انتهاء تقييم «علامة الهوية الوطنية» بمدارس القطاع الخاص في أبوظبي
تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT
إبراهيم سليم (أبوظبي)
كشفت الدكتورة سارة السويدي، مدير مكتب الرقابة وضمان الجودة بدائرة التعليم والمعرفة في أبوظبي، لـ«الاتحاد»، عن انتهاء أعمال تقييم علامة الهوية الوطنية، التي أطلقتها الدائرة عام 2022 والتي شملت جميع مدارس القطاع الخاص بالإمارة، والتي تهدف إلى ترسيخ فهم الطلبة للعادات والتقاليد والقيم الإماراتية، وأكدت أن علامة الهوية الوطنية «ليست مجرد رمز، بل أداة تربط الطلبة المواطنين بالتراث الغني والتقاليد المتأصلة لدولة الإمارات، وترسخ شعوراً عميقاً بالانتماء والفخر»، لافتة إلى الانتهاء من تقييم كافة المدارس، علماً بأن البرنامج سيشمل قطاعات أخرى العام المقبل.
ودعت مدارس القطاع الخاص إلى اتباع آلية يمكن للمدارس تحسين تقييمها، إذ إن التحسين الفعّال يتطلب التزاماً ونهجاً مدروساً يتماشى مع قيم وثقافة دولة الإمارات في الأنشطة المدرسية كافة، ومنها: تطوير وإثراء برامج اللغة العربية، والاستفادة من تجارب المدارس التي حصلت على تقييم «متميز» في برامجها الخاصة بالهوية الوطنية، وتكوين مجلس أولياء الأمور لدعم تعزيز برامج الهوية الوطنية في المدارس وإشراك أفراد المجتمع، وربط التجارب الثقافية مثل الرحلات المدرسية إلى المواقع التراثية بأنشطة المناهج الدراسية لتعميق الفهم وربطها بالسياق المحلي.
وأوضحت أن العلامة في جوهرها تشكل جسراً يربط الطلبة الإماراتيين والوافدين بالجذور الثقافية لدولة الإمارات ومستقبلها الطموح، كما تشجعهم على الإسهام في صون إرثها وتعزيزه لضمان استمراريته للأجيال القادمة، وتشجع الطلبة على الحفاظ على إرث الآباء المؤسسين للدولة والإسهام في بناء مستقبل الإمارات.
ترسيخ الهوية
وأوضحت أن ترسيخ الهوية الوطنية داخل المدارس، يغطي ثلاثة محاور رئيسة «الموروث الثقافي من تاريخ وتراث ولغة عربية، ومحور القيم، ويشمل الاحترام والتعاطف والتفاهم العالمي، ومحور المواطنة، والذي يركز على الانتماء والتطوع والحفاظ على البيئة، بهدف تعزيز النسيج الثقافي والوطني في المجتمع المدرسي».
وقالت السويدي: إن الدائرة استكملت الزيارات التفتيشية التي شملت 60 مدرسة خاصة قبل نهاية العام الدراسي الحالي، ضمن برنامج علامة الهوية الوطنية عام 2022، بهدف ترسيخ فهم الطلبة للعادات والتقاليد والقيم الإماراتية، بعد أن أنهينا في المرحلة السابقة تقييم 153 مدرسة، حيث تمت عمليات التقييم عدة مراحل، ووفقاً لما أعلنته الدائرة حصلت 8 مدارس على تقييم متميز، ونالت 33 مدرسة تقييم جيد، بينما حازت 79 مدرسة على تقييم مقبول و33 مدرسة على تقييم ضعيف.
تقييم المدارس
وقالت الدكتورة سارة السويدي، حول أهمية علامة الهوية الوطنية في عملية تقييم المدارس، إن أهمية علامة الهوية الوطنية لا تقتصر على تقييم المدارس فقط، بل توفر لأولياء الأمور صورة واضحة وشاملة عن برامج الهوية الوطنية وتطبيقها في المدارس الخاصة بأبوظبي، كما تتيح لهم إمكانية اتخاذ قرارات مدروسة لاختيار مدرسة متميزة على المستوى الأكاديمي، بما يسهم في ترسيخ فهم أطفالهم للقيم والموروث الثقافي الإماراتي.
وأكدت أن علامة الهوية الوطنية تمثل حافزاً كبيراً للمؤسسات التعليمية، حيث تشجع المدارس على دمج الهوية الوطنية في مناهجها التعليمية بشكل أفضل، ما يعزز فهم الطلبة من الإماراتيين وغيرهم للتقاليد والعادات والقيم الغنية للدولة.
