هذا المقال ينشر باتفاق مع موقع « إيلاف المغرب »

يعتبر ورش إصلاح منظومة العدالة من بين أهم المشاريع الاستراتيجية التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس منذ مطلع الألفية الجديدة، حيث أثبت بفضل قيادته الحكيمة، ورؤيته الاستشرافية، التزامه العميق بتحديث قطاع العدالة في كل أبعاده الحيوية، وذلك من خلال سلسلة من التوجيهات والخطب والرسائل الملكية التي سلطت الضوء على الحاجة إلى إصلاح شامل وعميق يمتد لكي يشمل كافة جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وبالفعل فقد شملت هذه الورش الاصلاحية التقدمية ثلاثة أبعاد استراتيجية أساسية: بُعد يتعلق بالترسيخ الدستوري لمفهوم دولة المؤسسات، وبُعد يركز على تحديث المنظومة التشريعية القانونية، وبُعد يهتم بتطوير آليات عمل الإدارة القضائية.

لقد سعى المغرب خلال عهد الملك محمد السادس إلى إرساء دولة الحق والقانون والمؤسسات، ومواصلة البناء الديمقراطي. وتتجلى هذه الرؤية الملكية الطموحة في الإرادة القوية لتجويد المنظومة القانونية الوطنية وفق مقاربة شمولية وتشاركية.

على هذا الأساس، تم وضع ميثاق وطني لإصلاح منظومة العدالة، والذي مثل خارطة طريق للإصلاح التشريعي والمؤسساتي، مستهدفًا تحقيق استقلالية السلطة القضائية وأيضا تحديث الإدارة القضائية في المملكة.

الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية

في هذا السياق،أسفرت التدابير الأولى لهذا الإصلاح عن الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية من خلال تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتأسيس رئاسة النيابةالعامة، مما عزز آليات عمل السلطة القضائية في المغرب وساعد القضاة على القيام بمهامهم المتمثلة في إصدار أحكام موضوعية ومتجردة من الضغوطات الخارجية المحتملةأو من بعض تأثيرات النفوذ السياسي، مما يجعلها أكثر فعالية وعدالة، وتصير بالتالي منصفة للمواطن والمواطنة.

مشروع مراجعة مقتضيات مدونة الأسرة

ومن أهم الديناميات والأوراش التشريعية الكبرى التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس وانخرطت فيها وزارة العدل بقوة هي مشروع مراجعة مقتضيات مدونة الأسرة بعد عشرين سنة من آخر إصلاح لها في سنة 2004، حيث دعا جلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرين لعيد العرش بتاريخ 30 يوليو 2022، إلى تجاوز الاختلالات والسلبيات التي أبان عنها تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة، ومراجعة مجموعة من البنود، وذلك لكي تقوم الأسرة على التوازن اللازم فيما يتعلق بحقوق المرأة والرجل وحقوق الطفل. كما أسند الإشراف العملي على إعداد ملف تعديل مدونة الأسرة بشكل جماعي ومشترك إلى كل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر إلى مركزية الأبعاد القانونية والقضائية للموضوع. كما دعا الملك محمد السادس هذه المؤسسات إلى أن تُشرك بشكل وثيق في ورش الإصلاح سائر الهيئات الأخرى المعنية بالموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين.

تنفيذا لهذه التعليمات الملكية، وتنزيلا لمضامين الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة بشأن إعادة النظر في مدونة الأسرة، عملت اللجنة المذكورة على عقد جلسات استماع مع مختلف الفاعلين المعنيين طالما ان تعديل المدونة يحتاج إلى نقاش مجتمعي يساهم فيه مختلف المتدخلين والفاعلين، بعد ذلك تم تسليم المقترحات إلى السيد رئيس الحكومة الذي رفعها بدوره للنظر السامي لجلالة الملك محمد السادس الذي أحالها إلى المجلس العلمي الأعلى لتدارس المسائل الواردة في بعض مقترحات هيئة مراجعة مدونة الأسرة، استنادا إلى مبادئ وأحكام الإسلام ومقاصده السمحة، مع إمكانية رفع فتوى للنظر في شأنها.

