أول دراسة نقدية حول رواية (الأشوس الذي حلقت أحلامة مثل طائرة مسيرة)
تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT
أول دراسة نقدية حول رواية(الأشوس الذي حلقت أحلامة مثل طائرة مسيرة)
دراسة نقدية (نظرية/تطبيقية) في رواية (الأشوس) الذي حلّقت أحلامه مثل طائرة مُسيَّرة للروائي والقاص السوداني عبد العزيز بركة ساكن:
إبراهيم أحمد الإعيسر
الخميس ١٨ يوليو ٢٠٢٤م
القاهرة
(1)
الأبعاد الفكرية/الأنثروبولوجية/السيكولوجية عند الجنجويدي (الأشوس):
في هذه الرواية وفي كثير من أعمال بركة ساكن الروائية، استخدم بركة الحوار كآلية للنقد الساخر أو تحليلية للأبعاد الفكرية والسيكولوجية والعلمية والمعرفية والحضارية وللرأي السياسي كذلك الذي يمثل المركزية الفكرية لأعماله .
لكن أعتقد أن الرواية يجب أن تُقرأ بـ(عدة عقول): بالعقل السياسي، الأنثروبولوجي، السيكولوجي، الفيسولوجي، الاجتماعي، التاريخي، وحتى الاقتصادي (الطبقية المادية وواقعية الظروف الاقتصادية وأثرها على تأسيس وانتشار الجريمة) كنموذج لعقل اقتصادي أو الأفضل أن نشير له بمسمى (عقل طبقي) وهو بشكل أو بآخر يمثل أيديولوجياً (عقل يساري:ماركسي/اشتراكي)!
* فلا يمكن اختزال الرواية في كونها (إعادة إنتاجية لمخيلة بركة ساكن الروائية) مع تغيير للزمكان وأسماء الشخوص – وإن كنت أتفق مع هذه النظرة – لكن يستوجب أن تفهم الرواية بـ(بالعين الثالثة/العقول) الأخرى؛ أي كرواية مقاومة تندرج ضمن أدب المقاومة أو المقاومة (السياسية/الوجودية) الناعمة – فالأشوس في أدب المقاومة الناعمة هي صوت من ليسوا لهم صوت .. وآلية سلاح ناعم لمن اختزلهم الجيش في الجزيرة بالإنسحاب وتركهم لوحشية الإنتهاكات اليومية التي ترتكبها المليشيا في حقهم، أو ما يمكن تسميته بـ(الرواية المرحلية التوثيقية) من حيث التوثيق التاريخي المكتوب وإن كانت ليست من مهمة الرواية أن توثق الأحداث التاريخية، لكن يمكن أن تقرأ – وفي هذه الرواية بالذات – بعقل التوثيق والتمرحل السياسي والعسكري في السودان – خصوصاً أن الجنجويد كمشروع وطني (تحت سيادة وطنية) إجرامي – بدأ كسلطة مقاومة مسلحة للحركات المسلحة المطلبية في دارفور كإحداى سياسات التمكين التى استخدمها (الكيزان) في استمراريتهم في الحكم الشمولي .. ثم الآن كمشروع إجرامي إمبريالي في تحقيق مشروع وضع السودان كمخزون استراتيجي اقتصادي (تنهب موارده مرحلياً وبمتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية تماشياً مع المرحلة) – ليسوا هم الجنجويد ما بعد ثورة 19 ديسمبر وما بعد انقلاب 25 أكتوبر وما بعد الاتفاق الإطاري في التمرحل السياسي أو المتغيرات السياسية التي أعقبت ثورة ديسمبر!. وأن تفهم كذلك كتشريح أنثربولوجي في (علم الإنسان الاجتماعي) الذي يعرف: بالبناء الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية والنظم الاجتماعية مثل العائلة، والفخذ، والعشيرة، والقرابة، والزواج، والطبقات والطوائف الاجتماعية، والنظم الاقتصادية، كالإنتاج، والتوزيع، والاستهلاك، والمقايضة، والنقود، والنظم السياسية، كالقوانين، والعقوبات، والسلطة والحكومة، والنظم العقائدية، كالسحر والدين.
وفي علم الإنسان الثقافي: الذي يدرس مُخترعات الشعوب البدائية، وأدواتها، وأجهزتها، وأسلحتها، وطرز المساكن، وأنواع الألبسة، ووسائل الزينة، والفنون، والآداب، والقصص، والخرافات، أي كافة إنتاج الشعب البدائي المادي والروحي.
