أنا من غامبيا وأنا مسلم بفضل الله تعالى أسأل عن القرآن الكريم إذا كان مكتوبا بلغة غير عربية، ونحن أحيانا نواجه صعوبة في قراءة القرآن الكريم بغير اللغة العربية لكون القراءة شاقة فأنا أصم، فأسأل عن قراءة القرآن بغير العربية في الصلاة وخارج الصلاة هل له أجر قراءة القرآن نفسه بالعربية؟

حيّاه الله وبارك الله فيه وفي كل إخوانه في غامبيا نسأل الله سبحانه وتعالى لهم الخير والهدى والرشد وأن يجمعنا وإياهم دائما على طاعته، والحقيقة أن هذا التنوع وهذه الأسئلة من مختلف الأقطار الإسلامية تبعث على الاستبشار نسأل الله سبحانه وتعالى أن يؤلف بين قلوب المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها دائما، أما ما طرحه فهنا مسألتان المسألة الأولى تتعلق بقراءة القرآن بغير العربية في الصلاة والمسألة الثانية القراءة خارج الصلاة، أما في الصلاة فلا يباح لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين، وهو قرآن لفظا ومعنى ورسما، فبهذا هو قرآن، وهذا مما نبه عليه أهل العلم قديما، فعلماء القراءات وعلماء الرسم وعلماء القرآن وفقهاء الشريعة ينصون على أن القرآن الكريم يصدق على اللفظ والمعنى، حينما يتحدثون عن اللفظ فإنهم يتحدثون عن الرسم وأنه بحرف عربي وعن المعاني التي يشتمل عليها، فلو افترضنا جدلا أن هذه المعاني التي يشتمل عليها يمكن أن تؤدى بلغة أخرى تفسيرا وبيانا وترجمة فإن هذا الشيء الآخر ليس بقرآن.

إذن القرآن هو ما يوجد بين دفتي المصحف هو كلام الله تبارك وتعالى الموحى به إلى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، المتعبد بتلاوته المنقول عنه تواترا، هذا هو القرآن الكريم، كل ما سوى هذا ليس بقرآن، فلا تصح تلاوة ما سوى القرآن الكريم في الصلاة، ولذلك شددوا في أمر المصلي إذ عليه أن يتعلم ما يحسن به صلاته، والآن الذين يتحدثون لغة الإشارة هذا يعني أن عليهم أن يتعلموا إشارات قراءة الفاتحة ولو مع الفاتحة شيئا من قصار السور، باللغة التي تترجم التي تنقل النص العربي للقرآن الكريم لا ما سواه.

يرخص في المسلم حديثا إلى حين أن يتعلم، واختلف هل يمكن أن يؤتى بما يفهم من لغته من القرآن أو أن يأتي بأذكار، لكن هذه المرحلة لا يصح أن تطول تحت كل الأقوال، لماذا هذه القضية ينظر إليها بقدر من الحزم، لأن هناك دعوات في غرب إفريقيا وأخونا من غامبيا أشار إليها لإحلال قراءة القرآن باللغات والألسن واللهجات الموجودة عندهم، وبدأت تنتشر، وتنبه لها دعاة الإسلام أنه يراد فصل المسلمين عن القرآن وعن لغة القرآن الكريم، ولذلك لا يتعامل مع هذه القضية بتساهل، يجب أن يتعامل معها بحزم، وقد صدر فيها قرار من مجمع الفقه الإسلامي في دورته الماضية الدورة الخامسة والعشرين، صدر فيها قرار يتفق مع ما تقدم.

