الحبس الاحتياطى إجراء ينطوى على مساس بالحرية الشخصية للمتهم فى التنقل، تبرره مصلحة التحقيق وفق رؤية سلطات التحقيق، إلا أنه إجراء قد يُلحق بالمتهم أضراراً على المستوى الشخصى أو العائلى أو المهنى، إضافة إلى ما ينال سمعته فى المجتمع من وصمة الحبس حتى لو تقررت براءته أو ثبت عدم صحة الاتهام لاحقاً.

ويتعامل البعض مع القضية من المنظور القانونى البحت، إلا أنها قضية يتشابك فيها القانونى بالاجتماعى بالنفسى بالاقتصادى، ويجب معالجتها بمنظور تنموى شمولى، يعالج أبعادها القانونية ويتعامل مع تأثيرها الاجتماعى والاقتصادى، انطلاقاً من فهم حقيقى لمبادئ الدستور المصرى، وتطبيقاً لمقررات الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ورؤية مصر 2020 للتنمية المستدامة، وهى أساس صون كرامة الإنسان المصرى وضمان حياة كريمة له.

والحبس الاحتياطى عرفه الدكتور أحمد فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب الأسبق، بأنه لا يخرج عن كونه إجراء من إجراءات التحقيق فى جميع الأحوال، وأنه بهذه الصفة ليس عقوبة، كما أنه لا ينبغى ألا يتحول إلى تدبير احترازى يجعله فى مصاف العقوبات.

كما تضمنت التعليمات العامة للنيابة فى المادة رقم 381 تعريف الحبس الاحتياطى بأنه «إجراء من إجراءات التحقيق غايته ضمان سلامة التحقيق الابتدائى من خلال وضع المتهم تحت تصرف المحقق وتيسير استجوابه أو مواجهته كلما استدعى التحقيق ذلك، والحيلولة دون تمكينه من الهرب أو العبث بأدلة الدعوى أو التأثير على الشهود أو تهديد المجنى عليه، وكذلك وقاية المتهم من احتمالات الانتقام منه وتهدئة الشعور العام الثائر بسبب جسامة الجريمة».

وفى ذات السياق تضمنت استراتيجية حقوق الإنسان الحديث عن تعزيز الضمانات ذات الصلة بضوابط ومبررات الحبس الاحتياطى، وأيضاً النظر فى تضمين قانون الإجراءات الجنائية مزيداً من البدائل المتطورة للحبس الاحتياطى والعمل على تفعيل البدائل الواردة فيه.

وهو ما يتطلب جدياً التفكير فى بدائل موضوعية للحبس الاحتياطى، والموازنة بين متطلبات سلطات التحقيق الضامنة بالفعل لحماية المجتمع وضروريات الأمن القومى وبين مبادئ حقوق الإنسان والنهج التنموى فى التعامل مع المحبوسين احتياطياً، مع الإقرار بضرورة الانتهاء كاملاً من قضايا المحبوسين احتياطياً على ذمة قضايا الرأى والتعبير.

وهنا نطالب بتقليل مدة الحبس الاحتياطى على أن تصبح 6 أشهر فى الجنايات و12 شهراً للجرائم المعاقب عليها بالإعدام، كما يمكن إيجاد بدائل للحبس الاحتياطى فى الجرائم التى تقل عقوبتها عن 3 سنوات، لاسيما أن بدائل الحبس الاحتياطى مطبقة فى دولة عربية تسبقنا فى هذا الملف، رغم أسبقية مصر فى تطوير مفهوم سيادة القانون فى مختلف المجالات الحاكمة لها.

ومن ضمن المقترحات: (1) إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه، (2) إلزام المتهم بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة فى أوقات محددة، (3) حظر ارتياد المتهم أماكن محددة تقرها سلطات التحقيق وتبررها، (4) منع المتهم من مزاولة أنشطة معينة مع تقديم تبرير لهذا المنع.

