د. عبد المنعم مختار

أستاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية

تم إعداد هذا المقال بمساعدة فعالة من برنامج الذكاء الاصطناعي Chat GPT-4

### مقدمة:

في المشهد السياسي السوداني، الذي أنهكته الحروب الأهلية المتكررة والانقلابات العسكرية المتلاحقة، يقف السودان اليوم على مفترق طرق تاريخي بمعنى الكلمة.

إن الوضع الراهن ينذر بأن الانتقال المدني والتحول الديمقراطي التالي للحرب الأهلية الجارية قد يكون الفرصة الأخيرة للحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها. إن فشل هذا الانتقال، أو حتى مجرد اهتزازه، قد يقود إلى تقسيم الدولة وتشتيت الشعب. لذلك، لا يحتمل السودان المزيد من الأخطاء أو الصراعات؛ وعلى جميع القوى المدنية والعسكرية، وخاصة تلك التي تتحلى بالحكمة والوطنية، أن تتخلى عن النزاعات غير المجدية وتعمل بجدية من أجل استقرار البلاد، متذكرةً مقولة الفيلسوف توماس هوبز: "الحياة بدون مجتمع ستكون بائسة ووحشية وقصيرة".

عانت الفترة الانتقالية السابقة من تحديات كبيرة، تراكمت من إرث حكم الجبهة القومية الإسلامية ومن صراعات مفتعلة من قوى الثورة المضادة، سواء كانت عسكرية أو مدنية. ومع ذلك، كان الصراع الأساسي بين تيارات الثورة السودانية بين قوى الحرية والتغيير وقوى التغيير الجذري حول مستقبل السودان، وهو صراع يمكن، بل ويجب معالجته، لأن تجاهله يهدد بمزيد من الفوضى.

السودان اليوم يقف أمام لحظة حاسمة، حيث يتطلب الأمر من جميع الأطراف التخلي عن المصالح الضيقة والعمل معًا من أجل المصلحة الوطنية. الصراع بين قوى الحرية والتغيير وقوى التغيير الجذري ليس مجرد معضلة سياسية، بل هو اختبار لإرادة وقدرة السودان على تحقيق تغيير مستقر ومستدام، إما من خلال التعاون والتوافق، أو مواجهة كارثية قد تغرق البلاد في الفوضى. لقد آن الأوان للقيادات الحكيمة أن تتخذ قرارات شجاعة، كما قال نيلسون مانديلا: "القيادة تعني أن تكون جسورًا عندما يخشى الآخرون".

### شرح معضلة السجين

**معضلة السجين** هي واحدة من أكثر المسائل شهرة في **نظرية اللعبة**، وهي فرع من الرياضيات يدرس سلوك الأفراد أو الجماعات في مواقف التنافس أو التعاون.

### تعريف معضلة السجين:

تُصوّر معضلة السجين موقفًا افتراضيًا يتورط فيه شخصان (عادةً يُطلق عليهما "السجين الأول" و"السجين الثاني") في جريمة، ويُحتجز كل منهما في زنزانة منفصلة دون وسيلة للتواصل مع الآخر. يُعرض على كل منهما خياران:

1. **الخيانة (الاعتراف):** إذا خان أحد السجينين شريكه (أي اعترف بالجريمة وألقى باللوم على الآخر)، بينما يلتزم الآخر بالصمت، فإن الخائن يطلق سراحه ويُعاقب الآخر بعقوبة شديدة (مثلاً 10 سنوات).

2. **الصمت (عدم الاعتراف):** إذا ظل كلا السجينين صامتين، فسوف يعاقبان بعقوبة خفيفة على جريمة أقل (مثلاً 1 سنة لكل منهما).

3. **الخيانة المتبادلة:** إذا اعترف كلا السجينين، فإنهما سيعاقبان بعقوبة متوسطة (مثلاً 5 سنوات لكل منهما).

### السيناريوهات الممكنة:

- **إذا خان السجين الأول وظل السجين الثاني صامتًا:** السجين الأول يخرج حرًا، والسجين الثاني يُعاقب بعقوبة شديدة (10 سنوات).
- **إذا خان السجين الثاني وظل السجين الأول صامتًا:** السجين الثاني يخرج حرًا، والسجين الأول يُعاقب بعقوبة شديدة (10 سنوات).
- **إذا خان كلا السجينين:** يُعاقب كلاهما بعقوبة متوسطة (5 سنوات لكل منهما).
- **إذا ظل كلا السجينين صامتين:** يُعاقب كلاهما بعقوبة خفيفة (1 سنة لكل منهما).

### التحليل:

معضلة السجين تُظهر تعارضًا بين المصلحة الفردية والجماعية. وفقًا لتحليل نظرية اللعبة، الخيار الأفضل لكل سجين على المستوى الفردي (دون معرفة قرار الآخر) هو أن يخون شريكه، لأنه في كل الأحوال يحصل على عقوبة أقل أو يُطلق سراحه. لكن إذا اتبع كلاهما هذا المنطق، ينتهي بهما المطاف بعقوبة متوسطة (5 سنوات)، وهي أسوأ من العقوبة الخفيفة (1 سنة) التي كانا سيحصلان عليها إذا تعاونا (ظلّا صامتين).

