المعكرونة.. طعام الفقراء وسفير إيطاليا لدى مطابخ العالم
تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT
المعكرونة ليست مجرد طبق شهي على مائدة الطعام الإيطالية، بل هي رمز عميق للإرث الثقافي والهوية الوطنية. على مدى قرون، تطورت المعكرونة لتصبح جزءا لا يتجزأ من حياة الإيطاليين، محملة بتاريخ طويل من التقاليد والصمود في وجه التحديات. من أصولها المتواضعة كغذاء للفقراء إلى انتشارها كأيقونة عالمية للمطبخ الإيطالي.
يحيط بأصل المعكرونة الكثير من الجدل والأساطير، وغالبًا ما يُنسب إلى الإيطاليين فضل اختراعها، ولكن تاريخها يمتد إلى ما قبل ذلك بقرون.
إحدى النظريات الشائعة، لكنها غير مؤكدة تاريخيًا، هي أن الرحالة الإيطالي ماركو بولو جلب المعكرونة من الصين إلى إيطاليا في القرن الثالث عشر. ومع ذلك، هناك أدلة تشير إلى أن المعكرونة كانت معروفة في إيطاليا قبل ماركو بولو بوقت طويل، إذ كان الصينيون يصنعون طعامًا يشبه المعكرونة منذ عام 3000 قبل الميلاد.
يعتقد العديد من المؤرخين أن المعكرونة قد تكون نشأت من الحضارات القديمة في منطقة البحر الأبيض المتوسط. يعزو البعض بداياتها إلى الإتروسكان، وهي حضارة ما قبل الرومان في وسط إيطاليا، على الرغم من أن الأدلة على هذا الاعتقاد ضعيفة للغاية. آخرون يرون أن قدماء اليونان والرومان كانوا يصنعون نوعًا من العجينة المسلوقة المصنوعة من دقيق القمح، والتي يمكن اعتبارها سلفًا للمعكرونة الحديثة.
تشير بعض الدراسات أيضًا إلى أن المعكرونة قد أدخلها التجار العرب إلى صقلية خلال القرنين الثامن والتاسع. كان هؤلاء التجار يحملون حبات مصنوعة من القمح القاسي المجفف والماء كمصدر للقوت أثناء الرحلات الطويلة، تلك الحبات المجففة المعدة سابقا تشبه إلى حد كبير المعكرونة الحديثة أكثر من أي شيء آخر.
يمكن القول إن المعكرونة تطورت عبر عدة ثقافات على مر الزمن، مما يجعل من الصعب تحديد مخترعها الأول بدقة. ومع ذلك، أصبحت المعكرونة جزءًا أساسيًا من المطبخ الإيطالي وأحد أكثر الأطعمة شعبية في العالم.
طعام الفقراء والملوكيطلق على المطبخ الإيطالي اسم (La Cucina Povera)، والتي تعني "المطبخ الفقير"، ويعكس هذا المصطلح بساطة الطهي الإيطالي وتنوع مكوناته. إذ يعتمد المطبخ الإيطالي على تحويل مكونات قليلة ومتوفرة في البيئة المحيطة إلى وجبات لذيذة ومشبعة. ومن هنا، أصبحت المعكرونة طبقًا رئيسيًا على موائد الفقراء في إيطاليا. فهي تُصنع من مكونات بسيطة مثل الماء والدقيق، وسهلة التحضير ولا تستغرق وقتا طويلا، مما يجعلها مثالية في المطبخ الإيطالي.
في القرون الوسطى، عندما كان اللحم نادرًا وكانت الوجبات تعتمد بشكل كبير على المكونات المحلية، حضرت المعكرونة كوجبة مثالية. فهي غنية بالكربوهيدرات التي توفر الطاقة اللازمة، ويمكن أن تُضاف إليها أي مكونات محلية لإضفاء نكهات جديدة. ولهذا السبب، تجد في كل من أقاليم إيطاليا العشرين طبقًا محليا مميزًا من المعكرونة، حيث يستخدم كل إقليم مكونات خاصة مستمدة من البيئة المحيطة.
أطباق مثل (الإسباغيتي ألا كاربونارا)، ومعكرونة (فاجيولي)، و(باساتيلي إن برودو) هي أمثلة على وصفات المعكرونة اللذيذة التي نشأت من أصول متواضعة في أقاليم مختلفة من إيطاليا، لكنها اليوم يُستمتعُ بها في جميع أنحاء العالم.
