لم تحرز تركيا والنظام السوري خلال الأيام الماضية، وفي العلن، أي تقدم على صعيد المسار الجديد الذي كشف أولى ملامحه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وعلّق عليه نظيره، بشار الأسد، بخطابين عبّرا فيهما عن مواقف مليئة بالتفاصيل.  

وما يزال مشهد العلاقة من جانب كلا الطرفين يدور ضمن "متاهة" تتعلق في الأساس بـ"مطلب الانسحاب"، مما يثير تساؤلات عن المتوقع والأسباب التي تدفع أنقرة ودمشق للتمسك بمواقفهما المتناقضة على الأرض.

ماذا يريد الأسد وكيف علّقت تركيا؟

وقبل أيام ترك رئيس النظام، بشار الأسد، الباب مفتوحا أمام أنقرة، بقوله إن متطلبات دمشق المرتبطة بالانسحاب التركي من سوريا ليس شرطا مسبقا، لكنها تعتبر هدفا يجب الوصول إليه والبناء عليه "كمرجعية".

وأضاف أيضا أن "عدم الوصول إلى نتائج في اللقاءات السابقة أحد أسبابه هو غياب المرجعية"، متابعا خطابه أمام مجلس الشعب: "سوريا تؤكد باستمرار على ضرورة انسحاب تركيا من الأراضي التي تحتلها ووقف دعمها للإرهاب"، وأن استعادة العلاقات الطبيعية "ستكون نتيجة لهذين المطلبين".

وسرعان ما جاء الرد من جانب وزارة الدفاع التركية، الخميس، حيث أوضح مستشار الصحفة فيها، العقيد البحري زكي أكتورك، أن "الوجود التركي في سوريا يمنع تقسيم الأراضي السورية، وإنشاء ممر إرهابي هناك".

وأكد أكتورك أن تركيا "تريد أن ترى سوريا ديمقراطية ومزدهرة، وليس سوريا التي تعاني من عدم الاستقرار وتهيمن عليها المنظمات الإرهابية"، مردفا بالقول "وقد صرح رئيسنا شخصيا بأننا مستعدون للمحادثات والحوار على كافة المستويات".  

كما تطرقت مصادر من الخارجية التركية لما استعرضه الأسد، ونقلت عنها وسائل إعلام يوم الأربعاء، بينها "CNN TURK"، أن إعادة العلاقات التركية مع دمشق إلى ما كانت عليه قبل 2011، يتلخص في أربعة عناوين رئيسة.

العنوان الأول هو تطهير سوريا من "العناصر الإرهابية" حفاظا على سلامة أراضيها، والثاني قيام سوريا بتحقيق مصالحة وطنية حقيقة مع شعبها في إطار القرار الدولي 2254، والعودة إلى المفاوضات الدستورية، والتوصل إلى اتفاق مع المعارضة.

ويشمل التوقع الثالث تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين بشكل آمن وكريم، والرابع "ضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية لمناطق سيطرة المعارضة دون انقطاع".

تركيا شنّت منذ العام 2016 ثلاث عمليّات عسكريّة في سوريا "عملية مليئة بالمطبات"

ولتركيا قوات كثيرة في مناطق متفرقة بشمال سوريا، وتقدم أيضا دعما لآلاف المقاتلين الذين يتبعون لتحالف "الجيش الوطني السوري" المعارض.

وينسحب دعمها أيضا إلى الشق الإداري والخدمي والسياسي، حيث تستضيف أعضاء كثر من المعارضة السياسية السورية على أراضيها.

في المقابل يعتبر نظام الأسد المسلحين المعارضين في شمال سوريا "إرهابيين".  

وعلى مدى السنوات الماضية خاض ضدهم عمليات عسكرية، كما أن الكثير من أعضاء تلك الفصائل المسلحة كانوا قد انتقلوا بأسلحتهم الخفيفة، بموجب اتفاقيات رعتها روسيا في ريف دمشق ودرعا وحمص وسط البلاد.

وتقول كاتبة العمود في صحيفة "حرييت" المقربة من الحكومة التركية، هاندي فيرات إنه وبناء على المواقف والمعطيات الحاصلة يجب أن يكون الجميع مستعدا لـ"عملية مليئة بالمطبات بين تركيا والنظام السوري".  

وتشير إلى أن المباحثات على المستوى الاستخباراتي بين أنقرة ودمشق لم تعقد منذ عام، ومع ذلك ربما ستسأنف قريبا بالشراكة مع روسيا وإيران، وعلى مستوى نواب وزراء استخبارات الدول الأربع.  