أما خارج الصلاة فلأجل فهم المعاني وتعلم لغة القرآن الكريم فلا مانع أن يتعلم باللغة التي يفهمها، يريد أن يتعلم معاني القرآن الكريم لأجل الدراسة، وفهم المعاني فلا مانع من ذلك، على ألا يكون أيضا هذا الجهد آتيا على أن يحفظوا القرآن وأن يتعلموه بلغته العربية، وسبحان الله في هذا الاجتماع في دورة مجمع الفقه الإسلامي كان هناك علماء وفقهاء مشاركون من هذه البلدان الإسلامية في غرب إفريقيا وذكروا إحصائيات ودراسات إحصائية أن حفظ الذي يدخل في الإسلام حديثا لسور من القرآن الكريم الفاتحة وبعض السور القصار أو الآيات أسرع من حفظهم لترجمة هذه باللغات المحلية، وأن تلاوتهم حينما يتعلمون الحرف العربي أسرع وأسهل لهم حتى ولو نقل لفظ القرآن ولكن كتب بخطوط وبرسم اللغات المحلية، وهذه أيضا من الوسائل للاستدراج، فإن تعلمهم للغة العربية وإحسان تلاوتهم للقرآن الكريم تفوق كثيرا ما لو وجد هذا اللفظ لفظ القرآن الكريم مرسوما باللغة المحلية، ولذلك أيضا أيّدوا هذا القرار أو هذه الفتوى الشرعية الصادرة.

لكن في سياق التعلم والمدارسة وفهم المعاني لا مانع من أن يقرأ باللغة التي يفهمها، أن يقرأ التراجم باللغة التي يفهمها فالتراجم هي على الصحيح تفسير وشرح مختصر بلغة أخرى لمعاني كتاب الله عز وجل وهذا لا حرج فيه. والله تعالى أعلم.

سؤال يتعلق عن واقع الصم أنهم يعلمون يقينا بأن الله سبحانه وتعالى ما أنزل هذا القرآن إلا ليُتعلم ويُعمل به لكن أكثر الصم يجدون صعوبة في فهم النص القرآني، فهم لا يريدون ترك العمل عن قصد وعمد، ولكن بينهم وبين الوصول إلى هدايات القرآن ومعانيه حاجز اللغة، ولا يجدون من يعبر لهم عن هذه المعاني ويفوتهم كثير من الأحكام التي يدعو إليها القرآن الكريم، فهل إذا تعذر عليهم فهم آيات القرآن ومراشده يعذرون بذلك؟

لعل السائل يشير إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «من تعلم القرآن ثم نسيه، حشر يوم القيامة أجذم» فالحديث فيه وعيد لمن تعلم القرآن ثم نسيه، وهو يشير إلى أن ما هم عليه من حالة صحية تمنعهم من تذكر المعاني والأحكام التي يتعلمونها، وهم معذورون بذلك بل هم مأجورون بالمداومة على التعلم وبالحرص على عدم فوات ما تعلموه، هم مأجورون عند الله تبارك وتعالى لأنهم يبذلون جهدا أكبر، ولا يكلفون فوق ما يستطيعون وإنما في حدود ما يستطيعون فهمه واستيعابه، ثم في حدود ما يتمكنون من تذكره، وهم مأجورون عند الله تبارك وتعالى وهذا عمل مبرور، وإنما عليهم تعلم القرآن الكريم وأن يتعهدوه باستمرار ويداوموا عليه وألا يهجروه، وأن يبحثوا عن السبل والوسائل التي تعينهم على ضبط هذه المعاني التي فهموها وعلى تذكرها وحفظها والعمل بها وعلى تذاكرها فيما بينهم ولا يلزمهم فوق هذا، وهم بإذن الله تبارك وتعالى مأجورون على هذا السعي وهذا الجهد، وأنا على يقين أيضا أنهم سيكونون حريصين على تعهد كتاب الله عز وجل وسيجدون من الوسائل ما يعينهم على ذلك. والله تعالى أعلم.

شاب من ذوي إعاقة الصم دخل الإسلام حديثا ثم بسبب هذا القرار الذي يعد منعطفا في حياته فارق كثيرا من رفقائه وأصحابه السابقين الذين لا يوافقونه في الدين إلا أنه شعر بغربة ووحشة في وطنه بعد هذا القرار وبدأت وساوس الشيطان تحيط به في الخروج عن الإسلام لأنه لم يجد أعوانا على الثبات في دينه، فما نصيحتكم له؟

نسأل الله تعالى له الثبات والعون والهدى والسداد ونصيحتي له أولا حتى وإن لم يوجد من هم من الصم المسلمين من حوله

