«براكة».. نقلة نوعية تعزز استدامة الطاقة والنمو الاقتصادي
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
سيد الحجار (أبوظبي)
أكد مسؤولون بشركات طاقة وخبراء اقتصاديون أن بدء التشغيل التجاري للمحطة الرابعة ضمن محطات براكة للطاقة النووية، لتعمل بذلك المحطات الأربع بشكل كامل، يمثل نقلة نوعية في مسيرة تنويع مصادر الطاقة، ما يعزز النمو والتطور بالاقتصاد الوطني، ويدعم التنمية المستدامة والشاملة بالدولة.
وقال هؤلاء لـ«الاتحاد» إن مشروع محطات براكة يعزز المكانة الريادية للإمارات فيما يتعلق بتطوير الطاقة النظيفة، ويجسد التزام الدولة بدعم الجهود العالمية لنشر حلول الاستدامة ومواجهة تحديات المناخ.
وأشاروا إلى العوائد الاقتصادية المتعددة للمشروع، حيث انخفض استهلاك الغاز الطبيعي لإنتاج الطاقة في أبوظبي إلى أدنى مستوى له منذ 13 عاماً، على الرغم من الطلب المتزايد، بسبب المساهمة الكبيرة لمحطات براكة في مزيج الطاقة بأبوظبي، فضلاً عن منح عقود للشركات المحلية العاملة تجاوزت قيمتها 22.5 مليار درهم، ما أسهم في تعزيز القيمة المحلية المضافة.
وتنتج محطات براكة الأربع الآن 40 تيراواط في الساعة من الكهرباء سنوياً، وما يصل إلى 25% من احتياجات دولة الإمارات من الكهرباء من دون انبعاثات كربونية، وهو ما يكفي احتياجات 16 مليون سيارة كهربائية، وبالتالي أصبحت المحطات أكبر مسهم في خفض البصمة الكربونية في الدولة والمنطقة، حيث تحد محطات براكة من 22.4 مليون طن من الانبعاثات الكربونية كل عام وهو ما يعادل إزالة 4.6 مليون سيارة من الطرق سنوياً.
وأضافت براكة للطاقة النووية، أكبر نسبة كهرباء نظيفة للفرد في السنوات الخمس الماضية على مستوى العالم، 75% منها تنتجها محطات براكة.
أحمد الرميثي: توفير مزيج طاقة موثوق ومستدام
أكد المهندس أحمد محمد الرميثي وكيل دائرة الطاقة في أبوظبي أن التشغيل التجاري للمحطة الرابعة من محطات براكة للطاقة النووية يعد خطوة رائدة ترسخ مكانة دولة الإمارات في مستقبل الطاقة النظيفة عالمياً، وتسهم في تعزيز أمن الطاقة، وتحقيق أهداف استراتيجية الإمارات للطاقة 2050.
وأضاف: مع اكتمال تشغيل المحطات الأربع بكامل طاقتها، نمضي قدماً في توفير مزيج طاقة موثوق ومستدام وصديق للبيئة للأجيال القادمة، حيث تؤدي المحطات دوراً حاسماً في تحقيق التوازن من خلال تسريع دمج المصادر المتجددة في مزيج الطاقة ليصبح أكثر استدامة، ويدعم النمو الاقتصادي، ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة والشاملة خلال الفترة المقبلة.
أمن الطاقة
وأكد الدكتور علي سعيد العامري رئيس مجلس إدارة مجموعة شموخ أن مشروع «براكة» يعد بمثابة خطوة كبرى نحو تعزيز أمن الطاقة وحماية البيئة، مشيراً إلى أن الإمارات أرست نموذجاً عالمياً يحتذى به في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة.
وأشار العامري إلى العوائد الاقتصادية المتعددة للمشروع، ومن بينها انخفاض استهلاك الغاز الطبيعي لمستوى ما قبل 13 عاماً، فضلاً عن منح عقود للشركات المحلية العاملة بالمشروع تجاوزت قيمتها 22.5 مليار درهم، ما أسهم في تعزيز القيمة المحلية المضافة.