فيرات المقربة من الرئيس التركي إردوغان تؤكد أيضا أنه "لا تغيير في سياسة أنقرة تجاه سوريا حتى الآن"، وتوضح أن موقف تركيا يتخلص في الآتي: العزم على مكافحة الإرهاب، تأمين الحدود، تنشيط عملية أستانة، تنشيط المحادثات الخاصة باللجنة الدستورية السورية.

ويأخذ الموقف التركي أيضا بعين الاعتبار "التداعيات المحتملة لقضية غزة وإسرائيل على سوريا"، وترى الكاتبة واستنادا لما سبق أن "جميع هذه القضايا المطروحة على الطاولة تمثل تحديا".

ولا يعتبر الحديث الذي تورده الصحف التركية المقربة من الحكومة عابرا، ولاسيما أن المسؤولين الأتراك الكبار يواصلون التأكيد عليه في إطلالاتهم المتكررة.  

وكان لافتا أن حديث الأسد وتأكيده مرة أخرى على "المرجعية المتعلقة بالانسحاب التركي من سوريا" جاء في أعقاب نبرة حادة أطلقها وزير الدفاع التركي، يشار غولر بقوله إن "أنقرة لن تناقش التنسيق بشأن الانسحاب إلا بعد الاتفاق على دستور جديد، إجراء انتخابات، تأمين الحدود".  

قوات تركية وروسية في سوريا هل الطرفان قادران على الحل؟

وترعى موسكو منذ 2022 مسار التقارب بين أنقرة ودمشق، وانضمت إليهما طهران في 2023، وفي وقت لاحق من العام الحالي تصّدر اسم العاصمة العراقية بغداد.

ويعتقد مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، سمير العبد الله أن التحديات ما تزال كبيرة بين تركيا والنظام السوري، ويقول إنها تعيق أي تقدم في مسار المفاوضات.

ومن جانب أنقرة يوضح العبد الله لموقع "الحرة" أن تركيا تضع نصب عينيها القضاء على التهديدات الأمنية، خصوصا القادمة من منطقة الجزيرة السورية التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية".  

وعلى أساس ذلك تسعى للحفاظ على وجودها في سوريا حتى القضاء على هذا التهديد.

وبالانتقال من الحدود إلى الداخل التركي يضيف الباحث أن الرئيس التركي إردوغان يواجه ضغوطا متزايدة، مما يدفعه للبحث عن حلول عملية تضمن إعادة جزء كبير من اللاجئين السوريين إلى سوريا.

ويشكل الهدف المذكور "جزءا كبيرا من استراتيجية تركيا في سوريا، ويجعل من الصعب على إردوغان قبول أي شروط قد يعيق تحقيقه"، بحسب العبد الله.  

الباحث يشير في المقابل إلى أن النظام السوري يسعى إلى انسحاب تركيا من الأراضي السورية، واستعادة السيطرة الكاملة على جميع أنحاء البلاد دون تقديم أي تنازلات في ملفات أخرى.

ويواجه النظام السوري في الوقت الحالي تحديات داخلية كبيرة أيضا، بما في ذلك التدهور الاقتصادي.

ولذلك يسعى الأسد وفقا للعبد الله "لتحسين موقفه الداخلي من خلال استعادة السيطرة الكاملة على الأراضي السورية، وهذا ما يجعله غير مرن في مفاوضاته مع تركيا، حيث يرى أن الانسحاب التركي جزء أساسي من تحقيق هذه السيطرة".

ما الرؤية في دمشق؟

رغم أن تصريحات الأسد الأخيرة أمام مجلس الشعب والتي سبقتها في أغسطس الحالي بدت مختلفة عن الموقف الذي كانت عليه دمشق في السابق، عززت في المقابل سلوكا من "المناورة".

ويعتبر الكاتب والصحفي المقيم في دمشق، عبد الحميد توفيق أن "أنقرة تبدو وكأنها تراهن على شيء ما في المنطقة"، مما يجعل تصريحات مسؤوليها في صعود وهبوط.

يشير الكاتب إلى الموقف الأول الذي أبداه إردوغان بدعوته للقاء الأسد وما تبع ذلك من تصريحات اختلفت عن الكلمات الأولى التي أطلقها الرئيس التركي بالتالي.

ويقول لموقع "الحرة": "الأتراك يراهنون على أمر ما. هل على ضعف روسيا مثلا في أوكرانيا؟ هل يراهنون على القادم إلى البيت الأبيض؟. هذا جانب مهم والموقف التركي يرتبط بالنزعة التركية للمستقبل".

