عبد الله علي ابراهيم و ماكس فيبر و شعر محمد المهدي المجذوب
تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT
طاهر عمر
عبد الله علي ابراهيم لأسباب كثيرة منها كساد الساحة السودانية الفكري خلال قرن كامل من الزمن يفصل بينها و بين فلسفة التاريخ الحديثة و هذا يجعل عبد الله علي ابراهيم يتجراء على محاولة الزج بأفكار ماكس فيبر بشكل يكشف بأن الرجل يجهل أن ماكس فيبر في نقده للهيغلية و الماركسية قد تجاوز الفلسفة المثالية الالمانية و هي قد بلغت منتهاها في الهيغلية و الماركسية و قد إرتكز على أفكار الكانطيين الجدد أو أفكار النيوكانطية و أفكار النيوكانطية تكاد تكون معدومة كما الكبريت الاحمر من دفاتر النخب السودانية.
و بالتالي إبحار عبد الله علي ابراهيم بلا بوصله تربطه بتطور الفكر لأنه وريث أتباع مؤتمر الخريجيين و أتباع مؤتمر الخريجيين كانت بداياتهم مضللة ضلال بعيد بسببه قد فقدت ساحة الفكر السودانية قرن كامل من الزمن و هي غير قادرة على جسر الهوة التي تفصل بيننا و أفكار عقل الانوار. أفكار ماكس فيبر نشرت بعد وفاته بقليل قرن كامل بالتمام و الكمال قد مر على نشر أفكار ماكس فيبر و أهم نقطة تهمنا هنا هي أن أفكار ماكس فيبر قد أكّدت أن الفلسفة المثالية الألمانية قد وصلت لمنتهاها و لم تعد صالحة و بالتالي قد أكد على عطب الهيغلية و الماركسية و قد بلغت بهما الفلسفة المثالية الالمانية منتهاها.
و من حينها قد أشرقت أفكار النيوكانطية في فكر ماكس فيبر و هذا ما إنتبه له ريموند أرون و قد ساعده في أن يتخطى أفكار الوضعية المنطقية في فكر كل من ماركس و أوجست كونت و دوركهايم و عليه محاولات عبد الله علي ابراهيم ربط أفكاره المتواطئة مع خطاب الكيزان منذ ثلاثة عقود بأفكار ماكس فيبر تظهره بموقف البائس الذي يبشّع بنفسه لأنه يجهل بأن ماكس فيبر في إرتكازه على فكر النيوكانطية يفارق أفكار عبد الله علي ابراهيم اللاهوتية سواء كانت في تواطئه مع الكيزان أو في إعتقاده في ماركسية تقليدية تجسد في غائيتها لاهوت بشري لا يظهر ماركس و ماركسيته من خلالها إلا كمرقس و إنجيل مرقس و ما أمثال عبد الله علي ابراهيم في إيمانه التقليدي بماركسية تقليدية إلا تجسيد لإيمان الكوز في إيمانه التقليدي.
و هنا تظهر أهمية أفكار ماكس فيبر في حديثه عن زوال سحر العالم و نهاية الإيمان التقليدي الذي يخلب بصر أمثال عبد الله علي ابراهيم و بالتالي يفقد بصره و بصريته بسبب بريق الأيديولوجية الذي يعمي من شيوعية وصفت بأنها نظرة تفاؤلية مريضة و عمياء من قبل ريجيس دوبريه. لكي نوضح أن عبد الله علي ابراهيم لاهوتي و ليس له علاقة تربطه بالعقلانية نجد أن كل كتاباته تؤشر على أن الرجل لم يدرك بعد أن ماكس فيبر فصل بين الميتا و الفيزيقيا و بالتالي أصبحت الفلسفة عنده قد فكّت إرتباطها باللاهوت و قد أصبحت علاقتها طردية مع المعرفة الناتجة من العلوم التجريبية و لكي نوضح هذه النقطة نجد أن ريموند أرون في بداية عام 1930 و بعد تخرجه كان يفكر بأن يكون طريق فكره الفلسفي ميتافيزيقي و لكن بعد إطلاعه على أفكار النيوكانطية قد تأكد له بأن الفلسفة المثالية قد وصلت لمنتهاها في ماركسية لم تعد تخدع غير مثقف منخدع بماركسية ماركس.
