متى تشعر القوى السياسية المسيحية في لبنان بأنها باتت مُهدّدة جدياً، وما هي الخيارات المتاحة أمامها. 
هذا هو السؤال الذي يكاد يصل الى مرتبة النقاش الوجودي المرتبط بالقوى المسيحية وبالحضور المسيحي السياسي عموماً على الساحة اللبنانية، خصوصاً أن الأزمة الراهنة قد تنتج عنها تحوّلات كبرى في المنطقة بشكل عام وداخل كل ساحة من ساحاتها بعد انتهاء الحرب بشكل خاص، سواء توسّعت أو لم تتوسّع.

 

ولعلّ طبيعة الأزمة التي تطرق باب القوى المسيحية يمكن ملاحظتها من عدّة زوايا؛ أولاً الأزمة الديمغرافية التي يبدو أنها استفحلت بشكل كبير وبدأت تتظهّر بُعيد حراك 17 تشرين والانهيار الاقتصادي الذي ألمّ بلبنان، حيث أنّ معدّلات الهجرة باتت مرتفعة بشكل واضح وأغلبها كان من الشارع المسيحي الذي اختار الهجرة باتجاه أوروبا، ما يعني أن العودة الى لبنان أصبحت أمراً صعباً الى حدّ ما مع مرور السنوات. 

من الجانب السياسي، فإنّ القوى المسيحية خسرت تدريجياً مُجمل نقاط قوّتها منذ العام 2005، إذ تقول مصادر مطّلعة أنه في العام 2005 ومع انطلاق "ثورة الأرز" آنذاك، تمكّن المسيحيون من الاستفادة من الخلاف السنّي - الشيعي وسعوا الى سدّ هذا الفراغ، إذ انتقل جزء منهم بكتلة كبيرة كـ "التيار الوطني الحرّ" الى ضفّة "حزب الله" واستفادوا من قدراته وقوته ونفوذه بهدف تحصيل المكتسبات السياسية لصالح المسيحيين. 

كذلك فعل حزبا "القوات" و"الكتائب" اللبنانية من خلال تحالفهما مع قوى الرابع عشر من آذار وتحديداً مع "تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي". واليوم خسر المسيحيون هذه الفرصة، إذ إن السنّة والشيعة باتوا سياسياً أقرب الى بعضهما البعض وهامش اللعب بين أكبر طائفتين في لبنان تراجع بشكل كبير. 

في الوقت نفسه ذهب المسيحيون بالخلاف مع حلفائهم الى مستوى بعيد، وبمعنى أدقّ فإنّ التقارب السني - الشيعي ترافق مع خلاف عميق ظهر مؤخراً بين "التيار الوطني الحر" وحليفه "حزب الله"، إضافة الى خلاف "القوات" مع "تيار المستقبل" ومع الكتلة الناخبة السنية، وهذا الامر أفقد القوى المسيحية تحالفاتها المتينة والجدية على الساحة اللبنانية.

 الاهم من ذلك كلّه أن هذه القوى، وحتى هذه اللحظة،  تبدو عاجزة عن التحالف في ما بينها، وغير راغبة بالتقارب جدياً ولا قادرة على التقاطع في وجهات النظر حول العديد من الاستحقاقات وأهمها الاستحقاق الرئاسي، ما يعني انها ستخوض أي مفاوضات حول تسوية كبرى مقبلة على لبنان بشكل مشتّت، بحيث سيسعى كل طرف منها لزيادة مكتسباته السياسية وربما الخدماتية والادارية من دون الالتفات الى الواقع السياسي للمسيحيين الذي قد يتعرّض "لضربة" مشابهة للضربة التي تلقّاها في الماضي عام 1990 في مرحلة "اتفاق الطائف".

ترى مصادر مسيحية مطّلعة أن تأزّم الواقع المسيحي اليوم لا جدال فيه، إذ بات من الصعب جداً جذب القوى السياسية المسيحية تحت عناوين موحّدة وقواسم مشتركة، لكنّ تحميلها مسؤولية الواقع الراهن يمكن وصفه بالتجنّي إذا ما نظرنا بجدية أكبر الى منطق الإلغاء السائد من قِبل اطراف سياسية أخرى والى حالة الصدام السياسي المشتعل حول هوية لبنان، ومن الطبيعي أن يثير هذا الامر العديد من الهواجس في وجدان المسيحيين، ويشكّل لهم قلقاً مفهوماً. ولعلّ كل الخيارات التي من شأنها أن تُعيد التوازن في البلاد تبدو غير متاحة سيّما في هذه الظروف الحساسة، ولكن لا بدّ من ايجاد حلول تؤدي الى طمأنة الشارع المسيحي وإرساء التوازن المطلوب لبقاء لبنان بالشراكة الكاملة بين كل طوائفه.
وتختم المصادر بالقول" اما اذا بقي التفرد بالقرار الوطني من قبل فريق بحمل السلاح فان وجود لبنان ككل في خطر وليس فقط الوجود المسيحي، خصوصا وان نسبة الهجرة لدى الطوائف الاسلامية ليست اقل من مثيلاتها لدى الطوائف المسيحية. كما ان الواقع المأزوم اقتصاديا وسياسيا وماليا واجتماعيا ينسحب على كل الطوائف من دون استثناء".
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: القوى المسیحیة