وتتماشى هذه الجهود مع الأولويات الاستراتيجية للقيادة الرشيدة لدولة الإمارات، ما يؤكد على أهمية تعزيز حضور الهوية الوطنية في المساعي التعليمية.
الفخر بالهوية
وأضافت السويدي: «تمثل علامة الهوية الوطنية الأولى من نوعها منهجية رائدة في أنظمة تقييم المدارس»، ويهدف التقييم السنوي إلى توفير بيئة تعليمية تتميز بأعلى مستويات الالتزام الأكاديمي، إلى جانب تعزيز شعور الفخر بالهوية الوطنية والاعتزاز بالموروث الثقافي لدى الطلبة.
كما تلعب هذه المبادرة دوراً محورياً في بناء مجتمع متماسك يفخر أفراده بالثقافة والهوية الوطنية والإنجازات التعليمية.
وفيما يتعلق بالفرق بين علامة الهوية الوطنية وبرنامج ارتقاء؟ وهل يكملان بعضهما بعضاً؟ أوضحت الدكتورة سارة السويدي أن علامة الهوية الوطنية تركز بشكل خاص على ترسيخ الهوية الوطنية داخل المدارس، وتغطي ثلاثة محاور رئيسة هي: محور الموروث الثقافي، ويضم عناصر التاريخ والتراث واللغة العربية، ومحور القيم، ويشمل الاحترام والتعاطف والتفاهم العالمي، ومحور المواطنة، والذي يركز على الانتماء والتطوع والحفاظ على البيئة، كما تقوم علامة الهوية الوطنية على منهجية هادفة لدمج هذه العناصر في الإطار التعليمي للمدارس في أبوظبي، بهدف تعزيز النسيج الثقافي والوطني في المجتمع المدرسي.
برنامج ارتقاء
وبالمقابل، يقوم برنامج ارتقاء على معايير الإطار الموحَّد لتقييم المدارس والتفتيش في دولة الإمارات، وهو أكثر شمولاً في نطاقه، فضلاً عن تركيزه على معايير الأداء العام للمدارس، وتشمل تقييمات البرنامج ستة معايير رئيسة، بما فيها إنجاز الطلبة، التطوُّر الشخصي والاجتماعي للطلبة ومهاراتهم في الابتكار، التدريس والاختبارات، المنهاج الدراسي، حماية الطلبة ورعايتهم وتوجيههم ودعمهم، والقيادة والإدارة، كما يتضمن كل معيار 17 مؤشر أداء لتقييم الكفاءة الأكاديمية والإدارية في كل مدرسة.
الموروث الثقافي
أما تقييم علامة الهوية الوطنية، فيجري بشكل مستقل مع التركيز على الموروث الثقافي والهوية كإطار للتقييم، بينما لا يمثل ذلك سوى عامل واحد من أصل سبعين عاملاً في برنامج ارتقاء، وتم تصميم كلا النظامين لتزويد المدارس بتقارير مفصلة تسلط الضوء على نقاط القوة ومكامن التحسين.
وأضافت السويدي: نعتمد على هذه النتائج لتقديم الدعم اللازم للمدارس، مما يضمن تعزيز التميز الأكاديمي والتكامل الثقافي، وتقدم علامة الهوية الوطنية وبرنامج ارتقاء منهجية شاملة لتقييم البيئات التعليمية وتحسينها، ما يضمن تلبية المدارس لأعلى المعايير الأكاديمية وترسيخ شعور الفخر بالهوية الوطنية والاعتزاز بالموروث الثقافي لدى الطلبة.
بيئة متعددة
وفيما يختص بمدى أهمية ما يجب على أولياء الأمور من مختلف الجنسيات الاهتمام بعلامة الهوية الوطنية، أوضحت مدير مكتب الرقابة وضمان الجودة في دائرة التعليم والمعرفة، أن أبوظبي تتميز ببيئة متعددة الثقافات تنسجم مع القيم العالمية، ما يجعل من علامة الهوية الوطنية مفهوماً مألوفاً ومهماً لجميع الأسر على اختلاف الجنسيات والخلفيات الثقافية.
