جدل حول تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق.. رفض نسوي وتحذيرات من العواقب
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
لم تتوقع الطفلة التي تنتظر شروق الشمس للخروج واللعب في باحة المنزل أن يأتي اليوم الذي تنقلب فيها حياتها رأسا على عقب، حين يزور منزلهم شخص بعمر والدها ويطلب يدها فتوافق العائلة، لتتحول حياتها من اللعب والأحلام البريئة إلى مسؤوليات أكبر من حجم جسدها الصغير.
هذه القصة وغيرها ليست من نسج الخيال، بل حقيقة عاشتها عشرات الفتيات وستعيشها أخريات إذا ما مضى مجلس النواب في تشريع تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي لاقى لغطًا كبيرًا في الشارع العراقي بعد طرحه داخل قبة البرلمان.
ورغم أن الضغط -داخل المجلس وخارجه- دفع البرلمان لتأجيل طرح مقترح قانون تعديل الفقرة 57 من القانون الصادر عام 1957 ضمن جلساته بذريعة الحاجة إلى المزيد من النقاش، فإنه ما زال يثير مخاوف البعض خشية ان يكون بوابة لتفكيك الأسرة العراقية، بل ذهب البعض إلى أنه سيقتل الطفولة.
أول الأصوات الرافضة، تظاهراتٌ أمام مجلس النواب، تطالب برد مشروع القانون الذي اعتبروا أنه سيعيد العراق إلى "عصر الجواري".
"قانون يرسخ الطائفية"وفي حديث لـ"الجزيرة نت"، طالب رئيس رابطة أئمة الأعظمية الشيخ مصطفى البياتي الجهات التي طرحت مسودة القانون بسحبه "حفاظا على وحدة العراق وحفاظا على كرامة المرأة العراقية من هدرها على يد أناس لا يرقبون في حفظ كرامتها أي ذمة".
رجل الدين السني وصف ما أثير في مجلس النواب بشأن قانون الأحوال المدنية، بأن "فيه ترسيخًا للطائفية بعد أن غادرها العراقيون، ومخالفةً لعرف البلد -على اعتبار أنه كان في وقت مضى يستند إلى عرف البلد والزمان-، واليوم في بلادنا فإن عرفَ وزماننا يخالف ما يثار في قانون الأحوال الشخصية".
وأكد البياتي أنه لا داعي لقوانين كهذا تدق إسفين الطائفية والفرقة بين أبناء الشعب الواحد.
رفض نسوي للقانون"القانون يخدم شريحة معينة لا نعلم أجنداتها وعلينا أن ننظر إلى تطور العالم وزيادة وعي أبنائنا بالبناء والتطور بدل إشغالها بالزواج وتربية أطفال بعمر مبكر. نجزم أن (مثل هذه) التجارب نهايتها الطلاق لا محالة"، هذا ما أشارت إليه المواطنة ويهاد مصطفى قاسم وهي خريجة كلية التربية الرياضية.
وأوضحت في حديثها للجزيرة نت، أن "ما يثار من لغط لا يمكننا الحديث بشأنه من الناحية الشرعية والدينية لكننا سنتكلم برؤية الشارع"، متسائلةً "عن فائدة القانون ومن المستفيد من تشريعه؟ فالطفلة بعمر 9 سنوات من الناحية الفيسيولوجية بحال وصلت لعمر البلوغ الجنسي، هل هذا معناه ان تفكيرها بعمر 11 أو 12 عاما سيسمح لها بتحمل مسؤوليات إدارة بيت وعائلة وتربية أطفال؟".
البرلمان العراقي قرر تأجيل مناقشة مقترح تعديل الفقرة 57 من قانون الأحوال الشخصية بذريعة الحاجة إلى المزيد من النقاش (الفرنسية)وبينت ويهاد أن "المحاكم وُجدت لحفظ حقوق الأسرة كاملة، وليس فقط المرأة. لكن (بمثل هذا القانون) فإننا سنخرج القضاء عن واجبه الأساسي بحماية الأسرة"، مشددة على أن "مثل هذه القوانين لن تخدم البلد أو الأسرة وأي فتاة ، خصوصا أن مشاكل البلد كافية لنا ولسنا بحاجة للبحث عن مشاكل أخرى نضيفها لهذا الشعب"، مطالبةً جميع الأخيار والمثقفين بالوقوف أمام مثل هذا القانون الخطير.
ووجهت ويهاد سؤالها لمن يدعم تشريع القانون داخل قبة البرلمان؛ "هل ترضى بتزويج ابنتك بعمر 9 سنوات؟ وما موقفك حين تخرج ابنتك ويتم اللعب بعقلها وتعود لك بعقد من السيد؟"، مشددة على "أننا على قناعة بأنه لن يقبل على عائلته وعشيرته (أمورًا كهذه)، فكيف يريدها على المجتمع بدل العمل على تحصينه؟".
ودعت المواطنة العراقية أعضاء البرلمان لأن "يكون طموحهم وتفكيرهم أبعد من مشاريع قوانين (مثل هذه) تعيدنا إلى الوراء بدل تقديم البلد إلى الأمام".
"سيقتل البراءة ويرفع مستوى الأمية"من جانبها، حذرت الأستاذة الجامعية في جامعة بغداد طيبة سليم من أن زواج القاصرات "موضوع خطير جدا وسيقتل الطفولة لدى الفتيات، ولن تمارس حياتها بالشكل الطبيعي، على اعتبار أن أغلب الأهالي ممن يؤمنون بأفكار (مثل هذه) سيركزون على تزويج بناتهم بعمر صغير ويتم حرمانهن من حرية التعلم".
