الشوك والقرنفل.. رواية السنوار التي كتبها في السجن قبل انتشار اسمه
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
قال كاتب إسرائيلي إن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السوار، لا يجيد فقط "إشعال الحروب"، بل يمتلك أيضا موهبة "نسج الروايات"، ويظهر ذلك في رواية كتبها أثناء فترة سجنه تكشف عن موهبته الأدبية، وهي رواية "الشوك والقرنفل".
وكشف الكاتب جاكي خوجي، وهو معلق الشؤون العربية في إذاعة الجيش الإسرائيلي، في مقال نشره عبر صحيفة موقع "معاريف" أنه "خلال الأيام القليلة الماضية، انتهيت من قراءة رواية طويلة من الأدب العربي، نُشرت قبل 20 عامًا في ظروف سرية، تتألف من 335 صفحة، دون أن يُعرف الناشر أو مكان الطباعة".
وأضاف "لم يلتفت أحد تقريبًا إلى هذه الرواية في وقتها، على الرغم من أن الكاتب بذل فيها قصارى جهده واهتمامه، وفي كانون الأول/ ديسمبر 2004، تاريخ صدورها، لم يكن أحد سوى مجموعة صغيرة من ضباط مصلحة السجون الإسرائيلية، بضع مئات من الأسرى الأمنيين، ومجموعة من الأقارب والأصدقاء يعرفون اسم يحيى إبراهيم السنوار".
واعتبر "يتضح أن عدو إسرائيل اللدود، الذي غُمرت يديه ورقبته بدمائنا، هو أيضا مترجم وكاتب غزير الإنتاج، وكتب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خمسة كتب خلال 22 عاما قضاها في السجن الإسرائيلي، اثنان منها ترجمهما من العبرية إلى العربية، بينما ألف الثلاثة الأخرى بنفسه، الأول هو كتاب لرئيس جهاز الشاباك الأسبق يعقوب بيري، بعنوان "القادم لقتلك.. بادر واقتله"، والثاني كتاب خليفته كرمي غيلون "الشاباك بين الانقسامات".
وبعد ذلك، ألّف السنوار كتابين قصيرين يتناولان السنوات الأولى لحركة حماس، ثم تفرغ لكتابة عمله الأخير "الشوك والقرنفل" وهو رواية أدبية كتبها بنفسه، وتحمل عنوانًا يمثل الخير والشر اللذان يوجدان معا.
وكتب السنوار كتبه في زنزانته في السجو،. بعضها تم تهريبها إلى الخارج، ربما عن طريق المحامين أو أفراد الأسرة الذين زاروه، وتمت طباعتها وتوزيعها على نطاق محدود، واثنان منها على الأقل، كتب بيري وغيلون، لم يُنشرًا. وتم اكتشافها من قبل السجانين خلال تفتيش مفاجئ وصودرت. كل أعماله، بما في ذلك الرواية، هي أدب موجه، وكانت تهدف إلى خدمة النضال الوطني والحركة التي ينتمي إليها.
وُلِد السنوار عام 1962 ونشأ في مخيم خانيونس للاجئين، قبل انضمامه للجناح العسكري لحماس، أنهى درجة البكالوريوس في اللغة والأدب العربي في جامعة غزة، وخلال في الانتفاضة الأولى، بتوجيه من الشيخ أحمد ياسين، أسس جهاز الأمن الداخلي لحماس، الذي كان يهدف إلى ملاحقة وتصفية المتعاونين.
وتم القبض على السنوار عليه في عام 1988، وحُكم عليه بخمسة مؤبدات، وأطلق سراحه في "صفقة شاليط"، وعند انتخابه قائدًا لحماس في غزة عام 2017، كان من الواضح أنه يعرف "إسرائيل" جيدًا ويعرف كيفية مهاجمتها في نقاط ضعفها.
وكتبه تشير إلى أنه كان يهيئ نفسه لهذا الدور تقريبًا منذ انضمامه للجناح العسكري، وأيضًا خلال سنوات سجنه.