وبالنسبة للطلبة الإماراتيين، ليست العلامة مجرد رمز، بل هي أداة تربطهم بالتراث الغني والتقاليد المتأصلة لدولة الإمارات، وترسخ شعوراً عميقاً بالانتماء والفخر، وتشجعهم على الحفاظ على إرث الآباء المؤسسين للدولة والإسهام في بناء مستقبل الإمارات.
تبادل المعرفة
أضافت سارة السويدي: تمثل بالنسبة للطلبة الوافدين فرصةً لتبادل المعرفة والتجارب الثقافية، ويساعد هذا التفاعل على ترسيخ فهمهم للتاريخ والموروث الثقافي والقيم والمفاهيم المجتمعية، مما يعزز التعاون والاحترام المتبادل والانسجام الاجتماعي.
وتسهم الخبرات التي يكتسبها الطلبة خلال فترة وجودهم في أبوظبي بإثراء تجارب حياتهم، وترسخ لديهم قيم الاحترام والتقدير لدولة الإمارات والتي ترافقهم في حياتهم المستقبلية.
وتشكل العلامة في جوهرها جسراً يربط الطلبة الإماراتيين والوافدين بالجذور الثقافية لدولة الإمارات ومستقبلها الطموح، كما تشجعهم على الإسهام في صون إرثها وتعزيزه لضمان استمراريته للأجيال القادمة.
إرث زايد وهويتنا
حول أهمية الهوية الوطنية في دعم النمو الشامل للطالب، أفادت السويدي بأن الهوية الوطنية تؤدي دوراً مهماً في النمو الشامل للطالب، لأنها تربط تطوره الشخصي بالقيم الثقافية والأخلاقية لوطنه.. ولقد ترك الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، القائد المؤسس لدولة الإمارات، إرثاً عظيماً لا يزال يلهم هويتنا الوطنية، ويشكل التزامه بقيم التعاطف والتسامح والاستدامة عنصراً أساسياً في الثقافة الإماراتية، وهي قيم إنسانية عالمية تترك أثراً عميقاً لدى الطلبة من مختلف الخلفيات الثقافية.
المنظومات الثقافية
ويساعد دمج هذه القيم في التجربة التعليمية الطلبة على تشكيل منظور شامل يدعم نموهم كمواطنين عالميين، كما يطور قدرتهم على فهم مختلف المنظومات الثقافية. وتشجع هذه المنهجية الطلبة على تجسيد هذه القيم في حياتهم اليومية، مما يعزز قدرتهم على المساهمة بشكل إيجابي، سواء ضمن مجتمعاتهم أو خارجها.
وبالتالي، تأتي أهمية الهوية الوطنية في التعليم من نقطتين هما، تعميق شعور الطلبة بذاتهم وبهويتهم الجماعية، وتزويدهم بالقيم الإنسانية التي تتيح لهم الانسجام والتعاون مع مختلف الثقافات.
وتسهم هذه المبادئ في إعداد الطلبة لمواجهة التحديات العالمية بفضل ما تزودهم به من قيم التعاطف والنزاهة والإحساس العميق بالمسؤولية.
منح الأولوية
وحول الجوانب التي يجب على المدارس التركيز عليها لتحسين علامة الهوية الوطنية الخاصة بها، قالت السويدي: يتعين على المدارس منح الأولوية لتكوين فهم شامل حول محاور التقييم والعناصر التي تقوم عليها.
ومن أبرز النتائج التي لمسناها حتى الآن، هي ضرورة تعزيز فهم الطلبة لأهداف مختلف الأنشطة التي يشاركون فيها ودلالاتها، بما فيها المشاريع والرحلات الميدانية والمبادرات الرامية لترسيخ الهوية الوطنية لدولة الإمارات، حيث يسهم ذلك في تكوين ارتباط حقيقي وهادف بالقيم والموروث الثقافي الإماراتي.
خطوات هادفة وجدية
أكدت السويدي أنه يتعين على المدارس بذل الجهد والوقت اللازمين لفهم إطار علامة الهوية الوطنية ومعاييره فهماً تاماً لمواءمة استراتيجياتها معها بشكل فعال. كما يمكن للمدارس الاستفادة من تجارب المدارس الأخرى التي حصلت على تقييم «متميّز»، والاستفادة من ممارساتها ومبادراتها الناجحة. ومن الضروري أيضاً أن تحدد المدارس مكامن الضعف ومجالات التحسين في منهجيتها الحالية، حيث يجب اعتماد نظرة حيادية في تقييم برامجها وقدرتها على ترسيخ فهم متعمّق للهوية الوطنية لدى طلبتها.
