أثارت مناقشة البرلمان المصري مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد موجة من الاعتراضات على بنود عدة فيه، تتعلق بنزاهة سير العدالة، بحسب ما أعلنت نقابتا المحامين والصحفيين، بالإضافة إلى عدد من المشاركين في جلسات الحوار الوطني، الذي كان قد خرج بتوصيات تتعلق بتقليل مدة الحبس الاحتياطي.

وصل صدى موجة الغضب إلى عدد من المنظمات الحقوقية وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد إعلان رئاسة الوزراء المصرية موافقتها على مشروع القانون قبل الموافقة عليه في الجلسة العامة للبرلمان أو طرحه لنقاش مجتمعي.

وقال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إن تعديلات قانون الإجراءات الجنائية على رأس أولويات الحكومة لتنفيذ الاستراتيجية القومية لحقوق الإنسان تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي.

لكن نقابة المحامين اعترضت بشدة على مشروع القانون واعتبرته خطرا على العدالة، فيما أعلن نقيب الصحفيين، خالد البلشي، تضامنه مع المحامين في اعتراضهم، لاسيما أن القانون الجديد منح القضاة حق معاقبة الصحفيين أو المواطنين أو المحامين إذا قاموا بالنشر عن القضايا دون تصريح مسبق من قاضي النشر.

"تقويض حق المتهم"

وقال المحامي الحقوقي، نبيه الجنادي، لموقع "الحرة" إن "مشروع القانون أكبر بكثير من مناقشته في تقرير صحفي أو برنامج تلفزيوني واحد لأنه قانون كامل يضم 550  بندا، ولذلك يطالب كثيرون بفتح سلسلة نقاشات مجتمعية موسعة تستغرق وقتا كافيا لمراجعته وتعديله".

وتحدث الجنادي عن أبرز الانتقادات المتعلقة بمشروع القانون، قائلا إنه "أحد البنود ينص على منح صلاحيات واسعة لمأموري الضبط القضائي في التحقيق مع المتهمين واستجوابهم، وهذا ما لم يكن موجودا قبل ذلك، إذ كنا ندفع بأن إجراءات التحقيق تتم في ظل احتجاز غير قانوني، وبالتالي فإن كل الاعترافات نتيجة للإكراه المادي أو المعنوي".

وأضاف "وبالتالي إذا تم تطبيق هذا القانون حاليا بالنظر إلى مقرات الاحتجاز غير القانونية الموجودة، مثل الأمن الوطني أو المخابرات أو غيرها، وتحديدا في ما يتعلق بالمتهمين المحتجزين على خلفية قضايا سياسية، سيساعد في تقنين الانتهاكات بحق هؤلاء المتهمين، ويجعل جهة الضبط هي الخصم والحكم في آن واحد".

وتابع أنه "ليس من الطبيعي أن تقوم جهة الضبط بالتحقيق وسماع الشهود ومواجهة المتهم بالأدلة وذلك في مقراتها لأن هذا يعتبر تقليصا لدور النيابة العامة التي عادة ما تكون مخولة بالفصل في مثل هذه الأمور والإجراءات".

وأوضح أن "مشروع القانون الجديد يسمح للنيابة أن تخول جزءا من دورها المتعلق بإجراء التحقيقات إلى جهة الضبط، كما أنه لا يلزم جهة الضبط بإحضار محامي المتهم، الذي يعتبر العنصر الرئيسي لضمان حقه".

وأشار إلى أن "قانون الإرهاب الحالي المعمول به يسمح للأمن الوطني باحتجاز المتهم لمدة 14 يوما بدون قرار من النيابة، ثم 14 يوما ثانية بقرار من النيابة، وهذا يعني إمكانية احتجاز المتهمين لمدة شهر كامل، وخلال هذه المدة يتم استجوابه بهم، وحاليا أصبح يوجد قانونان ينظمان إجراءات هذه الفترة، وهو قانون الإرهاب الذي يعطي الحق للأمن باحتجاز المتهم لمدة شهر، ومشروع القانون الجديد الذي يعطي الحق لجهات الضبط بالتحقيق واستجواب المتهم، وهؤلاء جزء من أجزاء القضية".

أما البند الثاني والذي يرى الجنادي أنه يسبب خللا كبيرا في مسار العدالة هو المحاكمات الإلكترونية، موضحا أنه "منذ حوالي سنتين، أصدر وزير العدل قرارا بنظر أمر تجديد الحبس إلكتروني، وكان الأمر مقتصرا فقط على تجديد الحبس، لكن مشروع القانون الجديد يعطي الحق في توسعة الأمر إلى إجراءات المحاكمة نفسها".