في كتابه الأول "المجد"، وثق السنوار نشاط جهاز الأمن الداخلي، وفي كتابه الثاني "أشرف البعلوجي"، وصف تأسيس ونشاطات الجناح العسكري لحماس في بدايته، وكان البعلوجي عاملاً غزيا قتل مع زميل له في شباط/ فبراير 1991 ثلاثة إسرائيليين في مصنع ألمنيوم حيث كان يعمل في يافا.
وكان هذا هو الهجوم الأول للجناح، بعد ثلاثة أسابيع فقط من تأسيسه، وأثناء فراره، رش البعلوجي على جدار المصنع بيان مسؤولية مكتوب بالعربية، ومن ثم قضى البعلوجي 20 عامًا في السجن، بعضها بجوار السنوار، وأُطلق سراحه معه قبل 13 عاما.
البيت كاستعارة
"الشوك والقرنفل" هي رواية سيرة ذاتية، تستند حبكتها إلى ذكريات السنوار، ولكن تم استكمال العديد من التفاصيل من خياله، وتحكي الرواية قصة عائلة من مخيم الشاطئ في غزة، على مدار 35 عامًا تقريبًا: من حرب الأيام الستة حتى الانتفاضة الثانية.
البيت في الرواية يمثل إلى حد كبير البيت الوطني الفلسطيني، ويكتب السنوار بصيغة المتكلم ويسمي نفسه أحمد، أحد أبناء العائلة، ويعيش في البيت أيضًا شقيقاه محمد ومحمود وابنا عمه حسن وإبراهيم، اللذان استشهد والدهما في الحرب وتبنتهم عمّتهم.
يمثل الرجال الخمسة، كلٌ بحسب شخصيته، جوانب مختلفة من الوطن الفلسطيني. اثنان منهما يمثلان منظمة التحرير الفلسطينية، الأب المؤسس، العلماني، ذو الوجه المتعجرف. أما الآخران فيمثلان التيار المتمرد، الديني، الذي تمثله حماس والجهاد. الخامس هو الراوي. في كل زوج من الرجال، هناك من انضم إلى الكفاح المسلح، مر بالتحقيقات والاعتقالات، وتبنى موقفا أيديولوجيا صارما.
تسيطر أم العائلة القلقة على الجميع بيد من حديد، وتقوم بتأمين العيش وتتخذ المبادرات وتزوج الأبناء، وعند الضرورة تبني أيضًا.
وفي مرحلة ما، توسع البيت وأضيف له طابق، لم يكن من قبيل الصدفة أنه بعد فترة وجيزة بدأ الجناح العسكري لحماس في النمو، ويوجد أيضًا سر عائلي: الأب حارب في عام 1967 واختفى من حياتهم في بداية القصة، بعد عقود من الزمن، في نهاية الرواية، يتضح مصيره.
تمكن السنوار من السيطرة الجيدة على اللغة العربية، مما يتناقض مع مظهره القاسي. لغته عالية المستوى وكتابته سلسة، إنها منظمة ويظهر فيها جانب من الجدية، ومن تابع خطواته منذ توليه القيادة في غزة قبل سبع سنوات، لن يفاجأ. مثل ظهوره العام، يتمكن السنوار في الرواية من المناورة بين لغة الشارع البسيطة واللغة الفصحى.
ربما استوحى السنوار إطار القصة من الكاتب المصري نجيب محفوظ، في روايته "الباقي من الزمن ساعة"، التي تم نشرها أيضًا بالعبرية في عام 2021، ويصور محفوظ قصة عائلة في القاهرة من الثلاثينيات حتى بدء عملية السلام مع "إسرائيل".
ومحفوظ بالطبع أكثر مهارة وتطورًا من السنوار، لكن حتى عنده يمثل البيت نموذجا للمجتمع، وأفراد الأسرة يمثل كل واحد منهم تيارًا سياسيًا أو جماعة اجتماعية. حتى لدى الكاتب المصري، يخضع البيت لعملية تجديد بعد سنوات طويلة.