أما عن تقرير مبدأ التعويض عن الحبس الاحتياطى فيفترض أن تكون مسئولية جهة ما يمكن أن يستند عليها صاحب الشأن فى المطالبة بالتعويض عما لحقه من أضرار ناتجة عن حبسه احتياطياً. وهذه المسئولية تثير العديد من التساؤلات، منها ما يتعلق بأساسها القانونى، وما إذا كانت ستقع على عاتق من أصدر أمر الحبس الاحتياطى أم تتحملها الدولة؟ وهل يلتزم مصدر الأمر بصفته الشخصية بتعويض صاحب الشأن أم أن الدولة هى من تتحمل هذا التعويض؟

فالتعويض عن الحبس الاحتياطى هو التزام دستورى بموجب نص المادة 54 من دستور 2014، وعلى الرغم من صعوبة هذه القضية فليس مستحيلاً البحث عن نظام ما للتعويض المادى والمعنوى، لكن الأمر يتطلب بناء إطار قانونى خاص للتعويض تحدد فيه الشروط والضمانات اللازمة، وكذلك آلية المطالبة بهذا التعويض، بالإضافة إلى العديد من الجوانب الأخرى التى يتعين تدقيقها.

ولربما يبدو ملائماً النظر فى بعض التجارب التشريعية الدولية فى مجال التعويض عن الحبس الاحتياطى، فالقانون الفرنسى بموجب تعديلاته الصادرة سنة 2000 يمنح لكل من حبس احتياطياً ثم صدر قرار نهائى لصالحه بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أو البراءة أو بإخلاء سبيله أن يطلب تعويضاً كاملاً عن الضرر المادى والمعنوى الذى سببه الحبس الاحتياطى.

ومما تجدر الإشارة إليه فى هذا السياق أن العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية الذى صادقت عليه مصر قد أوجب التعويض عن الأخطاء القضائية (مادة 14- 7)، وهو الأمر الذى يثير التساؤل عن مدى وكيفية إمكان تحقيق المواءمة التشريعية فى النظام القانونى التشريعى المصرى مع ما تضمنه هذا العهد الدولى من أحكام.

ختاماً، يجب استمرار الحوار الوطنى حول هذا الملف وإيجاد حلول قانونية له، ووضع خطة عمل تنموية ترتكز على النهج التنموى كما حدث عند تحويل مصلحة السجون إلى قطاع الحماية المجتمعية، حيث الإنسان المصرى هو الغاية والوسيلة فى هذا المسعى

*عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان ورئيس مؤسسة المحروسة للتنمية والمشاركة

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الحبس الاحتياطي الحوار الوطني البرلمان الحبس الاحتیاطى التعویض عن

إقرأ أيضاً:

بسبب إباحته المساكنة.. نقيب المحامين يحيل المحامي هاني سامح إلى التحقيق

كتب- عمرو صالح:

أصدر عبد الحليم علام، نقيب المحامين، رئيس اتحاد المحامين العرب، قرارًا بإحالة المحامي هاني سامح، إلى التحقيق مع إيقافه عن ممارسة المحاماة لحين الانتهاء من التحقيقات.

وأكد نقيب المحامين، أن قرار الإحالة إلى التحقيق جاء بناء على التصريحات المتعلقة بـ "المساكنة"، والتي أدلى بها المحامي خلال استضافته بأحد البرامج التلفزيونية، مشيرًا إلى أن ما قاله غير مقبول نهائيًا.

وأوضح عبد الحليم علام، أن التصريحات التي أدلى بها المحامي تعبر عن نفسه ولا تمثل جموع المحامين، مشددًا على أن نقابة المحامين لن تقف مكتوفة الأيدي أمام من يسيء لها أمام المجتمع، ويثير البلبة بتصريحات غير مسؤولة.

مقالات مشابهة

  • بعد إخلاء سبيل 151 محبوسا| ما بدائل الحبس الاحتياطي.. المركز العربي يجيب
  • نائب: الإفراج عن محبوسين احتياطيا استكمال لجهود الحفاظ على حقوق الإنسان
  • برلمانى: الإفراج عن المحبوسين احتياطيا استكمال لجهود الدولة للحفاظ على حقوق الإنسان
  • لهذا السبب.. نقيب المحامين يحيل المحامي هاني سامح إلى التحقيق
  • بسبب إباحته المساكنة.. نقيب المحامين يحيل المحامي هاني سامح إلى التحقيق
  • قيادات حزبية: الإفراج عن 151 متهما احتياطيا يعكس الالتزام بحماية حقوق الإنسان
  • كتلة الحوار ترحب بقرار الإفراج عن 151 محبوسا احتياطيا
  • الإفراج عن 151 متهما.. السيسي يستجيب لتوصيات الحوار الوطني بشأن الحبس الاحتياطي
  • نقيب المحامين يحيل المحامي هاني سامح إلى التحقيق بعد تصريحات المساكنة
  • "تشريعية النواب" توافق على مادة إقرار حالات التعويض عن الحبس الاحتياطي (تفاصيل)