الفاشر.. مدينة سودانية عريقة أسهمت في كسوة الكعبة المشرفة
تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT
عاصمة ولاية شمال دارفور، تقع في الشمال الغربي للسودان وتُعرف أيضا بفاشر السلطان. تتميز المدينة بتنوعها الجغرافي والعرقي، وتضم قبائل من أصول أفريقية وعربية، ومرت بها بعض أشهر السلطنات في التاريخ.
تعددت الروايات حول أصل تسمية المدينة، فإحداها تشير إلى أن الاسم يعني "مجلس السلطان"، بينما تروي أخرى أنه أخذ من اسم ثور يدعى "فاشر".
كما اشتهرت الفاشر تاريخيا بدورها في كسوة الكعبة المشرفة، وبها معالم تاريخية وسياحية كقصر السلطان علي دينار وبحيرة الفاشر ومسجد الفاشر العتيق.
الموقعتقع الفاشر في الشمال الغربي للسودان وتبلغ مساحتها حوالي 24 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ ارتفاعها عن سطح البحر نحو 700 متر، وتبعد عن العاصمة الخرطوم بنحو ألف كيلومتر إلى الجنوب الغربي.
تنقسم مدينة الفاشر إلى 4 وحدات إدارية، هي الفاشر وريفي الفاشر ودار السلام وكروما، وتتنوع جغرافيتها بين أراض صحراوية وشبه صحراوية وبها تلال منخفضة وكثبان رملية.
تٌقدر الأمم المتحدة عدد سكان مدينة الفاشر بحوالي 1.5 مليون نسمة، بينهم 800 ألف نازح من باقي مدن ولاية شمال دارفور بسبب النزاع المسلح الدائر في إقليم دارفور منذ 2003 (حسب تصريحات توبي هاروارد نائب منسق الشؤون الإنسانية في السودان في مايو/أيار 2024).
وتضم المدينة 3 معسكرات للنازحين، وتحتضن تنوعا قبليا يشمل قبائل ذات أصول أفريقية وعربية، أبرزها البرتي والفور والزغاوة. ويتحدث سكان الفاشر لهجات محلية إضافة إلى اللغة العربية العامية السائدة في السودان.
أصل التسميةتعددت الروايات حول أصل تسمية مدينة الفاشر، ويقال إن الاسم يعني "مجلس السلطان"، بينما تقول رواية أخرى إن ثورا يدعى "فاشر" كان يذهب للشرب من بركة ماء لم يكن يعرفها سكان المنطقة، وعندما تتبعوه وجدوا البركة واستثمروها في الحصول على المياه، فأطلقوا على المنطقة اسم "الفاشر".
وهناك تسميات أخرى مثل "فاشر السلطان" و"الفاشر أبو زكريا"، نسبة إلى الأمير زكريا، والد السلطان علي دينار، الذي كان له فضل كبير في تطوير المدينة.
تُعد من أشهر السلطنات في التاريخ، ويعتبرها بعض المؤرخين سلطنة عربية، ويقولون إن أفرادها ينتمون إلى بني العباس.
تأسست السلطنة على يد السلطان سليمان أحمد عام 1445م، إذ حكمها لنحو 36 سنة، وبنى المساجد والخلاوي (مدارس قرآنية) في دارفور وأخضع الملوك الوثنيين في فرتيت جنوب غرب الإقليم، إضافة إلى بعض الملوك المسلمين في جبل مرة.
في أواخر القرن الـ18 جعل السلطان عبد الرحمن الرشيد الفاشر عاصمة لسلطنة الفور، ونمت المدينة وتطورت حول قصر السلطان.
استطاع السلطان علي دينار، الذي ينحدر من سلالة حكام دارفور، طرد قوات الثورة المهدية وأعلن نفسه حاكما على دارفور حتى عام 1916، وكان آخر سلاطين الفور.
خلال فترة حكمه، كانت دارفور شبه مستقلة مع بعض مظاهر التبعية لمصر، مثل دفع الجزية السنوية ورفع العلمين المصري والإنجليزي على الفاشر والاستعانة بالمستشارين الإنجليز.
بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وانضمام تركيا إلى المعسكر المعادي للإنجليز، أعلن السلطان علي دينار، وقوفه إلى جانب الأتراك.
وبسبب انشغال الإنجليز بالحرب، قررت الحكومة الإنجليزية المصرية في الخرطوم ترك السلطان يواجه الثورات الداخلية والاضطرابات أملا في إضعافه.
جهز الإنجليز جيشا بقيادة الجنرال كيلي، اشتبك مع قوات علي دينار في 23 مايو/أيار 1916 وحقق الانتصار عليه، هرب السلطان إلى جبل مرة، لكن الإنجليز طاردوه وقتلوه في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.
في عام 1994 تحولت أقاليم السودان إلى ولايات بمرسوم جمهوري من الرئيس السوداني السابق عمر البشير. وقسم المرسوم البلاد إلى 26 ولاية، ثم أصبحت 18 ولاية بعد اتفاقية السلام الشامل بين شمال السودان وجنوبه عام 2005، وأصبحت الفاشر عاصمة لولاية شمال دارفور.
وعارض كثير من القوى السياسية والاجتماعية في دارفور هذا التقسيم، وإضافة إلى التهميش الذي تعرضت له مناطق الإقليم، أدى ذلك إلى اندلاع صراع مسلح عام 2003 أدى إلى مقتل الآلاف ونزوح عشرات آلاف آخرين، نزح أغلبهم إلى مدينة الفاشر.
كسوة الكعبةكانت مدينة الفاشر خلال عهد سلطنة الفور محطة رئيسية للحجيج المتجهين إلى البيت الحرام. وكان الحجاج يتوقفون فيها لأخذ قسط من الراحة ويحملون معهم كسوة الكعبة.
وشيد السلطان علي دينار -آخر سلاطين الفور- مصنعًا لصناعة هذه الكسوة، وظل يرسلها إلى مكة المكرمة لمدة تقارب 20 عاما.
وينسب إلى السلطان علي دينار أيضا حفر آبار علي، وهو ميقات أهل المدينة المنورة للإحرام للحج والعمرة، وتجديد مسجد "ذو الحليفة" القريب من المدينة المنورة.
الاقتصاديعتمد سكان مدينة الفاشر في اقتصادهم على زراعة الدخن (نوع من الحبوب) والفول والسمسم، إضافة إلى تجارة المحاصيل الزراعية والمواشي ورعي الأغنام والأبقار والإبل.
كانت المدينة محطة انطلاق للقوافل في العصور القديمة، وتحولت بمرور الزمن إلى سوق رئيسية للمحاصيل الزراعية، مما جعل المنتجات الزراعية أساس اقتصادها.
تضم المدينة 3 أسواق رئيسية، هي: السوق الكبير وسوق أم دفسو وسوق المواشي.
معالم المدينة قصر ومتحف السلطان علي ديناريُعد قصر السلطان علي دينار أحد أبرز معالم مدينة الفاشر. شُيد عام 1912م في قلب المدينة تحت إشراف مهندس تركي قدم من بغداد لبناء القصر، رفقة مهندسَين مصريين ونجّارَين يونانيين.
بنيت قواعد القصر من الأحجار الصلبة (الزلط) وجدرانه من الطوب الحراري المتماسك، بينما بُني السقف من أخشاب "الصهب" التي تعد من أنواع أشجار السافانا، كما صُنعت الأبواب والنوافذ من خشب "القمبيل".
وقد تحول القصر إلى متحف بعد وفاة السلطان علي دينار، ويحوي على مقتنيات السلطان وأسلحته.
مسجد الفاشر العتيقمسجد الفاشر العتيق هو أول مسجد ومركز للنشاط الديني تم تشييده في دارفور. وتشتهر المدينة بالعديد من المساجد وخلاوي (مدارس) تحفيظ القرآن الكريم وتدريس علومه.
بني المسجد في عهد السلطان عبد الرحمن الرشيد، وكان يتسع لنحو 1900 مصلٍ، وظل السلاطين الذين حكموا دارفور يرممونه عاما بعد عام.
