من بين جملة الألقاب المدنية التى كان يحملها رموز الطبقة السياسية والجالسون على قمة الهرم الاجتماعى قبل 1952، يظل لقب «الباشا» لصيقًا باسم محمد فؤاد سراج الدين باشا.
كانت الديباجة الخاصة برئيس الوزراء هى «صاحب الدولة رفعة الباشا» ومن يحصل على الوشاح الأكبر لمحمد على هى «صاحب المقام الرفيع».. أما الباشا فيلقب بـ«صاحب السعادة».
كان اللقب وديباجته، يرتبطان بجدارة بفؤاد سراج الدين، وظلا كذلك حتى يومنا هذا، بعد 24 عامًا على توديعه فى الجنازة المهيبة التى خرجت من مسجد عمر مكرم.
فهو صاحب السعادة وباعثها بين الوفديين، وهو صاحب المقام الرفيع الذى كان السياسيون يقدرونه على اختلاف توجهاتهم، ويمتد تأثيره إلى دائرة جهاز الشرطة إذ كان أول الحاضرين إلى مقر الحزب بالدقى لتقديم واجب عزاء أحد تلاميذه الكبار وهو اللواء حسن أبوباشا وزير الداخلية السابق.
ولد صاحب السعادة محمد فؤاد سراج الدين باشا، فى قمة الهرم الاجتماعى. فوالده سراج الدين شاهين باشا ووالدته زكيه هانم البدراوى كريمة البدراوى باشا الذى لا يزال قصره فى الدقى عامرًا بالوفديين ومقرًا للحزب الآن على رأس شارع بولس حنا.
فى ذروة الخلاف السياسى أواخر السبعينيات، قال الرئيس الراحل أنور السادات تلميحًا على فؤاد سراج الدين «إنه ولد وفى فمه ملعقة من ذهب، فكيف يشعر بالفلاحين؟»
وللحقيقة، فالباشا ولد وفى فمه ليست ملعقة واحدة من ذهب وإنما «طقم ملاعق كامل»من ذهب.
ولم لا؟ فهو باشا سليل الباشوات، وعندما انضم لحزب الوفد عام 1936 كان يحوز نحو 20 ألف فدان.
لكن الحقيقة التى أنكرها الرئيس الراحل أنور السادات، أن فؤاد سراج الدين مدخن السيجار الكوبى الأغلى فى العالم، كان من أكبر المناصرين للفلاحين ومن أكبر الداعمين للطبقة العاملة الكادحة.
فالباشا هو صاحب قرار فرض الضرائب التصاعدية على كبار ملاك الأراضى الزراعية عندما كان وزيرًا للمالية فى آخر حكومة للوفد عام 1950، رغم أنه كان من كبار الملاك.
وكانت خطوة الضرائب التصاعدية محل نقمة ورفض من كبار الملاك الآخرين، وهو قرار لا تصدره إلا حكومة «اشتراكية».. لكن الباشا أصر نائيا عن بديل أصعب للاقتصاد وهو تحديد الملكيات الزراعية ( الأمر الذى فرضته ثورة يوليو فيما بعد).
والباشا هو من أصدر أول قانون لتنظيم نقابات العمال حينما كان يتولى وزارة الشؤون الاجتماعية فى حكومة 1942، ليكون للعمال صوت معبر عنهم، وقانون عقد العمل الفردى، وقانون الضمان الاجتماعى وقانون إنصاف الموظفين.
وهكذا يعبر الباشا عن داخله المتسق مع مبادئه نحو عدالة اجتماعية حقيقية ومساواة، ليكون حقًا صاحب السعادة.
ربما يختزل كثيرون تاريخ الباشا مع جهاز الشرطة فى حادثة 25 يناير بالإسماعيلية عام 1952، ويقفون عند ذروة المشهد، وهو رجال شرطة بواسل ببنادقهم وذخيرتهم القليلة تحت إمرة اليوزباشى مصطفى رفعت وإشراف فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية، يواجهون الدبابات البريطانية التى خرجت قبل 7 سنوات منتصرة على آلة الحرب النازية.
فهذا المشهد بلا شك، مدعاة للفخر، لأن المقاومة شرف.. والاستشهاد دفاعًا عن مبنى محافظة الإسماعيلية أمام المحتل الإنجليزي، لا يدانيه شرف.
