شبكة انباء العراق ..

يتصاعد الجدل في الشارع العراقي وفي أروقة البرلمان بشأن المخاوف من تمرير التعديلات على قانون الأحوال الشخصية، وسط شد وجذب يتركز على تداعياته السياسية والاجتماعية، بين فسيفساء التوجهات الدينية والمدنية والعرقيات المختلفة، فضلا عن أهداف الأحزاب الشيعية والسنية وحتى الكردية على حد سواء.

وتعوّل الأحزاب السياسية الشيعية على أغلبيتها البرلمانية في إقرار تلك التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية الذي يحظى بدعم مرجعيات دينية في النجف، وتأمين مساندة الكتل السنية التي تطالب -في المقابل- بإصدار قانون العفو العام عن آلاف السجناء ضمن ما توصف بأنها صفقة سياسية لتمرير القانونين معا.

وجاء في هذا السياق، اجتماع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان مع مجموعة من البرلمانيات وشبكة النساء العراقيات، حيث تم التطرق إلى الملاحظات والتعديلات المقترحة على مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية النافذ رقم 188 لسنة 1959، والاعتراضات عليه.

لكن الجدل اللاحق حول القانون تعدى دوائر صنع القرار الحزبية تحت قبة البرلمان ومجلس القضاء إلى وسائل التواصل والقنوات الإعلامية ودوائر النقاش الضاغطة في المنظمات المهتمة بالأسرة والطفل، وسط تساؤلات عن الدوافع التي تقف وراء الإصرار على إصدار القانون في هذا التوقيت، إذ تتركز أبرز الخلافات بشأن تعديلات قانون الأحوال الشخصية، بقضايا سن الزواج للإناث وتسجيل عقد الزواج في المحاكم والمرجعية القانونية والشرعية للزواج المختلط وحقوق المرأة المطلقة وحضانة الأطفال.

ما التعديلات الجديدة؟
وكان قانون الأحوال الشخصية في العراق قد أُقّر عام 1959 خلال عهد رئيس الوزراء آنذاك عبد الكريم قاسم، وهو قانون يسري على جميع العراقيين دون تمييز مذهبي حتى الآن، لكن التعديلات الجديدة تشير في إحدى فقراتها على أنه “يحق للعراقي والعراقية عند إبرام عقد الزواج أن يختار المذهب الشيعي أو السني الذي تطبق عليه أحكامه في جميع مسائل الأحوال الشخصية، ويجوز لمن لم يسبق له اختيار تطبيق أحكام مذهب معين عند إبرام عقد الزواج، تقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية المختصة لتطبيق أحكام الشرع على الأحوال الشخصية، وفق المذهب الذي يختاره ويجب على المحكمة الاستجابة لطلبهم”.

وينص مشروع القانون على أنه “إذا اختلف أطراف القضية الواحدة في الأسرة بشأن تحديد مصدر الأحكام الواجب تطبيقها في طلبهم، فيعتمد الرأي الشرعي فيها”، كما يلزم التعديل الجديد “المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي والمجلس العلمي والإفتائي في ديوان الوقف السني بالتنسيق مع مجلس الدولة بوضع مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية وتقديمها إلى مجلس النواب للموافقة عليها خلال 6 أشهر من تاريخ نفاذ هذا القانون”.

ويشمل التعديل كذلك تصديق محكمة الأحوال الشخصية على عقود الزواج “التي يبرمها الأفراد البالغون من المسلمين على يد من لديه تخويل شرعي أو قانوني من القضاء أو من ديواني الوقفين الشيعي والسني بإبرام عقود الزواج، بعد التأكد من توافر أركان العقد وشروطه وانتفاء الموانع في الزوجين”.

user

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات قانون الأحوال الشخصیة

إقرأ أيضاً:

العراق: قوانين السلة الواحدة وأزمة الدولة!

في شباط 2008، صوَت مجلس النواب العراقي برئاسة محمود المشهداني (الرئيس الحالي) على ثلاثة قوانين في سلة واحدة، هي قوانين العفو العام وقانون الموازنة الاتحادية وقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم. وجاء هذا التصويت «المبتكر» في سياق تجاوز أزمة سياسية سببها عدم الاتفاق على تمرير هذه القوانين، وكان الحل نظام «المقايضة» التقليدي بين القوى السياسية الرئيسية الثلاث؛ الشيعة والسنة والكرد؛ فالقوانين الثلاثة هي بالنهاية مطالب مرتبطة بمصالح تخص كل طرف، وهو ليس مستعدا للتصويت على «قانون» الآخر بشكل منفرد، لأنه لا ضمانة له أن هذا الآخر سيصوت على «قانونه» لاحقا، وكان لا بد من حل معضلة أزمة الثقة هذه، بالتصويت على القوانين الثلاثة في سلة واحدة!

