محمود الدسوقي يكتب: نموذج للإجماع الوطني
تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT
نشأت القوانين كنتيجة لتطور المجتمعات وحاجتها لتنظيم العلاقات بين أفرادها من جهة وبين السلطة العامة من جهة أخرى، إضافة للحاجة لتنظيم العلاقة بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، فالإنسان بوصفه كائناً اجتماعياً يسعى لتحقيق رغباته الفردية فى إطار الجماعة، وذلك يستتبعه تعارض المصالح بين الأفراد من جهة وبين مصالح الأفراد ومصالح المجتمع من جهة أخرى.
ولعل قانونى الإجراءات الجنائية والعقوبات باعتبارهما جناحى العدالة، هما النموذجان المعبران عن دور التشريع فى استقرار النظام الاجتماعى وتحقيق العدالة والأمن والتوفيق بين الرغبات والمصالح المتعارضة من خلال القاعدة القانونية العامة والمجردة التى تتضمنها نصوصه.
وقضية الحبس الاحتياطى ليست مجرد مسألة فئوية أو نوعية، بل هى قضية رئيسية من قضايا حقوق الإنسان، ومتعلقة بحق لصيق وهو الحق فى الحرية الشخصية، خاصة مع توافق كافة القوى السياسية وسلطات الدولة ومؤسساتها على ضرورة تعديل مواد الحبس الاحتياطى وتقييدها فى قانون الإجراءات الجنائية، باعتبارها مسألة لصيقة بالحق الشخصى للفرد، ولمعالجة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والسياسية الناتجة عن الحبس الاحتياطى، سواء على الفرد أو أسرته.
كما ترجع أهمية تقييد مدد الحبس الاحتياطى وتقييد الإطار التشريعى الحاكم لها، إلى التطور الملحوظ نحو تحقيق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتى تضمن محورها الأول عن الحقوق المدنية والسياسية تحديات عديدة، كان من بينها ما هو متعلق بالحق فى الحرية الشخصية، وقد حددت «الاستراتيجية» عشرة تحديات من بينها ثمانى نقاط متعلقة بنصوص قانون الإجراءات الجنائية تخص الحبس الاحتياطى وأخرى متعلقة بقانون العقوبات.
ولعل هذا يؤكد أن تعديل نصوص الحبس الاحتياطى ليس بمعزل عن باقى نصوص قانون الإجراءات الجنائية، فمن غير المتصور ضمان تطبيق تلك التعديلات لتتوافق مع المطالب الوطنية ومع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان من دون إعادة تنظيم دور النيابة العامة وتفعيل دور قاضى التحقيق، وعدم ترك مساحات تقديرية لسلطة التحقيق فى الاحتجاز باسم الحبس الاحتياطى، وكذا علاقة تلك التعديلات بالتنظيم القضائى ذاته، والتى ستفرض على القضاء مسئولية وعبئاً مضاعفين مناطهما سرعة الفصل فى الدعاوى الجنائية لتحقيق العدالة الناجزة، دون إخلال بالمنظومة القضائية.
وبالرغم من هذا الارتباط الوثيق بين كافة نصوص قانون الإجراءات الجنائية، فإن إعادة النظر فى نصوص الحبس الاحتياطى باعتباره من أولويات العمل والإجماع الوطنى، تفرض علينا سرعة إصدار قانون بتعديل تلك النصوص، مع استكمال المناقشة والدراسة حول التعديل الشامل لقانون الإجراءات الجنائية.
وكذا دراسة وبحث مسألة التنظيم القضائى لما سيفرضه هذا التعديل من ضرورة ضمان حسن سير وتحقيق العدالة الجنائية للأفراد والمجتمع بذات القدر الذى نضمن من خلاله حماية الحق فى الحرية الشخصية وتحقيق التوازن بينهما بما لا يخل بأمن واستقرار المجتمع.
فتقييد مدد الحبس الاحتياطى يفرض على سلطات التحقيق، سواء من النيابة العامة أو من قاضى التحقيق، سرعة الانتهاء من التحقيقات بما لا يخل بتحقيق العدالة، وهى مسائل يجب مناقشتها من خلال باقى نصوص قانون الإجراءات الجنائية.
ولعل الجلسة الأخيرة للمتخصصين التى دعا لها مجلس أمناء الحوار الوطنى لمناقشة قضايا الحبس الاحتياطى قد حملت فى طياتها الكثير من التوافق الذى وصل لدرجة الإجماع حول ضرورة معالجة قضايا الحبس الاحتياطى بما تسببت نصوصه الحالية من تعدٍّ على الحقوق الشخصية وكذا آثارها البالغة من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية للفرد وأسرته.
وقد توافق الجميع على تقييد المدد الواردة فى القانون الحالى، وضرورة إعمال وتطبيق بدائل الحبس الاحتياطى الواردة فى القانون، فضلاً عن الحق فى التعويض عن الحبس الاحتياطى الذى يخالف القانون ويسبب ضرراً للفرد، ولعل قضية تعاصر القضايا تُعد من أعقد القضايا المطروحة والتى تحتاج لمزيد من البحث والدراسة نظراً لتأثيرها على منظومة تحقيق العدالة الجنائية.