و بالتالي لم تعد الميتافيزيقيا حقول فلسفة بالنسبة لريموند أرون و هذا قد حدث من قبل قرن كامل من الزمن و هذا هو القرن الذي يفصل بيننا و بين الشعوب المتقدمة و عليه ما أود قوله هو أن أغلب النخب السودانية لاهوتية في متاهة غلبهم الخروج منها مثلا تفكير عبد الخالق محجوب في دور للدين يلعبه في السياسة تفكير لاهوتي يوضح أن عبد الخالق محجوب لم يعرف الطريق الى عقلانية ماكس فيبر و على دربه سار عبد الله علي ابراهيم مخلصا في تواطؤه مع خطاب الكيزان الى اليوم و هو يظن بأن الدين يمكنه أن يلعب دورا بنيويا في السياسة و الإقتصاد و الإجتماع و يبدو عبد الله علي ابراهيم من بين المفكرين السودانيين من أكبر الترقعيين و له جراءة تجعله يتطاول على أفكار توضح مدى خفة عقله فيها مثل قوله ذات مرة في مقالاته بأن الإسلاميين يمكنهم الإستفادة من أفكار هوبز في مسألة عدم الخروج على الحاكم.
و المضحك أن عبد الله علي ابراهيم لم يدرك أن العقد الإجتماعي لهوبز قد رفض كما رفضت الماركسية من بين السرديات الكبرى لأن الماركسية و عقد هوبز يفتحان على نظام شمولي بغيض و بالتالي لا يمكن معالجة عقد هوبز من نقصه إلا بإدخال مفهوم الدولة الحديثة و علاقة الفرد بها مباشرة فيما يتعلق بمفهوم المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد في فكر توكفيل وهنا يبدو عبد الله علي ابراهيم لاهوتي كامل الدسم كأغلب النخب السودانية لا تربطه علاقة بالعقلانية و أفكار الدولة الحديثة و كأغلب النخب السودانية يمكن خداعهم بالفكر اللاهوتي كما حدث في لقاء نيروبي و قد إستطاع الكوز خالد التجاني النور خداع كل من كمال الجزولي و الدكتور النور حمد و رشا عوض.
و هنا يمكنني أن أقول لو كان كمال الجزولي و النور حمد و رشا عوض على إطلاع على أفكار النيوكانطية لما إستطاع الكوز خالد التجاني النور خداعهم بفكره اللاهوتي و لكنه وجدهم في إستعدادهم لقبول الفكر اللاهوتي ضحايا توفيقهم الكاذب بين الفكر اللاهوتي و العقلانية و هيهات.
من هنا يأتي رفضنا لمحاولات عبد الله علي ابراهيم و محاولة تغبيش الوعي بخلطه بين عقلانية ماكس فيبر و فكر عبد الله علي ابراهيم كلاهوتي لم يعرف الطريق الى فكرة الدولة الحديثة التي تحدث عنها ماكس فيبر بعد رفضه لكل من الهيغلية و الماركسية التي يتخذها عبد الله علي إبراهيم كمنصة إنطلاق. بالمناسبة غياب فكر النيوكانطية من ساحة الفكر السوداني هو سبب إختلاط حابل الفكر اللاهوتي بالعقلانية في ساحة الفكر السودانية و نجده في زهرة التوفيق الكاذب التي يهديها المفكر السوداني الى كل من امام الطائفية و ختم الإتحاديين و أستاذ الشيوعية السودانية كأيديولوجية متحجرة.
و من هنا يتضح لنا لماذا لم تلحق ثورة ديسمبر و شعارها حرية سلام و عدالة تشريعات كبرى كالتشريعات التي تعقب الثورات الكبرى؟ و الإجابة لأن الفكر اللاهوتي في ساحة الفكر السودانية هو سيد الموقف و سببه لأن أفق المفكر السوداني هو أفق أزمة الثقافة العربية الإسلامية التقليدية و هي لا تنتج غير الإختلالات السياسية و الإختناقات الإقتصادية المتسلسلة و أزمة الثقافة العربية الإسلامية التقليدية لا يمكن الخروج منها إلا بفصل الميتا عن الفيزيقيا و إدراك أن الفلسفة المثالية قد وصلت لمنتهاها في الهيغلية و الماركسية و أول الخطوات الصحيحة هو رفض كل من الهيغلية و الماركسية كما يقول ريموند أرون.