يومها احتج البعض أن «حداثة» الديمقراطية في العراق تتيح إنتاج مثل هذه الحلول التي تطيح بمنطق الدولة، وتطيح بمفهوم القانون بوصفة قاعدة عامة مجردة هدفها مصلحة الجمهور، لتحوله إلى مجرد اتفاق سياسي يضمن مصالح الفاعلين السياسيين السياسية والطائفية وحتى الشخصية.

بعد 17 عاما على تلك التجربة «الديمقراطية» العجيبة، عاد مجلس النواب العراقي اليوم وبرئاسة محمود المشهداني أيضا، ليمرر ثلاثة قوانين وفق نظام «المقايضة» نفسه، وهي: قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية (الشيعي)، وقانون العفو العام «السني»، وقانون إلغاء قرارات مجلس قيادة الثورة الخاصة بالعقارات المصادرة أو المستولى عليها في محافظة كركوك «الكردي»، في تكريس جديد لدولة الطوائف.

ونظام «المقايضة» في الأنثروبولوجيا هو واحد من أقدم أشكال التبادل الاقتصادي، قبل ظهور الأنظمة النقدية التي ابتكرتها المجتمعات. وقد ظهر في بلاد الرافدين قبل 6000 سنة قبل الميلاد، وأهم متطلباته «تزامن الرغبات»، فلا يمكن الحديث عن مقايضات مؤجلة.

وبعيدا عن الإنثروبولوجيا ونظام المقايضة، لا يمكن فهم ما جرى إلا في سياق أزمة الدولة في العراق، وأزمة الطبقة السياسية غير المؤهلة سوى لخدمة مصالحها الشخصية والمالية والزبائنية. لذلك لم يتم أعضاء مجلس النواب السنة ولا الكرد إلى ما يشكله تعديل قانون الأحوال الشخصية من أزمة مجتمعية حقيقية، ومن رِدة حقيقية عن منطق الدولة، لأنهم يعتقدون أن القانون يتعلق بالشيعة وحدهم، وبالتالي لن يطال مكونهم ولا بأس من زواج القاصرات «الشيعيات»، أو من حرمان الأم «الشيعية» من الحضانة، أو في الكثير من المشكلات التي تثيرها المدونة الفقهية الإسلامية عموما. والفضيحة هنا أن التصويت تم على التعديل دون وجود المدونة الفقهية المعدلة أصلا، بحجة انها ستكتب لاحقا!

ولم يجد لا الشيعة ولا السنة أيضا مشكلة في قانون استعادة الأراضي التي تمت مصادرتها أو الاستيلاء عليها قسريا بموجب القانون تتعلق بالكرد والتركمان في كركوك بشكل خاص، فضلا عن مناطق أخرى، بل سعى البعض إلى محاولة استثمار هذا القانون بإضافة مناطق أخرى، مثل الدجيل التي أضافها الفاعل السياسي الشيعي إلى متن القانون. دون الالتفات إلى ما قد يثيره هذا القانون من منازعات حول تلك الأراضي لاحقا، خاصة وأن معظم هذه الأراضي قد صودرت منذ أكثر من 50 عاما!

أما القانون الثالث المتعلق بتعديل قانون العفو العام، فقد كان مطلبا سنيا على مدى سنوات، في مسعى لضمان العدالة للآلاف من الأبرياء الذين حكم عليهم في محاكمات تفتقر بشكل مطلق معايير المحاكمات العادلة، وبموجب اعترافات انترعت بالتعذيب. لكن مرة أخرى سعت القوى السياسية إلى تضمين هذا القانون مواد تتيح الإفلات من العقاب في عشرات الجرائم، وعلى رأسها الجرائم المتلعقة بالفساد، في تخادم صريح بين هذه القوى السياسية ومرتكبي تلك الجرائم!

وكانت الفضيحة الأكبر في هذا القانون أنه تضمن فقرتين تتعلقان بتحصيل الأموال المأخوذة بالاختلاس وسرقة أموال الدولة وإهدار المال العام وجرائم الفساد الإداري والمالي، الأولى بالإشارة إلى الشمول بالعفو بعد تسديد المتهم/ المحكوم ما بذمته من أموال «بإجراء تسوية مع الجهة المتضررة تضمن استرداد الأموال العامة على أن يسدد المبلغ كاملا».

