التين الشوكي.. ثروة اليمن المهدورة
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
تعد فاكهة التين الشوكي أو ما يعرف في معظم مناطق اليمن، خاصة في صنعاء والمناطق الشمالية، باسم "البلس"، من أكثر الفواكه المحببة لدى اليمنيين، نتيجة طعمها اللذيذ، وفوائدها الصحية، ورخص سعرها بالمقارنة مع فواكه أخرى، فيمكن للعابر في الأسواق إخراج أي عملة من المال تتوفر لديه للحصول على هذه الفاكهة التي ينتشر بائعوها في معظم أسواق وشوارع اليمن خلال فصل الصيف، وهو موسم نضجها.
يقول إياد لـ"العربي الجديد": "أقوم بقطف التين من جبل صبر باستخدام الملقط الذي صنعته من عصا طويلة وعلبة عصير فارغة، حيث أقطف في اليوم الواحد ملء برميل صغير وأنزل إلى شوارع المدينة لبيعها، حيث أبيع الواحدة بمبلغ 200 ريال، (الدولار يساوي 1800 ريال)، وكوني أقوم بقطفها من أشجار ملكية عامة في الجبل، فإن المبلغ الذي أبيع به التين يعتبر ربحاً خالصاً، إذ أربح في اليوم ما لا يقل عن 15 ألف ريال". ويضيف إياد: "ما أربحه من مال أقوم بدفعه لأمي للمساعدة في صرفيات البيت، حيث أعمل ببيع التين في فصل الصيف الذي يعد موسم قطفه، ويتوافق مع العطلة الصيفية، ويساعدني المال الذي أربحه في توفير مصاريف دراستي ودراسة إخوتي".
وتنتمي فاكهة التين الشوكي إلى عائلة الصبار، وتعد من النباتات الصحراوية التي تنمو بسرعة ولا تحتاج إلى كميات كبيرة من الري، حيث تتحمل ظروف البيئة الجافة وشبه الجافة، ويمكن زراعتها في ظروف التربة الفقيرة والأراضي الرملية ذات الموارد المائية المحدودة، ما يجعلها أقل تكلفه بالنسبة للمزارعين مقارنة بالفواكه والمحاصيل الزراعية الأخرى. وتنمو فاكهة التين الشوكي في المناطق الجبلية ذات المناخ المعتدل، ما يجعل معظم المناطق اليمنية الواقعة على السلسلة الجبلية غربي البلاد الممتدة من تعز إلى صعدة بيئة مناسبة لزراعتها.
ويصنف عدد من الدراسات زراعة التين الشوكي في اليمن ضمن الزراعة الآمنة والعضوية الخالية من المبيدات والتدخلات الكيمائية، فهي من المزروعات الأقل عرضة للإصابة بالآفات النباتية، وتدخلات المكافحة تكاد تكون معدومة، ما يجعلها زراعة نظيفة بامتياز وخالية من المبيدات. ودفعت هذه المقومات عدداً من المزارعين لاحتراف مهنة زراعته والمتاجرة به، حيث قام عدد من المستثمرين بإنشاء مزارع خاصة بالتين الشوكي، وخاصة في مناطق حراز وخولان وسنحان وبني بهلول في محافظة صنعاء.
ويبدأ موسم نضج التين الشوكي في اليمن في شهر إبريل/نيسان، ويستمر حتى نهاية فصل الصيف، وهو موسم طويل مقارنة بمواسم الفواكه الأخرى، ما يضاعف من أرباح البائعين والعاملين بزراعته. ويحتوي التين الشوكي على عناصر غذائية وفيتامينات، أبرزها البوتاسيوم والصوديوم والكالسيوم والمنغنيز والفوسفور والحديد والنحاس والزنك.
وللتين الشوكي فوائد صحية، فهو يساعد على الهضم، ويعد عنصراً فعالاً في تنشيط جدران المعدة والأمعاء، ويعد مليناً طبيعياً للجهاز الهضمي الذي يعمل على تنظيفه، كما يعد علاجاً فعالاً لحالات عسر الهضم والإمساك، وعلاج القولون، كما يساهم في استقرار معدل سكر الدم وعلاج ارتفاع ضغط الدم، ويعمل على تحسين صحة القلب والشرايين، وتقوية المناعة، وتقوية العظام والأسنان. ويعد التين الشوكي جزءاً من أنظمة الزراعة المستدامة التي يُعول عليها في العناية بالماشية وتنمية الثروة الحيوانية التي تمثل مصدراً مهماً للأمن الغذائي.