وفي هذا السياق يتداخل السؤال الموضوعي: ما هو (التطور/التأخير) الحضاري عند الجنجويدي ما بعد (مسيح دارفور)؟ وهل أنثروبولوجياً الجنجويدي كائن قابل للارتقاء الحضاري أو يمتلك المادة الحضارية الخام كإنسان؟ فالواضح أن الجنجويدي هو كائن متحيون (بلا عقل)؛ فقير الخيال؛ لا يفهم سوى لغة البندقية التي هي رأسماله الرمزي والمادي التي تخرجه من جحيم فقره المادي – “تجندوا فقراء، تغنيكم الحرب” مثل جنجنويدي افتتحت به الرواية – لذلك يوظف كآلية بشرية في الحروب لخدمة الأجندة السياسية، فهو ليس بالإنسان المثقف المتجند بإرادة مطلبية أو على هامش (حركة تحررية مطلبية) لتكون في داخل عقليته (نزعة حضارية) إذا نظرنا للحضارة كفكر ومعرفة وفن وأخلاق وحضارة روحية – المصطلح الذي صاغه (د. إبراهيم الخولي) فيما يعني: الالتزام الديني والأخلاقي.
* نماذج حوارية في التفكيك الفكري/الأنثربولوجي/السايكولوجي:
– أنت فيلول.
– لا، أنا مواطن، أكره الفلول والكيزان زيك.
– كويس، سمين كدا ليه؟ كرشك كبيرة ملآنة مال الحرام، وبيتك زي القصر، جبت المال من وين، أنت رئيس المؤتمر الوطني المنحل؟
ص٢٤
فالبعد الفكري السياسي (للأشوس/الجنجويدي) هنا ينبع من التصور المورفولوجي في العقل الجمعي: أن الكوز (كائن سمين وكرشه كبيرة ويسكن القصور) وهو تصور صدره (الغطاء السياسي للدعم السريع/الجنجويد: (قحت) ) في ذهنية الجنجيودي ليكون مدخل ومبرر لجرائمه ضد الإنسانية! فالجنجويدي كائن (بربري/همجي) منعزل عن المعرفة والعلم والأعراف والقيم الاجتماعية – ”ليس الشر دائماً نتيجة لسوء النيات، ولكنه في الغالب نتيجة لعدم القدرة على التفكير” حنّة آرانت .. مقولة أفتتحت بها الرواية – ليفهم المصطلحات المعرفية السياسية المعقد بعضها في الضبط الاصطلاحي – حتى البديهية منها – كمصطلح ديمقراطية وعلمانية وليبرالية و(فلول/فيلول على لسان الجنجويدي) التي لا يفهم معناها سوى أنها مصطلح استفزازي للقوة الضدية لمعركته – التي دخلها بدافع الخروج من محنة الفقر! وبالطرق (الملتوية) التي لا تعرف أعراف وقوانين الحرب المتفق عليها دولياً ”راتبك في بندقك“ ص٤٦.
* ابتسم وهو يجول داخل الوحدة الصحية الصغيرة، ثم سأله:
– لك كم سنة وأنت شغال مساعد طبّي؟
– خمستاشر سنة.
صاح مندهشًا:
– خمستاشر سنة وما ارتقيت، هذا ظلم، أنت منذ اليوم طبيب واختصاصي، وأنا رقيتك. نحن جينا من أجل إنهاء المظالم، من اليوم ما في حاجة اسمها كلية حربية، ولا كلية طب ولا هندسة. أنا الأشوس وردان ود الفيل اللواء أركان حرب، ما شفت الكلية الحربية بعيني دي، هزمت جيش قالوا عمره مية سنة، وضباط قضوا حياتهم كلها في دراسة الأمور الفارغة التي لا تودي ولا تجيب، ولوا الأدبار، فزّوا، واعتقلناهم زي الأرانب، الأشوس الأعظم، ما دخل أي مدرسة، وكان رئيس اللجنة الاقتصادية على رأس العلماء بتوعين المدارس، ولو الفيلول والكيزان انقلبوا على الحكومة، كان ح يكون بروفيسور–تمتم الجنّي الذي في فمه، وقال له بلغة غريبة: بالغتَ!– الأشاوس الآن حرقوا كل الوسخ، المكتبات والجامعات والكلام الفارغ دا، في الخرطوم ومدني ونيالا والجنينة، وربنا ينصرنا نحرق البقية في عطبرة وبورتسودان، وكل مكان، نبقي البلد نظيفة من كل عفن دولة ستة خمسين. كل الرتب والوظائف الآن في أيدينا، نحن ناس الهامش، من اليوم أنت أخصائي، وبعد الحرب، إن شاء الله ح يكون لك وضعك الخاص، مهمتك الآن تعالج المرضى والجرحى من الأشاوس هنا، في مدني جمعنا كل الأطباء في المستشفى، والآن شغالين مبسوطين، وكلهم رقيناهم لأخصائيين وعزيناهم برتب عسكرية شرفية.
– ولكن أنا فقط مساعد طبّي!