أكد إردوغان في أكثر من مرة أن وجود القوات التركية في سوريا يمنع تقسيمها ويحمي بلاده من الإرهاب

وفيما يتعلق بموقف النظام السوري يرى الكاتب توفيق أنه يجب الحديث في هذا السياق عن "تكتيك واستراتيجية خاصة بدمشق".

وفي حين تشي بعض تصريحات الأسد الأخيرة بشيء "من المهادنة مع الجانب التركي" أكد رئيس النظام على "السيادة كعنوان أساسي".

ويضيف الكاتب المقيم في دمشق: "الأسد يريد الانسحاب في هذا الاتجاه، ومن ناحية تكتيكية يوجد تواصل قائم بين اللجان الفنية المعنية الأمنية والطبوغرافية وإلى حد ما ممثلين عن الأمن ووزارات الخارجية، بوجود روسي فاعل".  

ويقوم "التكتيك" الخاص بالنظام السوري على ضرورة الحصول على "نوع من التعهد من تركيا بشكل الانسحاب من سوريا، ولو كان ذلك تحت الطاولة وبضمانة روسية"، بحسب الكاتب السوري.  

ويرى أن "هذه الاستراتيجية ملّحة رغم الوضع السوري القائم، والصراع الحاصل على الأرض السورية وبوجود جيوش لعدة دول".  

"رهان على التحديات"

وقبل اندلاع أحداث الثورة السورية كانت العلاقة السورية التركية على أوجها، خاصة على صعيد الاقتصاد والاتفاقيات. ووقعت الحكومة التركية وحكومة الأسد بين عامي 2004 و2010 سلسلة اتفاقيات.

وكان أبرزها اتفاقية "التجارة الحرة"، وتنفيذ مشروع سككي بين غازي عنتاب وحلب، واتفاقيات أخرى لإنشاء بنك تركي سوري مشترك، مع زيادة حجم التجارة إلى مستويات عليا.

لكن بعد 2011 انقلبت مرحلة الازدهار وباتت كل من دمشق وأنقرة على طرفي نقيض.  

ويعتقد الكاتب والصحفي توفيق أن النظام السوري "ليس في عجلة من أمره من أجل الدفع بمسار التطبيع قدما مع تركيا"، ويقول إنه "لا يتعرض لضغوط على مستوى القيادة والنظام والدولة السورية".

كما يضيف أن "سوريا تدير الوضع حتى الآن بطريقة استثمارية سياسية"، وتراهن في خط التفاوض على مسألة الخطوط التجارية والتفاهمات ضد "قسد" في شمال شرق البلاد.

وفي غضون ذلك يرى توفيق أيضا أن "الجانب السوري ينظر للتحديات التركية على أنها أوراق بيده دون أن تكون بيده"، في إشارة منه إلى قضية اللاجئين والحال العسكري القائم في إدلب وريف حلب وشمال شرق سوريا.  

وبتقدير الباحث السياسي التركي، علي أسمر فإن "ملف التطبيع مع دمشق يعتبر أمرا عاجلا وطارئا لتركيا، لأن الأخيرة لديها ما تخسره".

ويبدو لأسمر كما يقول لموقع "الحرة" أن "التطبيع ليس بالأمر العاجل للنظام السوري"، مضيفا على أساس ذلك: "نفهم أن تركيا تخشى من تقسيم سوريا أكثر من النظام، لأن أي تقسيم في سوريا سيزيد احتمالية انتقال العدوى إلى تركيا".

ومن جانب آخر يعتقد الباحث التركي أن "النظام السوري يحاول كسب عامل الوقت في ظل الخلاف العميق بين روسيا وإيران حول الملف السوري".

ويعتبر أن "النظام ترك الباب مفتوحا أمام تركيا إلى أن تتغلب وجهة النظر الروسية أو الإيرانية على الأخرى".  

يصر الرئيس السوري على انسحاب القوات التركية من أراضي سوريا قبل أي خطوة نحو التقارب الدبلوماسي هل هناك بوادر تنازلات؟

ومن غير المتوقع تحقيق اختراق كبير على خط العلاقة بين تركيا والنظام السوري دون تغيرات جذرية في الديناميات الحالية، كما يوضح الباحث سمير العبد الله، مشيرا إلى أنه من المحتمل أن يستمر الجمود الحالي في الحوار.  