وفي عهد السلطان علي دينار هدم الإنجليز المسجد لوجوده قرب حامية جيشهم، فقد كانوا يخشون أن يكون مصدرا لثورة شعبية ضدهم تقتحم مقرات جيشهم، ولم يبق من المسجد إلا منبره.
وجدده السلطان علي دينار فيما بعد ونقله إلى حي "الوكالة"، كما تم تجديده أيضا من قبل والي ولاية شمال دارفور السابق عثمان محمد يوسف بدعم من دولة تركيا.
مطار الفاشريقع مطار الفاشر على بُعد حوالي 5 كيلومترات من مركز المدينة، وهو مخصص بالأساس للرحلات الداخلية مع مناطق أخرى في السودان أبرزها الخرطوم ونيالا.
آبار حجر قدوتقع في وسط المدينة وقرب سوقها الكبير، ويقال إنه تم حفرها بأمر من السلطان علي دينار، وإن العمال اضطروا أثناء حفرها إلى تكسير كثير من الحجارة حتى وصلوا للمياه، فخرج الناس يهتفون "الحجر قدوا"، ومن ثم أخذت تسميتها "آبار حجر قدو". وتتميز مياه هذه الآبار بأنها عذبة وفيها شيء من الملوحة.
أبرز أعلام المدينةالسلطان علي دينار
السلطان علي دينار (1856-1916)، آخر سلاطين الفور، وهو ابن السلطان زكريا بن السلطان محمد الفضل.
والسلطان علي شخصية مهمة في تاريخ السودان، فإضافة إلى مناهضته الاستعمار الإنجليزي عام 1898، سعى إلى تأسيس دولة دينية قائمة على الشريعة الإسلامية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
يفخر السودانيون بالسلطان علي دينار، خاصة عندما يذكرون ما يعرف بـ"المحمل"، وهي الحمولة التي كان يرسلها من خراج المحاصيل الزراعية إلى المحتاجين في الأراضي المقدسة في مكة والمدينة.
وكانت جيوش السلطان علي دينار تؤمّن قوافل الحجيج القادمة من دول غرب أفريقيا إلى الأراضي المقدسة.
وكانت الرحلة تبدأ من مدينة الفاشر، ثم جزيرة سواكن شرق السودان، حيث كان جنوده يشرفون أيضا على تأمين الرحلات البحرية.
في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1916 قتل السلطان علي دينار وآلاف من جنوده بعد معركة "برنجية" بين جيش السلطنة والقوات الإنجليزية على تخوم الفاشر.
مخيمات النازحين:تضم مدينة الفاشر عددا من مخيمات النازحين التي أنشئت في أعقاب الصراع المسلح في إقليم دارفور عام 2003، ومن أبرزها مخيما أبو شوك وزمزم.
وشهدت هذه المخيمات اكتظاظا بالنازحين الفارين من الصراع، الذين واجهوا أزمات إنسانية كارثية منذ سنوات وفقا لتقارير دولية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات السلطان علی دینار ولایة شمال دارفور مدینة الفاشر کسوة الکعبة
إقرأ أيضاً:
منال عوض عن أهمية وحدات السكان: أسهمت في تحسين الخصائص السكانية بالمحافظات
أكدت الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية ، على أهمية دور وحدات السكان في جميع المحافظات ومنسقي السكان بوحدات الإدارة المحلية والتى تهدف إلى توحيد جهود الأجهزة المعنية بالقضية السكانية نحو تحقيق تنمية بشرية من خلال تحسين الخصائص السكانية ورفع مستوى الوعي لدى المواطنين بمخاطر الزيادة السكانية وآثارها السلبية على مشروعات التنمية والاقتصاد القومي واستنزافها لجهود الدولة التنموية والعمل على الحد من زيادتها المتنامية على أرض الواقع وفقاً لرؤية مصر 2030 .
وأشارت وزيرة التنمية المحلية إلى ان الوزارة عملت على حوكمة ملف السكان من خلال تفعيل الإطار المؤسسي القائم على النهج التشاركي ، وتفعيل اللامركزية في تحديد القضايا وتحليلها واتخاذ القرارات بحلها ، وتفعيل المشاركة المجتمعية ودعم دور الشباب في عملية في اتخاذ القرار بالمحافظات، وتفعيل المسؤولية المجتمعية المحلية لضمان الاستدامة في تنفيذ الأنشطة السكانية.
