بعد مفاصلة الإسلاميين الشهيرة في العام 1999 تلقّي الأستاذ الرمز حسين خوجلي متعه الله بالصحة والعافية صنوفاً من الأذي والتنكيل والاعتقال.. والسبب أنه وقف موقفاً مسانداً للشيخ الترابي وهو الموقف الذي لم تحتمله المجموعة الأمنية في الطرف المؤيد للفريق البشير حيث استخدمت كل ماتوفر لها من سلطات داخل وخارج القانون للتعامل مع الأستاذ حسين وصحيفة ألوان التي كانت ساحة للحق والخير والجمال بحق الرؤية الفلسفية التي وضعها الحسين لتكون إطاراً مرجعياً للسياسة التحريرية لألوان التي كانت تنشر الرأي والرأي الآخر بحرية مدهشة لحد الخوف!!

وهذا هو السر الذي ميّز كل الصحفيين والإعلاميين الذين تخرجوا في مدرسة حسين خوجلي الذي يقول دائماً إنه يؤمن بحرية الصحافة ويثق في عدالة القضاء وعلي هذه القاعدة تكسّرت كل محاولات تركيع الحسين وإسكات صوته وكسر قلمه.

. وليس غريباً أن يمضي تلاميذ الحسين علي ذات الدرب وقائمة الأقلام والأصوات الوطنية الصّلبة التي تخرّجت في مدرسة ألوان تطول.

في سنة من سنوات المفاصلة اعتقلت الأجهزة الأمنية الأستاذ حسين وبعد يومين من الواقعة تم استدعاء الأستاذ الصادق الرزيقي مدير تحرير ألوان يومها والأستاذ عبدالله خوجلي المدير العام لألوان وشخصي ولم أكن يومها أشغل أي منصب إداري أو تحريري في الصحيفة لكنني كنت الدينمو المحرك لصندوق الأخبار والأسرار الخاصة بمجالس الصحافة والسياسة وهي وظيفة أشبه بمهمة (المهاجم الوهمي) في كرة القدم الحديثة وقد طبقها غوارديولا سنوات أيامه في برشلونة وهي الوظيفة التي فجّرت مواهب وقدرات أسطورة كرم القدم في زماننا هذا.. ليونيل ميسي!!

تم استدعاء ثلاثتنا إلي مكاتب الإدارة السياسية لجهاز الأمن بمقرها الكائن جوار مقابر فاروق.. تم ( لطعنا) بإستقبال المقر لمدة ساعتين ولا أعرف لماذا يتم حبس المطلوبين للحضور إلي مكاتب الأجهزة الأمنية لساعات.. تذكرت يوم الخميس الماضي كل لحظات انتظاري في استقبال مكاتب جهاز الأمن طيلة سنوات استدعائي منذ سنوات البداية في ألوان وحتي رئاسة تحرير مصادر.. من بين كل ساعات الانتظار كانت ساعات انتظاري في استقبال مكتب مدير المخابرات بولاية القضارف يوم الخميس الماضي هي الأطول حيث بلغت سبع ساعات كاملة!!.. ثم تلاها مبيت داخل مقر مخابرات القضارف حتي الساعة الثانية من ظهر يوم الجمعة من اليوم الثاني..

بعد انتظار الساعتين في مقر الإدارة السياسية تم نقلنا إلي مكتب في الطابق الثاني وأستقبلنا هناك الضابط الذي طبقت شهرته آفاق الصحافة الورقية والأجهزة الإعلامية في تلك الأيام.. قابلنا سعادته بصرامة متكلفة وجفاء من طبعه.. تم إجلاسنا بلاترتيب وبلا مقدمات قال لنا سعادته : ناديناكم عشان نتفاكر معاكم في موضوع الصحيفة لأنو حسين خوجلي ما حيطلع قريب!!

ساد الصمت تلك الجلسة.. بادرت بطلب الحديث قبل الأستاذين عبد الله خوجلي والصادق الرزيقي.. قلت له : مافي أي جهة عندها حق في ترتيب أوضاع الصحيفة بعد اعتقال رئيس تحريرها إلا مديرها العام ورئيس تحريرها المكلف.. ولدهشتي قال الأستاذ الرزيقي : عشان مانطول الجلسة أنا أوافق علي كلام الأخ عبدالماجد.. وماعندنا كلام تاني..