وقال إنه "من خلال القانون الجديد، يمكن للقاضي نظر القضية عن بعد إذا أراد ذلك، وهذا أمر يخل بضمانات المحاكمة وبحق المتهم في حضور جميع إجراءات ومراحل التقاضي قبل صدور الحكم عليه".

والأمر الثالث الذي انتقده الجنادي هو "عدم إلزام جهات التحقيق بتسليم أوراق وملف القضية لمحامي المتهم، وهذا ما يخل بأساس عدالة التقاضي"، من وجهة نظره.

ومن جانبه، قال المحامي وأستاذ القانون في جامعة باريس، علي النبوي، لموقع الحرة" إن "العديد من النصوص يصيبها العوار الشديد، وغير واضحة، وتحتاج لمراجعات دقيقة حتى لا تكون متروكة للتفسيرات والتأويلات المختلفة".

وأضاف أنه على سبيل المثال "نص المادة 25 من القانون الجديد يقابلها نص المادة 23 من القانون الحالي وتتعلق بالضبطية القضائية ومأموري الضبط القضائي"، موضحا أنه "تمت إضافة أشخاص جدد وهم ضباط الشرف، ومراقبو ومندوبو الشرطة، وضباط الصف ومعاونو الأمن بقطاع الأمن الوطني ووالأمن العام بوزارة الداخلية".

وتابع أن "مأموري الضبط القضائي في حد ذاتها فضفاضة لأنه غير محدد في جميع أنحاء الجمهورية من يتمتعون بتلك الضبطية قديما وحديثا، ولذلك فإن التعديلات الجديدة ومدى التوسع في تلك الصفة أمر خطير".

وأشار النبوي أيضا إلى أن "رفع رسوم إعادة المحاكمة من 200 جنية الي 10 آلاف جنيه، هي كارثة بكل المقاييس في وجه المواطن البسيط، ما يقوض العدالة".

وانتقد أستاذ القانون المادة 124 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد والذي يصعب من وجود المحامي خلال التحقيقات في بعض الحالات على أنه "لا يجوز للمحقق في الجنايات وفي الجنح المعاقب عليها بالحبس وجوباً أن يستجوب المتهم أو يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا بعد دعوة محاميه للحضور عدا حالة التلبس وحالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة على النحو الذي يثبته المحقق في المحضر".

وأوضح أن نقابة المحامين اعترضت أيضا على نص يسمح بإخفاء شخصية الشاهد وبياناته عن المتهم والمحامي، واستنكرت صدور حكم يستند على شهادة شخص مجهول وغير معروف.

وقال المحامي الحقوقي، محمد سليمان أبو طويلة، لموقع "الحرة" إن "قانون الإجراءات الجنائية هو الوسيلة لتطبيق قانون العقوبات الذي يحمي الحرية الشخصية، ولذلك فإذا أنحرف الإجراء انحرفت العقوبة، وهو ما يؤدى إلى بث عدم الثقة في نظام العدالة الجنائية ولا يتحقق ذلك إلا بوجود نظام إجرائي يحول دون الإستبداد بالسلطة وبه تصان الحرية".

وأضاف أنه "ورغم ذلك، فإن الحاجة ملحة إلى تشريع قانون جديد للإجراءات الجنائية ينال حظه من الدراسة والبحث والمناقشة على نحو يحقق الفاعلية في الإجراءات مع توفير الضمانات للأفراد ومن يمثلهم في مواجهة السلطة في الوقت ذاته، إلا أن التعديلات التي أدخلت على القانون منذ صدوره عام 1950 نالت من صورته الأصلية وجنحت في كثير منها نحو إعلاء شأن السلطة على حساب الحرية بحجة أن تحقق قواعد الإجراءات للمجتمع حقين يصعب التوفيق بينهما الأول ألا يفلت الأثيم من العقاب والثاني احترام الحريات".

وحذر المحامي الحقوقي من "المادة (267) من مشروع القانون، وطالب بتعديلها، وإعادة النظر في نصوصها، التي تنص على: (لا يجوز نشر أخبار، أو معلومات، أو إدارة حوارات، أو مناقشات عن وقائع الجلسات، أو ما دار بها على نحو غير أمين، أو على نحو من شأنه التأثير على حُسن سير العدالة. ويحظر تناول أي بيانات، أو معلومات تتعلق بالقضاة، أو أعضاء النيابة العامة، أو الشهود، أو المتهمين عند نظر المحكمة لأي من الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب الصادر بالقانون رقم (94) لسنة 2015م".