أجابه بصورة نهائية:
– الموضوع دا منتهي، ولا أنت زول فيلول، فلنقاي، جلابي معاكس؟
في هذه الجزئية الحوارية، تمتزج الشخصية الحوارية (الجنجويدي: ورادن ود الفيل) ما بين حالة (الجهل والمعرفة الملقنة من النخبة المثقفة لحاضنته السياسية وطبيعته الديكتاتورية المحمية بسلطة السلاح) إضافة إلى عبقرية بركة ساكن في توظيف المنولوج (الحوار الداخلي/حوار النفس) بصورة فانتازية في شخصية وردان الفيل الذي يتحاور مع ذاته الداخلية المتمثلة رمزياً في (الجني الذي فمه) الذي ما هو إلا ترميز (للعقل المثقف الواعي) الذي _ وبإضافة مني أو في ما يمكن تسميته بمشاركة القارئ في النص، خصوصاً أن الرواية السياسية التي توظف الأسطورة والخرافة والفانتازيا والواقعية السحرية كـ(رمزية) كما وظفها جورج أورويل في مزرعة الحيوان (توظيف الحيوانات كرمزيات للشخصيات سياسية) تطلب بالمقابل من القارئ نزعة معرفية بالتاريخ والحاضر السياسي؛ فرواية مثل (الأشوس) لا تفهم إلا في إطار معرفة سياسية من خارج أطر الرواية – هو ما يرمز إلى السياسي العارف المثقف الواقف خلف الجنجويد، ووردان الفيل الذي يمثل ذاته (كآلية حربية جاهلة بالصراع وبلغة السياسة) إذا فهمنا على حسب السياق في التصور الفكري الذي صوره الراوي العليم كإنسان (جاهل/غير متعلم) لا يمكن من المنطقي والعقلاني يعي ما قاله وحقيقة ما يمكن أن يتحقق فيما قاله “ولو الفيلول والكيزان انقلبوا على الحكومة، كان ح يكون بروفيسور” ليتداخل الجني الذي في فمه (العقل السياسي لحاضنته السياسية) بالقول: بالغتَ!
أيضاً من الحيثية أو الزاويا الأخرى للاعتقاد يمكن أن يُفهم: النقد الساخر الموجه (للفوضى المؤسسية والسيادية للدولة) والجهل المقدس والمؤسس والغباء في ذهنية الجنجويدي الذي يحارب دور العلم والمعرفة، وما يمكن فهمه – في سياق الرواية التوثيقية – من قتل الذاكرة الوطنية – فالجنجويدي مهمته القتل سوى كان المقتول عنده إنساناً أو حيواناً (كديك العوض ود العوض الذي حاول قتله) أو كتاباً أو إلهاً .. المهم عنده أن يوجه آلته القتالية فيما يساعده على النهب والإغتصاب و(الشفشفة) ككائن غرائزي (حيواني) أو هزيل التفكير فيما هو إنساني وعقائدي وسياسي!
* ورد مصطلح (دمباري) في عدة مرات كـ(أسطورة) في الثقافة الشعبية؛ بل كتب بين الرواية كعنوان لفصل كامل؛ وهو الشخص الذي له القدرة على طرد الجراد من خلال طلاسم يقوم بها من خلال زي مخصص و يعلق حروز و حجبات في جسده و عندما يهاجم الجراد منطقة يلجأ له أصحاب الزراعة مقابل مبلغ من المال فيلقي بعض التعاويذ و يصدر أصواتا يسحر بها الجراد و تجعله منقادا له فيرفع عصاه عاليا فيتبعه الجراد و يذهب به بعيداً..
كما أشار الباحث بحر الدين عوض شقف في دراسته الموسومة بـ(من خصوصيات البيئة وأبعادها الثقافية في دار فور)، أن الدمباري وُصِف في الدراسات السودانية التي كتبها الانجليز، بطارد الجراد Locust banisher of Dar Fur. وذكر أن (الدمباري) هو شخص اكتسب فقهاً في أدب الجراد الآكل للزروع والثمار وحتى الحبوب الخلوية منها، فقد خص على الإلمام بخواص الجراد، حيث أوتي القوة على اقتياده وتحريكه من موقع لموقع وعلى تصريفه حيث يشاء.”
ويقول شقف: “عندما يحل الجراد بالبلاد، يستدعي رأس القبيلة أحد (الدمبارة) لطرده، فيقوم (الدمباري) بحرمان الجراد من الطيران وحبسه وتركه جاثماً على الأرض، دون طعام أو شراب، أي كأنه يكتب الصوم على الجراد على سبيل التربية والتأديب وتوقيع العقاب.