فالإجماع الوطنى حول معالجة قضايا الحبس الاحتياطى وتأثيراته باعتبارها قضية رئيسية من قضايا حقوق الإنسان، خاصة مع الدور البارز لمجلس النواب من خلال اللجنة الخاصة المُشكلة لمراجعة ودراسة وإعداد مشروع قانون بتعديل قانون الإجراءات الجنائية، والتى كادت تُنهى أعمالها، يعتبر خطوة هامة نحو تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بشأن تعزيز ثقافة حقوق الإنسان، ويمثل تطلعاً نحو مزيد من التشريعات والتطوير المؤسسى نحو تعزيز المشاركة فى الشأن العام
*عضو المكتب السياسى لحزب التجمع
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الحبس الاحتياطي الحوار الوطني البرلمان الحبس الاحتیاطى من جهة
إقرأ أيضاً:
تحذير خطير من نموذج ذكي قادر على التنبؤ بموعد وفاة الإنسان
حذرت الشركة المطورة لتقنية Life2Vec، التي ابتكرها العلماء الدنماركيون، وهي عبارة حاسبة دقيقة للموت مدعومة بالذكاء الاصطناعي، من تهديد جديد يواجه أولئك الفضوليين بشأن معرفة موعد وفاتهم، حيث ظهرت تطبيقات تحت مسمي "De-inderator" المقلدة التي تسعي للاستفادة من هذه التقنية لسرقة المعلومات الشخصية.
وأفاد تقرير نشرته صحيفة "مترو" البريطانية، بأن الشركة حذرت من تقنية مزيفة نتشرة على الإنترنت، قائلة:"نحن على دراية بوجود حسابات احتيالية على وسائل التواصل الاجتماعي وموقع ويب مرتبط بـ Life2VEC"، مشيرون لخطورة تلك المواقع التي تستغل فضول الأشخاص حول تقدير موعد وفاتهم.
بالنسبة للمبتدئين، تعمل Life2Vec باستخدام الذكاء الاصطناعي وبالتحديد تقنية ChatGPT للتنبؤ بالوقت المحتمل لوفاة شخصا ما، استنادا إلى مجموعة مختارة من التفاصيل الشخصية للمستفسر، بما في ذلك الدخل والمهنة والإقامة والتاريخ الصحي وغيرها.
الأكثر إثارة للقلق، هو أن هذا النموذج يمكن أن يتنبأ بالعمر المتوقع للوفاة بدقة تصل إلى 78% من الحالات، وقد تم الكشف عن تقنية Life2VEC، في شهر ديسمبر الماضي، لكن البرنامج لم يكن متاحا بعد للاستخدام العام بعد، وعلى الرغم من ذلك هذا لم يمنع الانتهازيين من محاولة الاستفادة من هذه التقنية لأغراض ربحية.
حث فريق Life2Vec المستخدمين على توخي الحذر من المواقع المزيفة التي تدعي استخدام تقنيتهم، غالبا ما يحاول سيئو النية الواقفون وراء مواقع الويب المزيفة، والذين يوجد عدد كبير منهم عبر الإنترنت، الاستيلاء على عناوين البريد الإلكتروني وأرقام الهواتف وتفاصيل بطاقة الائتمان والمعلومات الحساسة الأخرى حتى يمكنهم إصابة الأجهزة بالبرامج الضارة.
ربما يكون من غير المفاجئ أنهم يحاولون الاستفادة من التكنولوجيا الجديدة لنشر عمليتهم الاحتيالية، والتي يمكن أن تتنبأ بيوم وفاة بعض الأشخاص خاصة لو كانوا من الأثرياء.
وأوضح أحد الخبراء بالفريق الذي يدرس الشبكة والأنظمة المعقدة من جامعة الدنمارك تقنية Life2VEC، لصحيفة "بوست": “يمكن لهذا النموذج التنبؤ بأي شيء تقريبا”، “لقد توقعنا الموت لأنه شيء عمل عليه الناس لسنوات عديدة على سبيل المثال، شركات التأمين”.
لاختبار خوارزمية الذكاء الاصطناعى، فحص فريق الخبراء مجموعة تضم 6 مليون دنماركي، مع تباين في الجنس والعمر، بين عامي 2008 و 2020، من أجل التنبؤ بما إذا كانوا سيعيشون أكثر من أربع سنوات على الأقل بعد 1 يناير 2016، من خلال تغذية المعلومات الخاصة بكل مشارك في الدراسة.
باستخدام المعلومات المذكورة، تمكنت تقنية Life2Vec من التنبؤ بتوقيت وفاة الأفراد بدقة تزيد عن 75% من الحالات، لكن الفريق أكد على أنه لم يتم تزويد أي من المشاركين في الدراسة بتوقعات وفاتهم.