ولكن على عكس محفوظ، الذي كتب نقدًا على الحكام المصريين والمجتمع الذي عاش فيه، لم يكن لدى السنوار رفاهية انتقاد حكامه، واقع حياته هو الحصار، وسرعان ما تصبح "الشوك والقرنفل" بمثابة نصب تذكاري لأصدقائه في الجناح العسكري لحماس وأيضا نشيدا للاحتفال بالعمليات والمهاجمين. عندها يبدو أحيانًا أن الرواية ليست عملًا أدبيًا بقدر ما هي صحيفة موجهة.
وتتناول الرواية الهجمات الكبرى واحدة تلو الأخرى ويصفها من خلال أبطالها كما يتخيلها (ومن المحتمل أنه استند في ذلك إلى معلومات جمعها من رفاقه في السجن): اختطاف وقتل الجنود آفي ساسبورتس وإيلان سعدون، مقتل الشرطي نسيم توليدانو، اختطاف الجندي نحشون فاكسمان، وكذلك العمليات الفدائية - في خط 5 في تل أبيب، تقاطع بيت ليد، سوق محنيه يهودا وغيرها.
ويخصص السنوار فصولا كبيرة للمطلوب المعروف عماد عقل، وللمهندس يحيى عياش، وللشيخ أحمد ياسين. يتناول السنوات الأولى للجناح العسكري والجهود للحصول على الأسلحة والأموال وتوطيد الشرعية داخل المجتمع الغزي.
وعلى الرغم من أنها رواية وليست عملًا وثائقيًا، ورغم عيوبها، "الشوك والقرنفل" تمثل إنجازًا للسنوار، على الرغم من الظروف القاسية، تمكن الأسير من توثيق الظروف التي نشأ فيها النضال المسلح في غزة منذ عام 1967 بتفصيل دقيق.
ووصف السنوار الحياة اليومية في غزة في تلك السنوات من وجهة نظره، وربط بين الخاص والوطني: بدءًا من عمل العمال في "إسرائيل" والنقاش الداخلي حول عدالتها، والضغط الكبير الذي مارسته الشاباك وجيش الاحتلال على السكان في السنوات الأولى، وتحديات المعيشة التي واجهتها الأسرة ودور الأم المركزي.
وفي الأماكن التي لا يتناول فيها صناعة سفك الدماء بل الجوانب الشخصية من الحياة، يظهر السنوار قدرات أدبية جيدة، ويعرف كيف يخلق التشويق السردي، ويبدو أيضًا أنه ينجح في بناء الشخصيات بشكل جزئي.
توثيق تاريخي بالإضافة إلى تخليد أولئك الذين يعتبرهم رموزاً للنضال بالنسبة له ولزملائه، بذل السنوار جهداً كبيراً لجعل الرواية تعمل كتوثيق تاريخي للأجيال القادمة. لقد حرص على التفاصيل والأسماء والتزم بالتسلسل الزمني للأحداث. على الرغم من انتمائه لحماس، إلا أنه تعامل مع أعضاء فتح بإنصاف ومنحهم مكانتهم المركزية في النضال.
كما وضع آرائهم بسخاء على لسان أبطاله، حتى لو تضمنت انتقادات حادة ضد تنظيمات الجهاد. قال محمود، عضو فتح، لابن عمه من حماس بعد العمليات الفدائية وانهيار اتفاقية أوسلو: "لو كنتم تتصرفون بعقل وحكمة، لكنتم أعطيتم فرصة لعملية السلام".
السنوار وزملاؤه أبدوا ازدراءً للموجة الكبيرة من الزوار الإسرائيليين التي اجتاحت القطاع بعد احتلاله، وكذلك لخروج العمال للعمل في "إسرائيل"، لكن في لحظة نادرة (صفحة 184)، سمح لنفسه بوصف صورة للتعايش.