وبينت أنه من المهم تعزيز مشاركة جميع أفراد المجتمع المدرسي، بمن فيهم أولياء الأمور، حيث يسهم ذلك في بناء بيئة تعليمية داعمة وغنية لا تقتصر على الفصول الدراسية. ويتعين على المدارس تقديم برامج ومبادرات مستمدة من البيئة والمجتمع.
وقالت: «يتعين على المدارس اتخاذ خطوات هادفة وجدية، فليس من المجدي مثلاً زيادة عدد الرحلات المدرسية إلى مواقع ثقافية من دون دمج هذه التجارب ضمن إطار تعليمي شامل ومتّسق، ويتطلب التحسّن الحقيقي في تقييم علامة الهوية الوطنية التزام المدرسة بمنهجية مدروسة تدمج تراث دولة الإمارات وقيمها في مختلف جوانب الحياة المدرسية».
الانتماء والفخر
قالت د. سارة السويدي: قدمت ست مدارس طلبات لإعادة التقييم، وسررنا بحصول أربع من هذه المدارس على تقييم أعلى نظراً لالتزامها بتحسين برامج الهوية الوطنية الخاصة بها، ومن أبرز الأمثلة على ذلك مدرسة الياسمينة التي حققت نتائج لافتة وتمكنت من تحسين تقييمها بدرجتين، وجاء هذا التحسن نتيجة المشاركة الفاعلة لأولياء الأمور.
النتائج الاجتماعية
وحول إمكانية وجود نتائج سلبية تترتب على إغفال المدرسة لعلامة الهوية الوطنية، أفادت الدكتورة سارة السويدي بأنه قد يوثر عدم حرص المدرسة على علامة الهوية الوطنية بشكل سلبي على النتائج الاجتماعية للطلبة، ما قد يعيق التنمية الشاملة لهم بشكل غير مقصود، ويمنعهم من التميز كأفراد فاعلين في المجتمع.
بيئة تعليمية تعزز الترابط الاجتماعي
لفتت السويدي إلى أنه قد تواجه المدارس التي تقلل من أهمية علامة الهوية الوطنية مشاكل في إرساء بيئة تعليمية تعزز الترابط الاجتماعي، حيث يركز التقييم على قيم الاحترام والتسامح والتفاهم المتبادل، وهي قيم أساسية لبناء بيئة تعليمية تحتفي بالتنوع الثقافي، ومن الممكن أن يؤدي تجاهل هذه القيم إلى افتقار الطلبة لهذه المهارات الاجتماعية الأساسية في إعدادهم لتولي أدوارهم المستقبلية كمواطنين مسؤولين وفاعلين.
كما أن عدم التركيز على تعزيز مشاعر الانتماء والفخر بالموروث الثقافي لدى الطلبة قد يحول من دون ارتباطهم بشكل وثيق بتراثهم وقيمهم الوطنية، ما يمكن أن ينتهي بعواقب سلبية تتجاوز حدود الصف المدرسي وتؤثر على قدرتهم على التفاعل والمساهمة في مجتمعاتهم.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: أبوظبي مدارس القطاع الخاص المدارس الخاصة مدارس أبوظبي الإمارات دائرة التعليم والمعرفة دائرة التعليم والمعرفة في أبوظبي الهویة الوطنیة فی الموروث الثقافی لدولة الإمارات تقییم المدارس ترسیخ الهویة بیئة تعلیمیة على المدارس لدى الطلبة على تقییم فی أبوظبی فی بناء
إقرأ أيضاً:
من التوازن المالي إلى الاستدامة الاقتصادية
حاتم الطائي
◄ المواطن تحمَّل ضغوط التوازن المالي وينتظر انفراجة اقتصادية
◄ ضرورة اتخاذ إجراءات ناجعة وفاعلة لضمان النمو الاقتصادي
◄ لا بديل عن دعم القطاع الخاص وتمكينه من قيادة الازدهار الاقتصادي
شهدت السنوات الماضية قيام حكومتنا الرشيدة بتنفيذ خطة "التوازن المالي" والتي رغم ما صاحبها من تحديات اقتصادية، إلّا أنها نجحت في تحقيق المُستهدف منها، والمُتمَثِّل في خفض الدين العام وتقليص العجز المالي في الميزانية العامة للدولة؛ الأمر الذي يستدعي ضرورة الإسراع في ضمان بلورة خطط واستراتيجيات تضمن الاستدامة الاقتصادية.
