الجامعات العمانية تعزز مبادرات الحياد الصفري والتحول الأخضر
تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT
- استخدام المواد العازلة وأنظمة الإضاءة الذكية والتبريد المركزي لتحقيق كفاءة الطاقة
- إنشاء محطات لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية والتوعية بأهمية الطاقة المتجددة
ـ اعتماد أنظمة الري الحديثة ومعالجة مياه الصرف وإعادة تدويرها
تتجه مؤسسات التعليم العالي نحو تطبيق الحرم الجامعي الذكي وتطوير وتحديث الخدمات المتعلقة بالبنية الأساسية لمبانيها وتعزيز مبادرات التحول لمباني خضراء ذكية من خلال زيادة المساحات الخضراء واستخدام الأنظمة التقنية وتقليل الانبعاثات وتدوير النفايات وتحويلها إلى وقود حيوي واستخدام أدوات قليلة الاستهلاك للكهرباء، وإيجاد نظام بيئي متكامل يحقق الاستدامة.
جهود وطنية
وقالت الدكتورة مريم بنت بلعرب النبهانية المديرة العامة للجامعات والكليات الخاصة: سعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار إلى المساهمة في الوصول إلى الحياد الصفري قبل حلول عام 2050، والاهتمام بكل ما يتعلق بالحياد الصفري والبيئة النظيفة والطاقة المتجددة والمناخ، وتوجيه مؤسسات التعليم العالي للتحول إلى جامعات وكليات خضراء وذكية عبر تقليل الانبعاثات وتدوير النفايات وتحويلها إلى وقود حيوي واستخدام أدوات قليلة الاستهلاك للكهرباء، وإيجاد نظام بيئي متكامل وتحقيق الاستدامة، وذلك من خلال حث مؤسسات التعليم العالي على تعزيز مبادرات المباني الخضراء وزيادة المساحات الخضراء واستخدام التكنولوجيا الرقمية، وإدارة النفايات، وقد بدأت المؤسسات في وضع خطط تنفيذية مع شركات القطاع الخاص للنظر في إمكانية المساهمة في هذا التوجيه، وقد عقدت الوزارة عدة اجتماعات مع شركات من القطاع الخاص لبحث سبل التعاون لتحويل مبانٍ مؤسسات التعليم العالي إلى مبان ذكيه خضراء ودعم المناشط والفعاليات الطلابية المتعلقة بذلك.
مضيفة: إن الوزارة عملت على تعريف مؤسسات التعليم العالي بمؤسسات التمويل مثل صندوق المناخ الأخضر وهي منظمة عالمية يتم عبرها تمويل مشاريع التحول إلى الطاقه المتجددة وصولا إلى الحياد الصفري، كما تعمل الوزارة حاليًا على التحضير لعقد دورة حول التحول إلى حرم جامعي ذكي وأخضر مستدام مؤكدة أن الوزارة حريصة على تسريع عملية التحول إلى الطاقه البديلة المتجددة خلال 3-5 سنوات بحد أقصى، وربط مؤشرات أداء مؤسسات التعليم العالي في الوصول إلى الطاقة المتجددة بنسبة 90% عبر التحول إلى مبانٍ صفرية الانبعاثات الضارة.
وحول المؤسسات التي بدأت في تطبيق المشروع، بينت أن جامعة نزوى تعاقدت مؤخرًا مع استشاري عالمي لوضع تصور لحرم جامعي ذكي، تزامنًا مع جاهزية مبانيها متعددة الاستخدامات، وأنشأت جامعة البريمي محطة توليد طاقة شمسية في حرمها الجامعي لتسهم في توليد الطاقة بشكل نظيف ومستدام، حيث سعت إلى تعزيز التوعية بأهمية الطاقة المتجددة والمحافظة على البيئة، كما نفذت كلية الشرق الأوسط برنامج الحرم الجامعي الأخضر والمستدام، وتمثلت المرحلة الأولى من البرنامج في تحسين المناظر الطبيعية وزراعة أكثر من 500 شجرة، واستبدال الإضاءة التقليدية بمصابيح LED الموفرة للطاقه، واستخدام أنظمة تكييف الهواء بالمياه المبردة لتحقيق الاستخدام الأمثل للطاقة في مشاريع البناء الجديدة، وتقليل النفايات وإعادة التدوير من خلال الشراكة مع صحيفة مسقط ديلي لتعزيز عادات إعادة تدوير الورق في مجتمع الحرم الجامعي وأهمية إدارة النفايات المسؤولة.