"في صباح السبت الساعة 11:00، توقفت العديد من الحافلات في ساحة فلسطين بمدينة غزة، ونزل منها مئات اليهود، رجال ونساء، وبدأوا بالتجول في المدينة وأسواقها. مجموعات مجموعات، يسيرون ويضحكون ويشترون ما يحلو لهم، يأكلون ويشربون. شارع عمر المختار، في المنطقة التجارية التي تربط بين ساحة فلسطين وساحة الشجاعية، مكتظ بهم. يتحدثون بالعبرية، ينطقون بكلمة هنا وكلمة هناك بالعربية المكسرة. الباعة يضحكون، ويضحكون معهم".
تساءلت عما إذا كان السنوار سيتطرق أو يشير بطريقة ما إلى دوره المركزي في جهاز "المجد"، الذي بسبب نشاطه فيه سُجن لسنوات طويلة. شخصية أحمد، الراوي، تبدو بريئة ومختلفة تمامًا عن نظيرتها في الحياة الواقعية. هو طالب في العلوم، وبعد تخرجه عمل كعامل بناء، ودوره في القصة هو سرد حكايات الآخرين.
بالفعل، خصص السنوار مساحة واسعة لأيام نشأة هذا الجهاز، لكنه أوكلها لأشخاص آخرين وأبعدها عن شخصيته الأدبية. ربما قدم خصائصه الحقيقية للبطل الرئيسي في روايته، المعروف باسم "إبراهيم" فقط - وهو اسم والد السنوار الحقيقي. في الرواية، إبراهيم هو ابن عم أحمد الراوي القوي والحازم.
تتبع القصة حياته من شبابه في المنزل حتى بلوغه وتوليه دورًا قياديًا في الجناح العسكري لحماس.
وختم الكاتب: "هل يمكن الاستنتاج من كتابات السنوار عن شخصيته - ومن ثم التنبؤ بسلوكه في هذه الأيام؟ الأدب هو أداة لمعرفة نفسية الكاتب، لكن من الصعب الجزم بذلك في هذه الحالة، وبعد عدة سنوات من انتهائه من كتابة الرواية، تم اكتشاف ورم خبيث في دماغ السنوار. السنوار بعد إزالة الورم لم يكن نفس الشخص كما كان قبله، توقف عن كتابة الكتب ووجه نفسه إلى أدوار القيادة، وهناك كما هو معلوم أظهر موقفًا لا يتزعزع، وفي ذروته تحالف مع الشيطان. قال لي شخص مؤخرًا، عرفه بعد إطلاق سراحه في غزة: يبدو مجنونًا فكرت في نفسي: المريض حي، لكن العملية فشلت".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية حماس الشوك والقرنفل الفلسطيني فلسطين حماس يحيى السنوار الشوك والقرنفل صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجناح العسکری لحماس الشوک والقرنفل على الرغم من فی السجن فی غزة لم یکن
إقرأ أيضاً:
طبيبة من إمبريال كوليج لندن: لم أسقط في أيٍّ من أنفاق لحماس أثناء وجودي في المستشفيات بغزة
قالت الدكتورة ماهيم قريشي، وهي متخصصة في جراحة الأوعية الدموية من إمبريال كوليج لندن، عملت مع لجنة الإنقاذ الدولية في غزة، إنها لم تر قط فردا مسلحا في مستشفى ناصر أو في مستشفى الأقصى، مؤكدة "ولم أسقط في أي من أنفاق حماس أثناء وجودي هناك"، مضيفة أن الناس لم يعودوا يبدون ردة فعل عند سقوط قنبلة، حيث فقدوا هذا المنعكس الفسيولوجي الطبيعي.
وجاءت تصريحات الدكتورة ماهيم، في إحاطة إعلامية عقدتها لجنة الإنقاذ الدولية -اليوم الخميس 30 يناير/كانون الثاني 2025- عبر الإنترنت، تحت عنوان "فهم الأزمة الصحية في غزة"، وغطتها الجزيرة صحة.
وقال إلياس أبو عطا، مدير الاتصالات والإعلام الإقليمي في لجنة الإنقاذ الدولية، إن أكثر من 15 شهرا من الصراع في غزة قد دمر البنية التحتية للرعاية الصحية في غزة، مما ترك أكثر من مليوني شخص بدون خدمات طبية.