إنتهت تلك الجلسة.. ويبدو أن الضابط العظيم قد أسرّها في نفسه!!. مرت الأيام وفي سنة من تلك السنوات حصلنا مع الأخ العزيز رمضان محجوب علي تفاصيل القرار التنظيمي لقطاع الطلاب بالمؤتمر الوطني الخاص بالقائمة النهائية للمرشحين للدورة الجديدة للإتحاد العام للطلاب السودانين دورة المهندس أسامة ونسي.. وأربك ذلك التسريب خطة القطاع للإجتماع الصوري للمؤتمر العام للإتحاد والذي كان منتظراً أن يتم فيها إنتخاب القائمة التي سربتها ألوان!!
تم استدعاؤنا مساء نفس يوم نشر الخبر إلي مباني جهاز الأمن بحي المطار بالخرطوم.. تم نقلنا إلي هناك مع أخي العزيز رمضان محجوب علي بوكس سنجل!!

بعد وقوف وجلوس داخل حوش ملاصق للمقر وبعد ساعتين من الإنتظار تم تحويلنا إلي مكتب ضيق وبداخله بدأ استجوابنا مع صديقي رمضان محجوب.. سألنا ضابط صغير يومها وبدا لي أنه يتبع للأمن الطلابي.. سألنا : منو الجاب فيكم خبر اللجنة التنفيذية للإتحاد العام للطلاب السودانيين؟!
بادرته بالإجابة : أنا!!
ارتسمت دهشة مفاجئة علي وجه الضابط الشاب.. سألني مرة أخرى : إنت متأكد؟.. أجبته بنعم.. سألني مرة ثالثة : منو الأداك الخبر؟ قلت له : ما من حقك تسألني!!
إنتهت تلك الجلسة بأن تم نقلي إلي سجن كوبر معتقلاً حيث قضيت شهرين كاملين أكرمني الله سبحانه وتعالي خلالها برفقة الشيخين الكريمين المهندس الصافي نورالدين والشيخ عبدالرحيم المهدي وتعلمت منهما مالم اتعلمه خلال مسيرة حياتي كلها..

المدهش أنه وطيلة ال60 يوماً في سجن كوبر لم يتم التحري معي في أي قضية علماً بأن الذين كنت معهم داخل السجن كانوا قيادات بارزة وعناصر حاسمة في حزب المؤتمر الشعبي.. وعندما يحين موعد زيارة خاصة لي تتم مناداتي بزول ألوان!!

غادرت سجن كوبر بعد شهرين من الاعتقال دون أن أعلم سبب اعتقالي وترحيلي إلي سجن كوبر.. هل هو تسريب قائمة إتحاد أسامة ونسي أم ردي القاسي علي الضابط الذي استدعانا للتفاكر حول مستقبل ألوان بعد
اعتقال رئيس تحريرها أم هي وظيفة الصحفي الوهمي التي كانت تتيح لي حرية الحركة والتنقل بين النادي الكاثوليكي والقصر الجمهوري والمنشية وإعداد مادة صحفية تتوزع في صفحات ألوان الخطيرة.. الصفحة الأولي.. والثالثة.. والأخيرة!!

تغيرت دنيا الصحافة بطريقة دراماتيكية.. ماتت الصحافة الورقية.. وعاشت صحافة الحائط الإسفيري.. بينما لاتزال عقلية الرقابة في محطة تسريب خبر اللجنة التتفيذية للإتحاد العام للطلاب السودانيين دورة اسامة ونسي!! ..

عاجل الشفاء وتمام العافية لأستاذ الأجيال حسين خوجلي في مشفاه بالعاصمة المصرية القاهرة..

عبد الماجد عبد الحميد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: حسین خوجلی

إقرأ أيضاً:

في تحول خاطف.. كيف اختفت رموز نظام الأسد من أسواق دمشق وحلّت محلها ألوان الثورة؟

دمشق- في أسواق العاصمة السورية العتيقة، حيث الأزقة الضيقة التي تعج بالتاريخ، والمحال التجارية القديمة التي شهدت تعاقب الأزمنة والأنظمة، وقع تحول غير متوقع، لم يكن في الحسبان في يوم الأحد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، فقد سقط نظام الأسد الذي استولى على السلطة إثر انقلاب عسكري سنة 1971.