و بالتالي ينفتح الطريق نحو العقلانية و فكرة الدولة الحديثة التي لا يمكننا بداية طريقها إلا بفكر مفكرين يقدموا فكر عقلاني يوضح أن ثورة ديسمبر و شعارها حرية سلام و عدالة ليست ثورة يتيمة بل لها مفكرين يقودونها في طريقها الذي يجسر ما بيينا و بين فكر ماكس فيبر و هو يتحدث عن العقلانية و فكرة الدولة الحديثة بعد فصله الميتا عن الفيزيقيا و يبدو كمفكر عقلاني لا كمفكر لاهوتي كحال عبد الله علي ابراهيم الذي يلعب على هامش الوعي الأغبش للنخب السودانية و هي عاجزة عن فصل الميتا عن الفيزيقيا.
بالمناسبة محمد بن سلمان ولي عهد السعودية في مشروعه لعام 2030 يعتبر متقدم جدا على النخب السودانية و يكاد يكون قد بداء أول خطواته في فصل الميتا عن الفيزيقيا عندما أكد بأن فكر رجال الدين في السعودية معه و به لا يمكن نقل أفكار الحداثة و تحقيق تنمية في دولة حديثة و بالتالي أبعد رجال الدين المزعجين عن ساحة الفكر لكي ينفتح الطريق لفكر عقلاني يفتح الطريق بإتجاه الدولة الحديثة و هذا ما عجز عنه المفكر السوداني و هو منفصل عن فكرة العقلانية و الدولة الحديثة التي تحدث عنها ماكس فيبر قبل قرن كامل من الزمن و لك أن تقارن فكر عبد الله علي ابراهيم كلاهوتي بفكر محمد بن سلمان ولي العهد السعودي و قد فارق الفكر اللاهوتي و ينشد بناء دولة حديثة في ظل فكر عقلاني و بفكره ستكون السعودية قد بداءت مسيرة مفهوم الإنسانية التاريخية و الإنسان التاريخي في إنتصاره لفكرة الفرد و العقل و الحرية.
بقى في الختام وجوب الرجوع الى شعر محمد المهدي المجذوب كلاهوتي و نجده في قصيدته المولد و هو يقول أيكون الخير في الشر إنطوى و هي مقولة لأبن خلدون و ابن خلدون أخذها من ابن سينا و لكن ابن خلدون أفرغها من مفهومها اللاهوتي و أرجعها الى الفعل الإجتماعي و هذا ما عجز عنه محمد المهدي المجذوب و هو لا يختلف عن النخب السودانية العاجزة عن مفارقة الفكر اللاهوتي و نجد فكرهم الآن في جهود عبد الله علي ابراهيم.
و بالتالي تصبح قراءة عبد الله علي ابراهيم لفكرة مفهوم الدولة الحديثة في فكر ماكس فيبر كأنه يقراء شعر محمد المهدي المجذوب كلاهوتي في وقت أن ماكس فيبر في حديثه عن الدولة الحديثة كمفهوم ينطلق من فكر الكانطيين الجدد لا مكان فيه للاهوت و فكر الفلسفة المثالية و قد رفضت منذ زمن إفلاطون و مرورا بالفكر المدرسي المسيحي و الى نهاية الفلسفة المثالية الألمانية و قد إنتهت بالهيغلية و الماركسية و كما قلنا أن ريموند أرون بعد إطلاعه على أفكار ماكس فيبر وصل الى أن الفلسفة التقليدية قد وصلت لمنتهاها في الهيغلية و الماركسية و أن فلسفة التاريخ الحديثة ينبغي أن تبتدئ برفض كل من الهيغلية و الماركسية و قد حدث كل ذلك خلال القرن الأخير.
و عليه أن ما يربط فكرنا السوداني بالفكر الحديث هو وجوب مفارقة قواعده اللاهوتية التي يؤسس لها في فكر عبد الله علي ابراهيم و شعر محمد المهدي المجذوب. محمد المهدي المجذوب قد أخذ مقولة ابن خلدون و لم يغيّر فيها شي أيكون الخير في الشر إنطوى إلا أن ابن خلدون أفرغها من مضمونها اللاهوتي و أرجعها الى الفعل الإجتماعي أي قد أفرغها من فكرة القضاء و القدر و المجذوب كلاهوتي سار بها متوغلا في أفكار عقل القرون الوسطى بفكر لاهوتي و نجدها في كتاب علي الوردي منطق ابن خلدون و هو يقول لأنه لا يتم وجود الخير الكثير إلا بوجود شر يسير فلا يفوت الخير الكثير بذلك بل يقع على ما ينطوي من الشر اليسير و هذا معنى وقوع الظلم.