وأضاف أنه مع وقف إطلاق النار في 19 يناير/كانون الثاني، لا تزال جميع المستشفيات تقريبا مدمرة أو متضررة، ولا يوجد في الشمال مستشفيات عاملة على الإطلاق. العاملون الصحيون منهكون، حيث قتل 500 شخص، وأدت القيود المفروضة على الإمدادات إلى وفيات يمكن الوقاية منها.
وردا على سؤال من الجزيرة صحة عن عدد الوفيات منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول نتيجة تدمير القطاع الصحي، قال الدكتور محمد العيلة، وهو مدير مشروع جذور للصحة والتنمية الاجتماعية، وشريك اللجنة الدولية للإنقاذ في مجال الصحة، إنه في الواقع، في شمال غزة وفي مدينة غزة، لم تعد أي من المرافق الصحية التابعة لأي جهة أخرى أو للحكومة تعمل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
إعلانوأضاف أنه تم تخصيص عيادات الأونروا كملاجئ، كما تم تدمير العيادات الصحية الحكومية في بداية هذه الحرب، وبالتالي لا يوجد مرفق صحي واحد موجود في مدينة غزة أو شمال غزة.
من جهتها، قالت الدكتورة آنا جيلاني، استشارية جراحة العظام للأطفال، إن المرضى يموتون نتيجة لعدم قدرة المستشفيات في نهاية المطاف على تقديم الرعاية الصحية التي تم إنشاؤها من أجلها.
وأضافت آنا "العدد الحقيقي للقتلى.. أعتقد بصدق أننا لن نعرف ذلك أبدا".
الإحاطة الإعلامية عقدتها لجنة الإنقاذ الدولية الخميس 30 يناير 2025 عبر الإنترنت، تحت عنوان "فهم الأزمة الصحية في غزة" (الجزيرة) عدد القتلى أقل بكثير من تقديراته الحقيقيةوقالت الدكتورة ماهيم، إنه حتى من الإصابات المباشرة، فإن عدد القتلى أقل بكثير من تقديراته الحقيقية، ولكن هذا لا يأخذ في الحسبان الأشخاص الذين ماتوا من الجوع، ولا يأخذ هذا في الاعتبار انعدام الرعاية قبل الولادة وما ينتج عنها من ولادة مبكرة ومشاكل خلقية وأمراض الشلل الدماغي التي تصيب الأطفال نتيجة لذلك وسوف يدفعون ثمنها لبقية حياتهم.
وأضافت ماهيم "هذا الإحصاء لا يتضمن عدد الأشخاص الذين ماتوا بسبب أمراض يمكن علاجها بالكامل داخل النظام الصحي الفلسطيني قبل بدء هذه الحرب".
وقالت مها الخطيب، منسقة الصحة في اللجنة الدولية للإنقاذ في الأراضي الفلسطينية المحتلة، "إننا نحتاج بشكل أساسي إلى السماح بإدخال الإمدادات الطبية، والمياه، والغذاء، من أجل إصلاح الوضع هناك.. لأن الأمر لا يقتصر على اتخاذ إجراءات فورية فحسب، بل إننا نحتاج أيضا إلى اتخاذ إجراءات طويلة الأجل حتى تصبح الحياة ممكنة في غزة".
وقال الدكتور محمد العيلة، "لقد صدمنا من الدمار الشامل المباشر والمكثف الذي لحق بالمرافق الصحية.. إنهم (الجيش الإسرائيلي) يستهدفون هذه المنشآت كهدف مباشر".
وأضاف "لا أعلم ما الذي يفكرون فيه بشأن المرافق الصحية، ولكنهم في الواقع يقصفون جميع المرافق الموجودة في شمال غزة. لقد شهدت قصف عيادة الرعاية الصحية الأولية في جباليا، وعيادة الرعاية الصحية الأولية في بيت حانون.. لقد تم تدميرهما بالكامل، بالإضافة إلى استهداف المستشفيات".
إعلان
وقال "لم أتخيل قط أن أحدا يمكن أن يستهدف المرافق الصحية بشكل مباشر ويدمرها عمدا.. داخلها (المرافق الصحية) كانت هناك بعض الطوابق تحترق، عن عمد من خلال استهدافها مباشرة بإطلاق النار على هذه الطوابق".
