رحلة اللاجئين السودانيين: من غابات إثيوبيا إلى المتمة تحت الأمطار ولسعات النحل
تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT
تعرض اللاجئون السودانيون خلال رحلتهم الشاقة من غابات إثيوبيا إلى الحدود السودانية، إلى معاناة شاقة حيث واجهوا مخاطر متعددة بما في ذلك الهجمات الشرسة من مستعمرات النحل الإفريقي والظروف المناخية القاسية..
التغيير: المتمة – كمبالا
“لم يكن لدي سوى قطعة قماش صغيرة، كنت آمل أن تحميني أنا وأمًا مع أطفالها الثلاثة من لسعات النحل، ولكن القماش كان صغيرًا جدًا ولم يكن كافيًا لتغطيتنا جميعًا.
تسرد هذه الكلمات تفاصيل الهجوم المروع الذي تعرض له اللاجئون السودانيون في اليوم الثالث من رحلتهم الشاقة من غابات أولالا في إقليم أمهرة إلى الحدود السودانية، التي بدأت في 10 أغسطس الجاري. فقد تعرضوا لهجوم شرس من مستعمرات النحل الإفريقي.
قبل وصولهم إلى قرية مكة، كان الموكب الطويل يسير بخطى متثاقلة، مقسماً إلى مجموعات، النساء والأطفال في المقدمة، والشباب في الوسط، وأيضاً في مؤخرة الموكب. يقول عبدالسلام: “لم يكن أحد يتوقع ما سيحدث بعد لحظات”. وأضاف: “فجأة، اجتاحنا هجوم من مستعمرات النحل الإفريقي الشرس”.
بدأ الهجوم عندما اجتاحت الأسراب المفترسة من الخلف، مستهدفة النساء والأطفال بشكل رئيسي. كان عبدالسلام واحدًا من الذين تعرضوا للهجوم، لكنه لم يفكر في سلامته الشخصية، بل في الأطفال الذين كانوا يبكون من الألم. تحرك مع الفريق الذي اندفع لإنقاذ الأطفال. بعد أن ترك القماش للأم وأطفالها، هرع لإنقاذ طفلة تبلغ من العمر أربع سنوات، محاولاً إيجاد ملاذ آمن بين الأشجار والنباتات الكثيفة، لكن النحل كان مصرًا على ملاحقتهم.
قال عبدالسلام: “مع كل خطوة، كنت أسمع بكاء الطفلة وأشعر بلسعات النحل على جسدها الصغير. في تلك اللحظة، أخرجت بعض الملابس من حقيبتي وألبستها للطفلة في محاولة لتوفير حماية بسيطة لها، ووضعت قطعة أخرى على رأسي. لكن الهجوم استمر، وبقينا محاصرين، بينما كنت أقتل النحل الذي كان يهاجم رأسها ووجهها الصغيرين.”
بعد ساعة من الرعب، بدأ الهجوم يخف تدريجياً، فقرر عبدالسلام التحرك مرة أخرى. لكن ما أن بدأوا بالتحرك مجددًا حتى عاد النحل ليهاجمهم بشراسة أكبر. لم يكن لديهم خيار سوى الغطس في بركة ماء قريبة، حيث سارع بعض الشباب لمساعدتهم، حاملين ناموسية قاموا بتغطيتهم بها وهم في الماء. وببطء، تحركوا معًا نحو بر الأمان.
لحسن الحظ، تم إنقاذ جميع الأطفال والأمهات. فقد كان بين اللاجئين طبيب وطبيبة وصيدلانية، هرعوا لمساعدتهم بالمسكنات والمضادات الحيوية. بلغ عدد المصابين بلسعات النحل أكثر من 200 لاجئ، بينهم حوالي 50 طفلاً، تعرضوا للدغات ما بين 15 إلى 20 لدغة. تكونت فرقة الإنقاذ من حوالي 30 لاجئاً.
الوضع الصحي والإنسانيأكد عضو تنسيقية اللاجئين السودانيين بإثيوبيا، حسن الصادق، أن الوضع الكارثي والتجاهل الأممي الكامل أجبر اللاجئين على إعلان الخروج سيرًا على الأقدام من غابات أولالا إلى نقطة التسجيل الحدودية للحفاظ على ما تبقى من أرواحهم بتاريخ 8 أغسطس.