تطوير السياسة الجنائية

أما بالنسبة للتوجهات الملكية في مجال تطوير السياسة الجنائية لبلادنا، فقد انخرطت الوزارة بقوة في هذا الإصلاح الذي ارتكز على مراجعات مهمة للمنظومة الجنائية، حيث تم إعداد عدة مشاريع، من بينها مشروع قانون المسطرة الجنائية، والذي تمت إحالته على الأمانة العامة للحكومة، بالإضافة إلى كل من مشروع القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، ومشروع قانون رقم 10.23 المتعلق بتنظيم وتدبير المؤسسات السجنية، واللذان تمت المصادقة عليهما من طرف المؤسسة التشريعية.

وفي نفس الإطار، جرت مراجعة قانون المسطرة المدنية، ونشر القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي، كما تم تحديث القوانين المنظمة للمهن القانونية والقضائية كمشروع القانون المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة، ومشروع قانون رقم 46.21 المتعلق بمهنة المفوضين القضائيين، ومشروع قانون يتعلق بتنظيم مهنة الخبراء القضائيين، وذلك كله من أجل ضمان توفير خدمات قضائية عالية الجودة في المغرب.

تعزيز الولوج إلى العدالة

ومن أجل تعزيز الولوج إلى العدالة في المغرب وأيضا تطوير آليات عمل الإدارة القضائية تم القيام بمجموعة من التدابير والإجراءات ذات الطبيعة التنظيمية والتي تهدف إلى تحقيق مصلحة المتقاضين والمرتفقين بشكل عام، والرفع من فعالية ونجاعة وجودة مرفق العدالة، من خلال توفير خدمات قضائية عالية الجودة تلبي رغبات وطموحات وتطلعات عموم المواطنين على اختلاف مستوياتهم وشرائحهم الاجتماعية.

توسيع الخريطة القضائية للمملكة

في هذا النطاق، أي نطاق تحديث وتطوير الإدارة القضائية، تم توسيع الخريطة القضائية للمملكة، والرفع من عدد المحاكم بمختلف تخصصاتها، إضافة إلى الانخراط في تنفيذ مشروع المغرب المتطور الرامي إلى تكريس الإدارة الرقمية، وفق مقاربة تشاركية ومندمجة تعتمد بالأساس على تقديم خدمات رقمية جديدة وذات جودة عالية لفائدة المرتفقين والمتقاضين والمهن القانونية والقضائية وتبسيطها أيضا.

إن تعزيز حكامة وأمن نظم المعلومات، بالإضافة إلى تحديث الترسانة القانونية الناظمة لمجال إدماج التكنولوجيات الحديثة في تصريف منظومة العدالة، وفقا للقواعد والمعايير المعمول بها دوليا، أسفر عن إطلاق خدمات رقمية مبتكرة مثل السجل العدلي الإلكتروني، والأداء الإلكتروني لمخالفات السير، وتطبيق « محاكم – موبيل »، وخدمة مركز النداء الخاص بوزارة العدل، وهي خدمة تواصلية جديدة موجهة لعموم المواطنين من أجل إرشادهم وتوجيههم إلى مختلف خدمات العدل المتاحة سواء في المحاكم أو في وزارة العدل.

إحداث منصة إلكترونية رسمية للتقاضي عن بعد

بالموازاة مع ذلك، تم العمل على تضمين مشروع قانون المسطرة المدنية مقتضيات ترمي إلى إدماج وسائل التواصل الإلكتروني في الإجراءات القضائية المدنية من خلال إحداث منصة إلكترونية رسمية للتقاضي عن بعد، واعتماد الحسابات الإلكترونية المهنية والعناوين الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني، واستعمال الوسائل الإلكترونية في عمليات التبليغ والإشهار والبيع بالمزاد العلني، وإنشاء بوابة وطنية للشكاوى، تسهر على التدبير اللامادي للشكاوى داخل الإدارة المركزية.

