مصر: التجارب السريرية ومبادرات الاستثمار في البشر
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
في حين يعاني المجتمع المصري منذ عدة أعوام من أزمات متلاحقة في اختفاء الأدوية وارتفاع أسعارها والتي زادت حدتها في الأيام الأخيرة؛ فقد أعلنت هيئة الدواء المصرية عن استضافة وفد شركة أمريكية كبرى لبحث الخطط المستقبلية لإجراء التجارب السريرية بمصر. وقد جاءت تلك الخطوة في توقيت غريب؛ وكأن هيئة الدواء المصرية تمارس أسلوب الانسحاب من مسئولية حل أزمة الدواء والتي تعتبر بمثابة الدور الأساسي لها، وتركها والقفز إلى الأمام والمشاركة في مجالات أخرى ضمن منظومة مبادرات متعددة تهدف الى الاستفادة من عدد السكان الكبير في مصر، والتوجه نحو الاستثمار في البشر، مثل مشروع تجميع وتصنيع بلازما الدم ومشتقاتها، ومبادرة تشغيل المصريين في الخارج التي تبدأ بإنشاء وتطوير المركز الوطني للهجرة؛ لدعم منظومة التشغيل من أجل التوظيف على المستوى الوطني.
التجارب السريرية الطبية مجال هام جدا ولها مراحل وتحكمها محددات للتنفيذ:
تعتبر التجربة السريرية بحسب منظمة الصحة العالمية؛ هي أية دراسة بحثية تقوم مقدما بتوزيع المشاركين أو المجموعات البشرية على تدخل أو أكثر من التدخلات المتعلقة بالصحة لتقييم التأثيرات على النتائج الصحية، وبحسب المنظمة فإن التجارب السريرية يجب أن تبدأ على الحيوان أولا، ثم تمر بأربع مراحل لتطبق على الإنسان، بداية المرحلة الأولى وفيها يتم اختبار الدواء على مجموعة صغيرة من المتطوعين لبضع عشرات من الأشخاص لتقييم أمان و سلامة العقار، تليها المرحلة الثانية وفيها يتم اختبار الدواء على مجموعة أوسع لبضع مئات من الأشخاص للتأكد من فاعلية الدواء، ثم المرحلة الثالثة: في هذه المرحلة يتم اختيار ومراقبة مجموعة أكبر ونطاق أوسع يشمل بضعة آلاف من البشر، وقد تؤدى هذه المرحلة في عدة مراكز مختلفة لإعطاء صورة توضيحية بشكل أفضل للمادة الدوائية، وأخيرا تبدأ المرحلة الرابعة، وتعرف عادة بمرحلة التسويق أو مرحلة التوعية أو الرقابة الدوائية، وقد يسحب الدواء حتى ولو تم تسويقه في السوق في حالة تسجيل حالات خطيرة من الأعراض الجانبية، أو الوفاة.
مصر الأولى عربيا وأفريقيا من حيث إجراء التجارب السريرية، ويرجع ذلك إلى انتشار الفقر بنسبة 34 في المئة، يعني حوالي 37 مليون مواطن مصر تحت خط الفقر وفي حالة من العوز، وليست لديهم القدرة المالية على تكاليف العلاج والتي تستنزف أكثر من 10 في المئة من دخل الأسرة المصرية، مع القصور الشديد في خدمات الرعاية الصحية الحكومية
ونظرا لأهمية التجارب السريرية وحرصا على أمن وصحة وسلامة المتطوعين أو المبحوثين، فقد توافق العالم على إصدار بيان هلسنكي عام 1964 ليشمل الضوابط والمعايير والقيم الأخلاقية التي يجب أن تتم تلك التجارب والأبحاث في إطارها، مع مراعاة القوانين والنظم في كل بلد حسب ظروفها.
ظلت التجارب السريرية في مصر تجري على المرضى لسنوات دون تشريع حقيقي ينظم عملها الخطير والحساس، لأنه وبالرغم من تشكيل لجنة "أخلاقيات البحث العلمي" في وزارة الصحة عام 2005؛ وكانت هي الجهة الرسمية في الدولة المنوط بها الموافقة على إجراء التجارب السريرية في مصر ومهمتها متابعتها، إلا أنها ظلت بعيدة عن النور، وبعضها يُجرى في سرية وبشكل غير شرعي، على الرغم من أن دستور عام 2014 ينص في مادته الـ60 على أن "لجسد الإنسان حرمة ولا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق، وفقا للأسس المستقرة في مجال العلوم الطبية على النحو الذي ينظمه القانون".
وأخيرا صدر القانون رقم 214 لسنة 2020 تحت اسم "قانون تنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية"، والمعروف بقانون التجارب السريرية، ليصبح أول قانون ينظم عمل التجارب الإكلينيكية بعد تركه لسنوات على الغارب. وتزامن إصدار القانون المنظم لعمل التجارب السريرية مع تفشي فيروس كورونا، والحاجة إلى مشاركة مصر في التجارب السريرية التي تجريها بعض الدول من أجل إيجاد لقاح للفيروس.