عضو تنسيقية اللاجئين السودانيين بإثيوبيا: الوضع الكارثي والتجاهل الأممي الكامل أجبر اللاجئين على إعلان الخروج سيرًا على الأقدام من غابات أولالا
وطالبت تنسيقية اللاجئين العالقين بغابات أولالا، في بيان في 9 أغسطس الجاري، الجهات المسؤولة عن حماية اللاجئين في منظمة الأمم المتحدة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين وشركائها، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، المنظمة الدولية لحقوق الإنسان، اليونيسيف، منظمة إنقاذ الطفولة، ومنظمة أطباء بلا حدود الدولية، بتوفير المراقبة والحماية الدولية بالمرافقة.
كما حملت جميع الجهات المسؤولة عن حقوق الإنسان وحماية اللاجئين مسؤولية تعرضهم لأي نوع من المخاطر المحتملة خلال مسيرتهم.
وبكل أسف، كما قال الصادق في مقابلة مع (التغيير)، خرج اللاجئون في التاريخ المعلن، وكان بينهم 693 طفلاً و349 امرأة، من ضمنهم 18 حاملًا، و39 مرضعة، و97 من كبار السن. وكان بينهم أيضًا حالات خاصة تشمل 24 معاقًا، و15 مصابًا بأزمات صحية، و2 بسرطان، و3 بفشل كلوي، ومريض قلب، و15 مصابًا بالسكري، و23 مصابًا بضغط الدم، و5 يعانون من ضغط وسكر. قطعوا حتى 16 أغسطس حوالي 70 كيلومترًا سيرًا على الأقدام. تبقى لهم حوالي عشرة كيلومترات لم يجدوا العون من أي طرف أو منظمة عدا الجهد المشكور من المواطن الإثيوبي. تحمّلوا الكثير من الصعوبات ومتاعب السير في الطريق، والأمطار، ولسعات مستعمرات النحل التي كادت أن تودي بأرواح العديد من الأطفال والنساء، ومروا خلال طريقهم بخمس محطات (كومر، مكة، شهيدي، كوكيت، المتمة).
وصل اللاجئون بتاريخ 16 أغسطس إلى مدخل مدينة المتمة التي بها مركز التسجيل الأولي، مع وجود العديد من التخوفات بتدهور حالاتهم الصحية أكثر من الآن، وذلك من خلال انهيار الوضع الصحي والحالة النفسية للعديد من الذين أرهقهم السير في الطريق وتأثرهم بالرعب والإرهاب طوال المئة يوم التي قضوها عالقين في غابات أولالا.
مطالب بالإجلاء“أمضينا 100 يوم في الغابة دون تلقي أي نوع من المساعدات الإنسانية من أي جهة أو منظمة”، بهذه الكلمات بدأت رواية حبيب حديثها في مقاطع فيديو مسجلة حصلت عليها صحيفة (التغيير) من التنسيقية. وذكرت أن رحلتهم كانت شاقة للغاية، حيث وصلوا إلى المنطقة الحدودية مع السودان سيرًا على الأقدام، وسط صعوبات كبيرة، مثل الأمطار الغزيرة والظروف المناخية القاسية. وأشارت إلى أن المجموعة كانت تضم نساء حوامل وأطفال حديثي الولادة، يعانون من نقص الغذاء والمأوى في ظل استمرار هطول الأمطار. وانتشرت الأمراض، خاصة الحميات، بين الأطفال، دون وجود أي مساعدات طبية. وختمت رواية حديثها بأن الوضع أصبح لا يُحتمل، ومع استمرار الحرب، لا يمكنهم العودة إلى السودان، مطالبة الأمم المتحدة بإجلائهم إلى دولة آمنة غير إثيوبيا.
تساءل لاجئ آخر، لم يُذكر اسمه، عن حقوق الإنسان ودور الجهات المسؤولة عن رعاية اللاجئين، حيث قال في مقاطع الفيديو المسجلة: “لقد قطعنا الغابة سيرًا على الأقدام لمدة أسبوع، في ظل الأمطار الغزيرة ونقص العلاج والطعام. لم نحصل على أي مساعدة من الجهات الحكومية أو المنظمات الإنسانية. نحن بشر نعاني بشدة، أمضينا أسبوعًا كاملًا في طريقنا دون أن يلتفت إلينا أحد. نناشد المجتمع الدولي بالتدخل الآن، بعد أن رفضنا الانتهاكات والقتل والاغتصاب التي تعرضنا لها في إثيوبيا.”