ويقول العبد الله إن "التوصل إلى حل شامل يتطلب تغييرات جوهرية في المواقف والسياسات، وقد تلجأ تركيا إلى استغلال نفوذها في مناطق الشمال السوري للضغط على النظام من أجل تحقيق أهدافها، واتخاذ خطوات استراتيجية تجمع بين المرونة الدبلوماسية والتخطيط والتفاوض على مراحل حيث يتضمن كل مرحلة تقديم تنازلات تدريجية من الطرفين".

ويطرح الباحث مثالا على ما سبق بأن "تركيا يمكن أن توافق على تقليل دعمها للمعارضة السورية، والاستفادة من نفوذ روسيا على النظام لتسهيل المحادثات".

وعلى الصعيد الداخلي "يجب على تركيا أن تجد توازنا بين رغبات الجمهور التركي المتزايدة لإعادة اللاجئين السوريين، وضمانات أمنية ضرورية لمنع تصاعد التهديدات من شمال سوريا".

ويمكن لتركيا أيضا كما يتابع العبد الله "استخدام ورقة اللاجئين للضغط على الاتحاد الأوروبي لدعم جهودها في سوريا، وذلك عبر تقديم مقترحات مشتركة لإعادة الإعمار والمساعدة الإنسانية".

وقد تسهل الخطوة المذكورة عودة اللاجئين بشكل منظم وآمن.

ويؤكد الباحث أنه ولتذليل العقبات "يتطلب من تركيا تقديم مزيج من التنازلات التكتيكية والمبادرات الدبلوماسية، مع الحفاظ على مصالحها الأمنية الأساسية".

ومن جهته يعتقد الباحث أسمر أن مسألة الخروج من المتاهة الحاصلة بين تركيا والنظام السوري "يعتمد على الدور الروسي والإيراني والأميركي".

ويقول إنه وبالنسبة لأنقرة "فهي واضحة ولن تنسحب من سوريا إلا بعد تحقيق الاستقرار السياسي الذي يضمن أمن سوريا وتركيا".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: بین ترکیا والنظام السوری الرئیس الترکی النظام السوری أنقرة ودمشق العبد الله من سوریا فی سوریا من جانب إلى أن

إقرأ أيضاً:

لماذا أراد رفعت الأسد القضاء على أخيه حافظ؟

في عام 1963 شهدت المنطقة العربية انقلاب حزب البعث بواسطة جناحه العسكري الذي قاده مجموعة من الضباط السوريين الذين تنوعت انتماءاتهم الدينية، وكان حزب البعث الذي تأسس منذ أربعينيات القرن العشرين على يد صلاح البيطار وميشيل عفلق يسعى بكل السُّبل للسلطة؛ ديمقراطية كانت أم بانقلابات عسكرية.

وكان حافظ الأسد ممن انضموا لهذا الحزب مبكرًا في فترة الأربعينيات بُعيد انضمامه للجيش متخرجا من الكلية الحربية، وفي عام 1952 اتبع رفعت نهج شقيقه وقرر الانضمام إلى حزب البعث، كما سار على خطاه بالالتحاق بالخدمة الإلزامية، ومن ثم العمل في وزارة الداخلية عقب انفصال سوريا عن مصر عام 1961، ومن اللافت أن رفعت الأسد انضم للجيش السوري ضابطا متخرجا من الكلية الحربية في حمص بعدما غير مساره من كلية الآداب بجامعة دمشق.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2سوريا من أكثر البلدان قابلية للانقلابات العسكرية فلماذا؟list 2 of 2لماذا أراد صدام حسين قتل حافظ الأسد؟end of list فساد رفعت المبكر

ويروي  الدكتور أحمد زكي في كتابه "آل الأسد وأسرار سقوط آخر الطغاة" الصادر عام 2013 أن مشوار رفعت الأسد مع الفساد بدأ قبل أن يصل شقيقه إلى سدة الحكم بصورة رسمية سنة 1970، فعقب انقلاب البعث سنة 1963 وصعود نجم أخيه حافظ قائدا للقوات الجوية ثم وزيرا للدفاع عُيّن رفعت الأسد الذي كان في نهاية دراسته في الكلية الحربية مُدرّسا بها في دفعة تم التوصية عليها من قيادة حزب البعث وخاصة أخيه حافظ وصلاح جديد، وفي الوقت عينه تم تسريح دفعة كانت أكثر كفاءة من رفعت وزملائه "في خطوة كانت تصب في صالح العلويين تمهيدا لاستيلائهم على كل مفاصل الدولة في قادم الأيام".