فليرتبط بشيء من المراكز الإسلامية الموجودة المعتدلة التي فيها دعاة صلحاء ولا يقطع نفسه عن إخوانه المسلمين، حتى وإن كانوا لا يحسنون لغة الإشارة فإن الظن بالمسلمين أنهم سيكونون حريصين على احتوائه خاصة في المراكز الإسلامية وفي المساجد الموجودة في ألمانيا وفي عموم أوروبا، فالظن أنهم سيؤدون واجبهم بالوقوف معه وبتثبيته وليسعى إلى إيجاد وسيلة للتخاطب معهم إذا كان يحسن الكتابة فليكتب، وليتواصل كذلك اليوم عبر منصات التواصل الاجتماعي مع المسلمين الذين يتقنون لغة الإشارة ليبث إليهم همومه

وليطرح معهم ما يجول في خاطره، وليتدارس معهم أحواله بما يعينه ويثبته، لكن لا يسلم نفسه إلى هذه الأفكار ولا أن ينعزل عن المسلمين حتى لا يرجع القهقرى كما أشار هو في سؤاله، هذا ابتلاء من الله تبارك و تعالى، والله عز وجل كما بيّن في كتابه الكريم قال «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ» فعلى المسلم أن يجتهد مهما كانت الظروف صعبة أمامه

ومهما اشتدت الأهوال، ومهما تنكر له الزمان عليه أن يحرص على الثبات على دينه، وأن يوجد الوسائل التي تعينه على ذلك،

ويجب عليه أن يسعى إلى إيجاد هذه الوسائل فليتواصل مع إخوانه، وليتواصل مع المراكز الإسلامية مع المساجد مع جماعة المسلمين ليتواصل عن طريق وسائل التواصل ومن خلال الشبكة العالمية للمعلومات مع سائر إخوانه المسلمين وهم موجودون بحمد الله تبارك وتعالى، تنشأ صلة وصداقات وأخوة فيما بينهم، ليجد معه درعا وردءا يعينه على الثبات على الإسلام وليتذكر أنه حينما دخل في هذا الدين فإنه دخل عن قناعة، لما وجده من إجابة عن أسئلة طرحها ما وجد لها إجابات مقنعة صحيحة، وليتذكر أنه اتخذ هذا القرار بناء على وعي وفهم وإدراك فلا ينبغي له أن يرجع عنه، عليه أن يحرص قدر المستطاع، ستكثر الفتن وستأتيه مغريات أيضا لكن عليه أن يثبت على دين الله تبارك وتعالى، وأن يصبر نفسه بالتواصل مع إخوانه المسلمين وإلحاق نفسه بهم والله تعالى الموفق.

وإذا كانت صلته بأسرته وبأصدقائه السابقين لا تؤثر على دينه، ولا تؤثر على ثباته على الإسلام، بل كان يمكن أن يؤثر هو فيهم فلا يقطع هذه الصلة، إذا كانوا لا يمسون دينه وإنما يريد أن يدخل معهم في شيء من الأحاديث العادية المباحة في هذا الدين من شأن أمور الحياة فهذا أيضا لا حرج فيه، لعله يكون سببا لهدايتهم، لكن دخوله في الدين لا يعني أن يقطع صلته مع أسرته و مع سابق أصدقائه إلا إذا خشي على دينه منهم فقط والله تعالى أعلم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الله تبارک وتعالى القرآن الکریم قراءة القرآن الله تبارک والله تعالى باللغة التی هذا القرار الله تعالى فی الصلاة أن یتعلم إذا کان علیه أن

إقرأ أيضاً:

المفتي: الإفتاء في الشأن العام يخضع لضوابط دقيقة أهمها الموازنة بين المصالح والمفاسد

شهد جناح دار الإفتاء المصرية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، اليوم الثلاثاء، ندوة هامة بعنوان "الفتوى والشأن العام".

التسامح والمحبة في جناح الأزهر.. شاب مسيحي يوزع كٌتيب لمفتي الجمهورية (فيديو) المفتي: وجود الله حقيقةٌ أزلية ثابتة لا يعتريها ريبٌ ولا تنال منها الظنون