بيئة تعليمية مستدامة
وحول جهود الجامعة العربية المفتوحة في التحول إلى حرم جامعي ذكي أخضر ومستدام، أفاد الأستاذ الدكتور محمد بن حمدان البادي رئيس الجامعة: انتقلت الجامعة إلى الحرم الجامعي الجديد في عام 2023، والذي يعد ممكنًا لتحقيق رؤية الجامعة في أن تكون "الجامعة العربية المفتوحة رائدة في جودة التعليم للجميع وتطوير مجتمع المعرفة"، ولتحقيقِ هذه الرؤية فإن الجامعة ركزت على الحرم الجامعي الذكي الأخضر والمستدام، فقد نصت الغاية السابعة من الخطة الاستراتيجية على تطوير البنية الأساسية التقنية وتوفير حلول ذكية وآمنة بما يعزز التحول الرقمي، كما ركزت الغاية السادسة على توسيع برامج المسؤولية والشراكة المجتمعية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي من بين أهدافها الإسهام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، كما تم مؤخرًا اعتماد "خطة الاستدامة" التي تتضمن المحاور البيئية والمالية والصحية والاجتماعية والتعليمية والرقمية ومحور الحوكمة، وتهدف الاستدامه البيئية إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية وتقليل الآثار البيئية السلبية من خلال تبني مبادرات الطاقة المتجددة والتخفيف من التلوث، ولذلك تم تزويد الحرم الجامعي بأعلى المواصفات لبيئة التعلُّم من أجل تحفيز القدرات الإبداعية والابتكارية للطلبة والمنتسبين للجامعة، حيث يضم الحرم الجامعي 13 مختبرًا مجهزًا بأحدث التقنيات، و 36 قاعة دراسية مزودة بأنظمة حديثة تضمن تمكين الطلاب وتعزيز مهاراتهم، حيث تتوفر لهم أحدث النظم التكنولوجية المستخدمة والمواد التعليمية الإلكترونية والصفوف التفاعلية، إضافة إلى ذلك تتيح المرافق للطلبة ممارسة الأنشطة والفعاليات التي تدعم قدراتَهم وتقوي مهاراتَهم، كما خصصت الجامعة قاعات تدريبية مجهَّزة بأحدث التقنيات لتمكين تفعيل أنشطة التدريب وخدمة المجتمع.
ويتميز مبنى الجامعة بتزيين الواجهة بمشربيات تمثل العمارة الإسلامية، وتوفر هذه المشربيات ظلًا جزئيًا، مما يقلل من دخول أشعة الشمس المباشرة، ويسمح بدخول الإضاءة الطبيعية، مما يسهم في ترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية، وواصل البادي حديثه: كما راعى تصميم المبنى الترشيد في استهلاك الطاقة عن طريق استخدام مواد العزل الحراري للجدران الخارجية بالإضافة إلى استخدام التثبيت الميكانيكي للحجر الطبيعي المستخدم من أجل إضافة عازل حراري إضافي واستخدام المصابيح الكهربائية الموفرة للطاقة، وتم استخدام المصابيح المزودة بالألواح الشمسية في الإنارة الخارجية. ويسهم النظام الذكي لإدارة المبنى في إدارة وحدات التبريد المركزية والإضاءة الكهربائية بما يسهم في ترشيد استهلاك الكهرباء.
ويزين ساحات المبنى 51 شجرة نخيل و 27 شجرة بلوميريا وأزهارا متنوعة تضفي على الأجواء شعورًا منعشًا بالإضافة لمساحات خضراء واسعة. كما تتوزع حول المبنى 38 جلسة رخامية فسيحة محاطة بالمساحات الخضراء. كما توفر الجامعة محطات إعادة تدوير للنفايات.