ويبقى الجراد على الأرض فلا يستطيع الحركة أو تناول الطعام لأيام، ثم يقرر إرساله- بعد العقاب- إلى الجهة التي يريد، عامداً على إثارته وتهيجه، وعندما يرفع العصا – وغالباً ما يكون غصناً من العرديب- عالياً تهب أسراب الجراد فتطير إلى أعلى ثم يتحرك إلى الناحية التي يريد صرفها شاهراً للعصا، ملوحا بها فتتبعه الأسراب حيثما سار إلى أن يخرج من حدود القبيلة، فيسلمها إلى دمباري المنطقة الأخرى، فيتحرك الدمباري الآخر إلى آخر إلى أن يتم إجلاء الآفة إلى قمم الجبال وسفوح التلال، أو بعيداً إلى أرض مهجورة.
فمن المنظور السايكولوجي والفلسفي، أن إنتاج الألهة المتخيلة من التفكر في الطبيعة كـ(مادة خام للتفكير) والسحر والشعوذة هو نتاج (ضعف نفسي) في الطبيعة البشرية؛ فالبحث عن أسطورة إلهية أو مادية هو محاولة (للتماسك النفسي) وأداة (للحماية) وتحقيق الأمال والأحلام،
كما أنه بالمقابل إنعكاس لـ(ضعف الخيال) والجهل والغباء نتاج الغيبية العلمية والمعرفية!.
ومن منطلق ذلك، يُلحظ إلى أن (الجنجويدي/الأشوس) يؤمن بالخرافة والأسطورة؛ فيستخدم السحر والشعوذة في (حروبه) ، في (حروبه) حتى التي يخوضها ضد الإله! في إنعكاس لمدى جهله المقدس والمؤسس وهشاشته النفسية! أي هو كائن فاقد للتفكير بـ(علمية) و(عقائدية) لذلك هو عرضة للتوظيف العسكري كوقود لنار الحروب.
(2)
موضوعية الجنس من حيث التوظيف الروائي:
في كل أعمال بركة ساكن، تتمظهر النساء بطبيعتهم البيولوجية والسيكولوجية ككائنات ضعيفة، يعيشن على هامش مؤخرة الحياة والناس، إما (فداديات عرقي) أو بائعات بسيطات للمأكولات البلدية أو من أسر بائسة ومتفككة روحياً وجسدياً أو نازحات ومهاجرات تلازم رحلاتهن الوحشية والتعنيف الجنسي من قبل تجار البشر أو المستقلين – من أولاد الحرام – لظروفهن وضعفهم البيولوجي، أو معتقلات من قانون النظام العام والبلدية التي تقطع أرزاقهن البسيطة من بيع القهوة والشاي والتسالي والفول والترمس بما يعرف بنظام (الكشة) للفرشين أو غير المرخصين لمحلاتهم التجارية، كما أنهن مغتصبات على الدوام من السلطة، ويستخدمن في تجارة الجنس أو تزوجيهم قسراً وقهراً ثم تغليفهم كـ(سبايا)، فالمرأة في السودان هي ضحية الصراع حول الموارد والسلطة وذكورية المجتمع التي تختزلها كـ(جسد) وككائن خلق (للطباخة) وإعداد (المريسة) و(الخمور البلدية) في الثقافة الشعبية .. فغياب القوانين التي تصيغها الدولة أو عدم وجود دولة في المفهوم الحديث للدولة لحمايتها والجهل المركب أو عدم الوعي الموجود عند غالب الشعب – عند الجنود على وجه الأخص – هو ما جعل المرأة في السودان عرضة للانتهاكات الجنسية .. كما أن لونك – أي كان لونك ذكراً أو أنثى – في هذه البلاد هو ما يعرضك لواحدة من الانتهاكات الاتية: (القتل/الاغتصاب/التحرش/النفي الوظيفي (أي المقصود بذلك: أن لونك قد يسهم في رفضك وظيفياً بين مؤسسات الدولة!) .. ولعل هذا ما عبرت عنه إحدى سرديات الرواية:
– هو لا يحبذ إنجاب البنات: “يجلبن العار”. فالدنيا غير مضمونة، ربما تنشب حربُ هُنا أيضًا، قد يتعرضن للسبي، أو الاغتصاب، أو البيع: “النسوان مخلوقات ضعيفات، وفي بلد كلها حروب مفروض الناس تلد أولاد فقط، يستطيعون حمل السلاح والقتال”، “والزول الما لقاتل ما عندا رأي!”، كما حدثهم الأشوس الأمير قائد المليشيات ذو الأرواح الكثيرة. ص٥٨
أما في حوار آخر: “الجيش السوداني نفسه ما عنده أمان، في مدرسة الطويلة بدارفور في 2013، اغتصبوا مية وعشرة طالبة صغيرة ومعلمة، في يوم واحد، الداخلية كلها، منهن تلاتة من بنات خالتي”. ص١٥٣
يوظف الجنس – ما يمكن تسميته بالخبر الجنسي أو الجنس غير المباشر في داخل الحوار والسرد – موضوعياً (عقلانية ومنطقية توظيف الجنس في الرواية)؛ ذلك من منطلق أن طبيعة الجنجويد أو كل الأجهزة الأمنية في السودان تستخدم الجنس كآلية (قمع/اسكات لصوت الحق والمقاومة الثورية للنظام)، لذلك لا يمكن كتابة رواية سياسية فضاء مكانها (السودان) وموضوعيتها (السودانية) دون توظيف أو تجاوز الجنس كموضوع مركزي في واقعية السياسة السودانية؛ لكون الجنس كما ذكرنا مسبقاً يمثل إحدى آليات المكافحة والمحافظة على استقرار أنظمة الحكم.
