عاصمة ولاية شمال دارفور، تقع في الشمال الغربي للسودان وتُعرف أيضا بفاشر السلطان. تتميز المدينة بتنوعها الجغرافي والعرقي، وتضم قبائل من أصول أفريقية وعربية، ومرت بها بعض أشهر السلطنات في التاريخ.

تعددت الروايات حول أصل تسمية المدينة، فإحداها تشير إلى أن الاسم يعني "مجلس السلطان"، بينما تروي أخرى أنه أخذ من اسم ثور يدعى "فاشر".

كما اشتهرت الفاشر تاريخيا بدورها في كسوة الكعبة المشرفة، وبها معالم تاريخية وسياحية كقصر السلطان علي دينار وبحيرة الفاشر ومسجد الفاشر العتيق.

الموقع

تقع الفاشر في الشمال الغربي للسودان وتبلغ مساحتها حوالي 24 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ ارتفاعها عن سطح البحر نحو 700 متر، وتبعد عن العاصمة الخرطوم بنحو ألف كيلومتر إلى الجنوب الغربي.

تنقسم مدينة الفاشر إلى 4 وحدات إدارية، هي الفاشر وريفي الفاشر ودار السلام وكروما، وتتنوع جغرافيتها بين أراض صحراوية وشبه صحراوية وبها تلال منخفضة وكثبان رملية.

سكان الفاشر يتسوقون في إحدى أسواق المدينة قبيل عيد الأضحى عام 2015 (غيتي) السكان

تٌقدر الأمم المتحدة عدد سكان مدينة الفاشر بحوالي 1.5 مليون نسمة، بينهم 800 ألف نازح من باقي مدن ولاية شمال دارفور بسبب النزاع المسلح الدائر في إقليم دارفور منذ 2003 (حسب تصريحات توبي هاروارد نائب منسق الشؤون الإنسانية في السودان في مايو/أيار 2024).

وتضم المدينة 3 معسكرات للنازحين، وتحتضن تنوعا قبليا يشمل قبائل ذات أصول أفريقية وعربية، أبرزها البرتي والفور والزغاوة. ويتحدث سكان الفاشر لهجات محلية إضافة إلى اللغة العربية العامية السائدة في السودان.

أصل التسمية

تعددت الروايات حول أصل تسمية مدينة الفاشر، ويقال إن الاسم يعني "مجلس السلطان"، بينما تقول رواية أخرى إن ثورا يدعى "فاشر" كان يذهب للشرب من بركة ماء لم يكن يعرفها سكان المنطقة، وعندما تتبعوه وجدوا البركة واستثمروها في الحصول على المياه، فأطلقوا على المنطقة اسم "الفاشر".

وهناك تسميات أخرى مثل "فاشر السلطان" و"الفاشر أبو زكريا"، نسبة إلى الأمير زكريا، والد السلطان علي دينار، الذي كان له فضل كبير في تطوير المدينة.

السلطان علي دينار آخر سلاطين الفور (شترستوك) التاريخ

تُعد من أشهر السلطنات في التاريخ، ويعتبرها بعض المؤرخين سلطنة عربية، ويقولون إن أفرادها ينتمون إلى بني العباس.

تأسست السلطنة على يد السلطان سليمان أحمد عام 1445م، إذ حكمها لنحو 36 سنة، وبنى المساجد والخلاوي (مدارس قرآنية) في دارفور وأخضع الملوك الوثنيين في فرتيت جنوب غرب الإقليم، إضافة إلى بعض الملوك المسلمين في جبل مرة.

في أواخر القرن الـ18 جعل السلطان عبد الرحمن الرشيد الفاشر عاصمة لسلطنة الفور، ونمت المدينة وتطورت حول قصر السلطان.

استطاع السلطان علي دينار، الذي ينحدر من سلالة حكام دارفور، طرد قوات الثورة المهدية وأعلن نفسه حاكما على دارفور حتى عام 1916، وكان آخر سلاطين الفور.

خلال فترة حكمه، كانت دارفور شبه مستقلة مع بعض مظاهر التبعية لمصر، مثل دفع الجزية السنوية ورفع العلمين المصري والإنجليزي على الفاشر والاستعانة بالمستشارين الإنجليز.

بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وانضمام تركيا إلى المعسكر المعادي للإنجليز، أعلن السلطان علي دينار، وقوفه إلى جانب الأتراك.