وأفاد الدكتور بأن الجامعة تعمل على مشروع إنشاء محطة لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية بهدف توفير مصادر طاقة متجددة ومستدامة للجامعة، وسيسهم هذا المشروع في تقليل انبعاثات الكربونية وتعزيز الاستدامة البيئية، والذي يعتبر جزءًا أساسيًا من خطط الجامعه لتعزيز الاستدامة البيئية. ومن المخطط أن تكون القدرة الإجمالية للمشروع 1.1 ميجاواط من الألواح الشمسية. ومن المتوقع أن ينتج المشروع أكثر من 1.8 مليون كيلوواط ساعة من الكهرباء النظيفة سنويًا لاستخدامها في مباني الجامعة. وسيسهم هذا المشروع في الخطة الوطنية للحياد الصفري ومستهدفات رؤية عمان 2040 وأهداف التنمية المستدامة، حيث سيمكن المشروع من تجنب 720 طنًا من الانبعاثات الكربونية سنويًا، أو ما يعادل 18.000 طن على مدى 25 عاما، وتخطط الجامعة لتركيب محطات متخصصة لشحن السيارات الكهربائية. كما تعمل الجامعة على مراجعة النظام الذكي لإدارة المبنى من أجل التشغيل الأمثل للأنظمة الكهربائية. كما تدرس الجامعة الخيارات المتاحة من أجل ترشيد استهلاك المياه لجميع الاستخدامات. كما تنسق الجامعة مع الجهات المختصة لتشجير المنطقة المحيطة بالجامعة لزيادة المساحات الخضراء.
وأضاف د.البادي: إن ممكنات التحول إلى حرم جامعي ذكي أخضر ومستدام يتطلب تنفيذ مجموعة من المبادرات والاستراتيجيات التي تدمج بين استخدام التكنولوجيا الحديثة ومراعاة الاستدامة البيئية، من بينها السياسات المؤسسية والخطط الاستراتيجية التي تعد مؤشرًا أساسيًا على التزام ودعم قيادة المؤسسات للتوجه نحو حرم جامعي ذكي أخضر ومستدام، أيضًا تركيب أنظمة إدارة الطاقة الذكية مثل الألواح الشمسية والتقنيات الذكية للتحكم في الإضاءة والتدفئة والتبريد، والإنارة الذكية كاستخدام مصابيح موفرة للطاقة مع أنظمة تحكم ذكية تعتمد على استشعار الحركة والضوء، كذلك شبكات المياه من خلال استخدام أنظمة ذكية لرصد استهلاك المياه واكتشاف التسريبات، أيضًا التعليم الرقمي من خلال تعزيز استخدام الأدوات والتقنيات التعليمية الرقمية لتقليل الحاجة إلى المواد الورقية، والنقل الذكي عن طريق تشجيع استخدام وسائل النقل المستدامة مثل: الدراجات الكهربائية وتوفير محطات شحن للسيارات الكهربائية، وتحليل البيانات باستخدام أنظمة تحليل البيانات لتحسين كفاءة استخدام الموارد وتقديم رؤى حول كيفية تحسين الأداء البيئي للحرم الجامعي، أيضًا المشاركة المجتمعية والتدريب من خلال تنظيم ورش عمل وندوات ومسابقات لزيادة الوعي البيئي بين الطلاب والموظفين وتعليمهم كيفية المساهمة في الاستدامة، والسعي للحصول على شهادات بيئية كمؤشر على الالتزام بالاستدامة، وإجراء تقييمات دورية لأداء الحرم الجامعي البيئي واعتماد إستراتيجيات تحسين مستمرة.
نحو "صفر" انبعاثات كربونية
وقال الدكتور راشد بن سعيد العبري عميد كلية الهندسة والعمارة بجامعة نزوى: نفّذت جامعة نزوى الحرم الجديد ليصبح من أكثر المشاريع استدامة في عمان، إذ صُمم لتحقيق أهداف رؤية عمان 2040، وتقليل صافي الانبعاثات الكربونية لتعزيز البصمة الكربونية، إذ يوجّه المختصون والباحثون إلى تطوير الحرم الجامعي تحقيقا لمبادئ الاستدامة البيئية، ودمج العمارة العمانية التقليدية مع الوظائف الحديثة، وتوفير مناخ صديق للبيئة وذكي وريادي، ويشتمل المخطط الجديد للحرم الجامعي عناصر معمارية عمانية تقليدية استلهمت من الحضارة العمانية والإسلامية، مع تصميم حديث لإنشاء بيئة وظيفية وجمالية، ويشمل ذلك استخدام الفناءات الداخلية المفتوحة التي تعزز استعمال الضوء الطبيعي والتبادل الحراري لتقليل الحرارة في هذه الفناءات بشكل طبيعي ومبتكر، كما توفّر الجامعة مساحات خارجية تمتاز بالظلال والتشجير بهدف تلطيف الجو وتوفير بيئة نظيفة وخضراء، كما يتميز الحرم الجامعي أيضًا بنوافذ كبيرة وممرات مفتوحة لتكون بمثابة طبقة عازلة فعّالة ضد الحرارة، مع تحسين استخدام الضوء الطبيعي وتقليل استهلاك الطاقة.