(3)
المحورية الفكرية السياسية وسخرية التفكير السياسي:
تنتمي الرواية إلى ما يسمى نقديًا بالرواية السياسية Roman politique/The Political Novel التي يمكن اختصار تعريفها ثنائياً بـ(العلاقة ما بين الحاكِم والمحكوم/المواطن والسلطة) فإذن السياسة، بحسب (رضوى الأسود) تتداخل في كل أمور الحياة باعتبارها نسقاً اجتماعيّاً ذا هيمنة شاملة على مناحي الحياة المختلفة. ونتيجةً لذلك فإن الأدب حين يعكس رؤيته للواقع فإنه يُعَدُّ ممارَسةً سياسيةً بشكل من الأشكال. ولا شك في أن الأدب الجيّد ملتزم بالضرورة، والالتزام يقوده -طبقاً لذلك- إلى صفّ المعارضة .. ذلك في محوريتها الفكرية السياسية لتعرية سماسرة الحرب والتدخلات الخارجية في دعم مليشيا الجنجويد، كما ترمز عبر شخصية (الأشوس الأعظم) وبتوظيف الواقعية السحرية والفانتازيا في السرد إلى (حميدتي) القائد الأعلى للمليشيا “أنت تتحدث عن وعد الأشوس الأعظم للسياسيين. مش هو نفسه الذي وعد عمر البشير، الذي أطلق عليه لقب “حمايتي” ” ص٨١، إضافة لنقدها السياسي الساخر – عبر الترميز والأقنعة والإسلوب الإيحائي والإنزياحي (استخدام أسماء مستعارة وتلبيسها أراء سياسية) – للحاضنة السياسية للجنجويد (الأشاوس) في تفكيرها السياسي أو تحالفها مع الجنجويد للتخلص من نظام المؤتمر الوطني! ونقدها بالمقابل للإسلاميين الذين يمثلون الغطاء السياسي للجيش .. وهو الأمر الذي يجعل من بركة ساكن محافظاً على أرائه السياسية ومنحازاً للإنسان في قضاياه الإنسانية من حقوق وواجبات وصراعه مع السلطة التي تملك السلاح، وليس انحياز من منطلق دوافع أيديولوجية أو حزبية؛ وهذا ما يجعله في بعض المواقف ناقداً لكل التنظيمات السياسية في تجاربها السياسية الفاشلة وأرائها الخاطئة التي تتسق مع مبادئه أحياناً، الأمر الذي يجعله بالمقابل من خلال الأحداث السياسية المتغيرة والمتجددة – التي تتناقض فيها المواقف عند البعض – من وقت لآخر، عُرضة للنقد والسخرية من ذات الذين كانوا يقفون في صف رأيه السياسي!
فالرواية تأخذ حركيتها الفكرية في خطابها السياسي عبر شخصياتها المركزية أو بالتحديد عبر شخصية العوض ود العوض (أحد المتحزبين المتحالفين مع مليشيا الجنجويد) الذي رمزياً يمثل العقلية السياسية للجنجويد واللواء أركان وردان ود الفيل (أحد أفراد الجنجويد) الذي يمثل عقلية الجندي الجنجويدي البسيط الذي لا يفهم في لغة السياسة؛ فالحرب بالنسبة له أرضية (للثراء الفاحش السريع)! والجني الذي يسكن فمه ويمثل الشخصية المونولوجية (الداخلية) التي تمثل حالة الوعي كـتوظيف فني للمراوغة السياسية أو للمعالجة الخطابية في التوثيق وإنعكاس الرأي السياسي أو بشكل آخر كشخصية واعظة يمكن أن تمثل في رمزيتها للشخصيات الواقعية السياسية احتمالات مفتوحة أو تأويلات مبنية من مشاركة القارئ في النص .. فهناك رمزيات أخرى لبعض الأسماء السياسية كـ(النخيرا) التي بحسب سياق موضوعية السرد والحوار داخل الرواية قد تفتح عدة تأويلات لشخصيات سياسية معروفة كما (أولها) البعض في شخصية (د.م) التي تنتمي إلى إحدى الأحزاب اليمينية أو (س.ن) الناشطة بتنسيقية (تقدم) الحاضنة السياسية للجنجويد .. ولعل هذه المساحة التي افترضتها رمزية الرواية من (التأويل) هي ما سوف تفتح مساحات للتحليل الأدبي من خارج إطار النص الأدبي فيتحول التحليل من نقد فني أدبي إلى نقد شخصي سياسي موجه ضد الكاتب! وهذه ليست مشكلة الكاتب في أن ينتج لك (نص رمزي) فالرمزية أو ما أسميه بـ(الخيال الرمزي في الأدب) هي إحدى أدوات الكتابة الإبداعية الأدبية التي يجب نقدها في إطارها الأدبي (هل توظيفها يخدم البنية الفنية للرواية؟) وفهمها – بحرية – كما يود أن يفهمها أو (يأولها) القارئ!
