لجريدة عمان:
2024-08-04@22:12:00 GMT

كيف يمكن تجنُّب السياسة الصناعية؟

تاريخ النشر: 12th, July 2024 GMT

كيف يمكن تجنُّب السياسة الصناعية؟

عادت السياسة الصناعية كمحفِّز قوي للتدخل الحكومي (في الاقتصاد). هذا القول صحيح في أجزاء عديدة من العالم، ويبدو أنه أصَحّ بالنسبة للصين تحت قيادة شي جين بينج منها في عهد دينج شياو بينج خصوصا وأنها توَدُّ إحلال الاستثمار العقاري كمحرِّك للنمو الاقتصادي. لكن التحول الأكثر لفتا للانتباه حدث في الولايات المتحدة.

لقد أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان أن "الكلمات الأكثر إثارة للذعر في اللغة الإنجليزية هي: أنا من الحكومة وأنا هنا للمساعدة"، أما اليوم فإدارة بايدن "تساعد" في همة ونشاط. دونالد ترامب أيضا تدخُّلي (من أنصار تدخل الحكومة في الاقتصاد)، والفرق بينهما أن طريقة ترامب في المساعدة هي زيادة الرسوم الجمركية. هذا التحول مهم بالنظر إلى دور الولايات المتحدة التاريخي كمناصرة لانفتاح اقتصاد العالم.

(السياسة الصناعية تعني التدابير التي تتخذها الحكومات لدعم صناعات معينة تُعتبر مهمة استراتيجيا للاقتصاد الوطني، وقد سبق أن استخدمتها الولايات المتحدة إلى جانب عدة بلدان ثم تخلت عنها في الثمانينيات، ومع التحديات الجديدة كالتغير المناخي واختلال سلاسل التوريد وصعود الصين عاد الجدل مرة أخرى حول دورها في دعم الصناعات ذات الأهمية الاستراتيجية – المترجم)، الأدلة واضحة على أن السياسة الصناعية أصبحت أكثر انتشارا وتغلغلا كفكرة وممارسة.

يكشف تقرير صدر عن صندوق النقد الدولي في يناير تحت عنوان "عودة السياسة الصناعية في البيانات" عن تزايد ملحوظ في الإشارة إلى السياسة الصناعية في صحافة المال والأعمال خلال العقد الماضي، كما أن ورقة بعنوان "الاقتصاديات الجديدة للسياسة الصناعية" نشرت بواسطة المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية واشترك في إعدادها كل من ريكا يوهاسْز وناثان لين وداني رودريك تظهِر زيادة حادة في تدخلات (تدابير) السياسة الصناعية على نطاق العالم من 228 تدخلا في عام 2017 إلى 1568 تدخلا 2202، معظم هذه التدخلات حدثت في بلدان الدخل المرتفع، ربما لتوافر مساحة أوسع لها في سياساتها المالية للقيام بمثل هذه التدخلات، وهذا أيضا يسمح لباقي العالم باتهامها بالنفاق الاقتصادي. يقر الاقتصاديون بصحة ثلاث حجج تبرر مثل هذه التدخلات. الحجة الأولى تتعلق بالآثار الجانبية الإيجابية والمجانية التي تترتب أو ترشح عن نشاط شركة ما وأوضحها ما يمكن أن يتعلمه العاملون والشركات الأخرى منها، كما توجد أيضا آثار إيجابية تتعلق بالأمن الوطني (إنتاج أشباه الموصلات مثلا وأهميته للأمن الوطني في نظر الأمريكيين - المترجم) وأخرى اجتماعية.

الحجة الثانية تتعلق بإخفاقات التنسيق أو التكتل، إذ يمكن أن تكون عدة شركات مجدية اقتصاديا إذا بدأت العمل معا، لكن قد لا تكون أي منها مجدية إذا بدأت العمل بمفردها. (بمعنى اعتماد إنتاج إحدى الشركات على مدخلات تنتجها شركة أو شركات أخرى وهذه الأخيرة بدورها لا تنتج المدخلات إلا إذا وجدت شركة يعتمد إنتاجها على هذه المدخلات – المترجم).

الحجة الثالثة تتعلق بتقديم السلع العامة وخصوصا تلك المرتبطة بأمكنة محددة كالبنية التحتية (مثلا تشييد حدائق علمية بالقرب من الجامعات لتعزيز الابتكار التقني – المترجم)، يجب ملاحظة شيء شديد الأهمية وهو أن أيا من هذه الحجج ليست مبررا للحمائية، وكما سبق لي أن نوهت في مقال الشهر الماضي، الحمائية وسيلة بائسة لتحقيق مثل هذه الأهداف الاجتماعية الأوسع نطاقا. السياسة الصناعية تنجح إذا غيرت هيكل الاقتصاد في اتجاه مفيد، لكن لسوء الحظ هنالك أسباب معروفة جيدا لاحتمال فشل المحاولة، أحدها الافتقار إلى المعلومات، وسبب آخر هو سيطرة المصالح الخاصة عليها، لذلك قد تخفق الحكومات في اختيار من يمكن أن ينجحوا في أهداف السياسة الصناعية لتقديم المساعدة لهم فيما قد ينجح من يفشلون في ذلك في الحصول على مساعداتها، وكلما زادت الأموال المخصصة (لتمويل تدابير السياسة الاقتصادية) كلما كان الاحتمال الأخير صحيحا.