وللتين الشوكي قيمة غذائية للإنسان والحيوان إلى جانب كونه مصدراً للماء، وتستخدم ألواح التين الشوكي لتغذية الإبل والأغنام، لإحتوائها على نسبة عالية من البروتينات والدهون. ويقول سعيد منصر، مواطن، لـ"العربي الجديد"، إن "فاكهة التين الشوكي من أحب الفواكه بالنسبة لي، وأحرص خلال موسمها على شرائها بشكل يومي لي ولأسرتي، فهي لذيذة الطعم، ولها فوائد صحية كبيرة، كما أنها رخيصة الثمن مقارنة بالفواكه الأخرى".
ويضيف منصر: "حين أعود إلى قريتي بريف جبل صبر أحرص على قطف التين الشوكي بيدي أنا وأطفالي، ونتناوله طازجاً من على الأشجار، وهي هواية نقوم بممارستها منذ الصغر، حيث تتوفر أشجار التين الشوكي في شعاب القرية بكثرة، ومسموح لكل عابر أن يقطف منها ما يشاء". وأشارت إحصاءات حكومية سابقة أن إنتاج اليمن من التين الشوكي يتراوح بين 60 ألف طن و100 ألف طن، حيث صُنِّف اليمن باعتباره الدولة العربية الثانية بإنتاج التين الشوكي بعد المملكة المغربية.
وحسب بيانات صادرة عن الإحصاء الزراعي في حكومة صنعاء في العام 2020، فإن إنتاج اليمن من التين الشوكي يصل إلى نحو 4.8 آلاف طن من مساحة زراعية تقدر بنحو 485 هكتاراً، في حين توفر هذه الثمرة ما يزيد عن 13 ألف فرصة عمل موسمية للعاملين في بيع وتسويق الثمار. وقبل الحرب، نجح عدد من المزارعين في تصدير فاكهة التين الشوكي إلى عدة دول خليجية، بالإضافة إلى لبنان وتركيا وبلدان أوروبية أخرى، غير أن الحرب المندلعة في البلاد منذ العام 2015 أعاقت عملية التصدير.
الباحث الزراعي خالد الأموي قال لـ"العربي الجديد" إن زراعة التين الشوكي لا تزال خاضعة للعشوائية في اليمن، ولم يُلتفت إلى أهمية هذه الفاكهة، حيث لا تزال تنمو بالغالب في المناطق الجبلية غير المستصلحة وبشكل عشوائي، وبالغالب في أماكن غير مملوكة لأحد". وأشار الباحث الزراعي إلى أن من واجب الدولة الاهتمام بزراعة التين الشوكي كونها غير مكلفة، ولها بيئة مناسبة لزراعتها في اليمن نتيجة التضاريس والمناخ المناسب، وهي شجرة متعددة الفوائد حيث تُعتبر ثمارها فاكهة مميزة، كما تستخدم ألواحها في كثير من الصناعات، ولها مردود مالي كبير خاصة في حال تصديرها إلى الخارج، وهذا يستدعي إنشاء معامل لتعليبها وتصديرها، وعدم الاكتفاء بالسوق المحلية".
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن التين الشوكي اقتصاد زراعة فواكه فاکهة التین الشوکی التین الشوکی فی فی الیمن
إقرأ أيضاً:
ما الذي يميز شهر رمضان لدى مسلمي إثيوبيا؟
يتخذ الاحتفاء بشهر رمضان لدى مسلمي إثيوبيا عدة مظاهر ترتبط بالتنوع العرقي الكبير الموجود في البلاد، وأيضا بما حققه المسلمون في السنوات الأخيرة من مكاسب جعلتهم يقيمون الإفطارات الجماعية في الشوارع والميادين بالمدن بعد سنوات من التضييق والتهميش، غير أن لرمضان ميزة خاصة في الأرياف ترتبط بمجالس ومعتكفات الذكر وقراءة وحفظ القرآن الكريم والاستماع للدروس الدينية.