إعلان

وبحسب زكي في الكتاب نفسه حينما كان رفعت منتسبًا لكلية الآداب جامعة دمشق وكان ذاهبًا لأداء امتحان مادة التاريخ كان مددجًا بالحرس فاعترض أحد أساتذة الكلية وأبلغ مصطفى طلاس أحد المقربين من حافظ ووزير الدفاع السوري فيما بعد، قائلا: ماذا نفعل؟ فرد عليه طلاس قائلا: لا تفعل شيئًا فهو لن يُعيّنَ مدرسا للتاريخ في جامعتكم.

ومن العجيب أن رفعت أعاد السلوك ذاته عندما انتسب لكلية الحقوق مع زوجته وابنه دريد، وعندما ذهب الثلاثة لأداء الامتحان في كلية الحقوق جامعة دمشق لم يؤدوه في قاعة الامتحانات، بل أدوه في مكتب رئيس الجامعة وأمامهم فناجين القهوة والكتب الخاصة بمادة الامتحان حتى يستطيعوا الغش، فما كان من رفعت إلا أن صرخ قائلا: "العمى في قلبكم أحضروا لي أحد الأساتذة ليُعطيني أجوبة هذه الأسئلة"، بحسب ما يذكره زكي في كتابه الآنف!

رفعت الأسد (مواقع التواصل الاجتماعي) رفعت الأسد وأدواره العسكرية في خدمة أخيه

كانت أولى مشاركات رفعت العسكرية البارزة في فبراير/شباط 1966، حيث تعاون مع سليم حاطوم في اقتحام مقر الرئيس أمين الحافظ للإطاحة بأول حكومة بعثية، وكان هذا الانقلاب إيذانا بصعود الضباط العلويين وتهميش الضباط والقيادات السنية في البلاد، وخلال فترة حكم الرئيس نور الدين الأتاسي، الذي خلفَ الحافظ، تم تكليف رفعت بقيادة وحدة خاصة أنشأتها اللجنة العسكرية للدفاع عن النظام تحت إشراف وزير الدفاع محمد عمران.

وبحسب بعض المؤرخين فقد شهدت فترة أواخر الستينيات صراعًا بين طرفين؛ يمثل أحد جناحيه حافظ ورفعت الأسد، والطرف الآخر صلاح جديد ومدير مخابراته عبد الكريم الجندي. وبهدف القضاء على قوة جناح صلاح جديد العسكري وفي أواخر فبراير/شباط 1969، نفّذ الشقيقان الأسد عملية عسكرية في دمشق، حيث توغلت الدبابات في المدينة لاستهداف أنصار الجندي وصلاح جديد، وانتهى هذا الصراع بانتحار عبد الكريم الجندي في 2 مارس /آذار 1969، مما اعتُبر انتصارا لرفعت.

إعلان

ومع سيطرة حافظ ورفعت وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1970، قام حافظ الأسد بما عُرف بالحركة التصحيحية، حيث اعتقل الرئيس الضعيف الأتاسي ورفيقه البعثي العلوي صلاح جديد، وأسند إلى أخيه رفعت مسؤولية تأمين العاصمة دمشق.

وفي فترة غير بعيدة أصبح رفعت قائدا لـ"سرايا الدفاع"، وهي قوة عسكرية نخبوية خاصة بلغ قوامها 40 ألف جندي، وكانت تعمل بشكل مستقل عن الجيش، كما ترقّى إلى مواقع قيادية في الحزب، ووسع نفوذه بين الطلاب والشباب والفتيات والإعلام، وأسّس "الرابطة العليا للخريجين" بهدف توحيد الجامعيين، لتتحول إلى ذراع طلابية موازية تدين بالولاء له.

وفي عام 1979، تصاعدَ الصراع بين النظام السوري وجماعة الإخوان المسلمين التي رفضت استئثار آل الأسد والعلويين بالسلطة، واستهدافها الواضح للحريات، بل وللأكثرية السنية في البلاد. وفي ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام، أعلن رفعت الأسد خلال مؤتمر حزب البعث أن الوقت قد حان للرد الحازم على جماعة الإخوان، ودعا إلى تقديم الولاء المطلق للنظام، ونُقل عنه قوله: "ضحّى ستالين بعشرة ملايين شخص للحفاظ على الثورة البلشفية، وعلى سوريا أن تفعل الشيء ذاته للحفاظ على الثورة البعثية". كما هدد ب"خوض مائة حرب، وهدم مليون حصن، والتضحية بمليون قتيل" لضمان بقاء النظام والدولة.