بالرغم من ذلك، السياسات الصناعية يمكن أن تنجح. في إصدارة لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي في عام 2021 جادل غاري هفباور وايجين يونغ بأن النجاح المتميز لهذه السياسة يتمثل في تجربة وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة "داربا" والتي تموِّل التقنية الأمريكية، لذلك سياسة الابتكار الناجحة ممكنة، كما نجحت أحيانا أيضا السياسات الإقليمية القائمة على المكان.

مع ذلك المخاطر لا تقتصر على فشلها فقط، النجاح أيضا له مخاطره، فالسياسات الصناعية تخاطر باستثارة ردود انتقامية عالمية، ولقد استخدمت كوريا الجنوبية حماية الأسواق المحلية كوسيلة غير مباشرة لدعم الصادرات، وأوجدت بذلك صناعات جديدة ناجحة، لكنها كانت بلدا صغيرا تحت حماية الولايات المتحدة.

أما بالنسبة للبلدان الكبيرة فيجب وضع اعتبار للتداعيات العالمية للسياسة الصناعية، وهذا شيء تعلمته الصين مؤخرا مع سباقها للهيمنة على تقنيات "الطاقة النظيفة." فذلك يحفز على رد انتقامي في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مما يزيد من تردي العلاقات بين القوى الاقتصادية العظمى.

اليوم، السياسة الصناعية التي تتبناها إدارة بايدن هي الأكثر لفتا للانتباه، وفي تحليله، يذكر جيمس جالبريث الاقتصادي الراديكالي بجامعة تكساس في أوستن أن الولايات المتحدة "لأول مرة وعلى مدى عقود لديها شيء أشبه، وعلى نحو معقول، بالسياسة الصناعية"، لكن هذا الشيء ليس سياسة صناعية حقيقية، وهكذا "فقدت الولايات المتحدة القدرة على بذل مجهود مركَّز وحاسم على صعيد صدارة التقنية والعلوم المرتبطة بها".

قانون خفض التضخم الذي استنّه جو بايدن له عدة أهداف من بينها تعزيز التصنيع القائم على المكان وخفض انبعاثات الكربون، وهذا وضع إشكالي، فجالبريث سيفضل أن تكون حكومة الولايات المتحدة أكثر راديكالية في التدابير التي تتخذها للتدخل في الاقتصاد وأشبه في ذلك بالصين. فإذا أرادت الولايات المتحدة أن تكون "تدخُّلية" يجب أن يكون تدخلها استراتيجي بقدر أكبر. فهل يمكن حقا أن تكون كذلك؟ السؤال: كيف يجب علينا تقييم هذا التحول في سياسة الولايات المتحدة تجاه السياسات الصناعية والتي تضاهيها لدى اليمين الترامبي رغبة في العودة إلى الرسوم الجمركية المرتفعة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين؟ الإجابة هي أن هنالك الآن على الأقل ثلاثة مواقف يشترك فيها الحزبان الديمقراطي والجمهوري وهي الحنين إلى الصناعة التحويلية والعداء للصين واللامبالاة تجاه القواعد الدولية التي أوجدتها الولايات المتحدة نفسها. هذا إذن عالم جديد يمكن أن يصل فيه النظام التجاري العالمي إلى قاصمة ظهره بسرعة.

الطريقة الأكثر معقولية لاتباع السياسات الصناعية هي استهداف المشكلة المحددة بأكبر قدر من الدقة وفي ذات الوقت تقليل الآثار الجانبية الضارة على التعاون الدولي والانفتاح التجاري والأداء الاقتصادي الداخلي. لكن للأسف من المستبعد أن تكون هذه هي الكيفية التي ينتهي بها ذلك وعلى نحو يختلف عما كان عليه الحال في ثلاثينيات القرن الماضي. فكما حدث كثيرا في السابق من الصعب حقا احتواء التحول الجذري في الأيديولوجيا نحو المقاربات القومية والتدخلية.

يشير كل من ديف باتيل وجاستن سانيفور وارفيند سوبرمانيان في مجلة فورين افيرز إلى نهاية عهد العولمة الفائقة الذي تقارَبَ فيه متوسطُ الدخول الحقيقية في البلدان الصاعدة والنامية ومتوسطها في البلدان مرتفعة الدخل.