فمن هذا المنطلق يمكن أن نعرف الرواية السياسية بأنها رواية (رمزية تأويلية)، إضافة للشخصيات الثانوية مثل سلمى والخالات الثلاث والطبيب غير الاختصاصي .. حيث يشكلان عبر الحوار وعبر تدخل الراوي العليم أحياناً، في عكس الصورة السياسية والميدانية للحرب والإنسانية كذلك؛ ما بين تناقض السياسيين في أراءهم وغبائهم وذكائهم وأحلامهم والوضع الإنساني في التشرد والنزوح وما يتعرضن له النساء من اغتصاب وما يسمى بـ(إغتصاب بالتراضي) أي اختيار المرأة الزواج من الجنجويدي بدلاً من اغتصابها .. فالرواية بطبيعة مركزيتها الفكرية السياسية تغوص في موضوع الثنائيات: صراع الوجود والفناء، الفقر والثراء، الذكر والأنثى، الوعي واللاوعي، الخير والشر..الخ.
كما تفضح كذلك عبر سردياتها وحواراتها، معيار التجنيد العسكري داخل مليشيا الدعم السريع (لقب الدلع) وبنية المجتمع السوداني كـ(مجتمع عرفي) وأثره على المجرى القانوني والتعيين الوظيفي داخل المؤسسات وفقاً لمعايير خارج إطار المؤهلات العلمية والصحية حتى؛ أي ما يمكن اختصاره بـ(الواسطة) أو بدافع أن أحد أقربائك أو أصدقائك في السلطة يمكن أن تعفى من الجرائم التي ترتكبها أو توظف في إحدى المؤسسات دون المؤهلات الأكاديمية والصحية التي تؤهلك لذلك!
الحوار كأداة للتعبير السياسي المباشر وشبه المباشر:
“تكلم كي أعرفك”
مقولة فلسفية
يعتبر الحوار في الرواية حيلة ذكية لتوظيف اللغة المباشرة ورأي الكاتب الشخصي؛ فمن هذا المنطلق وردت الكثير من الحوارات التي استخدمت لغة المباشرة الساخرة والآراء التي تمثل شخصية الكاتب (فالحوار هو الأداة التي تفضح رأي الكاتب) أو الآراء العامة للجماهير والبعض من السياسيين:
– لأنهم بعد أن استلموا المدينة الكبيرة دون أية مقاومة، أو وفقاً للتعبير الشائع (تسليم مفتاح، بانسحاب الجيش الحكومي منها إلى جهة ما) ص١٥١ وهنا المقصود رمزياً بالمدينة الكبيرة (ود مدني) ولعل هذا ما يرجعنا لمفهوم (مشاركة القارئ) وضرورة نزعته المعرفية للأحداث السياسية من خارج أطر الرواية. فالرواية لقارئ غير سوداني بالأخص عصية الفهم!
– وهل الأشاوس ما معاهم كيزان الآن، بل من قيادات الكيزان؟ ومنو الصنع الأشاوس أصلًا مش الكيزان أنفسهم؟ منو الذي سلحهم؟ منو دربهم غير الكيزان؟ مش السياسيين ديل أنفسهم في وثيقتهم الدستورية بعد الثورة وضعوا الأشوس الأعظم والكوز على رأس الحكومة وأياديهم ملوثة بدم الأبرياء، واعترفوا بهم رسمياً؟ ص١٤٥
فالحوار هنا من حيثية اللغة يمثل حالة أقرب للريبورتاج (Reportage) أو التحقيق/التقرير (وضع الحد الأقصى من الإثارة في الحد الأقصى من الحقيقة، وإثبات الحد الأقصى من التفاصيل الصغيرة من دون اثبات تفصيل واحد لا لزوم له).