وتنتج محطات براكة اليوم ربع احتياجات دولة الإمارات من الكهرباء على نحو موثوق وفعال، مما يوفر إمدادات مستقرة من الطاقة لمدة 60 عاماً، ويحد من تقلبات الأسعار، وبالتالي فإن ذلك يعد منصة مهمة لمنتجي الطاقة في دولة الإمارات لبناء خططهم المستقبلية، وهو ما يسلط الضوء على إحدى الفوائد الرئيسة لمحطات الطاقة النووية الحديثة.
إنجاز إماراتي
بدوره، قال محمد بن شبيب الظاهري الرئيس التنفيذي لمجموعة يونيفرسال القابضة، بدء التشغيل التجاري للمحطة الرابعة في براكة، وبذلك تكون هذه هي المرة الأولى التي تعمل فيها المحطات الأربع بشكل كامل، يمثل إنجازاً إماراتياً تاريخياً ويمثل لحظة مهمة لتعزيز أمن الطاقة والاستدامة، مع توفير كهرباء نظيفة وآمنة ووفيرة للدولة.
وأكد أن الإمارات حققت تقدماً ملحوظاً لضمان أمن الطاقة والاستدامة، مع التشغيل التجاري لمحطات براكة الأربع، ما يسهم في تحقيق أهداف الإمارات بالوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050، ما يسهم في ضمان أمن الطاقة المستدامة للأجيال الحالية والقادمة.
ويأتي اكتمال التشغيل التجاري لمحطات براكة الأربع، وسط تنامي الإدراك العالمي للدور المحوري للطاقة النووية في خفض البصمة الكربونية لأنظمة الطاقة وتحقيق الحياد المناخي، ولاسيما أن وكالة الطاقة الدولية ترجح ارتفاع الطلب العالمي على الكهرباء بمعدل أسرع على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وبما يصل إلى 3.4% سنوياً حتى عام 2026.
تنويع المصادر
من جهته، أكد رجل الأعمال، الدكتور مبارك حمد العامري، أن إضافة الطاقة النووية إلى مزيج الطاقة في الدولة إلى جانب المصادر المتجددة يعزز أمن الطاقة ويرسخ الدور الريادي للدولة فيما يتعلق بتنويع مصادر الطاقة.
ويتصف مشروع محطات براكة، بأنه أحد أنجح مشاريع الطاقة النووية الجديدة في السنوات الثلاثين الماضية، فهو نموذج عالمي في إدارة المشاريع النووية، كما يعد مرجعاً لجميع الدول التي تسعى لتطوير مشاريع طاقة نووية سلمية، ويؤكد مشروع محطات براكة التزام دولة الإمارات بأعلى معايير السلامة والأمن والشفافية.
وخضعت محطات براكة وفرق العمل لـ496 عملية تفتيش من قبل الهيئة الاتحادية للرقابة النووية، و84 مراجعة من قبل المنظمة الدولية للمشغلين النوويين، و15 مهمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يدل على الالتزام بأعلى المعايير والتميز التشغيلي، وفقًا للوائح المحلية ومعايير السلامة العالمية.
وأكد العامري أهمية المشروع في تكريس مكانة الإمارات الرائدة بقطاع الطاقة العالمي، ودورها في نشر حلول الاستدامة والطاقة النظيفة عالمياً.
وأسهمت محطات براكة في تطوير قطاع متقدم وجديد في دولة الإمارات، وتعزيز الدراسات المحلية في العلوم النووية، إلى جانب توفير فرص تعليمية وتدريبية للشباب الإماراتي، حيث شارك في تطوير المحطات حتى الآن أكثر من 2000 من الكفاءات الإماراتية.
الحياد المناخي
بدوره، أشار رجل الأعمال سعيد سلطان بن راشد الظاهري إلى أهمية مشروع براكة في تحقيق أهدف الحياد المناخي بالإمارات، ما يؤكد المكانة الرائدة للدولة في دعم الجهود العالمية لمواجهة تحديات المناخ، لاسيما بعد «كوب 28».