لكن ارتباط الباشا بجهاز الشرطة كان أعمق من ذلك بكثير.
بنظرة على وقائع العقود الثلاث العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات بنهاية سنة 1950، سنجد أن جهاز الشرطة كان فاعلًا فى غالبية الانتخابات، باعتباره رمز السلطة وأداة قوية لتحديد من يفوز فى الانتخابات البرلمانية.
فلو كانت جميع الانتخابات حرة، لحكم الوفد وهو حزب الأغلبية وفاز فى جميع الانتخابات.
لكن الوفد حزب الشعب وحزب الأغلبية لم يحكم سوى ما مجموعه 7 سنوات خلال الفترة من 1924 وحتى قيام ثورة يوليو 1952، إما بسبب تزوير الانتخابات أو إجباره على الاحتفاظ بالأغلبية وترك حكومات الأقلية تحكم وهو ما حدث عقب حريق القاهرة.
وقد قامت ثورة يوليو والوفد بعيد عن الحكم بينما لديه أغلبية برلمانية.
كان الباشا يدرك ذلك جيدا، ويدرك أن رجال الشرطة مظلومون بين رغبات الملك وحكومات الأقلية، إذ إن أوامر الحكومة ـ أى حكومة ـ يصبح لزامًا على رجال الشرطة تنفيذها، حتى لو كانت تزوير الانتخابات.. ورفضها يعنى إقالة الضابط ونقله للمعاش.
هنا سعى فؤاد سراج الدين عندما كان وزيرًا للداخلية ونجح فى إصدار قانون تنظيم هيئات الشرطة، ليمنح رجال الشرطة حصانة ضد تجاوزات السياسيين خصوصًا حكومات الأقلية، وليصبح ولاء ضابط الشرطة للقانون ولضميره.
أيضًا لا يرى كثيرون سوى ذروة المشهد، كما قلنا، وهو يوم 25 يناير 1952.
لكن الباشا القوي، الذى لا يقبل بالهزيمة، والذى اعتبره أعداؤه «أقوى شخصية سياسية»، يمتد دوره قبل ذلك بعامين كاملين.
فمنذ فوز الوفد ووصوله مجددًا لرئاسة الحكومة عام 1950، كان امام عينيه تحقيق هدفيه المرفوعين منذ ثورة الشعب 1919 وهما الاستقلال والدستور.
كانت معارك الدستور أكبر فترة العشرينيات والثلاثينيات.. ثم استقرت وكان الاقتراب من الدستور يساوى التهديد بـ«سحق أكبر رأس فى البلد إذا ما عبث بالدستور» كما قال عباس محمود العقاد داخل البرلمان عام 1930
أما معارك الاستقلال فلم تنته ضد بريطانيا العظمى التى خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية.
كانت ذروة الصدام بين الوفد والإنجليز عندما وقف النحاس باشا رئيس الوزراء مخاطبًا نواب الشعب بمجلسية النواب والشيوخ يوم الإثنين 8 أكتوبر عام 1951 قائلًا عبارته الشهيرة : «باسمكم وقعت معاهدة 1936 وباسمكم أعلن اليوم إلغاءها»، ليقر الوفد إلغاء معاهدة 26 أغسطس 1936 واتفاقيتى 19 يناير و10 يوليه عام 1899 فى شأن إدارة السودان.
وهكذا دخل حزب الوفد معركة مع انجلترا التى كانت تتواجد قواتها فى منطقة قناة السويس.
وبينما كان الزعيم مصطفى النحاس، يشعل بخطابه النارى الأمة المصرية ضد المحتل، كان وزير داخليته الباشا فؤاد سراج الدين يهندس ويدير المقاومة ضد الإنجليز مستعينًا بعدد من رجال الشرطة الأوفياء والثقاة.
استمر دور الباشا ورجاله ضد المحتل، لتشتعل منطقة القناة ضد الإنجليز، حتى أدرك المحتل خطورة تواجد رجال الشرطة فى المنطقة، ويبدأ فى إصدار الإنذار الشهير لقوات البوليس على لسان «البريجادير إكسهام» بالانسحاب من الإسماعيلية يوم 25 يناير 1952.
استطلع الباشا فى مكالمة تليفونية سريعة رأى رجاله ممثلًا فى شخص النقيب مصطفى رفعت، الذى أعرب للباشا عن ثباته وثبات رجال الشرطة استعدادا لرفض الإنذار.