جاء ذلك بحضور فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عيَّاد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- شارك فيها كلٌّ من: معالي فضيلة الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري -وزير الأوقاف- وفضيلة الأستاذ الدكتور عبد الله النجار -عضو مجمع البحوث الإسلامية- والدكتور مصطفى الفقي -المفكر السياسي- وقد شهدت الندوة حضورًا كبيرًا وزخمًا من قِبل قيادات دار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف وروَّاد المعرض وعدد من الباحثين والإعلاميين.
وخلال اللقاء قال فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عيَّاد، مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن موضوع ندوة اليوم يتعلق بقضية الفتوى والشأن العام، وثَمَّ العديد من النقاط المهمة التي يجب أن نأخذها في الاعتبار؛ من بينها أن الفتوى ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحياة العامة للأفراد والمجتمعات، حيث تشمل جميع تصرفات المكلفين في علاقتهم بربهم، وبأنفسهم، وبغيرهم، وبالدولة التي يعيشون فيها، وكذلك علاقة الدولة بغيرها من الدول في زمن السلم والحرب. وأوضح فضيلته أن الفتوى تتصل بمختلف المجالات، بما يشمل العقيدة، والعبادة، والمعاملات، والمال والاقتصاد، والأسرة، والسياسة، والحكم، والقضاء، وغيرها من الجوانب الحياتية المهمة.

وأشار فضيلة المفتي إلى أن الشريعة الإسلامية أولت عناية كبيرة بالشأن العام، حيث قامت على منظومة متكاملة من القيم الإسلامية والمبادئ والمقاصد الشرعية التي تهدف إلى ضبط هذا الشأن، باعتباره من أهم عوامل العمران في الدنيا والنجاة في الآخرة. وأضاف أن الفقه الإسلامي زاخرٌ بالتأصيل العميق لفكرة العناية بالشأن العام، والذي يشمل كل ما يتعلق بالمجتمع والدولة، مثل فقه الأمن المجتمعي، والصحة، والتعليم، والإدارة، والحكم، وحقوق الأفراد وواجباتهم.

وشدد فضيلة المفتي على أن الإفتاء في الشأن العام يخضع لضوابط دقيقة، أبرزها الموازنة بين المصالح والمفاسد والنظر في مآلات الأفعال، حيث أوضح أن هذه الموازنة تحتاج إلى عالم متمكن من علوم الشرع ومدرك لمآلات الأفعال، ليتمكن من ترجيح المصلحة على المفسدة وفقًا لضوابط دقيقة. كما أكد ضرورة مراعاة القوانين والنظم الحاكمة، إذ قررت الشريعة أن للحاكم أن يتدخل لتحقيق مصلحة المجموع، ومن القواعد الفقهية في ذلك أن "للحاكم تقييد المباح"، و"حكمه يرفع الخلاف"، و"تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة"، مما يعني أن للحاكم تدبير الأمور الاجتهادية وفق اجتهاده المستند إلى البحث والتحري واستشارة أهل العلم الأمناء.

وأوضح فضيلته أن المفتي يتحمل مسؤولية توجيه المجتمع نحو الاستقرار، وحمايته من الفتن، وصيانة عقائد الناس وشعائر دينهم، مشيرًا إلى أن دوره في تحقيق الأمن المجتمعي يكون بمواجهة الغلو والتشدد، الذي أصبح عائقًا أمام الدعوة الإسلامية الصحيحة. كما شدد على مراعاة مبدأ المواطنة باعتبارها علاقة قائمة بين الفرد والدولة وفقًا لقوانينها وما تفرضه من حقوق وواجبات، حيث أكد فضيلته أن الحفاظ على وحدة الجماعة الوطنية واجب شرعي يجب أن يراعيه المفتي في فتواه المتعلقة بالشأن العام.

وأكد فضيلة المفتي ضرورة أن يكون المفتي على دراية كاملة بالواقعة موضوع الفتوى، وبالواقع المحيط بها، والظروف الحياتية للمستفتي، حيث إن أي تقصير في هذه المرحلة، التي يمكن وصفها بمرحلة التصوير والتشخيص، سينعكس سلبًا على الفتوى. وأضاف أن العلماء حذروا من التسرع والعجلة في إصدار الفتاوى، معتبرين ذلك ضربًا من التساهل المذموم، لأن التصور الصحيح للواقعة يساعد على التكييف الصحيح لها، ومن ثم إصدار الحكم الشرعي المناسب.