وأكد أن "هذا النص يعد تقويضًا للعدالة وللعمل الصحفي في آن واحد".

وأوضح أن "نصوص الحبس الاحتياطي والتحفظ على الأموال والمنع من السفر غير مرضية تماما وعبارة عن تكرار لنصوص قانون الإجراءات الحالي تقريبا، كما أن المشروع لم يأخذ في اعتباره الاجراءات التي تم اتخاذها ونتج عنها مشكلة الحبس الاحتياطي والمنع من السفر، لأن أي نص لا يضع حدا أقصى لانتهاء النيابة من التحقيق في الجريمة وإصدار قرارها أمام بالإحالة أو بالحفظ أو بأن لا وجه لإقامه الدعوى لا يمكن اعتباره تقدما في طريق الحل".

طفرة قانونية

من جانبه اعتبر أستاذ القانون في جامعة القاهرة، كمال عبدالله، في حديثه لموقع "الحرة" إن مشروع القانون يعتبر طفرة قانونية في العديد من البنود لكن لم ينظر إليها أحد بعين الاهتمام، ومنها على سبيل المثال "تقليل مدد الحبس الاحتياطي، وإرجاء تنفيذ التهم على المرأة الحامل".

وأضاف أنه "تناول مشروع القانون كفالة الحماية للمبلغين والشهود بما في ذلك الأطفال وما يتعلق باستئناف الجنايات باعتبارها استحقاقا دستوريا"، معتبرا أن "العدالة الناجزة أمر هام سيحققها مشروع القانون الجديد ولكن بتحقيق التوازن مع استحقاق العدل وإقامة الحق".

وتابع أن "مشروع القانون الجديد يواكب التطورات التكنولوجية الحديثة، وذلك عبر تضمين نصوص قانونية تتيح استخدام الأدلة الرقمية والاعتراف بها في المحاكم، هذا بجانب دوره في تسريع إجراءات التقاضي لتقليل التكدس القضائي وضمان تحقيق العدالة الناجزة، وهو ما سيكون له انعكاسه على ضمان حماية حقوق الإنسان، والوفاء بالتزامات مصر الدولية من خلال تصديه لأحد أهم المآخذ المتمثلة في الحبس الاحتياطي".

كما تحدث الخبير القانوني عن أهمية ما نص عليه مشروع القانون بشأن وضع "آليات واضحة لحماية الشهود والمبلغين، وضمان سرية هويتهم في بعض الحالات، بالإضافة إلي توفير برامج حماية خاصة لهم".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: قانون الإجراءات الجنائیة مشروع القانون الجدید الحبس الاحتیاطی

إقرأ أيضاً:

عاجل- مفاجآت في قانون الإجراءات الجنائية بعد موافقة البرلمان النهائي

وافق مجلس النواب المصري، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، خلال جلسته العامة المنعقدة اليوم الثلاثاء 29 أبريل 2025، بشكل نهائي على مشروع قانون الإجراءات الجنائية، وذلك عقب التصويت عليه وقوفًا من الأعضاء، في خطوة تشريعية تعكس توجه الدولة نحو تحديث منظومة العدالة وتحقيق العدالة الناجزة.

نقلة نوعية في كفالة الحقوق وضمانات الدفاع

يهدف القانون إلى تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة وتوفير حقوق المتقاضين، من خلال إرساء قواعد أكثر صرامة تضمن عدالة منصفة وسرعة الفصل في القضايا، دون الإخلال بحقوق الدفاع. 

مجلس النواب يوافق على مشروع قانون الهيئة القومية للأنفاق في مجموعه مجلس النواب يأخد الرأي النهائي على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد اليوم

ويعد المشروع خطوة كبيرة نحو تكريس ضمانات حقوق الإنسان، حيث يعمل على تبسيط الإجراءات القضائية وإنجاز الدعاوى بشكل أكثر كفاءة.

حماية حرمة المنازل وتعويض المحبوسين احتياطيًا

نص القانون بشكل واضح على قدسية المنازل، حيث يمنع دخولها أو تفتيشها أو مراقبتها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائي مسبب يحدد التوقيت والمكان والغرض من الإجراء.