### الاستنتاج:

معضلة السجين تبرز أهمية التعاون والثقة في المواقف التي تتضمن تفاعلًا بين الأفراد أو المجموعات. ورغم أن الاستراتيجية الأنانية قد تبدو مغرية، إلا أن التعاون غالبًا ما يؤدي إلى نتائج أفضل للطرفين. تُستخدم معضلة السجين في العديد من المجالات، مثل الاقتصاد والسياسة وعلم الاجتماع، لفهم سلوك الأفراد والجماعات في مواقف معينة.

*تطبيق معضلة السجين على قوى الحرية والتغيير وقوى التغيير الجذري في السودان*

لتطبيق **معضلة السجين** على الوضع السياسي في السودان بين قوى الحرية والتغيير وقوى التغيير الجذري، يمكننا تصوير العلاقة بين هذه القوى على أنها تشبه وضع السجينين في معضلة السجين، حيث كل قوة لديها خياران: التعاون أو المواجهة.

### الأطراف:
- **قوى الحرية والتغيير :** تمثل القوى التي تسعى إلى تحقيق تغيير تدريجي وإصلاحات من خلال التفاوض والمشاركة في العملية السياسية القائمة.
- **قوى التغيير الجذري:** تمثل القوى التي تسعى إلى تحقيق تغيير شامل وجذري في النظام السياسي والاجتماعي، قد يتطلب استخدام وسائل أكثر حدة مثل الاحتجاجات أو حتى التمرد.

### السيناريوهات الممكنة:

1. **تعاون قوى الحرية والتغيير وقوى التغيير الجذري:**
- إذا اختارت كلتا القوتين التعاون، يمكن تحقيق استقرار نسبي وتغيير سياسي تدريجي. قوى التغيير الجذري قد تقبل بتنازلات محددة مقابل بعض الإصلاحات، في حين أن قوى الحرية والتغيير قد تستفيد من إشراك الأطراف الراديكالية في العملية السياسية.
- **النتيجة:** تقدم بطيء لكن مستقر نحو تحقيق تغيير، مع تجنب العنف والمواجهة المباشرة. هذه الحالة تشبه ما يحدث في معضلة السجين عندما يظل الطرفان صامتين ويتلقيان عقوبة خفيفة.

2. **خيانة قوى الحرية والتغيير وقوى التغيير الجذري (المواجهة المتبادلة):**
- إذا اختارت كلتا القوتين المواجهة، ستؤدي المواجهة إلى مزيد من العنف وعدم الاستقرار. قوى التغيير الجذري قد تدفع باتجاه احتجاجات واسعة أو حتى تمرد مسلح، في حين أن قوى الحرية والتغيير قد تحاول قمع هذه التحركات أو تحييدها.
- **النتيجة:** تكاليف باهظة للطرفين، مثل مزيد من الانقسام الاجتماعي، والاقتصاد المنهار، وربما حتى التدخلات الخارجية. هذا يشبه ما يحدث في معضلة السجين عندما يخون كلا السجينين بعضهما البعض وينتهي بهما الأمر بعقوبة متوسطة (5 سنوات).

3. **خيانة طرف واحد والتعاون من الطرف الآخر:**
- إذا اختارت قوى الحرية والتغيير التعاون، بينما اختارت قوى التغيير الجذري المواجهة، فقد تستغل قوى التغيير الجذري هذه الموقف للضغط من أجل تغييرات أوسع أو حتى الإطاحة بالنظام الحالي.
- على الجانب الآخر، إذا اختارت قوى التغيير الجذري التعاون، بينما خانتها قوى الحرية والتغيير (من خلال تقديم وعود بالإصلاحات ثم التنصل منها أو قمع المعارضة)، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض ثقة الأطراف الراديكالية في أي عملية سياسية مستقبلية.
- **النتيجة:** في كلا الحالتين، الطرف الذي يختار التعاون سيتعرض للخسارة، بينما يستفيد الطرف الآخر على المدى القصير، لكنه قد يؤدي إلى تصاعد الصراع على المدى الطويل.

### الاستنتاج:
وفقًا لمعضلة السجين، الخيار "الأناني" لكل طرف هو المواجهة، حيث يعتقد كل طرف أنه يمكنه تحقيق أهدافه على حساب الآخر. ومع ذلك، إذا اختار الطرفان المواجهة، ستكون النتيجة سلبية للجميع (عدم استقرار مستمر، فقدان أرواح، انهيار اقتصادي). بينما إذا اختارا التعاون، فإنهما قد يحققان نتائج أفضل للطرفين على المدى الطويل.

في سياق السودان، تطبيق معضلة السجين يظهر أهمية التفاوض والتعاون بين قوى الحرية والتغيير وقوى التغيير الجذري لتجنب سيناريوهات التصعيد التي يمكن أن تؤدي إلى نتائج كارثية على البلد ككل.