وعندما تيقن الباشا من ثبات رجاله رد: «ربنا معاكم».
كان ثباتًا عسكريً وسياسيًا مصريًا، توجته دماء عشرات الشهداء المصريين، نجحوا فى مقاومة المحتل، وانتهى بمؤامرة حريق القاهرة فى اليوم التالى لإبعاد الوفد عن الحكم.
وبالفعل خرج الباشا مع الوفد من الحكم، لكنه لم يخرج من قلوب محبيه ولم يخرج من التاريخ الذى سطر له صفحات مضيئة من الانحياز للشعب والوطن.
حفظ الله مصر
حفظ الله الوفد
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حفظ الله مصر رئيس الوزراء وزير الداخلية السابق فؤاد سراج الدین صاحب السعادة رجال الشرطة وزیر ا
إقرأ أيضاً:
«الشارقة للصحافة» ينظم جولة لممثلي وسائل الإعلام الدولية
الشارقة: «الخليج»
نظّم نادي الشارقة للصحافة، الذي يعمل تحت مظلة المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، جولة صحفية لممثلي وسائل الإعلام الدولية على مدى ثلاثة أيام، تضمنت مشروعات وفعاليات الإمارة المختلفة لاطلاعهم على النهضة الشاملة والمستدامة التي تشهدها الإمارة في مختلف القطاعات.
وشملت الجولة زيارات ميدانية لأبرز المعالم والمشروعات في الشارقة، بما فيها مزرعة القمح بمليحة، ومهرجان أضواء الشارقة، ومواقع أثرية شاهدة على تاريخ الإمارة، إضافة إلى بينالي الشارقة للفنون، وأيام الشارقة التراثية.
وجرى تعريف الإعلاميين بالمشروعات التنموية والتاريخية والفنية التي تعكس رؤية الشارقة في مجالات الاستدامة، والثقافة، والتراث، والفنون.
وأكدت علياء السويدي، مدير المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، حرص المكتب على تعزيز التواصل مع مختلف وسائل الإعلام، ونقل تجربة الإمارة التنموية والثقافية الرائدة إلى العالم من أجل تعزيز سبل التعاون والتلاقي الحضاري والثقافي مع مختلف المجتمعات، لافتة إلى أن هذه الجولة تشكل فرصة مثالية للصحفيين لاستكشاف مشروعات الإمارة عن قرب والتعرف إلى هوية الشارقة وجهودها التنموية ورؤيتها المستقبلية.
اطلع نادي الشارقة للصحافة الوفد الإعلامي الدولي على جهود الإمارة لتعزيز الأمن الغذائي والاستدامة الزراعية من خلال تنظيم زيارة لمزرعة القمح في مليحة. وحصلت مزرعة القمح بمنطقة مليحة، على علامة الجاهزية للمستقبل التي يتم منحها للمؤسسات الاتحادية والمحلية التي تصمم وتطبق مشاريع استثنائية، وذلك تقديراً للإنجازات التي حققتها المزرعة في تعزيز قدرات الجاهزية للمستقبل في قطاع الأمن الغذائي. وتعرف الوفد الزائر إلى أحدث التقنيات في الري والزراعة العضوية، إضافة إلى استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في إدارة المحاصيل لتحقيق إنتاجية عالية مع الحفاظ على البيئة.
وتضمنت الجولة التعريفية في الشارقة زيارة المواقع الأثرية لتعريف الإعلام الدولي بما تزخر به الإمارة من مكتنزات تاريخية وأثرية منها: موقع مليحة الأثري الشاهد على تاريخ ضارب في الجذور، ويضم مكتشفات أثرية مهمة تسلط الضوء على الحضارات التي استوطنت المنطقة. كما تعرفوا إلى الجهود التي تبذلها الجهات المختصة في ترميم وصيانة هذه المواقع.
واشتمل برنامج زيارة الوفد الإعلامي على جولة مسائية في مواقع مهرجان أضواء الشارقة.
وتفاعلاً مع المشهد الفني المعاصر، زار الوفد بينالي الشارقة للفنون 16، الذي يُعد واحداً من أهم المنصات الفنية في العالم العربي، ويجمع أعمال فنانين محليين وعالميين تحت عنوان «رِحالنا».