وأكد فضيلة المفتي على أهمية مراعاة الأعراف والعادات عند إصدار الفتاوى، وكذلك ضرورة الرجوع إلى أهل التخصص وذوي الخبرة في القضايا التي تتداخل مع مجالات علمية أخرى، خاصة في الفقه المعاصر الذي يشهد تداخلًا مع تخصصات متعددة. وأضاف أن المفتي لا يمكنه إصدار فتوى في قضية طبية دون الرجوع إلى علماء الطب، ولا في نازلة اقتصادية دون استشارة الخبراء الاقتصاديين، وكذلك في المسائل الاجتماعية التي تحتاج إلى رأي علماء الاجتماع.

وشدد فضيلة المفتي على أهمية الاجتهاد الجماعي والتشاور بين علماء الشريعة، مؤكدًا أن الفتوى ينبغي أن تكون شورى بين أهل العلم، لضمان تحقيق المقاصد الشرعية والتوافق مع متغيرات العصر في إطار الضوابط الشرعية الدقيقة..
واختتم فضيلته كلمته مؤكدًا أن هذا اللقاء يأتي تأكيدًا على أهمية الاجتهاد الجماعي والعمل المؤسسي، وضرورة التعاون بين المؤسسات لتحقيق التكامل في العمل الإفتائي، بما يسهم في تقديم الفتاوى الدقيقة التي تراعي المصالح العامة وتحقق مقاصد الشريعة الإسلامية في بناء مجتمع متماسك ومستقر.
من جانبه تقدَّم معالي فضيلة الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري -وزير الأوقاف- بالشُّكر إلى فضيلة المفتي الأستاذ الدكتور نظير عيَّاد، مشيدًا بجهوده المبذولة في خدمة الفتوى وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال، كما أعرب عن تقديره للدكتور مصطفى الفقي، واصفًا إياه بالدبلوماسي والسياسي والبرلماني البارز والكاتب المتميز، مشيدًا بمؤلفاته ومذكراته التي تعكس عمق فكره وثقافته.
وأشاد الدكتور الأزهري أيضًا بالدكتور عبد الله النجار، مثنيًا على جهوده العلمية والفكرية والفقهية ودفاعه الدائم عن الإسلام، كما أكَّد على أهمية رؤيته في البناء الذي يبدأ بالوطن، ثم العروبة، ثم الإسلام، مشيرًا إلى الترابط الوثيق بين هذه الأبعاد الثلاثة.
كذلك رحَّب الدكتور الأزهري بالحاضرين في هذا الملتقى الفكري، الذي يُعد رمزًا للمعرض الدولي بوصفه ملتقًى للفكر والعلم والمعرفة من مختلف أنحاء العالم. وأكد على دَور مصر الرائد في استضافة اللقاءات العلمية التي تعكس رسالتها الثقافية والعلمية المستمرة.
وأشار وزير الأوقاف إلى اختيار موضوع الندوة وأهميته، موضحًا أن الإسلام يمتلك آليات متعددة للتفاعل مع الزمن ومواكبة المستجدات. وأكد أن هذا التفاعل يتجلى من خلال التجديد والفتوى، حيث قال: إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة علماء يجددون الدين؛ بمعنى إزالة ما علق به من أفكار ضالة وتيارات منحرفة ليعود نقيًّا كما هو في جوهره، وذكر قول الشيخ محمد أبو زهرة الذي أوضح أنَّ التجديد يعني عودة الإسلام نقيًّا كما كان في أصله.
وتحدَّث الدكتور أسامة الأزهري عن دَور مصر في حركة التجديد الفقهي، مشيرًا إلى أن غالبية المجددين خرجوا من مصر. كما تناول أهمية الاجتهاد الفقهي الذي تقوم به المؤسسات الفقهية المتخصصة، ودَور الفتوى التي يجب أن تصدر عن عالِم مدرك لطبيعة الأمور وأبعادها المختلفة، بحيث تنزل الفتوى لتُضيءَ العقولَ وتجمع الشمل وتزيل الحيرة.