وأكدت أن "القانون خاطئ وسينهي طفولة أجيال كاملة ويزيد نسبة التخلف والأمية بين شرائح المجتمع".
أما المعلم الجامعي أحمد هلول صغير، فلم يذهب بعيدا عما طرحه من سبقه، إذ اعتبر مشروع القانون "مجحفا من جميع النواحي، والعراق بلد القوانين منذ مسلة حمورابي، لكن للأسف الشديد فإن البعض من المحسوبين على الحكومة يريدون ضرب هذه القوانين عرض الحائط"، مؤكدًا أن "القانون لن ينفذ لأن العراقيين جزء من مجتمع شرقي ومتماسك ولن يتم تفكيكه بقوانين (كهذه)".
ونصح صغير، أعضاء البرلمان بالعودة إلى الصواب إذا كانوا يهتدون بالدين والقانون لأن تشريع مثل هذه القوانين، جريمة بحق المرأة في العراق.
أما الناشط الشبابي علي محسن، فتساءل عبر الجزيرة نت، هل يقبل جميع أعضاء البرلمان بتزويج بناتهم في عمر صغير كهذا؟، مستدركا بالقول "لن نجد أي واحد منهم يرضى الإضرار بنفسه".
وقال محسن "في ظل محاصصة طائفية وتجاذبات سياسية فمن الطبيعي أن نجد السلطة التشريعية تذهب إلى تشريع قوانين لا تصب بمصلحة أحد، بل تضر المواطن، والدليل ما نراه من مساومة بين كتل تريد تشريع قانون العفو العام يقابلها أطراف أخرى تريد تشريع قانون الأحوال الشخصية".
وأكد أن "هنالك من يتذرع بأن الغرب يعطي الحرية للمرأة بعمر صغير، وهذا ترقيع وتبرير غير صحيح وسيؤدي إلى تفكيك الأسرة العراقية وتدمير المجتمع وتحطيم الطفولة وهي أمراض ستنخر المجتمع على المستويين القريب والبعيد".
"لا يتعارض مع ثوابت الشريعة والديمقراطية"على الجانب الآخر، أعلن الإطار التنسيقي الشيعي موقفه من قانون الأحوال الشخصية وأهم المفردات التي أثيرت حولها الشبهات، داعيا في بيان رسمي قبل أيام، مجلس النواب إلى "المضي بالقراءة الأولى لقانون الأحوال الشخصية"، موضحا أن "مشروع القانون ينظم أمورا تتعلق بالأحوال الخاصة بكل مذهب أو دين ولا يلغي القانون النافذ".
واعتبر الإطار التنسيقي أن "التعديل المزمع على قانون الأحوال الشخصية هو انسجام مع الدستور الذي ينص على أن العراقيين أحرار باختياراتهم وبما لا يتعارض مع ثوابت الشريعة وأسس الديمقراطية".
وبين أحد خطباء المكون الشيعي (الخطيب الحسيني) الشيخ وسام الصبيحاوي للجزيرة نت، أنه "الزواج المبكر وما أثير حوله من حديث ولغط، بالتالي علينا العودة إلى الباب الشرعي وحينها نرى أن الموضوع جائز شرعا ولا إشكال فيه"، مستدركا بالقول "لكن بحال ذهبنا إلى المجتمع فإننا نجد الإشكالية في هذه الجزئية وما يطرح من كلام ورؤية لهذا الامر".
وأضاف أن "قضية زواج القاصرات بعمر 9 سنوات شرعي بنسبة 100% وهنالك أحاديث نبوية تقول (زوجوا بناتكم بالثمان وعليه الضمان)، بالتالي فإن الشرع قال كلمته الفصل لحسم هذا اللغط".
أما مدرب الفنون القتالية عادل الدبي، فأوضح أن "هنالك اختلافا بمدى نضوج البنت جسديا بين واحدة وأخرى، وكما يقال هنالك بنت ناعمة وهذه لا تتزوج كونها غير مكتملة جسديا وأخرى مكتملة جسديا وعقليا، فحينها لا إشكالية بالأمر ويبقى القرار لوالديها بتزويجها من عدمه".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات قانون الأحوال الشخصیة مجلس النواب مثل هذه
إقرأ أيضاً:
القس رفعت فتحي يكشف تفاصيل هامة بشأن التبني والطلاق بقانون الأحوال الشخصية للمسيحيين
أكد القس رفعت فتحي، الأمين العام لسنودس النيل الإنجيلي، أن الأسر المسيحية كانت تحل إشكالية الميراث بكتابتها والتوصية بها قبل الموت، مشيرا إلى أنه بسبب الخلافات العائلية كان الأب ينكر نسبه قبل ظهور الـdna، وتم إضافة التحليل للقانون الجديد، عملا بقاعدة الولد للفراش.
وقال رفعت فتحي، خلال لقاء له لبرنامج “نظرة”، عبر فضائية “صدى البلد”، تقديم الإعلامي “حمدي رزق”، إنه بشأن التبني في قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، فإن الأسرة البديلة هو أمر مرفوض لعدم الوصول إلى مراحل الابتزاز، وإنما التبني يعني تخلي الأسرة عن كل حقوقها في الابن سواء الابن لأسرة معلومة أو مجهول النسب.
وتابع الأمين العام لسنودس النيل الإنجيلي، أنه بشأن الطلاق، أضاف أن الأرثوذكس لا يؤمنون بالطلاق وإنما بالانفصال فقط، وغالبية الطوائف تعتمد على القانون العام، مشددا على أن هناك حوارا مجتمعيا لشباب الطائفة الإنجيلية من أجل اطلاعهم على مستجدات القانون.