وقالت الدكتورة ماهيم -ردا على سؤال حول ما إذا كانت حماس قد أخفت قوات أو أسلحة في المرافق الصحية- "قد أمضيت ما يقرب من شهرين في غزة، ولم أشاهد في أي مناسبة على الإطلاق فردا مسلحا سواء في مستشفى ناصر أو في مستشفى الأقصى. لقد كان لدي حرية التجول أينما أردت داخل المستشفى. لم تكن هناك منطقة محظورة علي. لم أر قط فردا مسلحا في المستشفى ولم أسقط في أي أنفاق أثناء وجودي هناك".
وتحدثت الدكتورة آنا جيلاني عن إحدى القصص التي عاشتها، وهي قصة طبيب عظام عملت معه في المرة الثانية التي ذهبت فيها إلى غزة، قال لها إنه في شهر يونيو الماضي كان يعمل وتحدث إلى زوجته على الهاتف ثم أغلق الهاتف وما علمه بعد ذلك هو أنه بعد 15 دقيقة تم استهداف منزله بغارة جوية، وقتل والداه وزوجته وطفلاه، أحدهما عمره 5 سنوات والآخر 3 سنوات".
وأضافت الدكتورة آنا "عندما أخبرني قال ذلك بهدوء شديد.. كنت هناك في أكتوبر وكان يخبرني بقصة حدثت في يونيو. وقال إنه عندما عاد إلى المنزل، لم يتمكن حتى من العثور على الجثث أو انتشالها.. ووجد ذراع طفله، ثم نظر إلي وقال الحمد لله .. وقال أنا هنا لخدمة الناس". والآن يعيش هذا الطبيب في خيمة بمفرده في المواصي.
وأضافت "هو ليس الشخص الوحيد الذي لديه مثل هذه القصص، فقد تكررت هذه القصة عدة مرات من قبل الأشخاص الذين عملنا معهم".
صوت الطائرات بدون طيار
وقالت الدكتورة ماهيم "أحد الأشياء التي صدمتني، أتذكرها في رحلتي الأولى، هو أنك أثناء وجودك في غزة، أول ما تسمعه عند دخولك رفح هو صوت الطائرات بدون طيار فوقك.. وهذه في الواقع سمة ثابتة للحياة في غزة، وليست مقتصرة على الحرب، ولكن ما كان مختلفا هو صوت القصف المدفعي".
إعلانوأضافت "في غضون أيام من وجودي في غزة، أصبحت خبيرة، ولم يكن لدي أي خلفية عسكرية على الإطلاق. أصبحت خبيرة في التمييز بين الطائرات بدون طيار، ونيران طائرات الأباتشي، وإف-16، ونيران البحرية، وللأسف، تعلمت ذلك من الأطفال".
وأضافت أن الأطفال في غزة علموها كيفية التفريق بين الأصوات العسكرية المختلفة.
وقالت ماهيم "أحد الأشياء التي صدمتني أكثر من غيرها هو أن الكثيرين منهم فقدوا بالفعل رد فعلهم المفاجئ، فإذا انفجرت قنبلة فجأة خارج الفناء أو على بعد أمتار، كنت لأقفز، كما تعلمون. إنها استجابة عصبية طبيعية.. ولكن كان الناس ينظرون إلي ويضحكون أو يبتسمون لأنهم تعرضوا لهذا لفترة طويلة لدرجة أن هذا المنعكس -هو رد فعل فسيولوجي طبيعي- قد اختفى تماما لديهم".
والمنعكس Reflex هو أفعال تلقائية لاإرادية يقوم بها الجسم استجابة لمثيرات معينة. وفي حين أن بعض ردود الفعل قد تتضمن العضلات والحركة، فإن البعض الآخر يتضمن عمليات داخلية داخل الجسم. مثلا في حالة سماع انفجار فالمنعكس هو الارتعاش والابتعاد أو القفز من المكان.