قدم فينسينزو بوناسيسي، أحد أبرز كتاب الطعام في القرن العشرين، كتابه الشهير "Il Codice della Pasta" (تدوين المعكرونة)، حيث استعرض 1001 وصفة لأنواع مختلفة من المعكرونة في إيطاليا، مرتبة حسب الصلصة المستخدمة، سواء كانت تعتمد على الأسماك، اللحوم الحمراء، اللحوم البيضاء، منتجات الألبان، الخضراوات، وغيرها.
ورغم أن المعكرونة بدأت كطبق للفقراء، فإنها نجحت في أن تصبح محبوبة لدى الأغنياء والنبلاء بل وحتى الملوك. ومن المعروف أن الشوكة الرباعية صُممت خصيصًا في القرن الـ18 في نابولي لتلبية احتياجات الملك فرديناند الثاني، الذي كان مغرما بتناول الإسباغيتي؛ حيث لم تكن الشوكة الثلاثية التقليدية الضخمة قادرة على حمل المعكرونة بشكل مناسب، مما جعلها غير ملائمة لتقديم هذا الطبق الإيطالي في حفلات العشاء الرسمية مع السفراء والدبلوماسيين. لذلك، تم تصميم الشوكة الرباعية القصيرة لتتيح تناول الإسباغيتي بطريقة أكثر أناقة و ملاءمة.
المهاجر الإيطالي الأكثر شهرةالمعكرونة هي بلا شك "المهاجر" الإيطالي الأكثر شهرة على مستوى العالم. نشأت في إيطاليا وتطورت لتصبح جزءًا أساسيًا من الثقافة الإيطالية، لكنها تجاوزت حدودها الأصلية لتصبح رمزًا عالميًا للمطبخ الإيطالي. اليوم، تُعد المعكرونة واحدة من أشهر الأطعمة وأكثرها استهلاكًا في مختلف أنحاء العالم.
عندما هاجر الإيطاليون إلى أميركا الشمالية والجنوبية وأستراليا وغيرها من المناطق خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حملوا معهم تقاليدهم الغذائية، بما في ذلك حبهم للمعكرونة. في تلك البلدان، أصبحت المعكرونة جزءًا من المطبخ المحلي، حيث تمازجت مع المكونات المتاحة لتنتج أشكالًا جديدة وأطباقًا مبتكرة.
كما أن الأوروبيين، الذين أحبوا المطبخ الإيطالي، ساعدوا على انتشار الوصفات الإيطالية حول العالم، فيرجع الفضل إلى الإنجليز في دخول المعكرونة إلى الولايات المتحدة الأميركية، فهم أول من أحضر معه المعكرونة إلى ذلك العالم الجديد.
تجد أطباقًا أميركية مثل المعكرونة بالجبن أو الإسباغيتي بولونيز -نعم، الإسباغيتي بولونيز طبق أميركي وليس إيطاليًا- وحتى في المطبخ الشرقي، حيث أصبحت المعكرونة مكونًا أساسيًا في أطباق مثل الكشري المصري الشهير.
انتشرت المعكرونة بأشكال وأصناف متنوعة حول العالم، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من مطابخ متعددة. اليوم، يمكن العثور على أطباق المعكرونة في كل مكان، من مطاعم البيتزا في نيويورك إلى البيوت التقليدية في بوينس آيرس، بل وحتى في أزقة القاهرة القديمة، مما يعكس تأثير هذا "المهاجر" الإيطالي الأكثر شهرة، ذلك المهاجر الذي نجح أن يكون سفير إيطاليا الأشهر عالميا.
المعكرونة.. طبق في مواجهة الفاشيةخلال ثلاثينيات القرن العشرين، حاولت الحكومة الفاشية بقيادة بينيتو موسوليني فرض حظر على المعكرونة في إيطاليا. جاء هذا القرار كنتيجة لمجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية التي سعت لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي وتقليل الاعتماد على القمح المستورد. كانت الفاشية تسعى إلى تعزيز زراعة الأرز المنتج محليًا في شمال إيطاليا كبديل للمعكرونة، وتماشيا مع الأفكار القومية المتشددة التي كانت تروج لها، حيث اعتُبرت المعكرونة رمزًا للخمول ومثبطة للنشاط الوطني.
ومع ذلك، لم يلق هذا الحظر القبول لدى الإيطاليين، حيث اندلعت احتجاجات واسعة في مدن مثل نابولي، وكانت النساء في مقدمة هذه الاحتجاجات. حتى إن عمدة نابولي سخر من القرار، مما أجبر موسوليني في نهاية المطاف على التراجع عن الحظر والسماح مجددًا بزراعة القمح وإنتاج المعكرونة.
رغم محاولات الفاشية لفرض سيطرتها على جميع جوانب الحياة الإيطالية، بما في ذلك المطبخ، فإن المعكرونة بقيت رمزًا للهوية والمقاومة. وسرعان ما استعادت مكانتها كجزء لا يتجزأ من الثقافة الإيطالية، مما يعكس تمسك الإيطاليين بتراثهم وصمودهم أمام التحديات.
اليوم، المعكرونة ليست مجرد طبق غذائي، بل هي جزء من الهوية الوطنية الإيطالية ورمز للفخر الثقافي الذي صمد أمام التحديات التاريخية. لذا في المرة القادمة التي تستمتع فيها بطبق المعكرونة، تذكر أنها ليست مجرد وجبة، بل قصة من النضال والتكيف والنصر الثقافي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المطبخ الإیطالی المعکرونة ا لا یتجزأ من فی إیطالیا
إقرأ أيضاً:
فرص عمل بالآلاف.. كل ما تريد معرفته عن خط الرورو بين مينائي دمياط وتريستا الإيطالي
أطلقت مصر خط "الرورو" الملاحي بين مينائي دمياط وتريستا الإيطالي في 28 نوفمبر الماضي، بهدف تعزيز الصادرات المصرية إلى الأسواق الأوروبية وتقليل تكاليف وزمن الشحن، وذلك في إطار جهود الحكومة لدعم الاقتصاد الوطني.
يوفر الخط ممرًا لوجستيًا سريعًا وفعالًا لنقل الحاصلات الزراعية والمنتجات الصناعية، إلى جانب تعزيز التعاون الجمركي بين مصر وإيطاليا، وتوفير فرص عمل جديدة. كما يتضمن تسهيلات تشغيلية وحوافز جمركية، مما يعزز قدرة مصر على أن تكون مركزًا لوجستيًا رئيسيًا بين أوروبا وأفريقيا.
خط الرورو فى نقاط
1. تم تشغيل خط الرورو بين مينائى دمياط وتريستا الإيطالي وانطلاق أولى رحلاته في الثامن والعشرين من نوفمبر الماضي بهدف زيادة حجم الصادرات المصرية الى الدول الاوربية . وفي ضوء الإهتمام الكبير الذي توليه الحكومة المصرية لزيادة حجم الصادرات إلى الدول الأوربية ودول العالم المختلفة لدعم الاقتصاد القومي وفي ضوء تشغيل وزارة النقل.
2. مميزات كبيرة يوفرها الخط الملاحي "الرورو" لنقل الحاصلات الزراعية والخضروات سريعة التلف والمنتجات المصرية إلى إيطاليا ومنها إلى أوروبا والعكس وذلك باستخدام الشاحنات المُبردة والجافة ، وحيث يساهم الخط الذي يعد ممر أخضر بين جمهورية مصر العربية والجمهورية الإيطالية في تدعيم انخفاض تكاليف الشحن وزمن وصول البضائع و تعزيز قدرة مصر على أن تكون منطقة لوجستية مركزية بين أوروبا وأفريقيا، فضلاً عن زيادة وتعزيز الفرص التجارية ودعم الصادرات المصرية من المنتجات الصناعية والحاصلات الزراعية من خلال تسهيل نفاذية المنتج المصري للأسواق الأوروبية ، بالإضافة إلى المُساهمة في توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة للموظفين الإداريين لشركات النقل وشركات الشحن والوكلاء الملاحيين، فضلاً عن توفير أكثر من 2000 فرصة عمل للسائقين المصريين.
3. يتمتع خط الرورو الرابط بين مصر و إيطاليا لمبدأ المعاملة بالمثل في في الميناءين من حيث رسوم الميناء والحوافز التشغيلية حيث تم تخفيض رسوم الموانئ من 26050 دولار إلى 3250 دولار للرحلة ( بقيمة خصم تقدر بنسبه 88% ) ، كما تم تخصيص مساحة 35 ألف م2 لصالح المشروع مع الإشتراك في توصيل جميع الخدمات للساحة الي جانب إصدار خطاب ضمان حكومي من هيئة ميناء دمياط لصالح الجمارك المصرية و كذا قيام وزارة المالية بتوفير جهاز كشف ( X RAY ) لصالح المشروع .