المخاوف والمخاطر المترتبة على توسيع نطاق التجارب السريرية في مصر رغم إصدار القانون المنظم لها:
نشرت مجلة "نيتشر ميدل إيست" في آب/ أغسطس 2023 تقريرا أكدت فيه أن مصر الأولى عربيا وأفريقيا من حيث إجراء التجارب السريرية، ويرجع ذلك إلى انتشار الفقر بنسبة 34 في المئة، يعني حوالي 37 مليون مواطن مصر تحت خط الفقر وفي حالة من العوز، وليست لديهم القدرة المالية على تكاليف العلاج والتي تستنزف أكثر من 10 في المئة من دخل الأسرة المصرية، مع القصور الشديد في خدمات الرعاية الصحية الحكومية.
الإشكالية الرئيسية في تطبيق قانون التجارب السريرية تكمن في قضية مهمة نصت عليها اتفاقية هلسنكي الدولية بخصوص "الموافقة المستنيرة" من كل فرد يخضع لتلك التجارب والبحوث الإكلينيكية، خاصة مع ارتفاع نسب الجهل والأمية والفقر ما يشكل عائقا مهما أمام تطبيق هذا الشرط الضروري في مصر،
إضافة إلى أن مصر في المرتبة 135 من أصل 140 دولة على مؤشر سيادة القانون لعام 2022 الصادر عن منظمة مشروع العدالة العالمية، وذلك لتدني مستوى مؤشرات القياس وتشمل الرقابة، وغياب الفساد، والشفافية، وتوافر الحقوق الأساسية، ودقة النظام والأمن والعدالة المدنية والعدالة الجنائية، وهذا يثير القلق الواقعي نحو ضياع حقوق المتطوعين الصحية والقانونية.
وعلى اعتبار أن كلا من القانون ولائحته التنفيذية يمثلان خطوات جيدة في اتجاه الحفاظ على حقوق الخاضعين للتجارب، فإن المأخذ الأساسي عليهما هو غياب تمثيل منظمات المجتمع المدني، مثل نقابتي الأطباء والصيادلة والجمعيات العاملة في مجال الحق في الصحة وروابط المرضى وغيرها من المعنيين عن الإطار التنفيذي والرقابي في القانون واللائحة، وغيابهم عن تشكيل المجلس الأعلى لمراجعة أخلاقيات البحوث الطبية الاكلينيكية.
ومن ناحية أخرى؛ وحسب "إعلان هلسنكي" فإنه يجب أن تكون صحة الشخص الخاضع للتجربة بعد الانتهاء من الدراسة جزءا من التقييم الأخلاقي الشامل، بما في ذلك ضمان حصوله على أفضل رعاية أثناء وبعد إجراء التجارب السريرية، وهذا يعني بالضرورة أن يكون المتطوع أو المبحوث ينعم بمظلة تأمين صحى وهذا غير متاح في مصر حاليا؛ حيث أن مظلة التأمين الصحي الحالي تشمل نسبة 59 في المئة فقط من المصريين، إضافة إلى وجود قصور واضح في نسبة التغطية بالتأمين الصحي الشامل الجديد والذي ما زال متعثرا في مرحلته الأولى وبنسبة تغطية 5 في المئة فقط من السكان.
وبالتالي فإنه من الواجب عدم توسيع دائرة التجارب السريرية في الوقت الراهن، والالتزام بمراعاة تطبيقها على المبحوثين المتمتعين بمظلة تأمين صحي شامل حقيقية تضمن لهم الأمن والسلامة.
