في هذه الحلقة الثانية من الحوار الذي أجرته صحيفة “إدراك” مع المفكر والباحث، النور حمد، والذي تنشره صحيفة التغيير، يشير حمد إلى أن خطاب الكراهية  يعتبر مشكلة في سياق الثقافة الاجتماعية السائدة والأوضاع السياسية المتردية. وحول ضرورة تأسيس جيش قومي ومهني في السودان، فإن النور يقول هذا أمر لا مناص منه، مشيراً إلى أن الجيش الذي خضع للأدلجة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي تحول إلى مجرد ميليشيا لحراسة حكم الإسلامويين الأيديولوجي الإقصائي.

.

التغيير: الخرطوم

إلى أي مدى ساهم خطاب الكراهية على التوقيف والاعتقال الانتقائي والقتل على أساس الهوية؟

خطاب الكراهية لا يكون فعالاً إلا في البيئات التي تستجيب له. فالمشكلة ليست في خطاب الكراهية في حد ذاته، لأنه موجود في كل أقطار الأرض. فقط يصبح خطاب الكراهية مشكلة في سياق الثقافة الاجتماعية السائدة والأوضاع السياسية المتردية، كالوضع الذي نحن فيه الآن. أعني، الثقافة القابلة لكي يستقيظ فيها هذا الخطاب حين ينفخ الخبثاء والوضعاء رقيقي الدين في بوقه. يمثل خطاب الكراهية أكبر الأدوات تهديدًا للسلم الأهلي.

وبطبيعة الحال فإن الأنظمة الديكتاتورية تعتمد في بقائها على تفتيت وحدة الشعوب. وفي السودان مارس نظام الإنقاذ سياسة التفتيت هذه عبر إيقاظ النزعات الدينية المتطرفة واستخدام المال والمناصب لشق الأحزاب السياسية. يضاف إلى ذلك، عمل على إحياء الروح القبلية والعشائرية والمناطقية والطائفية بصورة غير مسبوقة.

وقد قام الإسلامويون بذلك، لضرب وحدة الشعب، وشل قدرته على التوحد لمواجهة نظامهم القمعي القائم. وفي ظروف هذه الحرب الكارثية اللعينة التي أشعلوها وأفلت زمامها من أيديهم، بفضل الله، ذهبوا إلى إيصال خطاب الكراهية إلى حدوده القصوى، آملين في اصطفاف الناس وراءهم. وقد أحدث تأجيج هذا الخطاب فظائع عديدة لا تزال تتواصل. فقد حدثت من جرائه عمليات طردٍ واعتقالٍ، بل وتصفيةٍ في مجازر جماعية لأفراد أبرياء لمجرد أنهم من دارفور أو كردفان، أو بسبب سحنهم ولون بشرتهم. وهؤلاء الضحايا لم يكونوا سوى بسطاء أتى بهم حظهم العاثر لطلب العمل في ولايات الشمال والوسط النيلي. بل بلغ خطاب الكراهية وتأثيراته درجة القتل الجماعي العشوائي بإلقاء البراميل المتفجرة من الجو على المدنيين في دارفور وسوق ليبيا ومختلف المدن والقرى، ومؤخرًا في معسكر زمزم، بزعم أنهم يمثلون حواضن لقوات الدعم السريع. كل هذه التجاوزات ينبغي أن تُرصد؛ لأن يوم الحساب عليها سيأتي لا محالة. نهاية الأمر نحتاج عقب هذه الحرب إلى نظام تعليمي يخاطب مثل هذه العلل في عقول الصغار منذ الطفولة الباكرة. كما نحتاج خطابًا إعلاميًا جديدًا فاعلاً في نبذ خطاب الكراهية، تسنده قوانين رادعة تحاكم المجرمين، بل وتحاكم من يمارسون الترويج الخطابي والكتابي له.

ما هي رؤيتك لعملية بناء وتأسيس جيش قومي ومهني ما بعد الحرب؟

هذا أمر لا مناص منه. فالجيش الذي خضع للأدلجة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي تحول إلى مجرد ميليشيا لحراسة حكم الإسلامويين الأيديولوجي الإقصائي. ثم ما لبث أن تحول من “مليشيا جهادية” لحراسة مشروع ديني أيديولوجي أحادي، إلى قوة باطشة لحراسة نظام حكم كليبتوقراطي لصوصي، غايته نهب الموارد. وأصبح من ثم أداة تعمل في خدمة طبقة اجتماعية من الإسلاميين، جعلها احتكار السلطة والثروة طبقةً بالغة الثراء.

وبهذا وقع الجيش وسائر القوى الأمنية في حفرة الزبائنية التابعة للطبقة الثرية المتجبرة الحاكمة. والآن، اتضح عمليًا، وبما لا يقبل الجدال، أن البلاد تحتاج جيشًا مهنيًا جديدًا، تمام الجدة، وتحتاج، كذلك، منظومةً أمنيةً جديدة أيضًا.