– وهل يحتاج حكم دولة مثل السودان لمتعلمين؟ هل أنت ستحكم الصين الشعبية أم فرنسا؟ أنت ستكون الحاكم، ملكًا متوّجاً، متفرغًا للإشراف على مشاريعك الوطنية التجارية الاستثمارية الكُبرى، مثل تعدين الذهب، وابتعاث الجنود للقتال في دول مجاورة، والمساهمة في تطوير اقتصاديات الشعوب الصديقة. وستصبح رمزاً للشعب ونضاله، وستكون المنقذ والمحرّر وقاهر الكيزان، والفلول، والإخوان المسلمين، والشيوعيين والكفار، والعسكر. أما شؤون الدولة اليومية، والشعب المُعاكس الذي: جِنّهُ ثورات، ومغرم بالتغيير.. فهذه مهمتنا”.
قال بفمٍ جافّ وقد انسحب عن لسانه اللعاب:
– “ولكن…”.
صاح الدهقون مقاطعاً:
– “ولكن ماذا؟ مَنْ مِنْ الذين حكموا السودان كان متعلّمًا أو فيلسوفاً: أزهري، نميري، عبود، عمر البشير؟ من غير اثنين وهما الصادق المهدي، ورئيس وزراء حكومة الثورة؟ الصادق المهدي مثقف وصوفي وفيلسوف وحكيم، ولكل قاعدة شواذ. أما رئيس وزراء حكومة الثورة هو أحد علماء الاقتصاد الأّمميين، ولكن، ألم تكن أنت رئيس اللجنة الاقتصادية في زمانه، ويأتي هو بنفسه ليستشيرك، في أمور معقّدة؟!”
يرمز هذا الحوار – الذي كما أشرنا مسبقاً يتطلب لقراءة الرواية السياسية نزعة معرفية بالأحداث التاريخية السياسية – والذي يمثل واحدة من أكثر الحوارات (سخرية) إلى (حمدوك) رئيس وزراء حكومة الثورة وأحد علماء الاقتصاد الأّمميين .. وإلى (حميدتي) رئيس اللجنة الاقتصادية في زمانه، ومن كان يستشيره، في أمور معقّدة؟! فهنا تكمن (السخرية): كيف لراعي حمار (جاهل) لا يمتلك أي شهادة علمية أن يكون رئيس لجنة اقتصادية لدولة كاملة، ورئيس الوزراء الذي يمثل أحد علماء الاقتصاد الأّمميين (يستشيره)؟! ففعلاً السودان لا يحتاج حكمه لمتعلمين؟ هل أنت ستحكم الصين الشعبية أم فرنسا؟ ومِنْ الذي حكم السودان كان متعلماً أو فيلسوفًا: أزهري، نميري، عبود، عمر البشير؟
– ذات يوم، وضعت أنا في لسانك وصايا خاليوت بن بعانخي الملك النوبيّ، فأنت لا تعرفه، ولا هو يعرفك، لأنك عندما زرت الخرطوم عابراً، عبثت بتمثاله واعتبرته صنماً، كدت أن تحطمحه بقذيفة “آر بي جي”. لولا أن همست في أذنيك: “اِحذرْ” ص١٦٤
أما في هذه الحوارية – التي تمثل أقل مباشرة – تنعكس (تأويلياً) صورة الرأي السياسي في مشاركة (مرتزقة الجنجويد) في الحرب ومشروعهم في التدمير الحضاري؛ فالذي لا يعرف (بعانخي) الملك النوبي ولا يعرفه بالمقابل (بعانخي) فهو (دخيل) لا ينتمي كـ(هوية) لهذا المكان (السودان)!
فوق كل ذلك أو بشكل عام تطرح الرواية السؤال الأهم: ما دافع (الأشوس) لدخول قرية لا توجد بها حامية عسكرية، لا مركز شرطة، لا ذهب ولا ماس ولا يورانيوم، ولا علي كرتي ولا ياسر العطا ولا برهان ولا عمر البشير (كبير الفيلول)، فـ(الفيلول) في تركيا وماليزيا وأمريكا ومصر، أما الديمقراطية لا توجد في (ذقاقات الحلة) و(بيوت الفلاحين الفقيرة) و(أسواق أرخص ما فيها حليفة الله)!؟
هوامش:-
– عربات الآلهة (Chariots of the Gods) إريك فون دانكن
_ العلاقة بين الرواية والسياسة .. هل هي طبيعية ومنطقية؟
جميل حمداوي
– الدَّمْبَارِي.. سَائِسُ الجَّرَاد – العهد أونلاين
الهادي راضي – قاص وروائي سوداني١١إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الروایة من عمر البشیر فی السودان الذی یمثل برکة ساکن من منطلق یمکن أن ما یمکن فی هذه ی الذی ما بعد
إقرأ أيضاً:
داخلياً وخارجياً.. تعرّف على مظاهر الفوضى السياسية التي يشهدها الاحتلال
في الوقت الذي يواصل فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي تورّطه في حرب لا تتوقف على غزة؛ هناك ورطة أخرى يتواصل الاعتراف الاسرائيلي بها، وتتمثّل في الهزيمة الكاسحة بمعركة الوعي، في ظل وجود حكومة يمينية قد فشلت في كل قراراتها بشكل عام.