ويعزز مشروع «براكة» مكانة الإمارات فيما يخص الجهود الرامية إلى مضاعفة الطاقة النووية ثلاث مرات، وهو ما سيكون ضرورياً لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء النظيفة، الناتج عن النمو المستمر في مجال الذكاء الاصطناعي والبنية الأساسية لمراكز البيانات المطلوبة للذكاء الاصطناعي، إلى جانب مرافق أشباه الموصلات.
وأكد الظاهري أن تشغيل محطات براكة الأربع، يمثل نقلة نوعية في مسيرة تنويع مصادر الطاقة، ما يعزز من النمو الاقتصادي، ويدعم التنمية المستدامة والشاملة بالدولة.
ويتصف مشروع محطات براكة، بأنه أحد أنجح مشاريع الطاقة النووية الجديدة في السنوات الثلاثين الماضية، فهو نموذج عالمي في إدارة المشاريع النووية، كما يعد مرجعاً لجميع الدول التي تسعى لتطوير مشاريع طاقة نووية سلمية، ويؤكد مشروع محطات براكة التزام دولة الإمارات بأعلى معايير السلامة والأمن والشفافية.
نموذج عالمي
ومن جانبه، قال بدر فارس الهلالي، رئيس مجلس إدارة مجموعة الإمارات للصناعات والخدمات، إن الإمارات قدمت نموذجاً عالمياً يحتذى به فيما يتعلق بتسريع الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة، ما يكرس المكانة الرائدة للدولة في دعم الجهود العالمية لنشر حلول الاستدامة ومواجهة تحديات المناخ.
وتعد محطات براكة اليوم أكبر مسهم في خفض البصمة الكربونية في دولة الإمارات، وتعكس التزام الدولة بالحد من الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2030، حيث تنتج محطات براكة كهرباء آمنة ونظيفة وموثوقة على مدار الساعة، وتدعم النمو الاجتماعي والاقتصادي لدولتنا إلى جانب مواجهة التغير المناخي.
وأشار الهلالي إلى أهمية مشروع «براكة» في خفض البصمة الكربونية للصناعات الثقيلة والقطاعات التي يصعب خفض انبعاثاتها الكربونية، ما يعزز مكانة دولة الإمارات الريادية في مجال التكنولوجيا المتقدمة وحلول الطاقة المستدامة.
وتقوم محطات براكة بدور رئيس في مساعدة الشركات الإماراتية على خفض بصمتها الكربونية، ولاسيما أن 85% من الكهرباء في برنامج شهادات الطاقة النظيفة التابعة لشركة الإمارات للمياه والكهرباء تُنتجها محطات براكة، والتي تستخدمها شركات مثل «أدنوك» و«الإمارات العالمية للألمنيوم» و«حديد الإمارات أركان» لإنتاج منتجات صديقة للبيئة يمكن بيعها بأسعار تنافسية للشركات التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: النمو الاقتصادي براكة الطاقة النظيفة مشروع براكة للطاقة النووية الطاقة النووية الإمارات محطات براكة محطة براكة محطة براكة للطاقة النووية علي العامري مبارك العامري سعيد الظاهري التنمية المستدامة محمد الظاهري أحمد الرميثي فی خفض البصمة الکربونیة التشغیل التجاری للطاقة النوویة الطاقة النظیفة الحیاد المناخی الطاقة النوویة دولة الإمارات مصادر الطاقة من الکهرباء أمن الطاقة من الطاقة الطاقة فی فی تحقیق إلى جانب وهو ما
إقرأ أيضاً:
80 عاماً من الطاقة النووية.. حلمٌ مصري يتحقق عبر شراكة استراتيجية مع روسيا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
على مر التاريخ تقف الأمم شامخة على ركائز المعرفة والتقدم التي تشيدها واليوم تحتفل الصناعة النووية الروسية بمرور ثمانين عاماً على نشأة فكرتها وتطبيقها السلمي في أنحاء العالم. وعلى امتداد هذه المسيرة العريقة، تتشارك مصر وروسيا قصة شراكة استراتيجية استثنائية توحد حضارتين عريقتين، أثمرت عن إنجازات تتوجها الشراكة المتميزة بين مصر وعملاق الطاقة النووية الروسي "روساتوم".