كم ستكون الخسائر إذا انطلق عهد الشك والحمائية والتدخل بلا قيد حول العالم؟

على الأقل، يجب على واضعي السياسات الأقوياء مقاربة القرارات التي يتخذونها بأكبر قدر ممكن من العقلانية والدقة، فهناك الكثير على المحك.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیاسات الصناعیة السیاسة الصناعیة الولایات المتحدة یمکن أن أن تکون

إقرأ أيضاً:

مادورو: الصهيونية العالمية تقف خلف محاولة الانقلاب في فنزويلا

الجديد برس:

أشار الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، إلى أن اليمين المتطرف في فنزويلا “مدعوم وممول من الصهيونية العالمية”، مؤكداً الدور الصهيوني صاحب “التأثير في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي” في الوقوف خلف محاولة الانقلاب التي تجري في بلاده.

وشدد مادورو في تصريح لقناة “الميادين” على أن فوزه في فنزويلا هو “أكبر دليل عما يمكن لشعب أن يفعله من أجل استقلاله وكرامته ومستقبله”، فالعالم “لم يعد يعتمد على قرار واشنطن، أو اليمين المتطرف الرأسمالي المتوحش، والفاشية الجديدة”.

ورد مادورو على الحديث عن محاولات عزله وعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات، التي أتت به رئيساً لولاية جديدة، بالإشارة إلى تلقيه دعوة للمشاركة في قمة “بريكس”، إضافةً إلى العديد من برقيات التهنئة له بالفوز من دول مختلفة.

وقال، مجدداً موقفه تجاه القضية الفلسطينية، إن “فنزويلا ستكون دائماً مع فلسطين”، معلناً إدانته ـ”الإبادة الجماعية الأفظع منذ زمن هتلر، التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني”، ودعمه “القضايا العربية والمسلمة، التي ستنتصر عاجلاً أم آجلاً، وسيخرج الأمل والقوة والحق بالحياة من رحم المعاناة”.

وفي مؤتمر صحفي، أجراه مع وسائل الإعلام المحلية والدولية، صباح يوم السبت، طلب مادورو “من جميع الفنزويليين أقصى قدر من التفهم والدعم، حتى توضيح جميع التلاعبات المتعلقة بالانقلاب السيبراني ضد الشعب والديمقراطية”، مضيفاً: “إنه انقلاب تقوده الولايات المتحدة، واليمين الفاشي الدولي مع إيلون ماسك، والتطرف الرأسمالي المتوحش العالمي”.

كما وجه رسالةً إلى رجال الأعمال، في فنزويلا، أكد فيها أن حكومته هي ضمانة الاستقرار، “فإذا وصل اليمين الفاشي إلى السلطة، فإن جميع الفرص التجارية ستنتهي، وسيعطون النفط والغاز  للأشخاص أنفسهم كما هي الحال دائماً، وسيشكلون قمعاً للاقتصاد بأكمله”.

وختم بالقول: “أياً كان الفائز في الولايات المتحدة، فليعلم أنه إذا نجح في زعزعة استقرار فنزويلا، فستكون العواقب على بلده وعلى العالم والمنطقة خطيرة للغاية”.

وفي سياق متصل، رفضت الرئاسة الفنزويلية “التصريحات المنسوبة” إلى وزير خارجية الولايات المتحدة، أنتوني بلينكن، والتي يدعي فيها فوز مرشح المعارضة إدموندو غونزاليس برئاسة البلاد، واصفةً إياها بأنها “خطيرة وسخيفة”، وأن واشنطن تقود الانقلاب في فنزويلا.

وقالت الرئاسة الفنزويلية، في بيان، إن “الولايات المتحدة تقود الانقلاب في فنزويلا”، مضيفةً أنها “خطيرة”، وأن التصريحات المنسوبة إلى وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، توحي بأنه “يتولى دور السلطة الانتخابية الفنزويلية”، الأمر الذي “يدل على أن حكومة الولايات المتحدة في الجبهة الأمامية” ضد فنزويلا، وتحرّض الذين “يتظاهرون ضد البلاد، ويروجون أجندة عنيفة ضد الشعب الفنزويلي ومؤسساته”.

مقالات مشابهة

  • كيف تسهم مهاراتك المجنونة في تعزيز فرصك للحصول على وظيفة؟
  • مادورو: الصهيونية العالمية تقف خلف محاولة الانقلاب في فنزويلا
  • تحذير: «عقار الزومبي» يهدد بانتشار «طاعون أسود» جديد في أوروبا
  • الولايات المتحدة تقاضي «تيك توك» لانتهاك خصوصية الأطفال
  • شن الحرب الخطأ في اليمن.. هل يمكن لواشنطن تطوير سياسة فعّالة لمواجهة الحوثيين؟ (ترجمة خاصة)
  • ما الذي يمكن أن تخبرك به ساقيك عن صحتك؟
  • الولايات المتحدة تقاضي تيك توك لانتهاك قوانين خصوصية الأطفال
  • مسؤول بـ«العلمين الجديدة»: التعاون مع الشركة المتحدة أظهر المهرجان بشكل رائع
  • متى تكون آلام الظهر علامة على الإصابة بالسرطان؟
  • السياسة الأميركية في غرب أفريقيا.. السنغال وغانا نموذجًا