### خاتمة:

في ظل الحرب الأهلية المستمرة منذ أبريل 2023، يمر السودان بمرحلة دقيقة تتطلب من قوى الحرية والتغيير وقوى التغيير الجذري النظر بعمق في عواقب صراعاتهم. توضح هذه الأزمة أهمية التعاون والتسوية بين القوى المدنية كوسيلة أساسية لوقف الحرب وتجنب المزيد من الفوضى. استمرار النزاع دون التوصل إلى حلول وسطية سيؤدي إلى معاناة واسعة لن يدفع ثمنها فقط القادة السياسيون، بل جميع المواطنين السودانيين. التاريخ لن يرحم من يختار المواجهة على حساب مصلحة الأمة، والسودان بعد انتهاء الحرب يشبه برميل بارود ينتظر الشرارة الأخيرة.

آن الأوان لقيادات قوى الحرية والتغيير وقوى التغيير الجذري أن تتخذ قرارات جريئة وشجاعة لبدء حوار جاد وحقيقي من أجل مستقبل السودان. فهل ستتمكن القوى السياسية من التعاون وإيجاد حلول سلمية، أم أن الصراع والتوتر سيستمران في السيطرة على الوضع؟ الزمن وحده سيكشف ذلك، ولكن السودان لا يمكنه الانتظار.

في نهاية المطاف، يواجه السودان معضلات سياسية تشبه معضلة السجين، حيث يشكل الصراع بين قوى الحرية والتغيير وقوى التغيير الجذري تهديدًا خطيرًا على مستقبل البلاد. يتطلب هذا التحدي حلولًا مبتكرة وقرارات استراتيجية حكيمة. كما قال الفيلسوف الصيني لاوتزه: "أفضل القادة هم أولئك الذين لا يظهرون." إن التعاون والتراجع التكتيكي وإدارة التنافس بشكل معقول ليست فقط سبلًا لتحقيق الاستقرار، بل هي أيضًا مفتاح لبناء وطن يعم فيه السلام والكرامة. مصير السودان يعتمد على قدرة قواه السياسية على تجاوز خلافاتها والعمل معًا من أجل مستقبل أفضل.

moniem.mukhtar@googlemail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوى التغییر الجذری تحقیق تغییر لکل منهما ا السجین السجین ا کل منهما إذا خان من أجل أو حتى ی عاقب

إقرأ أيضاً:

حرب كلامية بين فلاته والزلال حول معضلة الـ16 نقطة بين الهلال والاتحاد.. فيديو

ماجد محمد

اشتعلت حدة المنافسة بين ناديي الاتحاد والهلال، حيث أثار الإعلاميان الرياضيان عبدالله فلاته وعبدالعزيز الزلال، الجدل حول فارق الـ16 نقطة الذي كان بين الفريقين في الموسم الماضي.

وقال فلاته في تصريحات له: “أوقفوا كذبة الـ 16 نقطة التي كانت بين الاتحاد والهلال في الموسم الماضي.

وأضاف :” عشان الناس تعرف حقيقة الـ 16 نقطة، أن الهلال وقتها كان له مؤجلات بجانب حصل للاتحاد أمور تعجيزية، غير كد كل الكلام كدب.”

من جانبه، الناقد الرياضي رد الزلال على تصريحات فلاته قائلاً: “أنتم في الاتحاد تنكرون دايماً، مثل سالفة الدعم وأنتم أكثر فريق قام بشراء اللاعبين، وغير الدعم اشتروا لكم لاعيبة على أعلى مستوى.”

وعاد فلاته مجدداً ليرد على الزلال قائلاً: “في هلالي يكلم اتحادي عن الدعم؟ شيء غريب.”

https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/02/ssstwitter.com_1739695652813.mp4

مقالات مشابهة

  • حرب كلامية بين فلاته والزلال حول معضلة الـ16 نقطة بين الهلال والاتحاد.. فيديو
  • معضلة خلافة خامنئي في إيران.. هل يكون المرشد الأعلى القادم هو الأخير؟
  • «التنمية المحلية» توقع 4 بروتوكولات للتعاون مع التحالف الوطني للعمل الأهلي
  • السودان وموريتانيا يبحثان تفعيل إتفاقية التعاون المشترك
  • معضلة ملكية أم تهديد للاستقرار؟ لماذا رفض الأردن خطة ترامب بشأن غزة؟
  • وزارة الانتقال الرقمي تعدل توقيت العمل في رمضان لتسهيل صلاة الجمعة
  • وزير الخارجية: تعزيز التعاون مع رومانيا لتأمين استمرارية واردات الحبوب المصرية
  • نائب وزير الإسكان يتابع مجالات التعاون مع ممثلة الوكالة الألمانية للتعاون الدولي
  • ألم الالتزام والتغيير.. رحلة التحوّل العميقة!
  • الإمارات توقع اتفاقية للتعاون المالي مع السعودية