برؤية طموحة واستشراف للمستقبل خطت مصر أولى خطواتها في مجال الطاقة النووية عام 1955 بتأسيس لجنة الطاقة الذرية المصرية وانطلقت هذه المبادرة برؤية واضحة لتوظيف الطاقة النووية في الأغراض السلمية خاصة في مجالات الطب والزراعة والصناعة، مما جعل مصر من أوائل الدول في منطقة الشرق الأوسط التي أدركت مبكراً الدور الحيوي للطاقة النووية في دعم مسيرة التنمية والتقدم.
وسرعان ما عززت مصر التزامها بهذا المسار فأنشأت عام 1957 هيئة الطاقة الذرية المصرية بقرار جمهوري لتكون تحت الإشراف المباشر لرئاسة الجمهورية ما يعكس الأهمية الاستراتيجية لهذا القطاع وقد لعبت روسيا دوراً محورياً في دعم مسيرة مصر النووية حيث بادرت موسكو بتشييد أول مفاعل بحثي في مصر مع تدريب الكوادر الفنية المؤهلة لتشغيله. وتوجت هذه الجهود ببناء أول مفاعل بحثي مصري (ETRR-1) عام 1961، وهو مفاعل من نوع “خزان الماء الخفيف” (WWR) بقدرة 2 ميجاوات، في مدينة إنشاص، معلناً انطلاق عصر البحث العلمي النووي في مصر.
وفي عام 1964 أسست مصر قسم الهندسة النووية بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية، ليكون أحد أبرز ثمار التعاون المصري-الروسي في تلك المرحلة وذلك بهدف إعداد قاعدة علمية وتقنية راسخة لتطوير التطبيقات السلمية للطاقة النووية وقد وُكل إلى هذا القسم إعداد الطلاب بالمعارف والمهارات المتقدمة في تصميم وتشغيل وصيانة المفاعلات النووية، إضافة إلى تطبيقات الطاقة النووية في مجالات الطب والصناعة والزراعة.
وأصبح هذا القسم ركيزة أساسية في إعداد نخبة من مهندسي الطاقة النووية المصريين الذين تولوا مهام تشغيل مفاعل إنشاص البحثي وشكل العديد منهم العمود الفقري للكوادر الفنية التي تقود مشاريع مصر النووية المستقبلية، بما في ذلك مشروع محطة الضبعة النووية اليوم.
وفي ذات السياق شهدت فترة الستينيات والسبعينيات ذروة التعاون المصري-الروسي في العديد من القطاعات الحيوية، حيث ساهم الخبراء الروس في بناء السد العالي بأسوان، إلى جانب التعاون في إنشاء مجمع الحديد والصلب في حلوان، والمجمع الألومنيوم في نجع حمادي. وفي إطار هذه الشراكة الواسعة، كان تطوير القدرات النووية المصرية جزءاً من رؤية استراتيجية أشمل لتحقيق الاستقلال العلمي والتكنولوجي وتعزيز التنمية المستدامة. وقد ساهمت هذه الجهود بشكل مباشر في الارتقاء بمستوى التعليم الأكاديمي والبحث العلمي في مصر والمنطقة العربية.
وقد عزز التعاون مع روسيا قدرات مصر النووية بشكل ملحوظ، ومهد الطريق لمشاريع مستقبلية كبرى، على رأسها محطة الضبعة للطاقة النووية. واليوم، تواصل مصر مسيرتها في مجال الطاقة النووية، مستندة إلى عقود طويلة من الخبرة في حلول الطاقة النظيفة والمستدامة.