أما بالنسبة لجدران الحرم الجامعي ونوافذه، فقد روعي في تصميمها الاستدامة البيئية والاستدامة الزمنية لعمر المباني، إذ عززت الجدران بعوازل حرارية مدمجة بطبقات متعددة من العوازل لتقليل تكاليف طاقة التبريد لأكثر من 50%، أما عن النوافذ فهي ذات ثلاث طبقات محقونة بغاز الأرغون لتعزيز كفاءة الطاقة، ويضمن دمج الأسطح البيضاء والخضراء أقصى قدر من انعكاس أشعة الشمس؛ مما يقلل من انتقال الحرارة، ويحسّن كفاءة نظام التبريد المركزي، وتسهم هذه الخيارات التصميمية في استدامة الحرم الجامعي بشكل عام؛ مما يقلل من تكاليف التشغيل ويخفّض البصمة الكربونية، فيما تمّ استخدام الأسطح البيضاء والخضراء جزءًا من التصميم البيئي المستدام في المباني، فالأسطح الخضراء تُستخدم لتحسين العزل الحراري، إذ إن هذه الأسطح تساعد في الحفاظ على درجات حرارة منخفضة، إذ تعمل النباتات على امتصاص حرارة الشمس بدلًا من تخزينها كما يحدث في الأسطح التقليدية، وتعمل الأسطح الخضراء على تحسين جودة الهواء. أما الأسطح البيضاء فتُستخدم لتقليل امتصاص حرارة الشمس المباشرة؛ مما يؤدي إلى تقليل احتياجات التبريد في المباني. الجدير بالذكر أنّ هذه التقنية تسهم في تحسين كفاءة نظام التبريد المركزي للمبنى وتقليل استهلاك الطاقة.
كما أنّ الجامعة تستخدم التبريد المركزي لتبريد مبانيها، إذ تُعدُّ جزءًا من إستراتيجية الاستدامة، فاستخدام هذا النظام يقلل تكاليف الطاقة التشغيلية بأكثر من 50%، وكذلك يُظهر نظام التبريد المركزي كفاءة عالية في استهلاك الطاقة مقارنة بأنظمة التبريد التقليدية؛ وذلك بتوزيع التبريد عبر شبكة من الأنابيب إلى المباني المتعددة من محطة مركزية، كما أن هذا النظام يستخدم المياه المفلترة والمعاد تدويرها؛ لذا يقلل من استهلاك المياه العذبة، ويزيد من كفاءة استخدام الموارد المائية. إضافة إلى ذلك، فإن عادة تدوير المياه في نظام التبريد ليست فقط للحافظ على المياه، ولكن أيضًا تسهم في تحسين الاستدامة البيئية بتقليل الاعتماد على المياه الجوفية أو إمدادات المياه العامة.
أما من حيثُ استخدام مصادر الطاقة المتجددة، فقد أفاد الدكتور بأن الأسطح جهزت لتركيب أنظمة شمسية كهروضوئية لتقليل الاعتماد على الكهرباء من الشبكة وتكاليف التشغيل، مع تقديمها أداة عملية للتعليم والبحث في مجال الطاقة، كما يعتمد الحرم الجامعي الجديد على أنظمة إدارة المياه المتقدمة، بما في ذلك استخدام معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة تدويرها، والمفاعلات البيولوجية، والأغشية التناضحية العكسية لإنتاج مياه عالية الجودة للاستخدام في الري؛ مما يقلل من الطلب على إمدادات المياه العذبة العامة وتكاليف التشغيل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مؤسسات التعلیم العالی الاستدامة البیئیة الطاقة المتجددة استهلاک الطاقة الحرم الجامعی مما یقلل من التحول إلى من خلال من أجل
إقرأ أيضاً:
مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم (الحلقة 5)
فبراير 20, 2025آخر تحديث: فبراير 20, 2025
محمد الربيعي
بروفسور متمرس ومستشار علمي، جامعة دبلن
في قلب ولاية كاليفورنيا المشمسة، حيث تتراقص اضواء التكنولوجيا وتتلاقى عقول المبتكرين، تقبع جامعة ستانفورد، شامخة كمنارة للعلم والمعرفة. ليست مجرد جامعة، بل هي قصة نجاح ملهمة، بدات بحلم، وتحولت الى صرح عظيم، يضيء دروب الاجيال.
