها، فالأمر يجب أن يسير كذلك مع الذكاء الاصطناعى، ولذلك أيضاً يجب اللجوء إلى المختصين، ومناقشتهم والاستفادة من خبراتهم واطلاعهم على القوانين المماثلة حول العالم، وذلك لحماية حقوق المواطنين من ناحية، ولاستخدامٍ آمن لهذه التكنولوجيا من ناحية أخرى، ولن يتحقق ذلك إلا فى ظل صياغة تلبى احتياجات الجميع.
* استشارى تأمين البيانات والمنشآت
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعى المهام اليومية استخدام الذکاء الاصطناعى الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يساعد في الحفاظ على الحشرات
يقوم فريق من علماء الحشرات في مونتريال بدعم من مهندسين، لتوثيق الانخفاض غير المسبوق لهذه الأنواع المنتشرة بالملايين حول العالم وتحسين سبل مواجهته بمساعدة الذكاء الاصطناعي.
تحت قبة شفافة كبيرة، تعيش حشرات من شتى الأنواع، بينها آلاف الفراشات من مختلف الألوان، ونمل وشرانق... ففي هذا الموقع المسمى "إنسيكتاريوم مونتريال"، انطلقت هذه المبادرة، ولا سيما من جانب مكسيم لاريفيه مدير المنشأة.
يشرح لاريفيه أنه بالمقارنة مع "كل حالات الانقراض الجماعي التي شهدناها في الماضي، فإن ما يصيب الحشرات يحدث أسرع بألف مرة".
ويضيف عالم الحشرات أنه حتى بهذه السرعة في الزوال "نعجز عن متابعتها بشكل مناسب لاتخاذ الإجراءات اللازمة لإبطائها".
ومن المعلوم أن المبيدات الحشرية اختفاء الموائل وتغير المناخ هي الأسباب وراء هذا الزوال المتسارع، لكن ثمة قليل من البيانات حول الحجم الدقيق لهذه المأساة البيئية.
هذه الفجوة يرغب في سدها مشروع "أنتينا" Antenna الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي عبر خوارزمية تحدد الحشرات باستخدام الصور.
يتم تشغيل كل شيء بواسطة محطات الطاقة الشمسية الموجودة في أقصى الشمال الكندي ولكن أيضا في الغابات الاستوائية في بنما. وهي مصممة لالتقاط صورة كل عشر ثوانٍ للحشرات التي تنجذب إلى الأشعة فوق البنفسجية.
ويقدّر الباحثون أن هذا الابتكار سيضاعف كمية المعلومات عن التنوع البيولوجي التي جُمعت على مدى السنوات الـ150 الماضية في غضون سنتين إلى خمس سنوات.
ويقول مكسيم لاريفيه باسما "حتى بالنسبة لنا، يبدو الأمر مثل الخيال العلمي".
في نهاية المطاف، يُتوقع أن تتيح هذه البيانات إنشاء "أدوات دعم لمساعدة الحكومات وعلماء البيئة في اتخاذ القرارات"، بغية تحديد أفضل برامج الحفاظ على البيئة التي يمكن اعتمادها و"استعادة التنوع البيولوجي".
- تقدم كبير
تمثل الحشرات، التي تنقص المعلومات عنها في كثير من الأحيان، نصف التنوع البيولوجي في العالم وتؤدي دورا حاسما في توازن الطبيعة، سواء من خلال التلقيح أو تحويل النفايات إلى أسمدة أو من خلال تشكيل أساس السلسلة الغذائية للعديد من الحيوانات.
ويقول دافيد رولنيك، الباحث في معهد "ميلا" للذكاء الاصطناعي في كيبيك "هذا هو التقدم الكبير التالي في مجال مراقبة التنوع البيولوجي".
يخضع هذا الابتكار للاختبار منذ أسابيع، والنموذج "مفتوح المصدر" ويركز حاليا فقط على حشرات العث.
مع وجود أكثر من 160 ألف نوع مختلف، فإن هذه الحشرات تمثل مجموعة "متنوعة للغاية"، "يسهل التعرف عليها بصريا" وتشكل "قاعدة السلسلة الغذائية"، وفق دافيد رولنيك، الخبير في الذكاء الاصطناعي والمولع منذ صغره بالحشرات.
في نهاية المطاف، يرمي المشروع إلى السماح للجميع بالمساهمة في إثراء المنصة، ولكن أيضا في تدريب الذكاء الاصطناعي على التعرف على أنواع جديدة من الحشرات. ففي حين ثمة أكثر من مليون نوع معروف بالفعل، قد يكون العدد الفعلي عشرة أضعاف ذلك.
يوضح الباحث أن "التقديرات تشير إلى أن 90% من الحشرات لم يتم التعرف عليها بعد من جانب العلماء".
في أسبوع واحد، اكتشفت محطة مقامة في غابة بنما "ثلاثمئة نوع جديد"، وفق دافيد رولنيك الذي يوضح أن "هذا ليس سوى غيض من فيض".
يأمل الباحثون أيضا أن يتمكنوا من استخدام هذا النموذج الحاسوبي لتحديد الأنواع الجديدة في أعماق البحار، أو حتى الأنواع الضارة في الزراعة.
في مونتريال، يستخدم "إنسكتاريوم" Insectarium التكنولوجيا بالفعل للأغراض التعليمية.
يمكن لزوار هذا المتحف، المخصص للحشرات، التقاط صور للفراشات التي تتجول بحرية في الحظيرة ومعرفة أنواعها عبر التطبيق.