و إختلاف فكر علي الوردي عن أفكار عبد الله علي ابراهيم كلاهوتي لأن علي الوردي من المعجبين بفكر ماكس فيبر و لكن الفرق بين عبد الله علي ابراهيم و علي الوردي أن علي الوردي في مقارباته لفكر ماكس فيبر كان يدرك بأن ماكس فيبر يرتكز على أفكار الكانطيين الجدد أو أفكار النيوكانطية و عبد الله علي ابراهيم يقتحم عالم ماكس فيبر بفكر المؤرخ التقليدي السوداني و أفقه أفق الفكر اللاهوتي و لا يختلف عنه محمد المهدي المجذوب في شعره اللاهوتي رغم إستلافه مقولة ابن خلدون أن يكون الخير في الشر إنطوى ثم ينحدر في فكر لاهوتي يتبدّى في شعره رب سبحانك مختارا قديرا أنت هيات القدر.
و من هنا نجد إختلاف علي الوردي و هو متسلح بفكر النيوكانطية يقول أن الفكر الليبرالي الذي ينشده ماكس فيبر هو الحل الوحيد لمجتمعات عربية تعيش في هشاشة تركيبات هياكلها الإجتماعية و لهذا عندما طرح علي الوردي فكرة الليبرالية قد هاجمه الشيوعيون و القوميون و أتباع الفكر الإسلامي و هذا ما يسود في ساحة الفكر السوداني و بسبب غياب فكر النيوكانطية نجد أن لا فرق بين الشيوعي السوداني كلاهوتي عن الكوز كلاهوت و القومي العربي كلاهوتي و بالتالي لا يدرك عبد الله علي ابراهيم أن مفهوم الدولة الحديثة التي يتحدث عنها ماكس فيبر هي مفهوم الدولة نتاج الفكر الليبرالي الذي يعالج مفهوم ممارسة السلطة في مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية و مفهوم الدولة بمعناها الحديث و لا يؤمن بها ماركس من الأساس.
أفكار ماكس فيبر ليست كأشعار محمد المهدي المجذوب كلاهوتي و نقول لعبد الله علي ابراهيم يمكنك أن تتكيف مع أشعار المجذوب اللاهوتية و لكنك تعجز عن فهم ماكس فيبر و هو مرتكز على أفكار النيوكانطية في مفارقتها للفلسفة المثالية من إفلاطون و مرورا بالفكر المدرسي المسيحي و الى الفلسفة المثالية الألمانية و قد بلغت غايتها في كل من الهيغلية و الماركسية و من فكر ماكس فيبر يستخدم ريموند أرون الفلسفة النقدية للتاريخ و بالتالي لا تختلط عنده مفاهيم الفلسفة التقليدية للتاريخ مع مفاهيم الفلسفة الحديثة للتاريخ و هو يدرك الفرق بين الليبرالية التقليدية و الليبرالية الحديثة و هذا هو الفرق بين عبد الله علي ابراهيم و ماكس فيبر.
عبد الله علي ابراهيم ما هو الا الأكثر جراءة لنخب سودانية أدمنت الفشل في السبعة عقود التي عقبت الإستقلال في السودان و السبب هو إدمانها للفكر اللاهوتي الكامن في أحزاب الطائفية أي حزب الامام و حزب الختم و شيوعية تقليدية يكمن فيها لاهوت لدين بشري في وقت أهدتنا المعرفة بأن ظاهرة المجتمع البشري فيها تعيد البشرية خلق نفسها من جديد على ضؤ معرفة تنتجها العلوم التجريبية و عبرها قد أصبحت البشرية و ظاهرة المجتمع البشري في مستوى مجد العقلانية و إبداع العقل البشري بعيدا عن اللاهوت.
