تسعى الدولة المصرية دائمًا، إلى إقرار العدالة الناجزة، وتحقيق سيادة القانون، دون إخلال بالحقوق والحريات، لتحقيق حياة كريمة وعدالة ناجزة فى الجمهورية الجديدة التى يشارك فيها كل المصريين دون إقصاء.
وهنا يجب أن نتحدث عن «الحوار الوطني»، الذى يلعب دورًا مهمًا ومحوريًا، كمنصة حيوية لمناقشة وطرح القضايا السياسية والاجتماعية والقانونية التى تهم الرأى العام والشارع المصرى.
ومن خلال متابعتنا لمناقشات «الحوار الوطني»، لاحظنا اهتمامًا كبيرًا، وغير مسبوق، بملف الحبس الاحتياطي، الذى يعتبر من القضايا المهمة والحساسة، وحظى باهتمام كبير ومناقشة جادة.
لذلك، نود أن نشير إلى أن وضع تلك القضية على رأس أولويات «الحوار الوطني»، يعد بمثابة قفزة كبيرة وخطوة مهمة لتعزيز حقوق الإنسان، إضافة إلى دعم تطوير منظومة العدالة، من خلال توفير محاكمة عادلة وناجزة، تحافظ على حقوق المواطنين دون المساس بحريتهم.
إن مناقشة قضية الحبس الاحتياطى فى الحوار الوطنى تعكس التزام المجتمع بالسعى نحو تحقيق العدالة وتحسين نظام العدالة الجنائية، ما يسهم فى تعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون فى البلاد، وكذلك حرص الدولة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى على تحقيق العدالة الناجزة، وضمان حقوق الأفراد، وكذلك إحداث طفرة حقيقية فى المنظومة القضائية.
كما لا يفوتنا أن نشيد بدور المستشار الدكتور حنفى جبالى رئيس مجلس النواب، وتوجيهاته للجنة الشئون الدستورية والتشريعية، لعقد اجتماعاتها خلال الإجازة البرلمانية، لمناقشة تعديلات قانون الإجراءات الجنائية لتكون على رأس الأجندة، ونحن على ثقة تامة فى أن هذه التعديلات سيكون لها آثارها الإيجابية فى تحقيق العدالة الناجزة مع توفير الضمانات اللازمة للمتقاضين.
إن إعلان مجلس أمناء الحوار الوطني، تلقيه المقترحات المقدمة فى ملف الحبس الاحتياطي، وصياغتها ورفعها إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، بعد مناقشة واسعة شهدت مشاركة واسعة وفاعلة من ممثلى التيارات السياسية والحقوقية، يؤكد أن الجميع أثبتوا حرصهم على ضرورة الوصول لتوصيات تساهم فى قضية الحبس الاحتياطي، بهدف التوصل إلى رؤية متوازنة لتحقيق الأمن وسيادة القانون، دون المساس بحرية المواطن، وتحقيق العدالة الناجزة.
لقد ناقش الحوار الوطني، بشكل تفصيلى ملف الحبس الاحتياطي، من خلال بحث خمس موضوعات تمثلت فى مدة وبدائل الحبس الاحتياطي، وموقف المحبوس احتياطيًا عند تعدد الجرائم و عاصرها وتزامنها، والتعويض الأدبى والمادى عن الحبس الاحتياطى الخاطئ، وأخيرًا التدابير المصاحبة للحبس الاحتياطى من منع سفر ونحوه، ليتم التوافق فى النهاية على التوصيات، التى سيتم صياغتها ورفعها إلى رئيس الجمهورية.
نعتقد أن معالجة إشكاليات الحبس الاحتياطى خلال الفترة الراهنة، هى خطوة مهمة لتنفيذ المقصود منه، حيث تكمن أهمية هذا الملف الحساس بأنه يتعلق بالحريات العامة وحقوق الإنسان وحرية الرأى والنشر والتعبير، وبالتالى فإن التوصل لتوافق وطنى حول طرق معالجة إشكالياته يعد أمًرا مهمًا للغاية، ويؤسس لعدالة حقيقية.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الحبس الاحتياطى رئيس الجمهورية الرئيس عبدالفتاح السيسي الرأى العام الشارع المصرى الحوار الوطني الجمهورية الجديدة رضا سلامة العدالة الناجزة الحبس الاحتیاطی الحوار الوطنی
إقرأ أيضاً:
العدالة الانتقالية وجبر الضرر.. الآليات والتحديات والتجارب المُلهمة
عاشت سوريا فترة طويلة ومعقدة من النزاع المسلح والصراعات الداخلية التي شهدت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من مختلف الأطراف المتورطة.
بدأت هذه المرحلة منذ بداية النزاع في عام 2011، حيث أفرزت الحرب السورية أزمات إنسانية واسعة النطاق، تخللها انتهاكات شاملة شملت القتل العشوائي، والتعذيب، والاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري.