الوسومآثار الحرب في السودان اللاجئون السودانيون بأثيوبيا حرب الجيش والدعم السريعالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان حرب الجيش والدعم السريع سیر ا على الأقدام غابات أولالا من غابات لم یکن
إقرأ أيضاً:
هل ينهي انفتاح إثيوبيا على الصومال صراعات القرن الأفريقي أم يشعلها؟
أثارت الزيارة المفاجئة، لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى الصومال نهاية الشهر الماضي، موجة من التحليلات والتكهنات عن تداعياتها المحتملة على القرن الأفريقي المضطرب وعلى الصراعات المستعرة في وادي النيل.
وجاءت الزيارة بعد عام من التوتر الشديد بين مقديشو وأديس أبابا على خلفية مذكرة التفاهم المثيرة للجدل التي أبرمتها إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال، والتي تمنح أديس أبابا منفذًا بحريًا على خليج عدن ووجودًا عسكريًا في المنطقة، مما فجر أزمة سياسية بين الجارين، ودخلت مصر بموجبها حليفا للصومال.
وقد زاد تعدد الملفات الإقليمية وتشابكها من أهمية الزيارة وما قد يتمخض عنها مستقبلاً من نتائج ستلقي بظلالها على الاصطفافات التي تشكلت أخيراً، وعلى إمكانيات حصول أديس أبابا على منفذ بحري بكل ما لذلك من تداعيات في إطار صراعها مع خصميها مصر وإريتريا.
وكانت الفترة الأخيرة قد شهدت تصاعد التوتر بين أديس أبابا وأسمرا، وأشار مراقبون إلى مخاوف من احتمال تصعيد عسكري قد يشعل مواجهة جديدة بين الطرفين.
أتت زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد إلى الصومال في سياق جهود المصالحة بين البلدين التي بدأت بوساطة تركية، أدت إلى "إعلان أنقرة" في 11 ديسمبر/كانون الأول 2024، الذي مهد الطريق لحل الأزمة المستمرة منذ نحو عام بين البلدين الجارين في منطقة القرن الأفريقي.
إعلانتبع ذلك لقاء الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود وآبي أحمد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في 11 يناير/كانون الثاني 2025، وهو أول لقاء بينهما بعد اتفاق أنقرة.
في حين كان لافتاً جداً أن تسبق زيارة أحمد إلى مقديشو بـ10 أيام الجولة الأولى من المفاوضات الفنية بين إثيوبيا والصومال في أنقرة، ليليها اتفاق عسكري في 22 فبراير/شباط بين الطرفين على مشاركة القوات الإثيوبية في بعثة السلام الأفريقية في الصومال، وهو ما دأبت مقديشو على رفضه في ذروة احتدام الأزمة بينهما.
وخلال الزيارة، أصدر الزعيمان بياناً مشتركاً رحبا فيه ببدء المفاوضات الفنية بين بلديهما ضمن "إعلان أنقرة"، مؤكدين التزامهما بالحوار والتعاون البنّاء.
كما رحبا بالتفاهم الذي تم التوصل إليه بين قادة الجيش الوطني الصومالي وقوات الدفاع الوطني الإثيوبية، معتبرين ذلك خطوة حاسمة نحو تعزيز التعاون الأمني وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
وأكد البيان المشترك على عزم الزعيمين العمل معًا لتعزيز المصالح المشتركة، وتعزيز السلام والأمن، وتعميق العلاقات الثنائية من أجل رفاهية مواطنيهما ومنطقة القرن الأفريقي.
وذكرت وكالة الأنباء الصومالية، أن المباحثات بين الزعيمين ركزت على تعزيز التعاون الأمني، والشراكات التجارية، وتعميق العلاقات الدبلوماسية، مما يعكس التزام البلدين بالاستقرار الإقليمي والتعاون الاقتصادي.
إعادة بناء الثقةتمثل الزيارة خطوة هامة ضمن المسار التصالحي بين البلدين، ووفقاً للمحلل السياسي الصومالي المقيم بفرجينا عبدي جعفر عبدي في تصريحه لصوت أميركا، فإن هذا النوع من الزيارات يهدف إلى بناء الثقة وتشجيع المحادثات الفنية بين الطرفين.