من الواجب عدم توسيع دائرة التجارب السريرية في الوقت الراهن، والالتزام بمراعاة تطبيقها على المبحوثين المتمتعين بمظلة تأمين صحي شامل حقيقية تضمن لهم الأمن والسلامة
التضارب الموجود بين توسيع دائرة التجارب السريرية وبين قانون تأجير المستشفيات للمستثمرين:
جاءت مبادرة هيئة الدواء المصرية في إطار متفرد، وفي توقيت غير مناسب للتنفيذ في المستشفيات؛ نظرا لبدء تنفيذ "قانون تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الطبية في مصر"، والمعروف إعلاميا بأنه "قانون تأجير المستشفيات"؛ بما يعني خصخصة الصحة، وبالتالي فلن تكون هناك سلطة مباشرة لهيئة الدواء المصرية أو لغيرها من الجهات الحكومية على تغيير نظام العمل الطبي الخاص وفرض بروتوكولات مخالفة عليه، إضافة إلى تكاليف الإقامة والرعاية للمتطوعين أو المبحوثين، خاصة وأن القانون لا يُحدد نسبة من الأسرة للصحة أو للعلاج على نفقة الدولة وغيرها، مما يعني صعوبات بالغة في التنفيذ، ومخاطر محتملة نحو صحة المواطنين بما يفوق سلطات ومهام هيئة الدواء المصرية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه من واجب هيئة الدواء المصرية التركيز على القيام بدورها الأساسي في توفير الدواء وضبط أسعاره بصورة عادلة ومتساوية ومتاحة لجميع المصريين وبصورة عاجلة، حرصا على صحة وسلامة المواطنين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري الدواء التجارب الصحة الرعاية مصر رعاية الصحة تجارب الدواء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هیئة الدواء المصریة التجارب السریریة فی فی المئة فی مصر
إقرأ أيضاً:
صراع مقلق حول تعديل قانون الأحوال الشخصية
5 نوفمبر، 2024
بغداد/المسلة: تتواصل الاعتراضات في العراق على مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، وسط جدل كبير يقسم الساحة السياسية والدينية إلى معسكرات متباينة، بينما تستمر الأصوات المعارضة في التحذير من خطورة “تجزئة” القانون الموحد إلى مدونتين منفصلتين شيعية وسنية.
وذكرت مصادر مطلعة أن مشروع التعديل، الذي طُرح على البرلمان قبل خمسة أشهر، لم يلقَ ترحيبًا من المجمع الفقهي العراقي وديوان الوقف السني، وهما أبرز مؤسستين دينيتين سنيتين، حيث اعتبرتا أن هذا التعديل “يهمش” مرجعيتهما لصالح مؤسسات أخرى ويهدد الوحدة القانونية للأسرة العراقية.
بعض قوى الإطار التنسيقي الشيعية، وفق مصادر برلمانية، تبدي حماسة كبيرة للمضي قدمًا في إقرار التعديل، معتبرةً أن اعتماد المدونة الشيعية في المسائل الأسرية يعزز حقوق الطائفة الشيعية ويحقق العدالة وفق فقههم، خصوصًا مع تزايد المطالب بضرورة تمثيل التنوع الديني والفقهي في القوانين العراقية. وقال مختص في القانون إن التعديل الجديد، في حال تمريره، سيؤدي إلى إنشاء مدونتين مختلفتين تصدران عن الوقفين الشيعي والسني بعد مرور ستة أشهر من التصويت داخل البرلمان.
ومع تصاعد الأصوات المعارضة، أكد بيان صادر عن المجمع الفقهي العراقي وديوان الوقف السني أن “لا مسوغ لاستبدال القانون الحالي بمدونتين منفصلتين”. وأضاف البيان أن قانون الأحوال الشخصية الحالي يغطي جميع المسائل المتعلقة بفقه الأسرة، من زواج وطلاق وحقوق زوجية، ويراعي الأحكام الشرعية من دون تفرقة بين المذاهب، محذرًا من أن “التعديل سيؤدي إلى خلق فوارق غير مرغوبة بين مكونات المجتمع العراقي.”
وفي المقابل، يقول الكاتب عمر حسين في تدوينة على حسابه على منصة إكس: “كل شوي يصدر بيان من جهة دينية بخصوص تعديل قانون الأحوال الشخصية. ويجون يقولون عدنا مرجعية سنية! السنة عبر التاريخ ما صار عندهم مرجعية دينية موحدة، فقه السنة بي جمهور العلماء، وكل هذن يعتبرن مصادر مختلفة للفقه.”
وأضاف حسين أن فكرة “المرجعية” لا تتوافق مع واقع المؤسسات السنية، حيث تعتمد الفتاوى والمواقف على تعدد الآراء الفقهية لا مرجعية واحدة، بخلاف النظام الشيعي الذي يعتمد مرجعية مركزية محددة.
وفي وسط هذا التوتر، تحدثت تغريدة كتبها مواطن من بغداد قائلاً: “يا جماعة، القانون مثل الشجرة اللي تجمع كل العراقيين تحت ظلها، شراح يصير إذا قسموها شيعة وسنة؟ شراح يبقى إلنا من هالظل بعد؟” ..
هذا القلق الشعبي يعكس الشعور المتزايد لدى البعض بأن التعديل القانوني قد يجر البلاد نحو تجزئة قانونية وتوترات طائفية، وهو ما قد يؤثر سلبًا على الأوضاع الاجتماعية في ظل الأوضاع المتقلبة التي يمر بها العراق.
في خضم ذلك، اتهم بعض المعارضين أن تمرير هذا التعديل يتم بموجب “صفقات سياسية” تتعلق بقوانين أخرى مثيرة للجدل، مثل تعديل قانون العفو العام.
وأفادت تحليلات بأن “تمرير تعديل قانون العفو يأتي مقابل التنازل عن تعديل قانون الأحوال الشخصية.”
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts