ماذا سيخسر العالم الإسلامي من تهجير الروهينغا؟
تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT
تعقدت قضية مسلمي الروهينغا أكثر من قبل بعد عقود طويلة من حرمانهم من جنسية ميانمار ومن أبسط الحقوق المدنية والإنسانية وتعرضهم للقتل والتهجير الممنهج، فهم يواجهون اليوم مخاطر اقتلاع كامل من أراضيهم وأراضي أجدادهم في ولاية أراكان ضمن النزاع المسلح القائم بين جيش ميانمار وجيش أراكان الذي يطالب بالحكم الذاتي.
ومع مقتل العشرات يوميا في الأشهر الثلاثة الماضية، ازداد الوضع الإنساني مأساوية بالنسبة للمسلمين المتبقين في إقليم أراكان والذين لا يتجاوز عددهم نصف مليون بعد تهجير معظم السكان وحرمانهم من جميع حقوقهم في أزمة مستمرة منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وعن الخطر المغفل عنه جراء ما يحدث، يقول سليم الأراكاني مدير جمعية أراكان الإنسانية (مقرها إسطنبول) للجزيرة نت إن "تهجير المسلمين من إقليم أراكان يعني فقدان جزء مهم من العالم الإسلامي في جنوب شرقي آسيا، وإذا أخرجوا من ديارهم لا أظن أنهم سيعودون إليها بسهولة وبالتالي خلق أزمة إنسانية جديدة في العالم الذي يضيق ذرعا باللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين".
من الروهينغا؟والروهينغا أقلية عرقية مسلمة عاش أبناؤها لقرون طويلة في إقليم أراكان في دولة ميانمار الواقعة جنوب شرقي آسيا، ويتحدثون لغة روهينغية خاصة بهم مختلفة تماما عن باقي اللغات في أنحاء البلاد.
ويبلغ عدد مسلمي الروهينغا حاليا 4 ملايين شخص منتشرين في أكثر من 50 دولة حول العالم، أكبر جالية منهم تعيش في ولاية كراتشي بباكستان إلى جانب أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ منهم على الشريط الحدودي لبنغلاديش، وقرابة 300 ألف شخص في المملكة العربية السعودية، بحسب جمعية أراكان الإنسانية.
نازحون من الروهينغا ينتظرون عبور نهر "ناف" إلى بنغلاديش فرارا من القتل والاضطهاد (رويترز)وتحرم حكومة ميانمار العسكرية هذه الأقلية من الجنسية وتملك الأراضي والتصويت والسفر ويعانون من العبودية على يد الجيش والمليشيات البوذية المسلحة التي تقاتل الدولة، وقد هرب أكثر من 3 ملايين ونصف المليون خلال العقود الماضية، خصوصا في حملة عام 2017 الدموية التي جاءت بعد قرابة 5 سنوات على إعلان تأسيس "جيش إنقاذ روهينغا أراكان (أرسا)" الذي تشكل من أبناء الروهينغا لوقف قتل الأقلية المسلمة في الإقليم.
وجيش "أرسا" مختلف عن "جيش أراكان" (AA) حيث يعتبر الأخير منظمة مسلحة قومية عرقية من البوذيين تأسس عام 2009، بهدف إقامة حكم ذاتي في إقليم واستعادة استقلال شعب أراكان، ويقدر أعداد مقاتليه بين 15 ألفا و20 ألف مقاتل.
ولم يحقق جيش "أرسا" أي أثر حقيقي على الأرض لضعفه وعدم وجود أي دعم إقليمي أو دولي له، واقتصاره على الأسلحة الفردية والأسلحة البيضاء وقلة عدد المتطوعين فيه.
في المقابل، يخوض جيش أراكان حربا مستعرة ضد الجيش ميانمار في أراكان، وسيطر على العديد من المدن والقرى بين عامي 2016 و2019، ومجددا منذ بداية عام 2024، مع عمله على فرض التجنيد القسري على الروهينغا وتهجير العائلات والأطفال.
"جيش أراكان" (AA) يعتبر منظمة مسلحة قومية عرقية من البوذيين تأسس عام 2009 (مواقع التواصل) ماذا يجري حاليا في أراكان؟تعيش ميانمار تحت حكم انقلاب عسكري (نفذه الجيش عام 2021 على حكومة أونغ سان سوتشي المنتخبة)، وتواجه الحكومة بالوقت نفسه دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بتهمة "الإبادة الجماعية" بسبب ما ارتكبته بحق مسلمي الروهينغا.
ويبدو أن التراجع العسكري الذي تعيشه سلطات ميانمار في إقليم أراكان مع سيطرة جيش أراكان على مساحات واسعة من الإقليم دفعها لتجنيد المئات من المسلمين في صفوفها رغم أنها تحرمهم من جنسيتهم وتمارس ضدهم أبشع انتهاكات حقوق الإنسان.
ولا يحظى النظام العسكري الحاكم بأي شعبية داخلية مع حالة الاستبداد وتكميم الأفواه وتردي الأوضاع الإنسانية التي يعيشها معظم السكان البالغ عددهم 60 مليونا، خصوصا أن الجيش النظامي يضهد الجميع وبدأ مؤخرا يفقد السيطرة على مساحات من الأراضي أمام قوات المعارضة في مناطق أخرى من البلاد.
ويعيش السكان ظروفا صعبة، إذ تسببت العمليات العسكرية بين جيش ميانمار وجيش أراكان بمقتل المئات من الروهينغا وتهجير عشرات الآلاف من بيوتهم وقراهم إلى الغابات والمدن الأخرى.
ففي عام 2012، طرد مئات الآلاف من الروهينغا من مناطق مختلطة في إقليم أراكان، وأجبروا على العيش في مخيمات رديئة غير قابلة للعيش البشري، وبعد قرابة 5 سنوات من ذلك وتحديدا في أغسطس/آب 2017، فر أكثر من 700 ألف شخص إلى بنغلاديش بعد أن شن الجيش عمليات تطهير وحشية استهدفت وجودهم.
ومنذ مطلع عام 2024، جندت القوات الميانمارية المئات من الرجال والشباب الروهنغيين بينهم أطفال ويافعون بشكل قسري من قرى ولاية أراكان (راخين)، وكذلك الحال في مخيمات الروهينغا في بنغلاديش، بحسب شهادات جمعها موقع الجزيرة نت.
وفي نهاية يوليو/تموز الماضي، قال مسؤولون في الأمم المتحدة إن هناك تقارير تفيد بانتهاك جيش ميانمار للقوانين الدولية وحقوق الإنسان.
وأفاد بيان مشترك للمستشارتين الأمميتين أليس ويريمو نديريتو ومو بليكر، أن معاناة سكان إقليم أراكان تتواصل بسبب القتل والعنف، رغم التدابير الاحتياطية التي أعلنتها محكمة العدل الدولية في يناير/كانون الثاني 2020.
وحذر البيان من تداعيات دخول الأزمة الإنسانية في ميانمار مرحلة خطيرة، مشيرا إلى وجود 3.2 ملايين نازح. وأكدت التقارير المتطابقة ارتكاب جيش ميانمار انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم أخرى تشمل الهجمات المباشرة على المدنيين، القصف الجوي، والاستهداف بالأسلحة الثقيلة، وتجنيد الأطفال، والاختطاف.
وخلال الأسبوع الماضي، قتل العشرات من الأقلية المسلمة، بينهم أطفال ونساء عبر استهدافهم بطائرات مسيّرة خلال فرارهم من ميانمار إلى بنغلاديش، والضحايا هم من أُسر كانت تنتظر عبور الحدود إلى بنغلاديش المجاورة. ونقلت وكالة رويترز عن 3 من الشهود قولهم إن "جماعة جيش أراكان" هي المسؤولة عن الهجوم، في حين نفت الجماعة تلك الاتهامات وحمّلت الجيش في ميانمار المسؤولية عنه.
وأظهرت مقاطع مصورة نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عددا كبيرا من الجثث المتناثرة على أرض موحلة وحولها حقائب وأمتعة، وقال 3 ناجين إن أكثر من 200 شخص قُتلوا، بينما أضاف شاهد آخر بأنه رأى ما لا يقل عن 70 جثة في المكان المستهدف.
وفي شهادة خاصة للجزيرة نت، قال ظافر حسين الذي كان يعيش في قرية نايتور دايل في بلدة مونغدو بإقليم أراكان إنه فقد قدمه اليسرى جراء قصف مكثف من طائرة مسيّرة تابعة لجيش أراكان في بلدة مونغدو. وبعد هذا الحادث، فر مع عائلته وأطفاله الأربعة إلى بنغلاديش قبل حوالي أسبوعين.
وبحسب سليم، فإن الصور المؤسفة للضحايا المهجرين صحيحة، مؤكدا أن المسلمين في أراكان يواجهون مخاطر الاقتلاع الجذري والنهائي من أراضيهم عبر استهداف ممنهج لهم.
وأضاف سليم للجزيرة نت: "كان الأسبوع الماضي داميا على مسلمي الروهينغا داخل البلاد، فمع التجنيد القسري في صفوف الجيش الميانماري النظامي وجيش أراكان المطالب بالحكم الذاتي يقع المسلمون بين فكي كماشة والجميع ينكل بهم ما بين مجند قسري في الصفوف الأمامية ومعتقل بتهم الخيانة أو مهجر أو جريح أو قتيل".
وفي حديثه للجزيرة نت قال الناشط في قضية مسلمي الروهينغا عبد الله الأراكاني: "تضم ميانمار أكثر من 45 عرقية، منها ما يطالب بالحكم الذاتي أو الانفصال عن الدولة، ومن بين هذه الفصائل المسلحة يبرز جيش أراكان الذي ازدادت مطالبه بالحكم الذاتي بعد انقلاب الجيش، ما أدى إلى اشتباكات مسلحة بينهما.
وأردف: "تسببت الاشتباكات بين الجيشين في معاناة كبيرة لأقلية الروهينغا، حيث لجأ جيش أراكان للاختباء في المناطق التي يقطنونها، كما حاول الطرفان تجنيد الرجال والشباب من الروهينغا".
وحذر عبد الله من أن الأحداث الأخيرة تنذر بخطر حقيقي يهدد بإنهاء وجود الروهينغا المسلمين في ولاية أراكان، وتوقع أن يستغل الجيش الحكومي الوضع الحالي لصالحه، حيث سيسمح لجيش أراكان بإنهاء وجود الروهينغا، ثم يشن هجوما عليه ليظهره كفصيل مسلح متمرد يهدد الاستقرار في المنطقة.
عبد الله الأراكاني توقع أن يستغل الجيش الحكومي جيشَ أراكان بإنهاء وجود الروهينغا ثم يشن هجوما عليه (رويترز) شهادات من خارج الإقليموأما من يعيشون بالخارج فإنهم يواجهون ظروفا نفسية صعبة بسبب تدهور الأوضاع في بلدهم وانقطاع التواصل مع ذويهم سواء في المخيمات أو القرى التي ينزحون إليها، في ظل تصاعد الحملة العسكرية وخطة التجنيد الإجباري التي يتبعها المجلس العسكري وعمليات الانتقام التي ينفذها جيش أراكان ضد مسلمي الروهينغا.
ويحكي يومو رحمن -طالب جامعي يعيش في تركيا– للجزيرة عمّا مر به فيقول: "أنا من قرية بوثيداونج، كان والدي رئيس قريتنا التي تحيط بها معسكرات عسكرية، ورغم اندلاع المعارك بين قوات المجلس العسكري وجيش أراكان، إلا أننا كنا بأمان في البداية".
وأضاف: "ولكن في وقت لاحق دخل جيش المتمردين الأراكانيين البلدة وبدأ القتال وسيطروا على المعسكر التابع للمجلس العسكري، بعد ذلك بدأ جيش أراكان في البحث عن الشباب الذين تم تجنيدهم قسرا من قبل الجيش، وقاموا باعتقال الأشخاص الذين عملوا تحت حكم الحكومة العسكرية وأولئك الذين لديهم أموال أو أسماء معروفة.. وفي اليوم التالي، ألقوا القبض على والدي وأطلقوا النار عليه وعلى 23 آخرين من قريتنا".
اعتقال والد يومو دفع والدته التي كانت تعمل مدرّسة للنزوح مع جميع أبناء القرية إلى قرية مجاورة تحت سيطرة جيش أراكان، موضحا: "أخبرتني والدتي أن هناك آلاف العائلات معهم، يعيشون في منازل ومدارس ومستشفيات، ولم يتبق لديهم سوى كميات محدودة للغاية من الطعام، ولا توجد مرافق طبية، ويموت الأطفال بسبب الإسهال وأمراض أخرى، ولا يُسمح لهم بالعودة إلى منازلهم الأصلية، على الرغم من أن المدينة بأكملها تحت سيطرة جيش أراكان".
شهادة أخرى من أياز الأراكاني، وهو طالب أيضا في إحدى الجامعات التركية، قال: "طُلب من الناس إخلاء القرية، فغادرت عائلتي حاملة القليل من الأمتعة. وبعد إخلاء القرى، انتشر النهب والسلب".
ويقول أياز إنه في مدينة لافادو، قتل الطفل موحي الذي يبلغ من العمر 10 سنوات، وبعد أن تم اعتقال والده من قبل الجيش وضعوه في الخط الأمامي لاستخدامه كدرع بشري وقتل، أخلت آلاف العائلات منازلها وانفصلوا عن رجالهم وتوجهوا نحو الطريق المؤدي إلى موند، وفي منتصف الطريق لم يتمكنوا من العودة وتم تركهم هناك، وقاموا بحرق القرية بالكامل تقريبا، ودمرت نحو 210 آلاف منزل خلال 100 يوم.
وبالإضافة إلى أن أسعار السلع التي ارتفعت بشكل كبير لتصل إلى 10 أضعاف، بحسب أياز، فإنه لم يكن لدى عائلته والعائلات الأخرى أي مكان للذهاب إليه لأنهم لم يكن لديهم وثائق لزيارة المدن الأخرى، كما أُغلقت المدن وكل الطرق المؤدية إليها، فبقوا مع مئات الأشخاص الذين يموتون من الجوع على جانب الطرقات بين القرى".
وأشار إلى أن الحرب تتوسع، ولا يستطيع الناس الاتصال ولا تصل المعلومات إلى الخارج، اعتُقل آلاف الأشخاص من المدينة والقرى وكان ابن أخته أحدهم، كما وضع أحد أقاربه في الخط الأمامي.
الأمر نفسه ينطبق على محمد والذي قال للجزيرة نت الآن بعد أن أفرغت البلدة تماما، هناك 200 ألف من الروهينغا المسلمين يعيشون كلاجئين جدد، وهم يحتشدون اليوم في المدارس والأماكن العامة والطرقات والغابات وعلى ضفة النهر للهروب إلى بنغلاديش، هناك من 5 إلى 10 عائلات تعيش في منزل لعائلة واحدة، الأمراض تنتشر في كل مكان، ويتفشى الإسهال والإقياء بين الأطفال، إلى جانب بداية موسم الأمطار الغزيرة، والناس بلا مأوى.
وأكّد محمد أنه في "موند هناك عشرات القتلى يوميا، نحن هنا في تركيا نسمع عن عشرات الضحايا، الوضع مزري للغاية، أحرقت بيوتهم في قراهم التي غادروا منها، ولا يسمح لهم بالعودة ولا يجدون أماكن تؤيهم".
الروهينغا المسلمون أحرقت بيوتهم في قراهم التي غادروا منها ولا يسمح لهم بالعودة ولا يجدون أماكن تؤويهم (رويترز) قضية منسية لا يتحدث عنها أحدوفي خضم الأزمات الإنسانية الكثيرة التي تشغل العالم، مع استمرار العداون الإسرائيلي على غزة، وما يجري في سوريا والسودان واليمن وليبيا وغيرها من المناطق، يكاد لا يذكر أحد المأساة المستمرة التي يعيشها مسلمو الروهينغا.
يتمسك الروهينغي المسلم بهاتفه الذكي كأنها الروح التي في جسده، ليس حبا بتمرير المقاطع المصورة على مواقع التواصل الاجتماعي وليس لمتابعة آخر الأخبار، إنما هي الوسيلة الوحيدة التي تصله بذويه وأقاربه وأصدقائه المهجرين والنازحين واللاجئين داخل وخارج إقليم أراكان.
وفي هذا السياق، قال مدير جمعية أراكان إن قضيتنا عادلة وتستحق تسليط الضوء والاهتمام، كما أن ما يجري في أراكان له العديد من الأسباب، فالإقليم من أغنى الأقاليم في ميانمار، فهو يطل على الساحل الغربي للبلاد، وتشرف عاصمته سيتوي على الجزء الشمالي من الساحل، وهو غني بالثروات الطبيعية من غاز ونفط إلى جانب الثروة السمكية والزراعية غير المستغلة، بالإضافة إلى أهميته التجارية كذلك.