منذ سنوات خلت، تشكلت لدي قناعة راسخة بجودة جامعة ستانفورد، وذلك من خلال علاقات علمية بحثية مشتركة في مجال زراعة الخلايا. فقد لمست عن كثب تفاني علماء الجامعة وتميزهم، وشهدت انجازات علمية عظيمة تحققت بفضل هذا التعاون المثمر.
ولعل ما يزيد اعجابي بهذه الجامعة هو شعار قسم الهندسة الحيوية (الرابط المشترك بيننا) والذي يجسد رؤيتها الطموحة: “بينما نستخدم الهندسة كفرشاة، وعلم الاحياء كقماش رسم، تسعى الهندسة الحيوية في جامعة ستانفورد ليس فقط الى الفهم بل ايضا الى الابداع”. انه شعار ينم عن شغف اعضاء القسم بالابتكار وتطوير المعرفة، ويؤكد التزامهم بتجاوز حدود المالوف.
البداية: قصة حب ملهمة
تعود جذور هذه الجامعة العريقة الى قصة حب حزينة، ولكنها ملهمة. ففي عام 1885، فقد حاكم ولاية كاليفورنيا، ليلاند ستانفورد، وزوجته جين ابنهما الوحيد، ليلاند جونيور. وبدلا من الاستسلام للحزن، قررا تحويل محنتهما الى منحة، وانشا جامعة تحمل اسم ابنهما، لتكون منارة للعلم والمعرفة، ومصنعا للقادة والمبتكرين.
ستانفورد اليوم: صرح شامخ للابداع
تقف جامعة ستانفورد اليوم شامخة كواحدة من اعرق الجامعات العالمية، ومنارة ساطعة للابداع والابتكار. فهي تحتضن بين جدرانها نخبة من الاساتذة والباحثين المتميزين الذين يساهمون بشكل فعال في اثراء المعرفة الانسانية ودفع عجلة التقدم الى الامام. ولا يقتصر دور ستانفورد على تخريج العلماء والمهندسين المهرة، بل تسعى جاهدة ايضا الى تنمية مهارات ريادة الاعمال لدى طلابها، لتخريج قادة قادرين على احداث تغيير ايجابي في العالم.
ويعود الفضل في هذا التميز لعدة عوامل، لعل من ابرزها تبنيها لمفهوم الحريات الاكاديمية. وكما اجاب رئيس الجامعة على سؤال لماذا اصبحت ستانفورد جامعة من الطراز العالمي في غضون فترة قصيرة نسبيا من وجودها اجاب لان: “ستانفورد تكتنز الحرية الاكاديمية وتعتبرها روح الجامعة”. هذه الحرية الاكاديمية التي تمنح للاساتذة والباحثين والطلاب، هي التي تشجع على البحث العلمي والتفكير النقدي والتعبير عن الاراء بحرية، مما يخلق بيئة محفزة للابداع والابتكار.
من بين افذاذ ستانفورد، نذكر:
ويليام شوكلي: الفيزيائي العبقري الذي اخترع الترانزستور، تلك القطعة الصغيرة التي احدثت ثورة في عالم الالكترونيات، وجعلت الاجهزة الذكية التي نستخدمها اليوم ممكنة.
جون فون نيومان: عالم الرياضيات الفذ الذي قدم اسهامات جليلة في علوم الحاسوب، والفيزياء، والاقتصاد. لقد وضع الاسس النظرية للحوسبة الحديثة، وكان له دور كبير في تطوير القنبلة الذرية.
سالي رايد: لم تكن ستانفورد مجرد جامعة للرجال، بل كانت حاضنة للمواهب النسائية ايضا. من بين خريجاتها المتميزات، سالي رايد، اول امراة امريكية تصعد الى الفضاء، لتثبت للعالم ان المراة قادرة على تحقيق المستحيل.
سيرجي برين ولاري بيج: هذان الشابان الطموحان، التقيا في ستانفورد، ليؤسسا معا شركة كوكل، التي اصبحت محرك البحث الاكثر استخداما في العالم، وغيرت الطريقة التي نجمع بها المعلومات ونتفاعل مع العالم.