ويقول الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في إثيوبيا الشيخ حامد موسى إن مسلمي البلاد يحترمون الشهر الفضيل أشد الاحترام، ويضيف في تصريح للجزيرة نت أن بعض المناطق لديها برنامج إفطار ملزم لكل فرد، إذ يتوجب على كل واحد أن يذبح من رؤوس الماشية ويطعم مسكينا، كما تنظم إفطارات جماعية على مستوى القرى، وعلى مستوى الأقارب والمعارف.
وأما كبار العلماء الذين يدرسون الفقه والحديث في القرى فإنهم يعتزلون الناس في رمضان، وينقطعون للعبادة والذكر وقراءة القرآن والدعاء وصلاة التراويح والتهجد وفق ما أفاد به الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والذي أصبح منذ عام 2022 معترف به رسميا بصفته مؤسسة مستقلة عن الحكومة، وتمثل مسلمي إثيوبيا في الداخل والخارج.
ويضيف الشيخ حامد أن خصوصية الشهر الفضيل تؤثر على الجو العام في البلاد، وهذا يشمل المسلمين والنصارى على حد سواء، فحركة التجارة وتنقل الناس في الشوارع تقل بشكل ملحوظ خلال رمضان وذلك لأنه شهر عبادة.
وعلى مستوى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، يقول أمينه العام إنهم سيقيمون خلال هذا الشهر الفضيل مسابقة وطنية كبرى لحفظ كتاب الله في جميع الأقاليم لأول مرة في تاريخ المجلس، وستمنح في ختام المسابقة جوائز قيمة للفائزين، ويضيف أن المشرفين على المجلس ينفذون خلال هذا الشهر المعظم برامج للدعوة وأخرى للتوعية وثالثة لإفطار الصائم، فضلا عن محاضرات وندوات دينية.
ورغم أن الإسلام جامع لكل فئات المسلمين في إثيوبيا، فإن ثقافة كل قومية من القوميات الـ11 في إثيوبيا تؤثر على بعض الممارسات الدينية والتقاليد والعادات في شهر رمضان، كما يقول الكاتب الإثيوبي أنور إبراهيم في تصريح للجزيرة نت، إذ لكل منطقة من المناطق أسلوب معين للإفطار من ناحية المأكولات والمشروبات.
ويضيف الكاتب أن ثمة شيئا يميز رمضان في إثيوبيا، يطلق عليه "إلقاء المنظومة" وهو شعر وأناشيد في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، وتسمى المنظومة لأنها خليط بين العربية واللغات المحلية مثل الأمهرية والأورومية والتيغرانية، وليس في إلقاء هذه المنظومة أي موسيقى وإنما التصفيق ودق الطبول في بعض المناطق.
إعلانويوضح المتحدث نفسه أن علماء الدين والشيوخ يؤلفون المنظومة، والتي تؤدى داخل المساجد بعد الصلوات خصوصا التراويح، وأيضا خلال المناسبات الدينية، وفي الخلاوي وهي مراكز تدريس القرآن في القرى وتسمى "درست" (باللغة المحلية) أو المدارس الدينية أو منابر التعليم.
وهناك بعض المناطق توجد فيها مظاهر للاحتفاء بشهر رمضان بشكل أكبر مقارنة بأخرى، ومن أكثرها تميزا المنطقة التي يوجد فيها مسجد الملك النجاشي في إقليم تيغراي شمالي البلاد، حيث يتم تزيين المساجد قبل دخول رمضان، وتوضع إضاءات جميلة حول المساجد.
ويضيف الكاتب أنه في عدد من مناطق المسلمين يذهب الناس للمساجد لصلاة المغرب، ثم يعودون لتناول الإفطار، ولكن في القرى حيث كثرة المساجد يأخذ الناس معهم إفطارهم لتناوله داخل بيوت الله.
التنافس في الإفطارات الجماعيةفي السنوات الأخيرة، برزت ظاهرة جديدة خلال شهر رمضان في المدن، وهي تنافس المسلمين في إقامة إفطارات جماعية بالشوارع العامة، ففي السابق -يوضح المتحدث نفسه- كانت هذه الإفطارات تقام في بعض أحياء المدن فقط، ولكن خلال السنوات الثلاث الماضية كانت تقام في أديس أبابا إفطارات جماعية ضخمة، حيث تمثل بعض الشوارع الرئيسية بآلاف الصائمين، كما يحدث في ساحة مسكل (ساحة الثورة) في قلب العاصمة، حيث تغلق السلطات المحلية الطرق المجاورة للساحة لتسهيل إقامة الإفطار الجماعي والذي أشرف عليه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بتعاون مع جمعيات خيرية محلية.