ودعا عبد الله الأراكاني لتحرك إسلامي سريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والضغط على حكومة ميانمار من قبل الحكومات الإسلامية لتهدئة الأوضاع والاعتراف بحقوق الأقلية المسلمة، حيث يمكن للعديد من الدول الإسلامية طلب ذلك لو أرادت؛ سواء من الصين وكوريا الجنوبية والهند التي لديها مصالح مهمة في ميانمار للضغط على القوى الحاكمة لإيقاف اقتلاع المسلمين من أراضيهم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مسلمی الروهینغا بالحکم الذاتی من الروهینغا إلى بنغلادیش جیش میانمار للجزیرة نت جیش أراکان فی میانمار فی أراکان عبد الله أکثر من من قبل
إقرأ أيضاً:
مخاطبا يهود العالم.. ماذا قصد ظريف بـإساءة الصهيونية للهولوكوست؟
طهران- بعد مرور 6 أيام فقط على ثاني خطاب وجّهه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى "الشعب الفارسي" ومطالبته "بالعمل مع إسرائيل من أجل مستقبل إقليمي أفضل"، حث محمد جواد ظريف مساعد الشؤون الإستراتيجية للرئيس الإيراني اليهود حول العالم على "حماية الإيمان الإبراهيمي من التحريفات الصهيونية".
وفي خطاب مصور بالإنجليزية مدته نحو 7 دقائق نشره على منصة إكس، اعتبر ظريف أن "الكيان الصهيوني ونظامه الإرهابي الذي لا يحتوي سجله إلا على التمييز العنصري والإبادة الجماعية والعنف المنهجي، لا يمثل الدين اليهودي الإبراهيمي"، مؤكدا أن "الصهيونية حركة علمانية توسعية وتسيء استخدام اليهودية من أجل أجندتها العنصرية والاستعمارية".
واتهم المسؤول الإيراني الحركة الصهيونية بأنها تسيء إلى ضحايا الهولوكوست وتدعي أنها تمثل الشعب اليهودي في ربوع العالم، في حين أنها تشكل أكبر تهديد لكرامة الشعب اليهودي وأمنه، كما ناشد أتباع الديانة اليهودية مقاومة الصهيونية والاستمرار في الوقوف مع جميع الضحايا الأبرياء في فلسطين وغيرها من الأماكن الأخرى.
حوار الأديانوخاطب ظريف اليهود في أنحاء العالم بالقول إن "الشعب الإيراني حليفكم في هذه المقاومة النبيلة"، وناشدهم العمل على تحرير الديانة الإبراهيمية من شر التزوير والعدوان والتمييز العنصري والمجازر الصهيونية.
وتُعد هذه الرسالة الإيرانية الثانية لليهود منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث بعث المرشد الأعلى علي خامنئي، يوم 25 مايو/أيار الماضي، رسالة إلى طلبة الجامعات بالولايات المتحدة الذين نظموا احتجاجات دفاعا عن أطفال غزة ونسائها، معربا عن تعاطفه معهم ومؤازرته لهم، ومؤكدا أنهم "وقفوا في الجهة الصحيحة من التاريخ".
وتعليقا على خطاب ظريف، وضع رئيس المؤسسة الدولية لحوار الأديان محمد علي أبطحي هذا الخطاب في سياق الحوار بين الأديان السماوية الرامي للسلام ونبذ العنف، موضحا أن الأقلية اليهودية المعترف بها في إيران تعارض الحركة الصهيونية مثل الكثير من أتباع اليهودية حول العالم.
وفي حديثه للجزيرة نت، رأى أبطحي أن خطاب ظريف سيلقى آذانا صاغية لدى أتباع الديانة اليهودية حتى داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا أن الحوار بين الديانات السماوية مستمر، وأن هناك إجماعا بينها على نبذ العنف والإبادة الجماعية وممارسات الصهيونية ونظام الفصل العنصري الذي ترعاه.
وأوضح أبطحي أن ظريف استخدم لهجة ليّنة في مخاطبة اليهود وجعلهم يتقمصون مشاعر المتضررين من الممارسات الصهيونية من أتباع الديانات السماوية الأخرى في الشرق الأوسط، ومنهم المسلمون والمسيحيون واليهود.