إعادة الاعتبار للهوية واللغة الأمازيغية

ومن منظور الرغبة الملكية المهمة في إعادة الاعتبار للهوية واللغة الأمازيغية، تم تفعيل المادة 30 من القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والتي تنص على أن الدولة تكفل للمتقاضين والشهود الناطقين بالأمازيغية، الحق في استعمال اللغة الأمازيغية والتواصل بها خلال إجراءات البحث والتحري بما فيها مرحلة الاستنطاق لدى النيابة العامة، وإجراءات التحقيق وإجراءات الجلسات بالمحاكم بما فيها الأبحاث والتحقيقات التكميلية والترافع وكذا إجراءات التبليغ والطعون والتنفيذ، عملت الوزارة على توقيع اتفاقية تعاون مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وتوظيف أطر مختصة لضمان استخدام اللغة الأمازيغية في الإجراءات القضائية، كما تضمّن القانون رقم38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي في المادة 14، مقتضيات تنص على تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية طبقا لأحكام المادة 30 من القانون التنظيمي رقم 26.16، من خلال التنصيص على تمكين المحكمة وأطراف النزاع والشهود من الاستعانة أثناء الجلسات بترجمان محلف تعينه المحكمة أو تكلف شخصا بالترجمة بعد أن يؤدي اليمين أمامها. ويسري ذلك على جميع اللغات بما فيها اللغة الأمازيغية مع تضمين مشروع قانون المسطرة المدنية وكذا مشروع قانون المسطرة الجنائية مقتضيات تصب في نفس المنحى.

كما تضمن القانون نفسه رقم 38.15 مجموعة من المستجدات التي تهدف إلى تنظيم حق التقاضي، تقديم المساعدة القضائية، وضمان شروط المحاكمة العادلة. كما شمل مشروع قانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية تحديثات تعزز دور القضاء في ضمان حسن سير العدالة.وسعي الوزارة إلى تسريع وتيرة معالجة الملفات وتنفيذ الأحكام القضائية داخل آجال معقولة، مما يعزز ثقة المواطنين في نظام العدالة.

ركيزة أساسية في بناء دولة الحق والقانون والمؤسسات

شكل إصلاح منظومة العدالة في المغرب في عهد جلالة الملك محمد السادس، ركيزة أساسية في بناء دولة الحق والقانون والمؤسسات. وعكست هذه الإصلاحات في مجملها التزام المملكة بتحقيق العدالة والمساواة وضمان حقوق المواطنين، و الرهان لا يزال موجهًا نحو تحقيق المزيد من التطور في مجال العدالة، وتنفيذ المزيد من التوجيهات الملكية في هذا المجال حتى تحقيق تعزيز ثقة المواطنين في النظام القضائي، والدفع بعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة، وجعل المغرب يتبوأ مكانته المستحقة ضمن مصاف الدول الرائدة في مجال العدالة الناجعة، المتطورة والمنصفة للجميع.

 

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: جلالة الملک محمد السادس مشروع قانون المسطرة الإدارة القضائیة للسلطة القضائیة المسطرة المدنیة مدونة الأسرة قانون رقم فی المغرب من خلال فی هذا

إقرأ أيضاً:

الكنيست يصادق بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون يستهدف المنظمات الحقوقية

صادقت الهيئة العامة للكنيست بالقراءة التمهيدية اليوم الأربعاء 19 فبراير 2025، بأغلبية 47 عضو كنيست ومعارضة 19، على مشروع قانون يقضي بأن المحكمة العليا ليست ملزمة بالنظر في التماسات تقدمها منظمات حقوقية تتلقى تبرعات من دول أجنبية، في محاولة لمنع المنظمات الحقوقية من توثيق وكشف جرائم حرب ترتكبها إسرائيل.

وحسب مشروع القانون، فإن المحاكم الإسرائيلية لن تكون ملزمة بالنظر في طلبات تقدمها جمعيات التي معظم تمويلها يأتي من دول أجنبية. كما يقضي مشروع القانون بأن التبرعات التي تتلقاها جمعيات من دول أجنبية ستخضع لضريبة الدخل بنسبة 80%، إلا إذا قرر وزير المالية، وبمصادقة لجنة المالية في الكنيست ، بخلاف ذلك لصالح جمعيات يمينية واستيطانية. ويقضي مشروع القانون أن نصه لا ينطبق على مؤسسات عامة ممولة من ميزانية الدولة.