في حين يشير محللون آخرون إلى رغبة أديس أبابا ومقديشو في الوصول إلى إنجاز في هذا السبيل قبل الزيارة المرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى البلدين.
إعلانوإلى جانب ما سبق، فإن التطور الإيجابي للعلاقة بين البلدين تحت مظلة "إعلان أنقرة" هو المسار الأقل تكلفة على أديس أبابا لبلوغ هدفها الإستراتيجي الذي أعلن عنه آبي أحمد بالوصول إلى البحر معتبراً إياه "ضرورة وجودية لبلاده"، حيث إن محاولتها تحقيق هذا الهدف بالتفاهم مع أرض الصومال دفعتها والصومال إلى الوقوف على هاوية الحرب.
من جانبه، يشير تحليل منشور على موقع أديس إنسايت إلى أن التعاون الأمني يأتي على رأس أجندة البلدين، بالنظر إلى التهديد المستمر الذي تشكله حركة الشباب الإرهابية التي تواصل شن الهجمات في الصومال مهددة بالتمدد إلى جميع أنحاء القرن الأفريقي، حيث لعبت إثيوبيا دوراً هاماً في دعم جهود مكافحة الإرهاب في الصومال سواء بشكل منفرد أو من خلال بعثة الاتحاد الأفريقي في البلاد.
دوافع مقديشوفي المقابل، يمثل الشأن الداخلي أحد الدوافع الهامة للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الذي تعاني إدارته من أزمات مستفحلة مع عدد من حكام الولايات الصومالية على رأسهم رجل جوبا لاند القوي، محمد أحمد مادوبي، والتي وصلت درجة الاشتباك المسلح بين قواته والجيش الفدرالي في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وفي هذا السياق يشير مقال منشور في مركز مقديشو للبحوث والدراسات إلى أن من المتوقع أن الاتفاق مع إثيوبيا سيمنعها من التعامل مع الولايات الإقليمية في البلاد والتي يتمتع بعضها بعلاقات متعددة الأبعاد مع أديس أبابا.
وهذا ما أكّده البيان الختامي الصادر عن اجتماع قادة جيشي البلدين بمقديشو في 22 فبراير/شباط 2025م، الذي نص على:
أن تكون الحكومة الفدرالية الصومالية بوابة العلاقات الرسمية بين الجمهورية الإثيوبية الفدرالية الدّيمقراطية والجمهورية الصومالية الفدرالية. واحترام سيادة واستقلالية الشعب الصومالي ووحدة وسلامة أراضيه.وهو ما يرسم علامة استفهام كبيرة عن مستقبل مذكرة التفاهم الإثيوبي مع إقليم أرض الصومال.
إعلان توترات إقليميةعلى المستوى الإقليمي، يشير العديد من المراقبين إلى أنه لا يمكن فصل هذه الزيارة والمسار السلمي عن محاولة أديس أبابا إضعاف أو تفكيك التحالف الثلاثي بين كل من مصر وإريتريا والصومال، الذي شكل تحدياً جدياً لأديس أبابا وضع مصر وحليفتيها على الحدود الإثيوبية الشمالية والجنوبية.
وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول 2024، شهدت العاصمة الإريترية أسمرا قمة جمعت الرئيس الإريتري أسياس أفورقي بنظيريه المصري عبد الفتاح السيسي والصومالي حسن شيخ محمود أكد فيها الثلاثة على ضرورة:
احترام سيادة واستقلال وسلامة أراضي بلدان المنطقة. ومساعدة الصومال على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية المختلفة. وتمكين الجيش الوطني الصومالي من مواجهة الإرهاب بجميع أشكاله وحماية حدوده البرية والبحرية والحفاظ على سلامة أراضيه.وهكذا، فإن هذه الزيارة أثارت من جديد التساؤلات عن مصير هذا التحالف، ولا سيما أن انطلاق مسار المصالحة الصومالي الإثيوبي ترافق مع تزايد في سخونة التوتر بين أسمرا وأديس أبابا.