النور حمد: اتضح عمليًا، وبما لا يقبل الجدال، أن البلاد تحتاج جيشًا مهنيًا جديدًا، تمام الجدة..

ويقتضي تأسيس الجيش الجديد تغييرًا في مناهج الكلية العسكرية، لتحوي بالإضافة إلى العلوم العسكرية العصرية، تغيير تصوُّر ضباط الجيش الخاطئ لأنفسهم. وهو اعتقادهم الخاطئ أن دورهم هو ممارسة الحكم، وليس حماية ثغور البلاد وحراسة الدستور الديمقراطي.

ما هو تصورك لمستقبل علاقات السودان الخارجية، خصوصًا مصر وإثيوبيا في الفترة التي ستلي الحرب؟

علاقتنا بمصر بصورتها القائمة الآن، علاقة سامَّة. والذي جعلها سامَّةً هي الأطماع المصرية التاريخية في السودان.

مصر تكره أن يكون في السودان حكم ديمقراطي وبرلمان يقرر في السياسات وصحافة حرة تراقب الأداء الحكومي. ظلت مصر على الدوام تفضل وجود ديكتاتور في سدة الحكم في السودان، لتدعمه للبقاء في السلطة والعمل من أجلها ضد تطلعات شعبه. بهذا يبقى الديكتاتور السوداني أسيرًا لمصر ينفذ لها ما تريده من السودان. ودعونا نستذكر سلوك مصر منذ أن قامت ثورة ديسمبر 2018 ومحاولاتها المتكررة لشق الثوار وإجهاض الثورة وإغراق صفوفها بفلول النظام القديم، من أجل إبقاء العسكر في سدة الحكم.

من الجانب الآخر، فإن لإثيوبيا، هي الأخرى، مطامع في السودان. فعينها على السودان أكثر من عينها على جاراتها الأخريات، خاصة فيما يتعلق بالناحية الاقتصادية، بسبب الإمكانات الهائلة التي لدى السودان. لكن تصحيح العلاقة مع إثيوبيا أسهل، وبما لا يُقاس، من تصحيح العلاقة مع مصر. هاتان الدولتان الجارتان تعانيان انفجاراً سكانياً ضخماً. فكلتاهما تعدى تعداد السكان فيهما المئة مليون نسمة. والسودان بمائه وأراضيه الواسعة وقلة سكانه، مقارنة بمساحته، موضع نظر هاتين الدولتين.

ما ينبغي هو أن تقوم العلاقة مع هذين القطرين الجارين على أساس المصالح المتبادلة، وفق أسس شفافة وعادلة، خادمة لغرض الطرفين. لكن، هذا في نظري، أقرب إلى التحقق مع إثيوبيا منه مع مصر. فمصر سبق أن استعمرتنا، ولا تزال تنظر إلينا كمستعمَرة سابقة وكجزء لا يتجزأ منها جرى اقتطاعه منها.

هذا الوضع اصطحب معه نظرةً دونيةً للسودان وللسودانيين، وحصرًا للعلاقة معنا في الإطار الأمني وحده. وهو ما جعل ملف السودان في مصر ملفًا أمنيًا تابعًا لجهاز الاستخبارات، وليس لوزارة الخارجية. يزور بلادنا مدير الاستخبارات المصرية عشرات المرات، ولا يزورها وزير الخارجية إلا نادرا. وهذا وضع رسخه، وإطالة انبطاح العسكريين والسياسيين السودانيين لمصر لأسبابٍ متنوعة، لا يسمح المجال بالخوض في تفاصيلها.

إذا لم يُجبر السودانيون مصر على تصحيح نظرتها إلى السودان ليجري وضع علاقتنا معها في إطار تبادل المصالح المشتركة بندية، فلن يستقر السودان على الإطلاق، ولن يتحقق فيه أي نمو اقتصادي. فمصر تريد السودان مجرد مخزنٍ للمواد الخام رخيصة الثمن، لتضع عليها هي القيمة المضافة لخدمة اقتصادها. ولا يعنيها في هذا إطلاقًا إن جاع شعب السودان، أو تعطلت لديه التنمية الاقتصادية. بل، إن تخلف السودان الصناعي وحكمه بواسطة عملائها من السودانيين إنما يعينها وفقا لنظرتها القاصرة على استنزاف موارده. فهي تمارس نفس النسق الذي فعله المستعمرون الأوربيون في المستعمرات في القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين. وعلينا أن نتذكر أن وقوف مصر إلى جانب البرهان منذ صعوده إلى مجلس السيادة، واشتراكها بفعالية معه لإرباك الثورة وتصفيتها، قد آتى أكله لصالح مصر. فتحكُّم البرهان وشلته في سلطة القرار وقيامه بالانقلاب على رئيس وزراء الفترة الانتقالية عبد الله حمدوك من مصر من نهب موارد السودان بصورةٍ لم تتح لها بتلك الضخامة، في كل تاريخها الطويل، منذ عهود الفراعنة.