وأكَّد فضيلته أن العالِم الحقيقيَّ هو مَن يتحدث في الشريعة وعينه تراقب أحوال الناس كافة، فلا تكون فتواه سببًا في تعطيل حياتهم أو تشتيتهم. وفي هذا السياق، شدَّد على أهمية أن تصدر الفتوى من المؤسسات المتخصصة في الشأن العام، مشيرًا إلى أنَّ الفتوى في الشؤون الخاصة مفتوحة لكلِّ من يمتلك المؤهلات العلمية اللازمة.
كما أكَّد على ضرورة وجود تشريعات تحمي مجال الإفتاء في الشأن العام من اقتحام غير المؤهلين الذين قد لا يدركون طبيعةَ الأمور وتداعياتها المختلفة؛ مما قد يؤدي إلى فتاوى تضرُّ بالمجتمع بدلًا من إصلاحه.
وفي سياق الندوة، أشار الدكتور أسامة الأزهري إلى قضية "المصلحة" باعتبارها محورًا هامًّا في الشريعة الإسلامية، مستشهدًا بالقاعدة الفقهية القائلة: "أينما وُجدت المصلحة فثَمَّ شرعُ الله"، هذه الجملة التي كُتبت حولها مؤلفات كثيرة وتناولها العلماء بالتأليف، والتحليل، والتحرير، والتطوير.
وتطرق إلى ما أوضحه الإمام العز بن عبد السلام بشأن مقاصد الشريعة التي قد تجتمع أحيانًا على غير المألوف، حيث أكَّد أن الشريعة جاءت لتحفظ المصالح وتدعم الديمومة والاستمرار، مع التركيز على حماية الحياة قبل الموت. ويمكن تلخيص ذلك في القاعدة الفقهية الشهيرة: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح."
وأشار كذلك إلى مفهوم "الإحسان" كما تناوله العز بن عبد السلام، وأوجز كل هذه المعاني في تلك الكلمة موضحًا أنه يشمل الإحسان في التعامل مع الله، ومع النفس، ومع الناس، بل حتى مع الحيوانات. ومن محاسن الشريعة الإسلامية أنها تحثُّ الناسَ على الإحسان في جميع أمور حياتهم، مستشهدًا بقول الله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء».
واختتم الدكتور أسامة الأزهري حديثه بتهنئة المصريين بقرب حلول شهر رمضان المبارك، داعيًا إلى استثمار أجوائه في تعزيز معاني الإحسان والتعايش والسلام.
من جانبه، استهلَّ الدكتور مصطفى الفقي -المفكر السياسي- كلمتَه بالترحيب بالحاضرين، خاصة فضيلة المفتي ومعالي وزير الأوقاف والدكتور عبد الله النجار، مشيدًا بدَور المعرض الدولي في تعزيز الثقافة بمصر.
وأشار إلى ارتباط مصر الوثيق بالتراث الثقافي والديني، مؤكدًا أن الفاتحين عندما دخلوا مصر أدركوا أن مفتاح قلوب المصريين هو تعلقهم بدينهم وحبهم لآل البيت.
كما أشاد الدكتور مصطفى الفقي بموسوعة الدكتور أسامة الأزهري الإسلامية المتوفرة بمكتبة الإسكندرية، واصفًا إياها بأنها تأريخ وتأصيل للظواهر الدينية والعمل على تواصل الأجيال. وأكَّد ارتباطَ العالم بمصر الأزهرية، مشيرًا إلى أنها كانت أول دولة تعيِّن مفتيًا تحت اسم مفتي الديار.
وأشاد كذلك بشيوخ الأزهر، وخاصة الشيخ محمد عبده الذي كان ينقي الفتاوى من الشوائب. وتحدث عن مكانة الدكتور نظير عيَّاد، موضحًا أنه يحظى بالاحترام من أتباع مختلف الديانات. كما أثنى على الدكتور عبد الله النجار، واصفًا إياه بأنه أيقونة فكرية وقامة علمية بارزة.
وتطرق الدكتور مصطفى الفقي-المفكر السياسي- إلى أهمية دور الإفتاء كمهمة مصرية أصيلة، مشيرًا إلى موقف سابق حين طلبت سفيرة النمسا، بنيتا فيراو، افتتاح أكاديمية إسلامية لمحاربة الإرهاب، مؤكدة أن مصر وعلماء الأزهر هم الأجدر بهذه المهمة. وبناءً على هذا الطلب، تم التواصل مع شيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوي -عليه رحمة الله- الذي أوفد الدكتور أحمد عمر هاشم والدكتور محمود حمدي زقزوق للقيام بهذه المهمة.