 كما فرض قيودًا جديدة على مأموري الضبط القضائي في ما يخص إجراءات القبض والتفتيش، مشددًا على أن النيابة العامة تظل صاحبة الاختصاص الأصيل في مباشرة وتحريك الدعوى الجنائية.

وفيما يخص الحبس الاحتياطي، شدد القانون على الطابع الوقائي لهذا الإجراء، مؤكدًا ضرورة تخفيض مدته ووضع حد أقصى لها، واشترط أن تكون جميع قرارات الحبس الاحتياطي مسببة. 

وأقر القانون تعويضًا معنويًا وماديًا في حالات الحبس الاحتياطي الخاطئ، عبر إلزام النيابة العامة بنشر أحكام البراءة أو أوامر حفظ الدعوى في صحيفتين يوميتين واسعتي الانتشار على نفقة الدولة.

نظام رقمي للإعلانات القضائية وضبط أوامر المنع من السفر

استكمالًا لمسار التحول الرقمي، تضمن المشروع تنظيمًا جديدًا لنظام الإعلانات القضائية، من خلال إنشاء مراكز إعلانات هاتفية وإلكترونية داخل كل دائرة محكمة جزئية، تتبع وزارة العدل، وتكون مرتبطة بقاعدة بيانات الأحوال المدنية، وهو ما يُحدث نقلة نوعية في نظم الإعلان القضائي في مصر.

كما يواجه القانون مشكلة تشابه الأسماء، من خلال إلزام مأموري الضبط بإثبات الرقم القومي للمتهمين فور ضبطهم، وإلزام النيابة العامة بتدوين كافة بياناتهم الشخصية مع أول حضور للتحقيق.

وفيما يخص أوامر المنع من السفر والإدراج على قوائم ترقب الوصول، فقد قيد القانون إصدارها ليكون فقط من اختصاص النائب العام أو من يفوضه، أو قاضي التحقيق المختص، على أن تكون مسببة ولمدة محددة، مع تمكين المتضررين من التظلم أمام المحكمة المختصة، التي تُلزم بالفصل فيه خلال مدة لا تتجاوز 15 يومًا.

محاكمة رقمية وضمان محامٍ لكل متهم

تضمن مشروع القانون تنظيم إجراءات التحقيق والمحاكمة عن بُعد باستخدام الوسائل التقنية الحديثة، في إطار دعم مسار العدالة الرقمية، مع توفير حماية قانونية فعالة للشهود، والمبلغين، والمتهمين، والمجني عليهم، والخبراء.

وأكد المشروع على مبدأ عدم جواز المحاكمة دون حضور محامٍ، حيث أوجب على جهات التحقيق أو المحاكمة ندب محامٍ للدفاع عن المتهم في حال عدم وجود محامٍ خاص، مع ضمان وجوده خلال كل مراحل القضية.

دعم حقوق المرأة والطفل وذوي الإعاقة

اختتم القانون أحكامه بنصوص تؤكد تفعيل الحماية القانونية للفئات الأكثر احتياجًا، ومنها النساء والأطفال وذوي الإعاقة وكبار السن، عبر توفير المساعدة القانونية المجانية لهم خلال مراحل التحقيق والمحاكمة، بما يعزز من مبادئ العدالة الشاملة وعدم التمييز.

مقالات مشابهة

  • نائب رئيس حزب الاتحاد: قانون الإجراءات الجنائية الجديد يمثل نقلة نوعية لترسيخ العدالة
  • بعد إقراره نهائيًا.. ننشر أهداف قانون الإجراءات الجنائية الجديد
  • محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية الجديد خطوة فارقة لتحقيق العدالة الناجزة
  • حزب المصريين: موافقة النواب على مشروع قانون الإجراءات الجنائية إنجاز تشريعي
  • قيادي بحزب المؤتمر: قانون الإجراءات الجنائية خطوة تاريخية لدعم حقوق الإنسان
  • حزب المؤتمر: مشروع قانون الإجراءات الجنائية يرسخ مبادئ العدالة الناجزة
  • عاجل - مفاجآت تحت قبة البرلمان.. النواب يقرِّ "قانون الإجراءات الجنائية" الجديد نهائيًا
  • عاجل- مفاجآت في قانون الإجراءات الجنائية بعد موافقة البرلمان النهائي
  • الطماوي: قانون الإجراءات الجنائية الجديد نقلة نوعية في مسار العدالة
  • وزارة العدل: مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد راعى مبادئ حقوق الإنسان