إقرأ أيضاً:

باحثة: إسرائيل تستخدم احتجاز أربيل يهود ذريعة أمام تنفيذ اتفاق غزة

أكدت الدكتورة تمارا حداد باحثة سياسية، أن هناك ربط فيما يتعلق ما يحدث اليوم في الواقع الجنوب اللبناني لا يتم العودة اللبنانيين الى اماكن سكناهم رغم أن هناك الإصابات وبعض الشهداء في منطقة جنوب لبنان، وبالاضافه إلى ما يحدث اليوم هناك ربط في سيناريو ايضا شمال قطاع غزة محاولة أن الواقع الاسرائيلي كون انه وقع على كلا الاتفاقين على مضد يعني بمعنى ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تم إجباره على تحقيق هذه الصفقة أو الموافق على الصفقة بشكل مجبر نتيجه الضغط الامريكي.

نتنياهو يريد وضع التحديات أمام تنفيذ الاتفاق: مندوب روسيا بالأمم المتحدة: موسكو ستراقب تنفيذ الاتفاق بين إسرائيل وحماس ثنائي مرعب بالهجوم.. تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الاتفاق بالدوري السعودي

وشددت “حداد”، خلال مداخلة عبر الإنترنت، مع الإعلامية منى عوكل، عبر شاشة “القاهرة الإخبارية”، على أن نتنياهو يحاول قدر الإمكان تعزيز أو وضع بعض التحدي حتى لا يتم استكمال هذا الاتفاق الإطاري رغم ان المرحلة الأولى تشير إلى واقع تبادل الأسرى والمحتجزين بين الجانبين، موضحة أنه يضع في سياق ان هناك أبعاد أمنية لم تتحقق على أرض الواقع سواء كان بحجته في منطقه جنوب لبنان ان ما زال حزب الله قائما ما زال أن هناك انفاق ما زال ان هناك صواريخ وما زال أن الجيش اللبناني لم يتحضر ولم يتجهز وان ينتشر في كل جنوب لبنان.

 

وتابعت: “هذا الأمر ما ينطبق تماما على منطقة شمال قطاع غزة.. الآن هناك حجة وهو بعد التفتيش والرقابة الواقع الاسرائيلي اليوم على ما يبدو أنه غير متجهز بآلية الرقابة أو عملية التفتيش تحديدا عند عودة المواطنون إلى شمال قطاع غزة.. عودة سكان قطاع غزة إلى الشمال سوف تكون عملية محدودة لن تكن هي بالأمر الموسع”، موضحة أن الحديث عن ضرورة إطلاق سراح المحتجزة الإسرائيلية أربيل يهود وربطها باستمرار الاتفاق هي حجة وذريعة رغم أنها شخصيه قد تكون مدنية، منوهة بأنها حجج حتى يتم استكمال اليه التفتيش والرقابة والعودة المحدودة.

 

مقالات مشابهة

  • عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة محاكاة ليوم تحرير فلسطين العظيم الذي نراه قريبًا
  • روائح الزمن الماضي.. 9 حرف يدوية بالفيوم تواجه الاندثار
  • رحلة قُطعت بين طهران وبيروت.. تقرير إسرائيلي يتحدّث
  • الجمهورية العربية السورية.. الواقع والمستقبل
  • الأمين العام لحزب الله: نشكر العراق على الدعم الذي قدمه إلى لبنان
  • جبالي: نرفض بشكل قاطع أي محاولات لتغيير الواقع الجغرافي والسياسي للقضية الفلسطينية
  • ‏«النواب» يرفض بشكل قاطع محاولات تغيير الواقع الجغرافي والسياسي للقضية ‏الفلسطينية
  • منيمنة: عودة الجنوبيين حق مشروع يجب ان تكون بشكل آمن تحت حماية الجيش
  • اليوم التالي في غزة بين نرجسية الاحتلال وداعميه وقوة الأمر الواقع الذي فرضته المقاومة!
  • باحثة: إسرائيل تستخدم احتجاز أربيل يهود ذريعة أمام تنفيذ اتفاق غزة