فمنذ أن أطلقت الحكومة خطتها لتحقيق التوازن المالي في أعقاب الأزمة المزدوجة الناتجة عن التراجع الحاد في أسعار النفط وتداعيات جائحة كورونا، شهد اقتصادنا الوطني العديد من التحديات والتقلبات، كان أشدها الانخفاض الشديد في سعر برميل النفط، الذي وصل لمستويات تاريخية مُتدنية، ما أثر بالسلب على الإيرادات العامة للدولة، والتي ما زال النفط والغاز يمثلان حوالي 70% من مجموع هذه الإيرادات. وألقى ذلك بظلال سلبية على أوضاعنا المعيشية والاقتصادية؛ حيث لجأت الدولة إلى الاستدانة لتغطية النفقات الأساسية، والتي تمثلت بصورة رئيسية في رواتب موظفي الدولة ودعم الطاقة، مع تنفيذ بعض المشاريع العاجلة والمحدودة. في حين ظلت الأوضاع الاقتصادية تمضي نحو الركود المحتوم، ونتج عن ذلك غلق الآلاف من الشركات، وتسريح العديد من العاملين، وتراجع لافت في مختلف القطاعات، وعلى رأسها قطاع التشييد والبناء وقطاع العقارات وقطاع السياحة، علاوة على تراجع القوة الشرائية. ومع استمرار خطة التوازن المالي وما أفرزته من زيادة الضرائب ورسوم الخدمات، ورفع الدعم جزئيًا عن الوقود والخدمات الأساسية (الكهرباء والمياه)، وغيرها من الإجراءات التي أثرت بالسلب على دخل المواطن، دخل اقتصادنا الوطني في حالة من الركود لا سيما مع استمرار تراجع الناتج المحلي الإجمالي، ثم تحول هذا الركود مع مرور الوقت إلى كساد اقتصادي، في ظل عدم قدرة المواطن على الشراء، وغياب المبادرات المُحفِّزة للنمو الاقتصادي.
وقد تحمَّل الجميع، حكومةً ومواطنين، هذه الضغوط رغبةً في الخروج من شرنقة الأزمة، وقد نجحت خطة التوازن المالي بالفعل في جني ثمار الضوابط الاقتصادية الصارمة، واستطاع اقتصادنا أن ينعتق من براثن تلك الأزمة الطاحنة، وأخذ يتحول تدريجيًا نحو التعافي الاقتصادي، خاصةً مع نجاح جهود خفض الدين العام وكذلك تقليص عجز الميزانية وتحويله إلى فائض مالي خلال السنتين الماليتين الأخيرتين، علاوة على ذلك، استعادة الجدارة الاستثمارية بفضل رفع التصنيف الائتماني السيادي لسلطنة عُمان، أكثر من مرة، حتى وصل إلى أعلى مستوى في سبع سنوات.
مثل هذه النتائج الإيجابية المُتحققة تفرض على الحكومة ضرورة تبنّي نهج استراتيجي مُغاير يتواكب مع الاستدامة المالية، لكن من منظور آخر، ألا وهو الاستدامة الاقتصادية. وثمّة فارق بين الاستدامة المالية والاستدامة الاقتصادية، فالأولى تَعني ضمان تدفق الموارد المالية للدولة لتدبير الإنفاق العام وخفض العجز المالي إن وُجِد، وهي عملية مُحاسبية تعتمد بصورة أساسية على الإدارة المالية الحصيفة، دون أن تنظر إلى الأبعاد الاقتصادية الأخرى. وهذه الأخيرة تُركِّز عليها الاستدامة الاقتصادية، والتي تهتم بصورة أساسية بآليات تعزيز النمو الاقتصادي، بغض النظر عن الظروف المالية للدولة، وذلك من خلال تبني مبادرات لتحفيز نمو القطاعات المختلفة، وعلى رأسها القطاعات الإنتاجية، مثل الصناعة والزراعة والخدمات، علاوة على تقديم التسهيلات المالية اللازمة لنمو هذه القطاعات، عبر برامج تمويلية مُيسَّرة توفر القروض منخفضة التكلفة للشركات، لضمان توسيع الأنشطة. كما أن الاستدامة الاقتصادية توفر البيئة اللازمة لنمو القطاع الخاص، وتمكينه من أداء أدواره بما يضمن توفير المزيد من فرص العمل، وزيادة مداخيل الأفراد العاملين في القطاع الخاص، سواء عبر الحوافز أو العمولات أو الزيادات السنوية القائمة على تقييم مستويات الأداء.