وبسبب انشغال الإنجليز بالحرب، قررت الحكومة الإنجليزية المصرية في الخرطوم ترك السلطان يواجه الثورات الداخلية والاضطرابات أملا في إضعافه.

جهز الإنجليز جيشا بقيادة الجنرال كيلي، اشتبك مع قوات علي دينار في 23 مايو/أيار 1916 وحقق الانتصار عليه، هرب السلطان إلى جبل مرة، لكن الإنجليز طاردوه وقتلوه في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.

مدخل مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (الفرنسية)

في عام 1994 تحولت أقاليم السودان إلى ولايات بمرسوم جمهوري من الرئيس السوداني السابق عمر البشير. وقسم المرسوم البلاد إلى 26 ولاية، ثم أصبحت 18 ولاية بعد اتفاقية السلام الشامل بين شمال السودان وجنوبه عام 2005، وأصبحت الفاشر عاصمة لولاية شمال دارفور.

وعارض كثير من القوى السياسية والاجتماعية في دارفور هذا التقسيم، وإضافة إلى التهميش الذي تعرضت له مناطق الإقليم، أدى ذلك إلى اندلاع صراع مسلح عام 2003 أدى إلى مقتل الآلاف ونزوح عشرات آلاف آخرين، نزح أغلبهم إلى مدينة الفاشر.

كسوة الكعبة

كانت مدينة الفاشر خلال عهد سلطنة الفور محطة رئيسية للحجيج المتجهين إلى البيت الحرام. وكان الحجاج يتوقفون فيها لأخذ قسط من الراحة ويحملون معهم كسوة الكعبة.

وشيد السلطان علي دينار -آخر سلاطين الفور- مصنعًا لصناعة هذه الكسوة، وظل يرسلها إلى مكة المكرمة لمدة تقارب 20 عاما.

وينسب إلى السلطان علي دينار أيضا حفر آبار علي، وهو ميقات أهل المدينة المنورة للإحرام للحج والعمرة، وتجديد مسجد "ذو الحليفة" القريب من المدينة المنورة.

الاقتصاد

يعتمد سكان مدينة الفاشر في اقتصادهم على زراعة الدخن (نوع من الحبوب) والفول والسمسم، إضافة إلى تجارة المحاصيل الزراعية والمواشي ورعي الأغنام والأبقار والإبل.

كانت المدينة محطة انطلاق للقوافل في العصور القديمة، وتحولت بمرور الزمن إلى سوق رئيسية للمحاصيل الزراعية، مما جعل المنتجات الزراعية أساس اقتصادها.

تضم المدينة 3 أسواق رئيسية، هي: السوق الكبير وسوق أم دفسو وسوق المواشي.

معالم المدينة قصر ومتحف السلطان علي دينار

يُعد قصر السلطان علي دينار أحد أبرز معالم مدينة الفاشر. شُيد عام 1912م في قلب المدينة تحت إشراف مهندس تركي قدم من بغداد لبناء القصر، رفقة مهندسَين مصريين ونجّارَين يونانيين.

بنيت قواعد القصر من الأحجار الصلبة (الزلط) وجدرانه من الطوب الحراري المتماسك، بينما بُني السقف من أخشاب "الصهب" التي تعد من أنواع أشجار السافانا، كما صُنعت الأبواب والنوافذ من خشب "القمبيل".

وقد تحول القصر إلى متحف بعد وفاة السلطان علي دينار، ويحوي على مقتنيات السلطان وأسلحته.

مسجد الفاشر العتيق

مسجد الفاشر العتيق هو أول مسجد ومركز للنشاط الديني تم تشييده في دارفور. وتشتهر المدينة بالعديد من المساجد وخلاوي (مدارس) تحفيظ القرآن الكريم وتدريس علومه.

بني المسجد في عهد السلطان عبد الرحمن الرشيد، وكان يتسع لنحو 1900 مصلٍ، وظل السلاطين الذين حكموا دارفور يرممونه عاما بعد عام.

وفي عهد السلطان علي دينار هدم الإنجليز المسجد لوجوده قرب حامية جيشهم، فقد كانوا يخشون أن يكون مصدرا لثورة شعبية ضدهم تقتحم مقرات جيشهم، ولم يبق من المسجد إلا منبره.