كما لم تقتصر هذه الانتهاكات على طرف واحد، بل كانت مشتركة بين القوات الحكومية، والتنظيمات المتطرفة، وقوات أجنبية.
في ضوء هذه الانتهاكات الواسعة، تصبح العدالة الانتقالية ضرورة حيوية لتحقيق السلام والمصالحة في سوريا.
مبدأ أساسي واحد يكمن في السعي إلى تحقيق التوازن بين العدالة والمصالحة، وبين المحاسبة وبناء المستقبل والمجتمع على أسس قيم العدالة وحقوق الإنسان
وعند النظر إلى التجارب العالمية حول تطبيق العدالة الانتقالية، نجد أنها تتمتع بتنوعها وتأثرها بالسياقات الثقافية والسياسية المختلفة، ما يجعلها مصادر غنية للدروس والتطبيقات الممكنة، حيث تُعدّ تجربة جنوب أفريقيا واحدة من أبرز الأمثلة على العدالة الانتقالية، حيث شهدت البلاد فترة طويلة من التمييز العنصري (الأبارتايد)، فشُكّلت لجنة الحقيقة والمصالحة بقيادة "ديزموند توتو" والتي كانت تهدف إلى كشف الحقيقة عن الانتهاكات وتقديم فرصة للضحايا للتعبير عن معاناتهم.
أما في أمريكا اللاتينية، وبعد سقوط نظام الجنرال بينوشيه، شُكلت لجنة الحقيقة والمصالحة للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها الحكومة العسكرية. إحدى الدروس المهمة التي يمكن استخلاصها من تجربة تشيلي هي أهمية استقلال وشفافية لجان الحقيقة، مع ثقة المجتمع في نتائج التحقيقات، وتقديم تعويضات مالية، ودعم نفسي واجتماعي، مما يعكس التزام الدولة بإعادة بناء حياة الضحايا وضمان عدم تكرار الانتهاكات.
والكثير من التجارب التي يضيق المقام بذكرها والوقوف عندها، كتجربة رواندا بعد الإبادة الجماعية عام 1994، وتجربة البوسنة والهرسك بمحاكمة المتورطين بجرائم حرب، وغير ذلك، إلا أنها تشترك جميعها في مبدأ أساسي واحد يكمن في السعي إلى تحقيق التوازن بين العدالة والمصالحة، وبين المحاسبة وبناء المستقبل والمجتمع على أسس قيم العدالة وحقوق الإنسان.
العدالة الانتقالية مفتاح المصالحة والديمقراطية
تمثل العدالة الانتقالية إطارا قانونيا وفلسفيا يهدف إلى معالجة انتهاكات حقوق الإنسان خلال فترات النزاع أو الأنظمة القمعية، وتسعى هذه العدالة إلى تحقيق توازن بين مبدأي المحاسبة ومساعي المصالحة، من خلال آليات تشمل المحاكمات الجنائية، ولجان الحقيقة، وإصلاح المؤسسات، إذ تُمكِّن العدالة الانتقالية المجتمع من التحول من حالة الظلم إلى العدالة، ما يعزز القيم الديمقراطية واحترام الحقوق الأساسية.
أما جبر الضرر، فهو مبدأ يعبر عن ضرورة إعادة الأمور إلى نصابها بعد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ويشمل تعويض الضحايا ماديا ومعنويا، كما يُعنى هذا المفهوم بتحقيق العدالة التقويمية، التي تهدف إلى إعادة التوازن الأخلاقي والاجتماعي من خلال الاعتراف بالأذى والتعويض عنه، حيث يُعتبر جبر الضرر جزءا لا يتجزأ من العدالة الانتقالية، إذ يسعى إلى استعادة الكرامة الإنسانية وبناء الثقة في المؤسسات القانونية.
تحديات تحقيق العدالة الانتقالية
تشكل العدالة الانتقالية في سوريا تحديا معقدا ومتشابكا، نظرا للعديد من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
ولعلّ أبرز التحديات هو تورط العديد من الأطراف في النزاع، بما في ذلك القوات الحكومية وبعض الجماعات المسلحة والتنظيمات المتطرفة، ما يجعل محاسبة جميع المتورطين عملية معقدة وصعبة، ولا سيما إذا كان البعض من هؤلاء المتورطين قد وصلوا إلى مواقع السلطة.
كما تعكس هذه الحالة صراعا فلسفيا حول العدالة، حيث يواجه المجتمع تحديا في التوفيق بين مبادئ المحاسبة والعدالة من جهة، وضرورة المصالحة والاستقرار من جهة أخرى، إذ أنّ التوترات الاجتماعية والطائفية المتراكمة تعمق الفجوة بين المجتمعات المختلفة، ما يعقد عملية بناء الثقة وإعادة التلاحم الاجتماعي، الأمر الذي يتطلب إعادة تأطير مفهوم العدالة بحيث يتناسب مع التعددية الثقافية والدينية والاجتماعية التي تميز المجتمع السوري.