وعلى مدار العقود الماضية، تلقى مئات من المهندسين والعلماء المصريين تدريبات مكثفة على أيدي خبراء روس. وقد توسع هذا التعاون مؤخراً ليشمل توقيع اتفاقية بين مصنع نوفوسيبيرسك للمركزات الكيميائية (التابع لشركة TVEL للوقود، إحدى شركات روساتوم) وهيئة الطاقة الذرية المصرية، لتوريد مكونات الوقود النووي منخفض التخصيب للمفاعل البحثي المصري الثاني (ETRR-2)، الذي يستخدم في أبحاث فيزياء الجسيمات وعلوم المواد، وإنتاج النظائر المشعة.
واليوم، تُعد مؤسسة “روساتوم” الحكومية للطاقة النووية أحد أبرز الشركاء الاستراتيجيين لمصر في مسيرتها النووية. وقد تأسست روساتوم عام 2007 ككيان موحد للصناعة النووية في روسيا، وأصبحت واحدة من كبرى الشركات العالمية في هذا المجال، حيث تقوم حالياً بتنفيذ 39 وحدة طاقة نووية (منها ست وحدات مفاعلات معيارية صغيرة) في عشر دول حول العالم. كما قادت روساتوم عدة مشاريع رائدة، منها “الأكاديمي لومونوسوف”، أول محطة طاقة نووية عائمة في العالم، ومفاعل BN-800 للنيوترونات السريعة في محطة بيلويارسك للطاقة النووية، وهو أول مفاعل في العالم يعمل بوقود أكسيد مختلط (MOX)، مما يمثل خطوة متقدمة نحو تحقيق دورة وقود نووية مغلقة. ومؤخراً، أطلقت روساتوم وحدة تصنيع وإعادة تصنيع الوقود لمفاعل BREST-OD-300 في إطار مشروع “الاختراق” (Breakthrough)، ما يعد إنجازاً مهماً على طريق أنظمة الجيل الرابع من الطاقة النووية. وتعكس هذه النجاحات التزام روساتوم الراسخ بالابتكار والاستدامة في قطاع الطاقة النووية.
وقد شكل توقيع الاتفاقية التاريخية عام 2015 لبناء محطة الضبعة للطاقة النووية نقطة تحول رئيسية في العلاقات النووية المصرية-الروسية، مُجسداً تتويجاً لعقود طويلة من السعي المصري الحثيث نحو امتلاك برنامج نووي سلمي. ما بدأ كحلم في أواخر السبعينيات أصبح اليوم واقعاً ملموساً، بفضل التعاون الوثيق بين مصر وروسيا. وقد وفرت روساتوم لمصر خبرات تكنولوجية واسعة وشراكات تقنية رفيعة المستوى، شملت تدريب الكوادر المصرية ونقل المعرفة والتكنولوجيا اللازمة لتطوير صناعة نووية وطنية مستدامة. وتشمل الاتفاقية أيضاً توفير الوقود النووي طيلة عمر المحطة، بالإضافة إلى إدارة النفايات المشعة، بما يضمن استدامة البرنامج النووي المصري على المدى الطويل.
واليوم، تقف محطة الضبعة للطاقة النووية شامخة على ساحل البحر المتوسط المصري، كمَعلم علمي وتقني يُجسد تطلعات وآمال أمة بأكملها. وستضم المحطة أربع وحدات مفاعلات مياه مضغوطة من طراز VVER-1200 روسية التصميم، بقدرة إجمالية تبلغ 4800 ميغاوات، مما سيضيف بُعداً جديداً لمزيج الطاقة المصري.
ولم يكن اختيار التكنولوجيا الروسية محض صدفة، بل جاء بعد دراسات جدوى دقيقة وشاملة، توصلت إلى اختيار مفاعلات من الجيل الثالث المتقدم، مع التركيز على معايير الأمان والموثوقية لضمان تشغيل آمن ومستدام لعقود قادمة. وتلتزم مفاعلات VVER-1200 من روساتوم بأحدث المعايير الدولية للسلامة، حيث تضم أنظمة أمان فعالة وسلبية متعددة لمواجهة أي طوارئ محتملة.