تم إطلاق يد رفعت في قمع الانتفاضة التي استمرت بين عامي 1979 و1982، وبلغت ذروتها في قصف وتدمير مدينة حماة في فبراير/شباط 1982، ما أسفر عن خسائر بشرية ومادية جسيمة، وفي عام 1983 أمر رفعت بإرسال قوات مظلية إلى شوارع دمشق لنزع الحجاب عن النساء بالقوة، وهو إجراء أثار موجة من الانتقادات الحادة كادت تصل لحالة الغليان الشعبي، هذا التصرف دفع شقيقه حافظ الأسد إلى إدانته علنًا، في محاولة للحد من التداعيات السياسية والاجتماعية لهذا القرار.

إعلان انقلاب رفعت ونهايته

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1983 تعرض حافظ الأسد لأزمة قلبية حادة كادت أن تودي به واضطر على إثرها للراحة التامة لعدة أشهر، حيث بدت أن الفرصة التي كان ينتظرها شقيقه رفعت الأسد قد حانت، إذ بدأ رفعت يتصرف كأنه الوريث الشرعي للسلطة، معززا نفوذه بين جنرالاته، ما أثار استياء حافظ الأسد الذي كان يتلقى العلاج والراحة، وأيضا كبار المقربين منه.

ووفقا لمذكرات عبد الحليم خدام، نائب الرئيس آنذاك، فإن حملة شديدة ضد رفعت اندلعت بين السوريين منذ السبعينيات، ويتذكر خدام في إحدى جلساته مع حافظ الأسد عام 1978، أنه حذّره من تأثير هذه الحملة على استقرار النظام، فرد الأسد قائلاً: "رفعت مخرز في عيون الرجعية". ليرد خدام: "سنرى في المستقبل إن كان سيصبح مخرزًا في قلب النظام ذاته".

استغل رفعت، الذي كان يتدخل في شؤون الدولة بعنجهية شديدة مرض شقيقه لتعزيز سلطته، حتى أنه بدأ بإصدار توجيهات لرئيس الوزراء آنذاك محمد علي الحلبي دون رادع، وكان حافظ الأسد الملقى على سرير المرض يفكر بتعيين نائبه مكانه لضمان استمرارية النظام، وربما كان يميل إلى رفعت، لكن محاولة الأخير للانقلاب عليه خلال مرضه أخرجته من حسابات التوريث.

عندما اشتد مرض حافظ في نوفمبر/تشرين الثاني 1983، استدعى قائد الحرس الجمهوري عدنان مخلوف النائب عبد الحليم خدام إلى المستشفى، حيث أخبره حافظ بمستجدات أوضاعه الصحية، وبسبب ذلك تصاعد التوتر بسبب تحركات رفعت الجريئة، حيث أرسل كتائب من قواته "سرايا الدفاع" إلى شوارع دمشق في استعراض للقوة، وكأنه يُعلن عن استعداده لتولي السلطة خلفا لأخيه.

وأمام هذه التحركات من رفعت اجتمعت القيادة العسكرية بقيادة عبد الحليم خدام، وحكمت الشهابي رئيس الأركان، ومصطفى طلاس وزير الدفاع، وقرروا استدعاء فرقتين عسكريتين لتطويق دمشق ومنع أي محاولات انقلابية، وعندما علم رفعت بالإجراءات وبأن أخيه حافظ قارب تجاوز مرحلة الخطر، تراجع عدد كبير من أنصاره عنه، مما تركه في عُزلة شبه تامة.

إعلان

وفي أحد اجتماعات القيادة القطرية للبعث، حاول رفعت فرض قراراته بطرد كبار الضباط من الحزب والتهديد باستخدام قواته للاستيلاء على دمشق، إلا أن خدام تصدى له بقوله: "إن كنت تريد القيام بانقلاب، فافعل، لكن الدبابات التي تهدد بها ليست ملكا لك". أثارت تصريحات خدام غضب رفعت، لكنه أنكَر تهديداته لاحقًا.

وفي أوائل 1984، بدأ حافظ الأسد بالرد على تحركات شقيقه بعد استعادته جزءا كبيرا من عافيته، حيث أمر باعتقال أحد أبرز مساعدي رفعت، وهو العقيد سليم بركات، ثم أرسل لرفعت رسالة عبر شقيقهما الثالث جميل، قال فيها: "أنا أخوك الأكبر الذي عليك طاعته، ولا تنسَ أنني أنا الذي صنعتك".

وحتى يضمن حافظ كسر شوكة أخيه قرر إبعاده عن سرايا الدفاع التي ستُصبح فيما بعد "الفرقة الرابعة" بعد إقصاء رفعت عنها، وفي مارس/آذار 1984، عُيّن رفعت نائبًا للرئيس وهو منصب مدني، وقد حرمه في الوقت نفسه من أي مهام فعلية، محوِّلًا صلاحياته الأمنية إلى العقيد محمد غانم.