الوسومالنور حمد بناء جيش قومي حرب الجيش والدعم السريع مناهضة خطاب الكراهية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: النور حمد حرب الجيش والدعم السريع مناهضة خطاب الكراهية خطاب الکراهیة فی السودان النور حمد خطاب ا

إقرأ أيضاً:

تورط في تصفية "البيدجا".. حبس زعيم مليشيا في ليبيا

بعد إعلان السلطات الليبية قبل أيام توقيف مشتبهين بهما في قضية اغتيال قائد الأكاديمية البحرية "عبد الرحمن ميلاد" الملقب بـ "البيدجا"، تكشفت تفاصيل جديدة من المتوقع أن تشعل توترات في غرب البلاد.

فبعد يومين من التحقيق معهما، أمرت النيابة العامة بسجن زعيم مليشيا "الفار"، محمد بحرون وأحد مساعديه، بتهمة قتل "البيدجا" الذي ارتبط اسمه بتهريب البشر حتى بات يعرف بإمبراطور تهريب البشر".

وقال مكتب النائب العام في بيان مساء أمس السبت، إنّه بعد استجواب آمر فرقة الإسناد الأولى محمد بحرون وأحد معاونيه ومواجهتهما بالأدلة والإثباتات، انتهى الأمر بحبسهما احتياطيا على ذمة التحقيق، في قضية مقتل عبد الرحمن ميلاد.

قائد مليشيا "الفار"

ويتزعم بحرون مليشيا "الفار"، وهي مجموعة مسلحة ناشطة في مدينة الزاوية غرب العاصمة طرابلس.

كما يقود فرقة "الإسناد الأمني الأولى" التابعة لوزارة الداخلية، وهو من بين الشخصيات النافذة والشهيرة في الغرب الليبي، والمتهمة بارتكاب جرائم ترتبط بزعزعة الأمن والاستقرار، والمشاركة في مواجهات مسلحة لإشاعة الفوضى.

ومن المتوقع أن يتسبّب سجنه في توّتر أمني خاصة بين المليشيات التابعة له الرافضة لقرار إيقافه، والمليشيا الموالية لـ"البيدجا".

إذ رصد ناشطون تجمّع فرقة مسلّحة من "الإسناد الأولى" بمدينة الزاوية، مباشرة بعد إعلان مكتب النائب العام عن حبس قائدها محمد بحرون.

يذكر أن البيدجا اغتيل يوم الاثنين الماضي، بعد استهداف سيارته من قبل مسلحين رميا بالرصاص، في منطقة جنزور غرب طرابلس، في حادثة أشعلت توّترات أمنية في الزاوية التي ينحدر منها.

وكان "إمبراطور التهريب" ضابطا في خفر السواحل الليبي قبل ترقيته إلى رتبة آمر البحرية الليبية.

لكنه يعد واحدا من أبرز وأخطر المهربين في ليبيا خاصةً في الزاوية، حيث اكتسب شهرة واسعة عابرة للحدود الليبية، بعد ارتكابه العديد من الانتهاكات بحق المهاجرين وتورطه في إغراق مراكبهم في عرض البحر فضلا عن قيامه بعمليات تهريب النفط.

كما تزعم "البيدجا" ميليشيا مسلّحة نشطة في منطقة الزاوية، وهو مدرج على قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي.

مقالات مشابهة

  • المبعوث الأميركي يرسل إشارات لإحياء المشاورات مع الجيش السوداني
  • الأردنيون يدلون بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية وسط توقعات بزيادة دعم الإسلاميين بسبب حرب غزة
  • تنفيذي النهود يدعو لمساندة الاجهزة الأمنية ونبذ خطاب الكراهية
  • ستختفي قوات الجيش والانتقالي وطارق صالح.. محلل سياسي: قوة واحدة ستتقاسم النفوذ في اليمن إلى جانب مليشيا الحوثي
  • مليشيا الحوثي تعلن إسقاط طائرة في معقلها الرئيسي شمالي اليمن خلال مهمة قتالية
  • حماس: لن يرى الأسرى النور إن لم يُضغط على نتنياهو
  • حماس: إن لم يتم الضغط على نتنياهو وإلزامه بما تم الاتفاق عليه فلن ترى الرهائن النور
  • تورط في تصفية "البيدجا".. حبس زعيم مليشيا في ليبيا
  • الجيش يهاجم مواقع للدعم السريع في الخرطوم وشرق النيل
  • تجدد المواجهات بين الجيش والدعم السريع في الأُبيض غربي السودان