على مدى عقود، اعتادت الأسواق المحيطة بالجامع الأموي في دمشق أن تعرض التحف والشرقيات المزخرفة والتذكارات، ومنها ما يحمل صور ألوان العلم السوري وصور الرئيس المخلوع بشار الأسد ووالده حافظ، بل حتى رموز حلفائهم. وكانت هذه المقتنيات جزءا من المشهد اليومي، يشتريها البعض عن قناعة، والبعض الآخر كنوع من المجاملة أو النفاق الاجتماعي.

لكن فجأة ومع الساعات الأولى لإعلان سقوط النظام، اختفت هذه المنتجات تماما في غضون ساعات، وكأن الأسواق قررت طي صفحة الماضي.

حلّت أعلام الثورة السورية مكان صور الأسد، واستبدلت الخرائط التي كانت تحمل ألوان علم النظام بألوان جديدة تعبّر عن سوريا مختلفة.

أسواق دمشق شهدت حضورا سريعا للمقتنيات التي تحمل ألوان ورموز الثورة السورية (الجزيرة) "كسبنا وطنا.. ولم نخسر شيئا"

نور الدين اللحام، كان من بين التجار الذين تبنوا هذا التحول بشكل كامل. في واجهة متجره، اختفت صور الأسد، وظهرت الأساور والخرائط المزينة بعلم الثورة الأخضر.

بابتسامة واثقة، تحدث عن هذه التغييرات قائلا "هذه خريطة سوريا، وليست خريطة النظام. منذ سنوات، كنا نطبعها بألوان العلم القديم، والآن أصبحنا نطبعها بالعلم الجديد. بعض الأعلام كانت مجرد ملصقات، فقمنا باستبدالها، أما المنتجات المطبوعة التي لا يمكن تغييرها، فقد أتلفناها".

وبشأن ما إذا كان قد تكبد خسائر مالية، نفى اللحام ذلك، معتبرا أن ما تحقق أكبر من أي خسارة مادية، "لم نخسر شيئا! كسبنا وطنا! ماذا تعني خسارة بضاعة، مقارنة بأناس خسروا أرواحهم، أو منازلهم، أو أعمالهم؟ هذه المبالغ لا تساوي شيئا أمام ما عاشه السوريون".

بعض التجار قاموا بإعادة تلوين منتجاتهم لتتماشى مع المرحلة الجديدة في سوريا (الجزيرة) "كنا مجبرين على بيع ما لا نؤمن به"

في السوق نفسه، يعمل شاب فضّل عدم ذكر اسمه، لكنه لم يخفِ ارتياحه للتخلص من المقتنيات التي كانت تُفرض عليهم في السابق. ووفقا لما ذكره، لم يكن بيع صور الأسد وأعلام النظام خيارا، بل كان أمرا مفروضا عليهم تحت رقابة أمنية.

"في السابق، كان الجميع مجبرين على بيع هذه المقتنيات، سواء أعجبتهم أم لا. لم يكن الأمر اختيارا، فالأمن كان يراقبنا، وكثير من المشترين لم يكونوا يحبونها، لكنهم كانوا يشترونها كنوع من النفاق الاجتماعي، أو كهدايا ورشاوي للضباط والمسؤولين لتسيير مصالحهم".

وبعد التغيير الذي شهدته البلاد، تم التخلص من هذه المقتنيات، "فبعد التحرير، رميت ما لا يمكن تعديله منها. أما بعض المنتجات التي تحمل رموزا قابلة للتعديل، فقد أرسلناها إلى الورشات لإعادة صبغها، بحيث تتناسب مع العلم الجديد".

أما عن الخسائر المالية، فقد رأى أن التخلص من إرث القمع كان أهم من أي خسارة مادية. "نعم، قد نكون خسرنا بعض المال، لكن هناك من خسروا منازلهم وعائلاتهم. خسارتنا ليست شيئا يُذكر مقارنة بذلك".

مقتنيات تحمل ألوان ورموز الثورة السورية في أسواق دمشق (الجزيرة) "في دمشق كنا نعيش داخل فرع أمن"

عدنان، صاحب ورشة تصنيع ومحل تجاري ملاصق لسور الجامع الأموي، وصف كيف كانت دمشق تعيش تحت رقابة أمنية مشددة، حيث كان التجار مراقبين بشكل دائم، حتى في ما يتعلق بالبضائع التي يبيعونها.