وبحسب مقال نشره موقع "زمن إسرائيل"، وترجمته "عربي21"، فإنه: "فيما يتعلق بهجوم السابع من أكتوبر وما تلاه من حرب غزة بشكل خاص، لاسيما عقب فشلها في تحقيق وعدها بتوفير الأمن للإسرائيليين؛ في خضمّ استمرار الحرب الجارية دون نهاية، وما يعنيه ذلك من مواصلة الخسائر في صفوف الجنود والمستوطنين في غزة والضفة معاً".
ونقل المقال عن أستاذ العلوم السياسية والمدير السابق لموقع صوت إسرائيل، مايكل ميرو، تأكيده: "أننا أمام فشل ذريع في معركة الوعي التي بدأت صباح السابع من أكتوبر في هجوم حماس الذي دفع ثمنه عدد كبير من رجال المخابرات والجيش".
وأوضح ميرو: "مع أن هذا الهجوم كان يمكن تجنبه لو كانت العيون والعقل مفتوحين، ما أسفر في النهاية عن انعدام الأمن، وتدهور أداء الجيش الذي بدأ حربه بضربة يصعب استيعابها، إثر الثّمن الباهظ الذي لا يطاق للقتلى والجرحى والمخطوفين".
وأضاف أنه: "بعد مرور أكثر من أربعة عشر شهرا، يبدو أن الكارثة أصبحت في طي النسيان، وبات كثير من الإسرائيليين يزعمون أن ما تلا السابع من أكتوبر شكّل تحولا في قدرة الحكومة وزعيمها على قلب المعادلة، وأن الاحتلال الآن في وضع أفضل بكثير مما كان عليه من قبل".
"مع أن هناك عدد مماثل منهم يقفون قبالتهم، ويبعثون عبر استطلاعات الرأي برسائل مختلفة، صحيح أن الجيش والأمن ربما نجحا بتغيير المعادلة، لكن الحكومة التي تدير الدولة ما زالت فاشلة" استطرد ميرو، بحسب المقال نفسه.
وأبرز أن: "الجيش الذي فقد المئات من جنوده في معارك غزة، قد يكون استعاد صورته النمطية في عيون غالبية الإسرائيليين، بعكس السياسيين الذين فشلوا، ويتكشف فشلهم من نقطة البداية حتى اليوم، الأمر الذي يفسر شعور الائتلاف اليميني بحالة جنون وخوف من الانهيار الوشيك".
وأردف: "يمكن أن نفهم لماذا يشعر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي لديه حكومة وائتلاف مستقر، بالقلق، والقلق الشديد أيضاً، في ضوء ما تظهره استطلاعات الرأي من زيادة قوة معارضي الحكومة التي تتمسّك بالمسار الذي اتبعته قبل السابع من أكتوبر".
وأشار إلى أن: "الحكومة التي يخوض جيشها معركة وجودية تواصل الانشغال بسنّ القوانين الانقلابية، وتخصخص الإذاعة العامة، وتنفذ حملة ضد المستشار القانوني والمحكمة العليا، لإضعافها، وتثبيت نفسها في الميدان خلال حرب الصراع على السلطة".
واسترسل: "فيما تسعى الحكومة لتعزيز سيطرتها على السلطة التشريعية بيد حازمة، واستهداف النظام القانوني باستمرار، ما يجعل الإسرائيليين المؤيدين للحكومة يعتقدون أن كل مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية نتيجة النظام القانوني وسببها المستشارة القانونية".
واستدرك بالقول إنّ: "الحراكات الاحتجاجية في دولة الاحتلال التي تملك أموالاً لا بأس بها، لكنها غير قادرة على تغيير المعادلة، سواء في التصدّي للانقلاب القانوني، أو حتى في قضية المختطفين، التي كان من المفترض أن تكون قضية شاملة تتقاطع بين اليمين واليسار".
إلى ذلك بيّن أنه "إذا حاولنا تحليل نتائج حرب الوعي التي يخوضها الاحتلال منذ أربعة عشر شهرا، فيمكن القول إنه تلقى ضربة قاسية، صحيح أنه عاد وردّ عليها بضربات قاسية على سبع جبهات؛ لكن طريقة فتح تلك الجبهات جاء بسبب سلوك غير صحيح".
وختم بالقول: "لذلك فإن الحرب المستمرة في غزة طيلة هذه الفترة، تأتي خلافاً لكل المنطق الاستراتيجي، الذي لا يخدم المصلحة الأمنية للدولة، بل للحفاظ على التحالف الحكومي، والسيطرة الكاملة على غزة، وقوة اليمين الحاكم".