لتأتي الزيارة الحالية والمنطقة تعيش على أصداء وتداعيات مقال نشره الرئيس الإثيوبي السابق مولاتو تيشومي على الجزيرة الإنجليزية يتهم فيه إريتريا بإثارة الصراعات ودعم المتمردين، وبمحاولتها تقويض اتفاق بريتوريا للسلام، داعياً إلى "ردع" من يريدون إنهاء السلام في بلاده، مثل الرئيس الإريتري أسياس أفورقي.
وقد وصف العديد من المراقبين هذه الدعوة بأنها تمهيد الأرضية لعمل عسكري متوقع بين الطرفين.
ولأهمية هذا المقال فقد رد عليه وزير الإعلام الإريتري، في حالة نادرة، بتغريدة مفصلة على حسابه على موقع إكس، نفى فيها الاتهامات الموجهة إلى بلاده، معتبراً أنها "تهدف إلى إخفاء وتبرير أجندة الحرب"، وأن "مشاكل المنطقة تنبع من إثيوبيا، لا من مكان آخر".
يقابل هذا التصاعد في التوتر الإريتري الإثيوبي غموض في الخطوات المقبلة للضلع الثالث في التحالف والمتمثل في مصر، فالمصالحة بين مقديشو وأديس أبابا والتي تأتي الزيارة الحالية في إطارها تحمل في طياتها عدداً من التحديات السياسية والدبلوماسية والأمنية والاقتصادية للقاهرة، وفقاً لمنسقة وحدة الشؤون الأفريقية بمركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية دينا لملوم.
في مواجهة هذا الواقع يبدو مصير التحالف الثلاثي مرتبطاً بالمدى الذي قد تذهب إليه المصالحة بين أديس أبابا ومقديشو، حيث تذهب بعض التحليلات، ومنها مقال لخبيرة الشؤون الأفريقية بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري غادة كمال، إلى أن الصومال رغم تقاربه مع إثيوبيا لكنه لن يضحي بعلاقاته مع كل من إريتريا ومصر وجيبوتي.
إعلانووفقاً لهذا التصور، فإن الصومال سيتبع نوعاً من "دبلوماسية التوازن" بحيث ينفتح على إثيوبيا، لكنه في الآن نفسه سيعمل على عدم منحها قاعدة عسكرية أو منفذاً مؤدياً إلى البحر الأحمر والذي يمثل هاجساً مقلقاً سواء بالنسبة لإريتريا أو لمصر التي ستجد أن إثيوبيا تضغط عليها في شريانيْها المائيين من خلال سد النهضة على النيل والوجود العسكري بباب المندب الذي يعد البوابة الخلفية لقناة السويس.
وكان لافتاً في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى أسمرا أن تتناول مباحثاته مع أسياس أفورقي عدة ملفات منها "التطورات في البحر الأحمر ورفض مشاركة أي دولة غير مشاطئة" عليه في أمنه وحوكمته، وهي الزيارة التي تمت في اليوم الموالي لاستقبال آبي أحمد في مقديشو ما دفع بعض المراقبين إلى اعتبارها رد الفعل الأولي عليه، ولا سيما أن تفعيل آلية التنسيق الثلاثي كان في صدارة أهدافها.
وبينما قد تؤدي زيادة منسوب التعاون الاقتصادي بين الصومال وإثيوبيا إلى خسارة مصرية لفرص اقتصادية واستثمارية في المنطقة كما تشير غادة كامل، فإن الأوضاع الأمنية المضطربة في الصومال ستتيح لكل من القاهرة وأسمرا الاستمرار كشريكين عسكريين وأمنيين.
وختاماً تمثل زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى الصومال جزءاً من التطورات المتسارعة في منطقة اعتادت عدم الاستقرار السياسي ونشوء التحالفات وتفككها، حيث يبدو المنحى الذي ستتجه إليه الأمور مرتبطاً أساسا بالسياسات التي ستنتهجها مقديشو تجاه أديس أبابا وطبيعة الاتفاقات التي سيتوصل إليها الطرفان.
وهو واقع قد يحفز كلاً من مصر وإريتريا للعمل على الحفاظ على علاقات وثيقة مع الصومال لخلق نوع من التوازن مع الحضور الإثيوبي من جهة، ولإقناع مقديشو بالتنسيق مع أسمرا والقاهرة وأخذ مخاوفهما بعين الاعتبار وهي تهندس الخطوات القادمة مع أديس أبابا من جهة أخرى.
إعلان