يمثل التحدي الاقتصادي عاملا حاسما في تحقيق العدالة الانتقالية. فالاقتصاد المتهالك والموارد المحدودة تعرقل تنفيذ برامج جبر الضرر والتعويض، وتفرض قيودا على إمكانيات إعادة الإعمار والتنمية. ويُطرح هنا سؤال جوهري حول كيفية تحقيق العدالة في سياق الندرة، ومدى إمكانية تحقيق التوازن بين تعويض الضحايا وإعادة بناء المجتمع.
وتضارب المصالح بين الأطراف المتنازعة يضيف بُعدا آخر لتعقيد العدالة الانتقالية، حيث تتعارض مصالح بعض الأطراف السياسية مع مبادئ العدالة، مما يتطلب توازنا دقيقا وتعاونا دوليا لضمان تحقيق العدالة من دون التضحية بالسلام والاستقرار. هذا التحدي يعكس أهمية العدالة الانتقالية بوصفه مشروعا جماعيا يتطلب مشاركة وتعاون جميع الأطراف لتحقيق أهدافه.
آليات تحقيق العدالة الانتقالية
ويمكن تحقيق العدالة الانتقالية من خلال عدة مراحل أساسية:
1- المساءلة والمحاسبة: تهدف هذه المرحلة إلى محاسبة المتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من خلال إنشاء محاكم جنائية خاصة أو دعم المحاكم الوطنية القائمة، فالمحاسبة القضائية تعتبر حجر الزاوية في العدالة الانتقالية، حيث تساهم في تعزيز سيادة القانون ومنع الإفلات من العقاب، ومن الضروري أن تكون هذه المحاكم مستقلة وشفافة وتعمل وفقا للمعايير الدولية.
2- الكشف عن الحقيقة والتوثيق: ويمكن تحقيق ذلك من خلال تشكيل لجان تقوم بجمع الشهادات والأدلة من الضحايا والشهود، وهذه اللجان تساعد في تحقيق العدالة الرمزية وتمنح الضحايا الفرصة لسرد قصصهم وتلقي الاعتراف بمعاناتهم، كما أنّ الكشف عن الحقيقة يساهم في بناء فهم مشترك للتاريخ الأليم وتعزيز التفاهم والتسامح بين المجتمعات المتضررة.
تطبيق هذه الآليات في سوريا يتطلب التزاما سياسيا واجتماعيا قويا، وتعاونا دوليا لتقديم الدعم اللازم. فمن خلال تنفيذ هذه المراحل الأساسية للعدالة الانتقالية، يمكن للشعب السوري بناء مستقبل قائم على العدالة والمصالحة والاحترام المتبادل لحقوق الإنسان، ما يعزز السلام والاستقرار في المنطقة
3- إصلاح المؤسسات: تشمل هذه المرحلة تطهير المؤسسات الحكومية والأمنية من العناصر المتورطة في الانتهاكات، إذ يجب إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وإعادة تدريبها على مبادئ حقوق الإنسان، وضمان شفافية العمليات وتحقيق الرقابة المستقلة، فالإصلاح المؤسساتي يهدف إلى ضمان عدم تكرار الجرائم وتعزيز ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.
4- جبر الضرر والتعويض: تهدف هذه المرحلة إلى تعويض الضحايا ماليا ومعنويا، عبر تعويضات مالية، وإعادة الممتلكات، وتقديم الرعاية الصحية والنفسية، وتوفير فرص التعليم والتدريب. فجبر الضرر هو عملية شاملة تهدف إلى إعادة بناء كرامة الضحايا واستعادة مكانتهم في المجتمع، كما يساهم جبر الضرر في تحقيق العدالة التقويمية ويساعد الضحايا في التعافي والاندماج من جديد في المجتمع.
5- مشروع قانون يحظر الترويج لنظام بشار الأسد والجرائم المرتبطة به: حيث يتضمن القانون حظر تبرير جرائم النظام الأسدي أو الترويج لها بأي وسيلة إعلامية، مع حظر شعارات ورموز التي تخص النظام الساقط، بالإضافة إلى منع إنكار الجرائم التي ارتكبها النظام، كجرائم الإبادة الجماعية واستخدام الأسلحة الكيمائية، عبر فرض عقوبة تصل إلى السجن 5 سنوات أو غرامة مالية.
كما يشمل القانون منع تأسيس أية تنظيمات أو حركات تدعم نظام الأسد أو تعمل على استعادة حكمه، بالإضافة إلى حماية الضحايا من خلال منع الإساءة لهم أو التشهير بضحايا النظام أو التشكيك في معاناتهم.
وفي الختام: إنّ تطبيق هذه الآليات في سوريا يتطلب التزاما سياسيا واجتماعيا قويا، وتعاونا دوليا لتقديم الدعم اللازم. فمن خلال تنفيذ هذه المراحل الأساسية للعدالة الانتقالية، يمكن للشعب السوري بناء مستقبل قائم على العدالة والمصالحة والاحترام المتبادل لحقوق الإنسان، ما يعزز السلام والاستقرار في المنطقة.