هؤلاء وغيرهم الكثير، هم نتاج عقول تفتحت في رحاب ستانفورد، وتشربت من علمها ومعرفتها، ليصبحوا قادة ومبتكرين، غيروا وجه العالم. انهم شهادة حية على ان ستانفورد ليست مجرد جامعة، بل هي منارة للعلم والمعرفة، ومصنع للاحلام.
وادي السيلكون: قصة نجاح مشتركة
تعتبر ستانفورد شريكا اساسيا في نجاح وادي السيلكون، الذي اصبح مركزا عالميا للتكنولوجيا والابتكار. فقد ساهمت الجامعة في تخريج العديد من رواد الاعمال الذين اسسوا شركات تكنولوجية عملاقة، غيرت وجه العالم. كما انشات ستانفورد حاضنات اعمال ومراكز ابحاث، لدعم الطلاب والباحثين وتحويل افكارهم الى واقع ملموس.
ولكن، كيف اصبحت ستانفورد شريكا اساسيا في هذا النجاح؟
الامر لا يتعلق فقط بتخريج رواد الاعمال، بل يتعدى ذلك الى عوامل اخرى، منها:
تشجيع الابتكار وريادة الاعمال: لم تكتف ستانفورد بتدريس العلوم والتكنولوجيا، بل عملت ايضا على غرس ثقافة الابتكار وريادة الاعمال في نفوس طلابها. وشجعتهم على تحويل افكارهم الى مشاريع واقعية، وقدمت لهم الدعم والتوجيه اللازمين لتحقيق ذلك.
توفير بيئة محفزة: لم تقتصر ستانفورد على توفير المعرفة النظرية، بل انشات ايضا بيئة محفزة للابتكار وريادة الاعمال. وشجعت على التواصل والتفاعل بين الطلاب والباحثين واعضاء هيئة التدريس، وتبادل الافكار والخبرات.
انشاء حاضنات الاعمال ومراكز الابحاث: لم تكتف ستانفورد بتخريج رواد الاعمال، بل انشات ايضا حاضنات اعمال ومراكز ابحاث، لتوفير الدعم المادي والمعنوي للطلاب والباحثين، ومساعدتهم على تحويل افكارهم الى شركات ناشئة ناجحة.
جذب الاستثمارات: لم تكتف ستانفورد بتوفير الدعم للطلاب والباحثين، بل عملت ايضا على جذب الاستثمارات الى وادي السيليكون، من خلال بناء علاقات قوية مع الشركات والمستثمرين، وعرض الافكار والمشاريع المبتكرة عليهم.
وبفضل هذه العوامل وغيرها، اصبحت ستانفورد شريكا اساسيا في نجاح وادي السيليكون، وساهمت في تحويله الى مركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار.
ومن الامثلة على ذلك:
شركة غوغل: التي تاسست على يد اثنين من طلاب ستانفورد، وهما سيرجي برين ولاري بيج.
شركة ياهو: التي تاسست ايضا على يد اثنين من طلاب ستانفورد، وهما ديفيد فيلو وجيري يانغ.
شركة هيوليت-باكارد: التي تاسست على يد اثنين من خريجي ستانفورد، وهما ويليام هيوليت وديفيد باكارد.
هذه الشركات وغيرها الكثير، هي دليل على الدور الكبير الذي لعبته ستانفورد في نجاح وادي السيليكون، وتحويله الى مركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار.
ستانفورد: اكثر من مجرد جامعة
ستانفورد ليست مجرد جامعة، بل هي مجتمع حيوي، يجمع بين الطلاب من جميع انحاء العالم، ليتبادلوا الافكار والخبرات، ويبنوا مستقبلا مشرقا لانفسهم ولوطنهم. كما انها مركز للبحث العلمي، حيث تجرى ابحاث رائدة في مختلف المجالات، تساهم في حل المشكلات العالمية، وتحسين حياة الناس.
الخلاصة: ستانفورد، قصة نجاح مستمرة
باختصار، جامعة ستانفورد هي قصة نجاح ملهمة، بدات بحلم، وتحولت الى واقع ملموس. انها صرح شامخ للعلم والمعرفة، ومصنع للقادة والمبتكرين، ومركز للابداع والابتكار. وستظل ستانفورد تلهم الاجيال القادمة، وتساهم في بناء مستقبل مشرق للانسانية جمعاء.