4. تم فى اطار الربط الآلــى بين الميناءين إنشاء وتنفيذ تطبيقات للتكامل بمعرفة هيئة ميناء دمياط للتكامل مع المنصة الخاصة بمجتمع الميناء الإيطالي وكذلك تجهيز منصة آلية لإستقبال بيانات الشاحنات القادمة من منصة مجتمع الميناء الإيطالي وهي تحتوي علي ( بيانات خاصة بنوع البضائع والأوزان - بيانات تفصيلية للشاحنين ) بالإضافة الى ربط الجمارك المصرية مع الجمارك الإيطالية عن طريق تطوير تطبيقات تشغيلية للجمارك بميناء دمياط مع إمكانية تبادل المستندات الرسمية كالشهادات الصحية وسلامة الغذاء كمرحلة أولي وكذا تم إعتماد تبادل الملفات بصيغة عالمية معتمـدة مـن قسـم التجـارة والنقـل بالأمــم المـتحدة و تنفيذ تطبيقات للأجهزة المحمولة يتم من خلالها قراءة السيل الإلكترونى من خلال تكنولوجيا RFID للتحقق من حالة السيل (جيد/تالف) .
5. تتضمن مميزات الخط التعــاون الجمركــى بين الجانبين حيث تم الحصول على منحة الإتحاد الأوروبي لتوأمة الجمارك المصرية والإيطالية من خلال توقيع مذكره التفاهم بين جمارك البلدين و إصدار المنشور الجمركي لخط الرورو المصري الإيطالي و إعتماد أقفال إلكترونية للحاويات المبردة تتضمن خاصية الإنذار حالة فتح الحاوية أو تغير درجة الحرارة والرطوبة بما فى ذلك سلامة محتوى الحاوية وإخضاعها لإجراءات فحص جمركية اكثر سهولة .
6. بعد انضمام مصر لاتفاقة فيينا 1968 وفقا لقرار رئيس الجمهورية رقم 329 لسنة 2023 فقد تم القضاء على أي معوق خاص باللوحات المعدنية والرسوم و تم توقيع مذكرة التفاهم الحكومية للنقل البري كإطار لتنظيم حركة المركبات البرية الخاصة بالخط ، كما تم حل موقف اللوحات المعدنية مع تخصيص طاقم من وزارة الداخلية لسرعة تغييرها بمنفذ داخل ميناء دمياط وإعتماد مواصفات وسائل اطفاء الحريق الإيطالية ، بالإضافة الى انه قد تم تخفيض رسوم المرور على الطرق المصرية المنصوص عليها بالقرار رقم 278 لسنة 2017 الذي يقضي دفع 300 دولار أمريكي لكل تريلا وارد و 350 دولار أمريكي لكل تريلا صادر لتصبح الرسوم 100 دولار أمريكي الى جانب التنسيق مع إدارة الجوازات للسماح بخروج سائقين شاحنات أجنبية بشرط حصول السائقين على تأشيرة دول الإتحاد الأوروبى . وكذلك السماح بدخول/ خروج سيارات أجنبية بقيادة مالكها بشرط الحصول على تأشيرة دخول/ خروج لجمهورية مصر العربية مسبقاً. كما تم التنسيق مع هيئة السلامة والتفتيش البحرى للسماح بتواجد السائقين على سفينة الرورو بشرط ألا يزيد عدد السائقين على السفينة عن 11 سائق.
7. فيما يتعلق بالبضائـع المنقولـة على الخـط فقد تم إضافة ميناء دمياط للقرار الوزاري رقم 682 لسنه 2007 الخاص بإنشاء لجان جمركية متخصصة تقوم باجراءات الافراج عن الاقمشة ومصنوعاتها بالإضافة الى الموانئ (الاسكندرية – بورسعيد - السخنة - القاهرة الجوي) ليتسنى تحقيق تشغيل إقتصادي للخط .
8. . جدير بالذكر أن مواعيد خط الرورو أسبوعياً من ميناء دمياط إلى ميناء تريستا والعكس، هي كالتالي ( وصول السفينة الساعة الثالثة عصراً يوم الخميس من كل أسبوع إلى ميناء دمياط قادمة من ميناء تريستا ومغادرتها من ميناء دمياط إلى ميناء تريستا مُحملة بالمنتجات المصرية الساعة 10 صباحاً يوم الجمعة من كل أسبوع، ثم وصول السفينة إلى ميناء تريستا بإيطاليا الساعة العاشرة صباحاً يوم الاثنين من كل أسبوع ومغادرتها من ميناء تريستا إلى ميناء دمياط الساعة السادسة مساء، وسيتم نقل البضائع والمنتجات المصرية التي ستصل تباعاً إلى ميناء تريستا إلى روتردام بهولندا عبر قطار بضائع مُخصص لنقل المُنتجات المصرية؛ ليتم بعد ذلك نقل تلك المُنتجات برياً إلى المُدن الهولندية المختلفة وانجلترا وبلجيكا) .