وزعم عضو الكنيست أريئيل كلنر، من حزب الليكود والذي قدم مشروع القانون، أن "هذه المنظمات ليست منظمات حقوق إنسان وإنما منظمات نزع الشرعية" عن سياسات إسرائيل ضد الفلسطينيين، وأنها "تحول المحاكم الإسرائيلية إلى ساحة لدول أكنبية. وهذا انقلاب قضائي ممول ضد دولة إسرائيل".

وادعى كلنر في حيثيات مشروع القانون أن هدفه "تقليص التأثير غير المباشر لحكومات وكيانات دول أجنبية على دولة إسرائيل". واعتبر أنه يتم التعبير عن تأثيرات كهذه من خلال دعم مالي مباشر لجمعيات إسرائيلية، تعمل مثل وكلاء لتغيير الواقع من قبل تلك الكيانات".

وتابع أن "هذه الظواهر تتجاوز حدود الإطار الديمقراطي وتمس بسيادة واستقلالية الدولة. وإذا كان هناك خلاف بين دولتين أو أكثر، فعليها أن تقنع الواحدة الأخرى بوسائل دبلوماسية، وليس بواسطة تمويل وكلاء تغيير الواقع ومنظمات هدفها أن تقود تغيير من الداخل لصالح المصالح الأجنبية المذكورة".

يشار إلى أن الجمعيات الإسرائيلية معفية من دفع ضرائب على تبرعات. وقال مسؤول في إحدى الجمعيات التي ستتضرر، إن مشروع القانون هذا "يعني فعليا منع تلقي تبرعات"، ووصفه بأنه "غير مسبوق وخطير"، ونصه يدل على أنه سيسري على منظمات وجمعيات تعارض أنشطة الحكومة. "وبإمكان المنظمات التي تدعمها الحكومة الاستمرار في تلقي التبرعات دون عائق. وهذا كم أفواه ومحاولة لإغلاق المنظمات التي تعمل وفق القانون وتزعج السلطات".

في العام 2023، تم تجميد مشروع قانون مشابه، قدمه كلنر، في أعقاب ضغوط ومعارضة، وبضمنها معارضة إدارة بايدن ودول أوروبية، ونص مشروع القانون السابق على أن تخضع التبرعات لضريبة الدخل بنسبة 65%.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية قناة: خطة إسرائيلية لتهجير الغزيين خلال حرب وليس أثناء وقف إطلاق نار مفاوضات غزة للمرحلة الثانية: المحاولة الآن ستكون التوصل إلى صيغة ضبابية تقديم لائحة اتهام بحق جنود "لانتهاكاتهم الخطيرة" في معتقل سديه تيمان الأكثر قراءة محدث: جهود مصرية قطرية مكثفة لإنهاء أزمة اتفاق وقف إطلاق النار في غزة تركيا: إقامة دولة فلسطينية لا تحتمل التأخير أكثر بالصور: "الهلال الأحمر" تُنشئ مخيمات لإيواء النازحين العائدين إلى غزة وشمالها حماس تُعقّب على موقف الأردن ومصر بشأن "مشاريع التهجير" عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • الثلاثاء.. مجلس النواب يبدأ مناقشة قانون العمل الجديد
  • انطلاق مناقشات مشروع قانون العمل.. وحماية العمال بإجراءات خاصة
  • «تقنية الوطني» تناقش مشروع قانون منصة الزكاة
  • رئيس الوزراء: الهيئة القضائية المصرية لها تاريخ عميق تأصلت فيه العدالة
  • مدبولي: الهيئة القضائية المصرية لها تاريخ عميق تأصلت فيه العدالة
  • إنشاء صندوق دعم للعمالة غير المنتظمة في مشروع قانون العمل الجديد 
  • الكنيست يصادق على مشروع قانون يستهدف المنظمات الحقوقية
  • حظر الفصل التعسفي.. أبرز أوجه الحماية الاجتماعية في قانون العمل الجديد
  • قوى عاملة النواب تنتهي من مناقشة مشروع قانون العمل الجديد
  • الكنيست يصادق بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون يستهدف المنظمات الحقوقية