و بالتالي قد فارقت البشرية الفكر اللاهوتي الذي أفشل تجارب السودانيين خلال سبعة عقود بعد الإستقلال و للأسف نقول هذا القول و الشعب السوداني خارج من تجربة الحركة الإسلامية السودانية و قد تركت أجيال لا يخيّم على أفقها غير اللاهوت و فكر عقل القرون الوسطى الذي لا يؤمن بالعدالة و الحرية و هذا يحتاج لجهد فكري هائل من قبل المفكريين السودانيين حتى تصبح العقلانية في مجدها و إبداع العقل البشري بداية مسيرة الشعب السوداني و هذا أشبه بالمستحيل في ساحة سودانية يسيطر على أفقها فكر و كتابات المؤرخ التقليدي السوداني و القانونيين السودانيين و هما قد خرجا من ساحة الفكر من قبل قرن من الزمن و تقدم عليهما في المجتمعات الحديثة و المتقدمة السياسي و الإقتصادي في فهمهما للعلاقة بين التاريخ و الفلسفة و أصبحت نظرياتهما نتاج الفلسفة النقدية للتاريخ و هذا ما فات على المؤرخ التقليدي السوداني و القانوني السوداني و هما أضعف حلقتين في سلسلة النخب السودانية الفاشلة.
taheromer86@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: عبد الله علی ابراهیم الدولة الحدیثة التی النخب السودانیة مفهوم الدولة ماکس فیبر فی ماکس فیبر علی الوردی من الزمن على أفکار ابن خلدون هذا ما لا یمکن فی ساحة فی فکر من قبل
إقرأ أيضاً:
حلقة نقاشية لـ«تريندز» تؤكد أهمية مراكز الفكر في تعزيز العلاقات مع أميركا اللاتينية
أبوظبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلةضمن جولته البحثية في الأرجنتين، وعبر مكتبه في أمريكا اللاتينية، عقد مركز تريندز للبحوث والاستشارات حلقة نقاشية موسعة حول «علاقات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأميركا اللاتينية.. دور مراكز الفكر وأهميتها»، وذلك بالشراكة مع المجلس الأرجنتيني للعلاقات الخارجية «CARI»، في قاعة خوليو كورتاثار بالجناح الأصفر، في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب بالعاصمة الأرجنتينية.
وأكد دبلوماسيون وخبراء شاركوا في الحلقة النقاشية، التي أدارها عبدالله الحمادي، رئيس قطاع الاستشارات في «تريندز»، أن مراكز الفكر والمؤسسات البحثية تعمل على إنتاج المعرفة، من خلال البحوث والدراسات المتعمقة، التي تسهم في إثراء المحتوى العلمي والثقافي للمجتمعات، وتمد جسور التواصل بين الثقافات والشعوب، مما يعزّز الفهم العام لمختلف القضايا والأزمات المحيطة.
وأشاروا إلى أن المراكز الفكرية منصات للحوار وتبادل الرؤى ومحرك رئيس في تحفيز الإبداع والابتكار وتثقيف المجتمعات، من خلال توفير المعرفة اللازمة والهادفة، وخلق بيئة تعليمية محفّزة تسهم في دفع عجلة التقدم والتطور، مضيفين أنها تلعب دوراً مهماً في تقريب وجهات النظر وتوجيه النقاشات العالمية حول القضايا الملحة، خاصة القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية، مما يجعلها لاعباً محورياً في تعزيز العلاقات بين منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأميركا اللاتينية.
تجاوز الأطر التقليدية
وقال الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، في كلمته الافتتاحية، إن النقاش يعكس أهمية تجاوز الأطر التقليدية للحوار الجيوسياسي، والانفتاح على أصوات جديدة، وتعزيز التعاون بين مناطق العالم، التي كثيراً ما كانت على هامش النقاش العالمي، رغم ما تحمله من ثقل استراتيجي، وموارد وإمكانات بشرية واعدة.
وذكر أنه على الرغم من البُعد الجغرافي بين منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأمريكا اللاتينية، فإن هناك العديد من نقاط الالتقاء والتشابه، سواء على صعيد التحديات أو الطموحات المشتركة نحو بناء نظام دولي أكثر عدالة وتعددية، مضيفاً أن مراكز الفكر تؤدي دوراً محورياً في هذا السياق، باعتبارها منصات للحوار وتبادل الرؤى، ومراكز لصياغة البدائل السياسية المدروسة، ومساحات آمنة للتفكير الحر والبناء.