ويمثل مشروع الضبعة النووي ركيزة أساسية في استراتيجية التنمية المستدامة لمصر، ويوفر فوائد متعددة الأبعاد:
- تنويع مصادر الطاقة: يوفر خياراً مستداماً لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
- خفض الانبعاثات الكربونية: يساهم كمصدر طاقة نظيف خالٍ من الانبعاثات الكربونية في مكافحة التغير المناخي، ودعم الجهود الدولية لحماية البيئة.
- تحقيق التنمية الاقتصادية: أدى المشروع إلى تحفيز النمو الاقتصادي في منطقة الضبعة، مع تنشيط الأنشطة التجارية وتشجيع ريادة الأعمال المحلية، بما ينعكس إيجاباً على مستوى المعيشة.
- توفير فرص العمل: يعمل حالياً نحو 20,000 عامل في مرحلة البناء، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 35,000 بحلول عام 2026-2027، مع نسبة مشاركة مصرية تصل إلى 70%. وستوفر المحطة بعد تشغيلها نحو 4,000 وظيفة دائمة للمهندسين والعلماء والمتخصصين طوال فترة تشغيلها البالغة 60 عاماً.
- تعزيز نسب التصنيع المحلي: تم الاتفاق على تحقيق نسبة مشاركة محلية لا تقل عن 20% في الوحدة الأولى، ترتفع تدريجياً لتصل إلى 35% في الوحدة الرابعة، مع التأكيد على دمج الشركات المصرية في سلسلة التوريد، وتدريب الكوادر الوطنية وفق أعلى المعايير العالمية.
- نقل المعرفة والتدريب: تقدم روساتوم برامج تدريبية متخصصة للكوادر المصرية في جامعاتها ومراكزها البحثية، ما يسهم في بناء قاعدة علمية متينة لصناعة نووية وطنية، ويفتح المجال أمام مصر لتصدير خبراتها النووية إلى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.
ولا يقتصر التعاون المصري-الروسي على الطاقة النووية فحسب، بل يمتد إلى مجالات الصناعة والطب والتكنولوجيا. وتوفر روساتوم منتجات متقدمة تدعم مسيرة التنمية الصناعية والتكنولوجية في مصر، من بينها جهاز “تيانوكس” لإنتاج وتوصيل أكسيد النيتريك مباشرة إلى الجهاز التنفسي للمريض، مع التحكم الدقيق بتركيز الغاز لضمان جرعات آمنة، خاصةً للأطفال حديثي الولادة، إضافة إلى استخداماته في علاج أمراض الرئة، والتعافي بعد جراحات القلب، وزراعة الأعضاء، والتأهيل الطبي.
وعلى الصعيد العالمي، تلعب روساتوم دوراً محورياً في تطوير الطب النووي عبر ذراعها المتخصص في قطاع الرعاية الصحية، حيث تقدم حلولاً متكاملة تشمل إنتاج النظائر المشعة والعقاقير الإشعاعية، وتصنيع المعدات التشخيصية والعلاجية المتقدمة. كما تنفذ الشركة حالياً مشروع بناء أكبر منشأة في أوروبا لإنتاج العقاقير الإشعاعية، ما سيسهم بشكل كبير في تلبية الطلب العالمي على هذه التقنيات الحيوية.
وهكذا، وبعد ثمانية عقود من الابتكار والتعاون، تواصل مصر وروسيا كتابة فصل جديد في شراكتهما الاستراتيجية في المجال النووي. وإنجازات مشروع الضبعة ليست مجرد إنجاز تقني، بل تجسيد لحلم طال انتظاره، يعكس إرادة الشعوب وطموحات الأجيال نحو مستقبل قائم على المعرفة والتنمية المستدامة. وبينما تمضي هذه الشراكة قدماً بثقة، تواصل مصر تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية كمركز للتميز في الطاقة النووية، بدعم من خبرات روساتوم وقيادتها العالمية في هذا القطاع الحيوي.