وجدده السلطان علي دينار فيما بعد ونقله إلى حي "الوكالة"، كما تم تجديده أيضا من قبل والي ولاية شمال دارفور السابق عثمان محمد يوسف بدعم من دولة تركيا.

مطار الفاشر

يقع مطار الفاشر على بُعد حوالي 5 كيلومترات من مركز المدينة، وهو مخصص بالأساس للرحلات الداخلية مع مناطق أخرى في السودان أبرزها الخرطوم ونيالا.

آبار حجر قدو

تقع في وسط المدينة وقرب سوقها الكبير، ويقال إنه تم حفرها بأمر من السلطان علي دينار، وإن العمال اضطروا أثناء حفرها إلى تكسير كثير من الحجارة حتى وصلوا للمياه، فخرج الناس يهتفون "الحجر قدوا"، ومن ثم أخذت تسميتها "آبار حجر قدو". وتتميز مياه هذه الآبار بأنها عذبة وفيها شيء من الملوحة.

أبرز أعلام المدينة

السلطان علي دينار

السلطان علي دينار (1856-1916)، آخر سلاطين الفور، وهو ابن السلطان زكريا بن السلطان محمد الفضل.

والسلطان علي شخصية مهمة في تاريخ السودان، فإضافة إلى مناهضته الاستعمار الإنجليزي عام 1898، سعى إلى تأسيس دولة دينية قائمة على الشريعة الإسلامية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

يفخر السودانيون بالسلطان علي دينار، خاصة عندما يذكرون ما يعرف بـ"المحمل"، وهي الحمولة التي كان يرسلها من خراج المحاصيل الزراعية إلى المحتاجين في الأراضي المقدسة في مكة والمدينة.

وكانت جيوش السلطان علي دينار تؤمّن قوافل الحجيج القادمة من دول غرب أفريقيا إلى الأراضي المقدسة.

وكانت الرحلة تبدأ من مدينة الفاشر، ثم جزيرة سواكن شرق السودان، حيث كان جنوده يشرفون أيضا على تأمين الرحلات البحرية.

في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1916 قتل السلطان علي دينار وآلاف من جنوده بعد معركة "برنجية" بين جيش السلطنة والقوات الإنجليزية على تخوم الفاشر.

مخيمات النازحين:

تضم مدينة الفاشر عددا من مخيمات النازحين التي أنشئت في أعقاب الصراع المسلح في إقليم دارفور عام 2003، ومن أبرزها مخيما أبو شوك وزمزم.

وشهدت هذه المخيمات اكتظاظا بالنازحين الفارين من الصراع، الذين واجهوا أزمات إنسانية كارثية منذ سنوات وفقا لتقارير دولية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات السلطان علی دینار ولایة شمال دارفور مدینة الفاشر کسوة الکعبة

إقرأ أيضاً:

غارديان: الدم المسفوك في السودان يُرى من الفضاء

في مقال مؤلم ومشحون بالحقائق الميدانية، وضعت الكاتبة نسرين مالك القارئ أمام مأساة مدينة الفاشر في إقليم دارفور بالسودان، التي سقطت مؤخرا في يد قوات الدعم السريع بعد حصار دام أكثر من عام ونصف.

ووصفت الكاتبة -في زاويتها بصحيفة غارديان- ما حدث عقب سقوط المدينة بأنه كارثة إنسانية وجريمة إبادة جماعية جديدة ترتكب على مرأى من العالم، إذ تشير التقارير إلى وقوع مجازر مروعة بحق المدنيين شملت حتى المستشفيات، مع حديث شهود عيان عن إعدامات ميدانية وعمليات تطهير عرقي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2عقوبات أميركية غير مسبوقة على قاض فرنسي وزوجته ممنوعة من التعامل معهlist 2 of 2صحف عالمية: حظوظ السلام تتزايد لدى الإسرائيليين ومخاوف من تقسيم السودانend of list

وأوضحت نسرين مالك أن صور الأقمار الاصطناعية أظهرت بقع الدم على الأرض نتيجة كثافة القتل، في مشهد يذكر ببدايات الإبادة الرواندية، مؤكدة أن ما يحدث لم يكن مفاجئا بل كان متوقعا منذ شهور.