وهذه الفقرة تنازع فقرة أخرى وردت في القانون نصت على استحصال المبالغ المترتبة بذمة المتهمين/ المحكومين «بإجراء تسوية مع الجهة المتضررة أو «وفقا لقانون تحصل الديون الحكومية رقم 56 لسنة 1977 المعدل أو قانون التضمين رقم 31 لسنة 2015».

بالعودة إلى قانون تحصيل الديون الحكومية، سنجد أن القانون يتعامل مع «الديون» وليس مع سرقة المال العام أو اختلاسه أو إهداره. أما قانون التضمين فهو مصمم لمعالجة «الأضرار التي تكبدتها الخزينة العامة بسبب إهمال «المُدان» أو مخالفته القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات» عبر تشكيل لجنة من رئيس وعضوين للتحقيق، وهي التي تحدد التضمين أو عدم التضمين، وهي التي تحدد قيمة التضمين. أما التسديد فيمكن للوزير المختص أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة او المحافظ تقسيط مبلغ التضمين لمدة لا تزيد عن خمس سنوات!

وكما هو واضح لا يصلح كلا القانونين بالمطلق للتعامل مع قضايا الفساد الكبرى في العراق، بل على العكس تماما إيراد هاتين المادتين في تعديل قانون العفو العام، كانت الغاية منه التغطية على الفاسدين!

فالقانون قبل التعديل كان يشترط «تسديد ما ترتب بذمة المشمولين بأحكام هذا القانون من التزامات مالية لمصلحة الدولة أو للأشخاص» في حين جاء التعديل ليعطي للمتهمين بهذه القضايا فرصة الافلات بما سرقوه واختلسوه عبر «تسويات» مريبة بالنظر إلى سياق بنية الفساد الحاكمة في العراق، لأن هذه المواد المضافة ستستخدم قطعا للتخادم بين الفاسدين واللجان التي ستبت في شمولهم بالعفو لمزيد من الفساد المقنن!

ففي القضية التي أطلق عليه سرقة القرن، مثلا، والتي نجهل حتى اللحظة حيثياتها والمبلغ الذي سرق من الودائع الضريبية (وقد قدر بما يزيد عن 2.5 مليار دولار) وحيث تكشف الوقائع المتضمنة فيها، عن التواطؤ الذي مارسته الدولة، بكامل سلطاتها، مع هذه السرقة، وكيف أخلي سبيل المتهم، ورفع الحجز عن أمواله، وسمح له بالسفر، لتنتهي القضية بحكم غيابي مدته 10 سنوات، وحكم على شريكين آخرين مفترضين غيابيا بالسجن 6 و 3 سنوات. في هذه القضية قد يشمل قانون العفو هذا المدانين بها، بعد «تسوية» يديرها موظفون فاسدون بالضرورة!

منذ العام 2006 ونحن نكرر ان الفساد في العراق ليس متعلقا بالأفراد، بل هو فساد بنيوي يحكم النظام السياسي والدولة والطبقة السياسية، وأن التلاعب المنهجي بالقوانين لشرعنة الفساد أحد مظاهر ذلك الفساد البنيوي!

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • بعد ضجة أثارتها الصحف الغربية.. البرلمان يرد: قانون الأحوال لا يعارض الاتفاقات الأممية
  • بعد ضجة أثارتها الصحف الغربية.. البرلمان يرد: قانون الأحوال لا يعارض الاتفاقات الأممية - عاجل
  • عدالة غائبة
  • العراق: قوانين السلة الواحدة وأزمة الدولة!
  • البرلمان العراقي يقرّ قانون يجيز زواج القاصرات
  • قانون العفو العام الجديد يشكل نصراً للاطار التنسيقي في مجلس النواب
  • قانون الأحوال الشخصية بعيون الإنكليز والأمريكان: استبدال دور القضاة برجال الدين خرقُ للاتفاقيات
  • يسمح بـ«تزويج القاصرات».. برلمان العراق يثير ضجة بعد تعديل «قانون الأحوال الشخصية»
  • يجيز زواج الأطفال.. برلمان العراق يثير ضجة بإقرار تعديلات على قانون الأحوال الشخصية
  • البرلمان العراقي يقرّ تعديلاً لقانون الأحوال الشخصية يسمح بزواج القاصرات