وأكد أن مراكز الفكر أثبتت أنها ليست فقط مستودعات للمعلومات، بل جهات فاعلة في تشكيل الأجندات الدولية، وتوجيه النقاشات حول القضايا العالمية الملحة؛ من الأمن والسلام، إلى المناخ والهجرة؛ ومن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إلى العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وهي تقوم بهذا الدور من خلال ما تقدمه من تحليلات معمقة، وبيانات موثوق بها، وتوصيات واقعية تراعي خصوصيات الدول والسياقات الثقافية.
قوة المعرفة والفكر
وأشار الدكتور محمد العلي إلى أن «تريندز» يؤمن بأن المعرفة هي أقوى أدوات القوة الناعمة، وأنه لا يمكن بناء مستقبل آمن وعادل دون شراكات فكرية عابرة للحدود، ومن هذا المنطلق يحرص المركز على أن يكون مساحة مفتوحة للحوار الثقافي والمعرفي، ومنبراً للتفاهم بين الحضارات، كما يولي «تريندز» أهمية خاصة لإشراك الشباب في هذا المسار؛ بوصفهم الحاملين الحقيقيين لأفكار المستقبل، والضمانة لبقاء الفكر منفتحاً ومتجدداً.
وأضاف أن «تريندز» يرى في التعاون مع المراكز الفكرية في أمريكا اللاتينية، وفي مقدمتها مجلس العلاقات الدولية في الأرجنتين، فرصةً استراتيجية لتعزيز هذا الدور، وبناء منظومة فكرية عالمية أكثر توازناً، تمثل مصالح الجنوب العالمي، وتسهم في بناء مستقبل تسوده التنمية والتفاهم والسلام.
تسامح واحترام متبادل
بدوره، أكد سعيد عبد الله القمزي، سفير دولة الإمارات في الأرجنتين، في كلمته الرئيسية، أن دولة الإمارات تعد واحة للأمن والاستقرار والازدهار، وهي موطن لأكثر من 200 جنسية تعيش في انسجام تحت مظلة من التسامح والاحترام المتبادل، مضيفاً أن هذه القيم تنعكس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات التي تظل منفتحة على جميع الدول في إطار المصالح المشتركة، وداعمة لتطلعات الشعوب وتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.
وذكر القمزي أن العلاقات الاقتصادية بين دولة الإمارات والأرجنتين تشهد نمواً مطرداً، حيث بلغ إجمالي التبادل التجاري الثنائي خلال الأعوام الأربعة الماضية 4.3 مليار دولار، ويسعى الجانبان إلى مضاعفة هذه الأرقام، خاصة بعد دخول اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار حيز التنفيذ في أكتوبر الماضي.
فرص وتحديات
أوضح الدكتور باولو بوتا، مدير مكتب «تريندز» في أميركا اللاتينية، أن هناك توافقاً أساسياً بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأمريكا اللاتينية، يمكن أن يحوّل العلاقة إلى وضع مربح للطرفين، فمن جهة، هناك حاجة لتنويع الاقتصادات وتطويرها، ومن جهة أخرى، هناك رغبة في تعزيز العلاقات والشراكات التجارية والدبلوماسية الدولية.
وبين بوتا أن مراكز الفكر والمؤسسات البحثية يمكن أن تساعد القطاعين العام والخاص بالمنطقتين على فهم بعضهم البعض بشكل أفضل، وبالتالي فإنها تلعب دوراً أساسياً في تقريب وجهات النظر، من خلال البحث والنشر العلمي، والتي يمكن البناء عليه لاستغلال الفرص ومواجهة التحديات وتحديد العلاقات والاتجاهات والمتغيرات.
تمكين الشباب
أكدت شما القطبة، الباحثة في «تريندز»، أهمية تعزيز التعاون بين منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأميركا اللاتينية، من خلال تمكين الشباب، الذين يمثلون القوة الدافعة لبناء المستقبل، فرغم البعد الجغرافي، فإن المنطقتين تشتركان في القيم والطموحات والإمكانات الهائلة، ويُعد الشباب محوراً للتواصل والابتكار التكنولوجي والقيادة المجتمعية في مواجهة التحديات العالمية، خاصة قضية التغير المناخي.
ودعت القطبة إلى بناء جسور حقيقية بين شباب المنطقتين، عبر مبادرات ملموسة، مثل برامج التبادل الثقافي واللغوي، والشراكات الأكاديمية، وحاضنات الابتكار.