وأكد الدكتور مصطفى الفقي أن الإفتاء مهمة ثقيلة لا يتحملها إلا أولو العزم من العلماء. وروى قصَّة الأمير الذي أراد تعيين عالِم للإفتاء وتأديب ابنه المدلل وإمامة المسلمين، إلا أن العالم رفض بسبب ظلم الحاكم. لاحقًا، دعا الأميرُ العالِمَ إلى مأدبة عشاء فقبل طلبه بعد ذلك، موضحًا كيف قد تتغيَّر المواقف بتغيُّر الظروف.
كما تحدَّث الدكتور عبد الله النجار -عضو مجمع البحوث الإسلامية- حول الفتوى المؤسسية في الشأن العام وكونها أحد عوامل الأمن واستتباب السلام الذي يعود على المجتمع بالنفع، موضحًا أن الشأن العام هو الحقُّ العامُّ الذي يتعلَّق بجانب الله عز وجل، ويعني الفقهاء بذلك أنَّ هذا الحق هو الذي يعود نفعه على الناس أجمعين في بلد من البلاد أو في أرض من الأراضي، موضحًا أن عائد هذا الحق يعود على الناس في وطنهم الذي يعيشون فيه.
وأضاف أن ارتباط الأرض بالحكم الشرعي يعني أن الوطن من لوازم الحكم الشرعي، فكل حكم لا بد له من زمان يقع فيه، فإن هذا الوطن يعد ركنًا من أركان الدين، ولا يمكن أن تستقيم أمور الدين إلا إذا كانت على أرض مطمئنة، فالإنسان الذي لا يستطيع أن يصنع كرامته ينقصه شيء من أمور دينه، مشيرًا إلى أن جماهير الفقهاء قالوا إن حق الله يقدَّم على حقوق العباد، وإذا احتاج الحقُّ العامُّ إلى تضحية فمن الواجب على الإنسان أن يضحيَ بمصلحته من أجله.
وذهب إلى أن الفتوى التي تصدر من دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف تراعي هذا المعنى وتقدِّره وترفعه الى درجةٍ يراها الناس في الفتاوى التي تصدر، وعلينا أن نتعاون في هذا الأمر.
وفي ختام حديثه عبَّر فضيلة الدكتور عبد الله النجار عن امتنانه بهذه الندوة قائلًا: إن هذا اللقاء هو لقاء ذهبي نُظم في جناح دار الإفتاء المصرية. مشيدًا بدَور فضيلة مفتي الجمهورية في تعزيز دَور الفتوى في الشأن العام.
كما أشار إلى أهمية هذا اللقاء في تعزيز التواصل بين المؤسسات الدينية والمجتمع، موضحًا أنَّ مثل هذه الندوات تسهم في تجسيد الفَهم الصحيح للفتوى وتوجيهها نحو خدمة مصلحة المجتمع ككلٍّ، وأن دَور مفتي الجمهورية يظل محوريًّا في تقديم الفتاوى التي تعكس تطلعات المجتمع وتواكب التغيرات، مع الحفاظ على القيم الدينية والشرعية.

مقالات مشابهة

  • رعي الحفل الختامي لمسابقة التحفيظ .. أمير الرياض: القيادة تهتم بالقرآن الكريم وحفظته والقائمين عليه
  • المفتي: الإفتاء في الشأن العام يخضع لضوابط دقيقة أهمها الموازنة بين المصالح والمفاسد
  • كيف أتوب من السب والشتم؟.. أمين الفتوى يجيب
  • مصر.. وفاة أحد أشهر مذيعي «القرآن الكريم»
  • دعاء ختم القرآن الكريم في شهر شعبان 2025
  • هل ذكرت ليلة النصف من شعبان في القرآن الكريم.. دار الإفتاء تجيب
  • ذنوبي كثيرة كيف أرجع إلى الله؟.. الدكتور أيمن الحجار يجيب
  • حكومة شمال دارفور: مقتل د.الصادق احمد عبد الله عميد كلية القرآن الكريم بجامعة الفاشر جريمة ضد الإنسانية
  • المفتي العام لسلطنة عُمان يوجه "رسالة اعتذار"
  • المفتي العام لسلطنة عمان يوجه رسالة اعتذار.. عاجل