تظهر الصورة التي نشرها المجلس النرويجي للاجئين عائلات نازحة من الفاشر (أسوشيتد برس)

وكانت الفاشر تضم أكثر من مليون نازح فروا من مناطق أخرى من دارفور، ليجدوا أنفسهم محاصرين مجددا في ظروف مأساوية تجمع بين الجوع والخوف والموت، كما تقول الكاتبة.

وترى الكاتبة أن سقوط الفاشر يمثل نقطة تحول خطيرة في حرب السودان المستمرة منذ أكثر من عامين بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وهي حرب تعود جذورها إلى انهيار الشراكة الهشة بين العسكريين والمدنيين بعد ثورة 2019 التي أطاحت بالرئيس عمر حسن البشير.

ونبهت نسرين مالك إلى أن الحرب لم تعد بين جيش نظامي ومليشيا خارجة عن السيطرة كما بدأت، بل بين جيشين متكافئين في القوة والسلاح والتمويل الخارجي، مما جعل الصراع أكثر دموية واستعصاء على الحسم.

ومنذ ذلك الحين نزح الملايين، وقتل نحو 150 ألف شخص، وأصبح أكثر من 30 مليون سوداني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، مع أن هذه الأرقام لا تعكس عمق مأساة السودان ولا سرعة انهياره ولا القسوة المفرطة التي مارست بها قوات الدعم السريع حملتها في دارفور، كما تقول الكاتبة.

دعوة للتحرك

وحملت الكاتبة جزءا كبيرا من المسؤولية لإحدى الدول الإقليمية، التي وصفتها بأنها الراعي الأساسي لقوات الدعم السريع، من خلال تمويل وتسليح المليشيا التي سبق أن استعانت بها في حرب اليمن.

المأساة السودانية ليست منسية بل مهملة عمدا، مما يعكس تحول السياسة الخارجية العالمية من الدبلوماسية الأخلاقية إلى البراغماتية العارية التي تحكمها المصالح الاقتصادية والسياسية فقط

وقد مكن هذا الدعم -كما تقول الكاتبة- قوات الدعم السريع من مواصلة جرائمها، ومنح تلك الدولة في المقابل نفوذا اقتصاديا وسياسيا في السودان، لا سيما عبر السيطرة على ذهب دارفور ومناطق التعدين في الغرب.

إعلان

وتتهم الكاتبة المجتمع الدولي، وعلى رأسه بريطانيا والولايات المتحدة، بالتواطؤ بالصمت، لتغاضيهما عما يحدث حفاظا على مصالحهما وعلاقاتهما الدولية.

وخلصت نسرين مالك إلى أن العالم لا يمكنه الادعاء بعدم المعرفة بما يجري، لأن الجرائم باتت مرئية من الفضاء البعيد، مشيرة إلى أن المأساة السودانية ليست "منسية" بل مهملة عمدا، مما يعكس تحول السياسة الخارجية العالمية من الدبلوماسية الأخلاقية إلى البراغماتية العارية التي تحكمها المصالح الاقتصادية والسياسية فقط.

وختمت الكاتبة مقالها بدعوة صريحة إلى تحرك عاجل من المجتمع الدولي، محذرة من أن سكان الفاشر محاصرون في ساحة قتل، وأن كل دقيقة تأخير في التدخل تعني مزيدا من الدماء.

مقالات مشابهة

  • لجنة أممية تؤكد وصول مدينة الفاشر السودانية إلى مستويات المجاعة
  • منح جلالة السلطان "مفتاح مدينة مدريد".. وكلمة سامية أمام مجلسي النواب والشيوخ الإسبانيين
  • جلالة السلطان يزور قاعة مجلس مدينة مدريد ضمن زيارة دولة لإسبانيا
  • جلالة السلطان يزور قاعة مجلس مدينة مدريد ضمن زيارته الرسمية لإسبانيا
  • غارديان: الدم المسفوك في السودان يُرى من الفضاء
  • لاكروا: هكذا يوثق المحققون الانتهاكات في دارفور
  • «منتدى صحفيات دارفور» ينفي اغتصاب 3 صحفيات واختفاء 13 آخرين في الفاشر
  • النائبة صباح جمعة تلتقي ممثلين عن مدينة ترهونة لبحث مشاريع تطوير المدينة
  • منظمة طبية سودانية: الدعم السريع تحتجز آلاف المدنيين في مدينة الفاشر
  • وزيرة سودانية: "الدعم السريع" قتلت 300 امرأة واغتصبت 25 بالفاشر