في 30 مارس/آذار 1984، رد رفعت الأسد على هذا الترتيب بخطوة تصعيدية، حيث أمر قواته بالدخول إلى دمشق والاستيلاء على نقاط استراتيجية؛ استعدادًا للسيطرة على السلطة وبالفعل تمكنت قوات رفعت، المعروفة بـ"سرايا الدفاع" من التمركز في مواقع قادرة على تهديد العاصمة بالقصف، بينما استعدت القوات الموالية لحافظ الأسد، مثل القوات الخاصة بقيادة علي حيدر والحرس الجمهوري بقيادة عدنان مخلوف، لمواجهتها.

ووفقا لباتريك سيل، في كتابه "الأسد: الصراع على الشرق الأوسط": "لو اشتبكت قوات الطرفين في دمشق، لكان الدمار هائلا، ولتضررت صورة النظام بشكل لا يمكن إصلاحه، وربما لم تكن العاصمة لتنجو". وأضاف قائلا: "ترك حافظ الحبل لرفعت بما يكفي لشنق نفسه".

وفي ذروة تلك الأزمة ارتدى حافظ الأسد ملابسه العسكرية، ورافقه ابنه الأكبر باسل، الذي كان سيصبح لاحقًا ذراعه اليمنى حتى وفاته في حادث سيارة عام 1994، حيث قاد حافظ سيارته بنفسه دون حراسة، إلى مقر قيادة شقيقه رفعت في حي المزة بدمشق، وهذه الواقعة يرويها وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس في كتابه "ثلاثة أشهر هزت سوريا" أن عدنان مخلوف، قائد الحرس الجمهوري، اتصل به لإبلاغه أن حافظ توجه بمفرده لمواجهة رفعت، وترك تعليمات صريحة: "إذا لم أعد بعد ساعة، أبلغ العماد طلاس بتنفيذ الخطة لمواجهة قوات رفعت".

إعلان

وفي ذلك القاء الحاسم واجه حافظ شقيقه مباشرة وسأله: "هل تريد إسقاط النظام؟" وأضاف بحزم: "أنا النظام!". جرى نقاش حاد بينهما، قبل أن يقدم الأسد عرضا لإنهاء الأزمة، حيث وعد رفعت بخروج آمن، يضمن احترام كرامته، وحماية مصالحه، وضمان خروجه إلى المنفى الذي يختاره، مع التأكيد على عدم اتخاذ أي إجراء ضده.

وبحلول أواخر أبريل/نيسان 1984، بدأ رفعت الأسد يدرك أن ميزان القوى قد انقلب تمامًا لصالح شقيقه حافظ وأن كل قوات الجيش والحرس الجمهوري والقوات الخاصة بل وكثير من قيادات "سرايا الدفاع" أصبحوا قلبا وقالبا مع حافظ، إلى درجة أصبح معها أي تحرك منه غير ممكن، وفي تلك اللحظة لجأ رفعت إلى شقيقه جميل الأسد للتوسط من أجل مصالحة مع حافظ، معربا عن استعداده للامتثال لأي قرار يتخذه.

استغل حافظ الأسد انهيار شقيقه وإعلانه استسلامه، وتم التوصل إلى اتفاق يقضي بإعادة "سرايا الدفاع" إلى سيطرة هيئة العمليات في القوات المسلحة، مع إبقاء رفعت في منصب نائب رئيس الجمهورية مسؤولا نظريًا عن شؤون الأمن، كما نص الاتفاق على سفر رفعت إلى موسكو بصحبة مجموعة من كبار الضباط لفترة تهدئة.

وفي 28 مايو/أيار 1984، غادرت طائرة تقل رفعت الأسد وعددا من أبرز قادته إلى موسكو، إلا أن تلك الرحلة كانت البداية لعزله التدريجي، حيث تم استدعاء الضباط المرافقين له واحدًا تلو الآخر إلى سوريا، تاركين رفعت وحيدًا في منفاه.

عاد رفعت الأسد إلى سوريا عام 1992 بناءً على رغبة والدته التي توفيت في العام نفسه، وفي عام 1994، شارك في تقديم واجب العزاء لشقيقه حافظ الأسد بعد وفاة نجله باسل في حادث سيارة، لكنه أُقيل لاحقا في العام نفسه من منصبه في الجيش، رغم استمراره لفترة في شغل منصب نائب الرئيس قبل إعفائه رسميا.