وقد شارك في الإفطار السنوي الكبير في أديس أبابا -رمضان الماضي- رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ إبراهيم توفا، وعدد من المشايخ والعلماء وممثلي البعثات الدبلوماسية بأديس أبابا.
ويقول الكاتب الإثيوبي إن هذه الإفطارات الجماعية الكبيرة تتكرر في قرابة 10 مدن حيث تتنافس فيما بينها، وعقب انتهاء هذه الإفطارات تقام بعض الفعاليات التي تناسب الشهر الفضيل.
إعلان نفحات تشمل المسيحيينويحكي الكاتب للجزيرة نت إحدى قصص رمضان التي عاشها وتظهر التعايش والوئام بين المسلمين والمسيحيين، ففي شهر رمضان يبرز عدد من مظاهره، إذ يقول "كنت أعمل في أحد المكاتب في أديس أبابا رفقة زملاء مسلمين، وكنا نجلب وجبات الإفطار إلى المكتب بسبب ظروف العمل، فيتقاسم معنا طعام الإفطار زملاء لنا مسيحيون، وفي المرات التي تلت ذلك كان زملاؤنا المسيحيون يصرون على جلب طعام الإفطار لنا ويشاركوننا إياه، ويكون من نفس الطعام المعتاد في رمضان في البلاد مثل البلح والعصائر والحلويات وغير ذلك".
ويعتبر الإسلام الديانة الثانية بعد المسيحية في إثيوبيا، وتشير بعض التقديرات إلى أن نسبة المسلمين لا تقل عن 34% من عدد السكان البالغ نحو 115 مليون نسمة، وإن كانت تقديرات أخرى تشير إلى أن عدد المسلمين أكثر بكثير.
رمضان الأرياف الإثيوبيةيفضل عدد من مسلمي إثيوبيا الذين يعيشون في الأرياف التفرغ خلال شهر رمضان للعبادة والذكر، ولا سيما في العشر الأواخر حيث تنتشر أماكن الاعتكاف سواء في بعض المساجد ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، ومن أشهر هذه المراكز مركز زابي مولا لتحفيظ القرآن في إقليم شعوب جنوب إثيوبيا، ويستقبل المركز الذي تأسس منذ عام 1910 الراغبين في حفظ القرآن من مختلف الأعمار طيلة العام، غير أنه يتحول خلال شهر رمضان إلى معتكف للعبادة والذكر.
وكان عضو هيئة علماء المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية محمد حامد الدين البورني قال في إحدى حلقات برنامج "الشريعة والحياة في رمضان" -الذي يبث في قناة الجزيرة- إن المناطق الريفية تجسد العمق الإسلامي في أرض الحبشة، حيث يقبل الناس هناك على الطاعات بشكل كبير خلال شهر رمضان.
إعلانومن مظاهر هذا الإقبال -يضيف البورني- امتلاء المساجد في الشهر الفضيل وخصوصا صلاتي التراويح والجمعة، وتقام في مساجد الأرياف ما يعرف بـ "نظام ترا" باللغة المحلية ومعناه قراءة القرآن بالتناوب، بحيث يتلو كل قارئ ثُمن القرآن، ثم يتبعه الذي يليه وهو ما يمكن من ختم القرآن مرتين في رمضان.
ويضيف العالم الإثيوبي أن أهل الأرياف من المسلمين يلتفون حول كبار المشايخ في رمضان من أجل سماع المواعظ والأحاديث، وأما في بعض المدن فتقام محاضرات دينية في الملاعب لكي تستوعب الأعداد الكبيرة من الحضور ويشارك فيها الدعاة والعلماء.
كما يسارع عدد كبير من التجار المسلمين في المدن -يضيف البورني- وأيضا المزارعون إلى إخراج زكاة أموالهم خلال شهر رمضان، وهذه ثقافة متجذرة منذ وقت بعيد، ولذلك يكون رمضان فرصة كبيرة جدا لسد حاجة الفقراء والمساكين.