جاء ذلك خلال التقرير الذي استعرضته الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية، حول جهود وحدة السكان المركزية بالوزارة خلال شهر فبراير 2025، وذلك في إطار جهود الحكومة للسيطرة على معدلات النمو السكاني وتحسين الخصائص السكانية للمواطنين تنفيذاً لتوجيهات القيادة السياسية .
وأوضحت منال عوض، أن وحدة السكان المركزية قامت بالتنسيق خلال شهر فبراير 2025 مع مؤسسة صناع الخير لتوقيع بروتوكول تعاون مع الوزارة والمؤسسة بهدف تمكين الشباب في مجال ريادة الأعمال والشمول المالي بالتعاون مع بنك مصر، كما تم التنسيق مع مؤسستي مصر الخير وأجيال مصر لمتابعة تنفيذ المرحلة الثانية من بروتوكول التعاون مع الوزارة ضمن مشروع (قيم وحياة) حيث استهدف التدريب تعزيز مجموعة من القيم الأساسية في بيئة العمل لموظفي وحدة السكان وبلغ إجمالي عدد المستفيدين 565 موظفا، وقام بتنفيذ التدريب رؤساء وحدات السكان بالمحافظات بعد تلقيهم برنامج إعداد مدربين من المؤسسة، مشيرة إلى أن التقرير أضاف أنه تم تنظيم الاجتماع الشهري لرؤساء وحدات السكان لمناقشة مستجدات العمل ومناقشة خطة العمل السنوية 2025 ونماذج الإنجازات.
وأشارت وزيرة التنمية المحلية ، إلى أن وحدة السكان المركزية بالوزارة قامت خلال الشهر الماضي بتنفيذ زيارات ميدانية لمحافظتي الشرقية وشمال سيناء ، وتم خلال زيارة محافظة الشرقية عقد لقاء بين المهندس حازم الأشموني محافظ الشرقية والدكتورة فاطمة الزهراء جيل رئيس الوحدة المركزية للسكان بالوزارة للتنويه عن ضرورة دعم مهارات منسق السكان بالقري و استمرار عمله لرصد المشكلات من أرض الواقع وعمل التدخلات العاجلة لكافة المشكلات على مستوى المراكز والمدن والأحياء التي يمكن أن تحل بتدخل سريع من خلال الجهات المسئولة وشركاء العمل كما تم الإشارة إلى المبادرات التى أطلقتها وحدة السكان والتي تتضمن أنشطة طويلة المدي ولابد من استمرارها لرفع الوعي وتحسين الخصائص السكانية بالتنسيق والتعاون مع الشركاء المعنيين، كما تم عقد دورة تدريبية تنشيطية لتنمية مهارات منسقي السكان في إعداد مبادرات سكانية" لعدد 22 منسق سكان " بمركز التدريب وتنمية الموارد البشرية بالشرقية .
ولفتت التقرير إلى أن زيارة وحدة السكان لمحافظة شمال سيناء تضمنت عقد لقاء مع اللواء خالد مجاور محافظ شمال سيناء للتعريف بدور وحدة سكان المحافظة وفرق العمل بالمدن والقري ومنهجيه العمل لتحسين مؤشرات التنمية للمواطن السيناوي ، كما تم عقد دورات تدريبية فى خمس مدن ومراكز من شمال سيناء هي ( مدينة العريش، الشيخ زويد، نخل، الحسنة، وبئر العبد ) كما تم دعم وبناء قدرات عدد 200 من رؤساء المدن والمنسقين والقيادات التنفيذية فى القضية السكانية والتنمية البشرية، إضافة إلى تنظيم حوار مجتمعي مع قبائل شمال سيناء حول القضية السكانية والتنمية البشرية وأهميتها لحل القضية السكانية والاستماع إلى مطالب أهالي القري والمشايخ والعواقل التي تم زيارتهم .