وفي عام 1997، أسس رفعت محطة فضائية في لندن، وفي العام التالي أنشأ حزبا سياسيا في أوروبا برئاسة نجله سومر الأسد، داعيا إلى التغيير السياسي في سوريا، وفي عام 1999، تورط أنصاره في اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية في اللاذقية، مما زاد من تعقيد علاقته بأخيه.

إعلان

عندما توفي حافظ في 10 يونيو/حزيران عام 2000، أصدر رفعت بيانا نعى فيه شقيقه وأعلن نفسه وريثا شرعيًا للرئاسة، ولكن ذلك البيان لم يلق آذانا مصغية؛ لأن أبناء حافظ بشار الذي تسلم الرئاسة، وماهر الذي كان يسيطر على الفرقة الرابعة كانا أقوى بحكم السيطرة على الأرض، بل أمر نائب الرئيس عبد الحليم خدام باعتقاله إذا حاول حضور جنازة حافظ الأسد في 13 يونيو/حزيران.

مع اندلاع الثورة في سوريا في ربيع 2011، تبنى رفعت موقفا معارضًا للنظام، بينما بدأ نجله ريبال في الظهور بنشاطات سياسية علنية، ورغم ذلك، تراجع حضور رفعت الأسد السياسي بشكل كبير خلال السنوات التالية.

في ديسمبر/كانون الأول 2013، رَفَعت إحدى المنظمات الحقوقية دعوى قانونية ضد رِفْعت الأسد، متهمةً إياه بجرائم جسيمة بصفته كان قائدا لسرايا الدفاع التي تورطت في مجزرة حماة عام 1982، وفي 19 ديسمبر من العام نفسه، أطلقت النيابة العامة السويسرية تحقيقا رسميا في هذه المزاعم.

ومنذ عام 2014، واجه رفعت الأسد تحقيقات بتهم غسل الأموال المنظم، والتهرب الضريبي المشدد، واختلاس أموال الدولة السورية لشراء عقارات بقيمة تفوق 90 مليون يورو في فرنسا. بالإضافة لذلك، صادرت السلطات الإسبانية في عام 2017 أصوله وحساباته المصرفية ضمن تحقيقات متعلقة بغسيل الأموال، وفي يونيو 2020، أصدرت محكمة في باريس حكما بسجنه أربع سنوات مع مصادرة ممتلكاته في باريس ولندن.

في أكتوبر 2021، عاد رفعت الأسد إلى دمشق وهو في سن 84 عامًا، بعد سماح ابن أخيه بشار الأسد بعودته لتجنب سجنه في فرنسا، وذلك عقب عقود من المنفى، وفي سبتمبر/أيلول 2022، أيدت محكمة النقض، أعلى هيئة قضائية في فرنسا، الحكم الصادر ضده بالسجن أربع سنوات. وفي أغسطس 2023، أمرت المحكمة الجنائية الفيدرالية السويسرية بتسليمه، ما دفع السلطات السويسرية لإصدار مذكرة توقيف بحقه لملاحقته قضائيا.

إعلان

لم يرجع رفعت لفرنسا لاحقا، وقد أشارت وكالة رويترز للأنباء في 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي 2024 أن رفعت الأسد وبعض أبنائه وأفراد أسرته يتواجدون الآن في دبي بعد فرارهم إليها عقب سقوط نظام ابن أخيه المخلوع بشار، دون أن يتم تأكيد الخبر من قبل السلطات الإماراتية أو نفيه.

مقالات مشابهة

  • تنامي القلق الإسرائيلي من تركيا في سوريا.. هل يندلع الصراع؟
  • هل ينجح عام الأسرة في مواجهة التحديات الاجتماعية في تركيا؟
  • رحيل رجال أعمال النظام السوري.. هل ينهار الاقتصاد أم يبدأ التعافي؟
  • علي الدين هلال يكشف التحديات التي تواجه الحكومة.. وعلاقاتها مع إدارة ترامب -(حوار)
  • تركيا.. مواطن يضرم النار في شرفة شقته
  • لماذا أراد رفعت الأسد القضاء على أخيه حافظ
  • هل تخطط للسفر خلال العطلة المدرسية؟ خبر سار للمقيمين في تركيا!
  • لماذا أراد رفعت الأسد القضاء على أخيه حافظ؟
  • وزارة التجارة التركية تعلن عن لقاء عاجل مع الإدارة السورية: هل سيتم تعديل النظام الضريبي في سوريا؟
  • الجولاني يستلم قصر الرئاسة السوري بعد ضرب الأسد (بوري)