وما يواجهه اقتصادنا من تحديات، وما ينتظره أيضًا من فرص واعدة، يُتيح المجال أمام مؤسسات الدولة الفاعلة لاتخاذ إجراءات وقرارات حاسمة ومُحفِّزة للنمو الاقتصادي، تساعد على تعميق الاقتصاد وتوسيع قاعدة القطاع الخاص، وبصفة خاصة الإنتاجي منه، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بإنعاش اقتصادنا الوطني، والعمل بكل طاقتنا من أجل زيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، والأهم من ذلك كله منح القطاع الخاص الفرصة ومساعدته على تحمل مسؤوليات في قيادة النمو الاقتصادي، وهي أهداف جميعها تتوافق وتتماشى تمامًا مع الرؤية المستقبلية "عُمان 2040".
ولن يتحقق أي نمو اقتصادي بعيدًا عن القطاعات الحيوية والواعدة التي تزخر بها عُمان، وفي المقدمة قطاعات: التعدين والسياحة والثروة السمكية والصناعات التحويلية؛ حيث إن هذه القطاعات قادرة على أن تقود اقتصادنا لمستويات مرتفعة من النمو، والحقيقة أننا في هذا السياق لا نريد النمو الذي يتوقعه لنا صندوق النقد الدولي أو المؤسسات الدولية، نحن نبحث عن معدلات نمو قياسية كتلك التي حققتها النمور الآسيوية في تسعينيات القرن الماضي، أو ما نجحت في بلوغه بعض اقتصادات أفريقيا؛ إذ نتحدث عن معدلات نمو تتجاوز 7%، أما غير ذلك فنحن "محلك سِرْ"! ولا ينازعني شك في قدرتنا الاقتصادية على تحقيق هذه المعدلات، إذا ما أُتيحت الفرصة أمام الاستثمارات الوطنية والأجنبية لتنفيذ المزيد من المشاريع في تلك القطاعات. ولا يجب الحديث في هذا السياق عن مشروع أو اثنين؛ بل نتحدث عن عشرة مشاريع في القطاع الواحد، مع التوسع في دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتسريع وتيرة الإحلال، من أجل تخفيف حدة أزمة الباحثين عن عمل، بالتوازي مع توليد وظائف جديدة للعُمانيين.
إن الاستدامة الاقتصادية التي نطالب بها تمثل الرديف الحقيقي لخطط التنويع الاقتصادي، الذي نسعى لتحقيقه منذ عقدين من الزمن على الأقل، ورغم ما تحقق من نتائج إيجابية، إلّا أن مقوماتنا وطبيعة الفرص المُتاحة، تؤكد أننا قادرون على تحقيق المزيد أضعافًا مُضاعفة، فقط نحتاج إلى قرارات جريئة تُنعش الاقتصاد، وتساعد في توفير التمويل اللازم، وهنا أتحدث بصورة أساسية عن دور القطاع المصرفي، الذي -مع الأسف- ما زال يُركز على إقراض الحكومة لمساعدتها في دفع الرواتب عبر أذون الخزانة، وإقراض الموظف الحكومي عبر قروض استهلاكية يُفاقِم التضخم ولا يعكس أي نمو اقتصادي حقيقي. لذلك لا بديل عن برامج تمويلية مُيسَّرة تستهدف بالمقام الأول القطاع الخاص الإنتاجي، وبمعدلات فائدة منخفضة، علاوة على منح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة منحًا مالية لا تُسترد، تساعد رائد العمل في مستهل حياته العملية على بدء مشروعه الصغير أو المتوسط؛ إذ لا ينبغي أن يُفرض على رواد الأعمال الجُدد أي أعباء مالية، في وقت يتملس طريقه وسط تحديات اقتصادية متعددة المستويات.
ويبقى القول.. إنَّ أي نمو اقتصادي لا يُتيح فرص التوسع أمام القطاع الخاص وزيادة الإنتاجية والصادرات، لن يُسهم في تحقيق النتائج المرجوة، وسيظل يتأرجح بين 2% و3%، ما يعني استمرار الركود، ولذلك نحن في أمسِّ الحاجة إلى حلول ناجعة وفاعلة تعكس حيوية الاقتصاد وقدرته على التجدد والتعافي، من أجل ضمان الاستقرار المعيشي للمواطن والرخاء في مختلف جوانب الحياة.
رابط مختصر