زيادة الضغطوتابع رئيس المؤسسة الدولية لحوار الأديان أنه إذا كان الرأي العام العالمي يتعاطف مع اليهود بسبب الهولوكوست، فإن ظريف بيّن لهم أن نتنياهو يسيء لضحايا المحرقة، وأن ممارسات كيانه العدوانية بحق الأبرياء من النساء والأطفال في غزة ولبنان في طريقها لتجسيد صورة مخالفة لما تكرس في أذهان العالم حول الهولوكوست وأسباب وقوعها، وقد يفقد اليهود صفة المظلومية التي كانت ملازمة لهم.
ووفق أبطحي، فإن المجازر الصهيونية التي ترتكب يوميا في قطاع غزة ولبنان كانت سببا رئيسيا في إلقاء مساعد الشؤون الإستراتيجية للرئيس الإيراني هذا الخطاب إلى يهود العالم، وأنه يتطلع لإحلال السلام عبر زيادة ضغطهم على الكيان الإسرائيلي للقبول بمقترح الهدنة الذي يدور الحديث عنه في الوقت الراهن.
وخلص إلى أن ظريف يحظى بسمعة حسنة على الصعيد الدولي، فضلا عن شعبيته لدى الأوساط الشعبية في الداخل الإيراني، علاوة على أنه يتلّقد منصبا رسميا في حكومة جاءت بشعار الحوار والسلام، مضيفا أن أسلوبه يختلف تماما عن خطابات نتنياهو التي وجهها للشعب الإيراني.
وكان نتنياهو قد وجّه في 30 سبتمبر/أيلول الماضي خطابا للشعب الإيراني اتهم خلاله نظام البلاد "بالعمل على إغراق المنطقة في الظلام والحرب"، محذرا من "أنه لا يوجد مكان في الشرق الأوسط لا تستطيع إسرائيل الوصول إليه"، لكن طهران هاجمت في اليوم التالي الأراضي المحتلة بإطلاق نحو 200 مقذوف من الصواريخ الباليستية وفرط صوتية.
الدبلوماسية العامةمن ناحيتها، تصنف الباحثة في الشؤون السياسية عفيفة عابدي رسالة ظريف إلى يهود العالم ضمن الدبلوماسية العامة التي تنتهجها طهران لوضع حد للإبادة الجماعية في فلسطين ولبنان، موضحة أن التذكير بالشرخ الكبير بين الشريعة اليهودية والحركة الصهيونية سيزيد من الضغط الشعبي على تل أبيب لكبح سياساتها الرامية إلى توسعة رقعة الحرب في المنطقة.
ولم تكن سياسة الجمهورية الإسلامية المناهضة للصهيونية أمرا جديدا، وفق عابدي، التي رأت في العدوان الإسرائيلي على شعوب المنطقة فرصة مواتية لفضح الصهيونية وداعميها الغربيين، مشددة على أن اتساع دائرة الاحتجاجات الشعبية بمشاركة يهود العالم من شأنها أن تنعكس إيجابا على وقف آلة الحرب ومنعها من التوسع.
وحسب حديث عابدي للجزيرة نت، تخوض طهران وحلفاؤها حربا هجينة على "العدو الإسرائيلي"، ومثل هذه المواجهة تستلزم حربا ومقاومة مركبتين، معتبرة أن خطاب ظريف خطوة لوقف الحرب بالمنطقة أكثر من أن يكون ردا على رسائل نتنياهو التي تهدف للتدخل في شؤون إيران الداخلية.
ولدى إشارتها إلى رسائل نتنياهو إلى المعارضة الإيرانية وتحريضها على القيام بأعمال شغب لإسقاط النظام، تقرأ الباحثة خطاب ظريف إلى يهود العالم في سياق الحرب الإعلامية على الحركة الصهيونية، مؤكدة أن حرب الروايات والخطابات وأثرها على المجتمعات من شأنها أن تشكل عاملا مساعدا للقوة الخشنة.
وختمت بالقول إن ظريف أدرك خطورة الحرب النفسية لنتنياهو وحماته الغربيين ضد طهران ومصالحها الوطنية، ومنها برنامجها النووي وتقويض قدرات حلفائها في محور المقاومة، فقام "بتعرية المجازر الإسرائيلية والأطراف الداعمة لها".