"في دمشق، كنا نعيش وكأننا في فرع أمن. المحل الذي لا يضع علم النظام أو صورة الأسد، كان صاحبه عرضة للمساءلة، وقد يُتهم بأنه معارض! أعرف صديقا اعتُقل فقط لأنه شوهد وهو يشاهد قناة "الجزيرة". بعد خروجه من السجن، صار يشاهد قنوات الأطفال فقط!".

وتحدث عن الأيام الأخيرة للنظام، عندما كان إعلامه يروّج لاستعادة المدن التي خسرها، وكان الناس مجبرين على تصديق هذه الرواية أو على الأقل التظاهر بتصديقها.

"حتى عندما تحررت حلب، كنا نظن أن النظام سيستعيدها، فقد كان يروج لذلك في إعلامه، وكنا نصدقه. في يوم سقوط النظام، كنتُ مع مجموعة من الشباب، نتابع الأخبار خلسة عبر القنوات العربية، بينما كان أحدنا يراقب باب المحل، خوفا من أن يدخل عنصر أمني ويكشف أمرنا".

في اليوم التالي لسقوط النظام، بدأ عدنان إجراء عمليات "تكويع" لبعض المنتجات، حيث تم تحويلها إلى شيء جديد يتناسب مع التغيير، "أحضرت أقلام تلوين، وبدأت ألون الميداليات والخرائط بنفسي. بسبب انقطاع الكهرباء، اضطررنا إلى تأجيل بعض الأعمال، لكن بعد أسبوع، كنا قد أعددنا نماذج جديدة تماما، وبدأنا بطباعتها في الورشة. كل شيء تغيّر بسرعة".

إحدى المقتنيات التي تعرضت لعملية "تكويع" بعد يوم من سقوط نظام الأسد (الجزيرة)

لكن بعض المنتجات لم يكن بالإمكان تعديلها، فكان الخيار الوحيد هو التخلص منها نهائيا، "الأساور، وصحون النحاس، والفناجين التي كانت تحمل رموز النظام، لم يكن بالإمكان إصلاحها. لذلك، أتلفناها. كانت خسارة مالية، لكنها لم تكن شيئا مقارنة بحرية أن نعيش بدون خوف".

وعند مقارنة ما سبق بما تعيشه البلاد حاليا، قال عدنان "في السابق، كنا نعيش تحت رحمة أشخاص يأتون إلى المحال، يتحدثون إلينا بعنجهية وكأنهم أسياد البلاد، يفرضون علينا دفع الرشاوي، ويهددوننا بلا سبب. أما اليوم، فالوضع مختلف تماما. لا أحد يأتي ليبتزنا، لا أحد يُجبرنا على شيء. عناصر الإدارة الجديدة يتميزون بالعزة والأنفة، ولا يقبلون حتى أن نبالغ في شكرهم".

لا زال القليل من المقتنيات التي تحمل ألوان النظام موجودة في الأرفف الخلفية لبعض المحال (الجزيرة)

ما حدث في أسواق دمشق القديمة لم يكن مجرد تغيير في المقتنيات المعروضة، بل كان انعكاسا لتحوّل أعمق في البلاد بأسرها على ما يبدو، ولم يكن الأمر مجرد استبدال أعلامٍ أو صور، بل هو إعلان بأن سوريا الجديدة لا تشبه الماضي.

مقالات مشابهة

  • شاهد| هذا هو المكان الذي سيدفن فيه جثمان الأمين العام الأسبق لـ”حزب الله” اللبناني الشهيد السيد حسن نصر الله (فيديو)
  • كيف يعمل النظام الانتخابي في ألمانيا؟ وما أبرز التعديلات الجديدة التي طرأت عليه هذا العام؟
  • المليشيا الإرهابية تركب التونسية!
  • تحية من جماهير الزمالك للفريق بهد التعادل مع الأهلي
  • أبو الغيط: قمة القاهرة ستعبر عن الموقف الجماعي العربي وتقدم بدائل واقعية لخطة التهجير
  • في تحول خاطف.. كيف اختفت رموز نظام الأسد من أسواق دمشق وحلّت محلها ألوان الثورة؟
  • كاش باتيل المؤيد لهجوم الكابيتول يتولى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي
  • حسين هريدي: لقاء السيسي بزعماء الخليج فرصة لتوحيد الموقف العربي بشأن غزة
  • الصحة النيابية تزور مستشفيات البشير!
  • الإعلامية دينا عصمت تناقش الدكتوراه حول تأثير الحروب السيبرانية على الرأي العام