بروفسور فدوى عبد الرحمن علي طه – جامعة الخرطوم

أسعدني الاخ الدكتور محمد صادق جعفر صاحب دار باركود للنشر والتوزيع والترجمة بطلبه التقديم لكتاب الاخ البروفسور بدر الدين حامد الهاشمي: السودان بعيون غربية الجزء الرابع عشر. فأنا من المتابعين لترجمات الهاشمي وجهده الدؤوب ومثابرته في رفد المكتبة السودانية بترجمات تصب في التاريخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لما كتبه غربيون عن السودان.

ويقع معظم ما ظل يترجمه الهاشمي في دائرة تخصصي تاريخ السودان الحديث والمعاصر. وقد عبر الهاشمي في مقدمته عن تعلقه وشغفه الشديدين بتاريخ السودان في عهود التركية والمهدية والحكم الثنائي.

في هذا الجزء يأخذنا بدر الدين الهاشمي في سياحة علمية تداخلت فيها فترات تاريخية شملت الغزو والحكم التركي المصري 1820م – 1885م والثورة والدولة المهدية 1885م – 1898م، وفترة الحكم الثنائي الإنجليزي – المصري 1899م – 1955م ثم فترة الحكم الوطني 1956م وما بعدها شاملة لتاريخنا المعاصر. وتعددت المجلات والدوريات العلمية التي نشرت فيها المقالات المترجمة مثل مجلة "السودان في رسائل ومدونات"، ومجلة الدراسات الإسرائيلية، ومجلة الدراسات السودانية (لجنوب السودان والسودان)، والمجلة الأكاديمية البريطانية، كما ترجم المترجم فصولاً في كتب. وقد حرص المترجم ولكي تعم الفائدة بتذييل كل مقال مترجم بإحالات مرجعية مع مقدمة للمترجم.

يتكون هذا الجزء من مقالات مرصودة في فهرست الكتاب مع أسماء كاتبيها. وفي قراءة متأنية لهذه المقالات رأيتُ ولكي تعم الفائدة تسليط الضوء على معظم ما ورد فيها. المقال الأول بعنوان شيخ عبد الله أحمد أبو جلحة: سوداني متعدد الولاءات رواية رواها الشيخ المذكور للإداري البريطاني آر سلمون، وهو شيخٌ من قبيلة الحوازمة عاصر فترات الحكم التركي المصري والمهدية والحكم الثنائي. وتدخل روايته في نطاق التاريخ الشفوي وهو حقلٌ جديدٌ في حقول البحث التاريخي، ومنهج بحثي يتيح للمؤرخين اكتشاف عوالم معرفية وتاريخية جديدة. ويعتمد عليه كثيراً دارسو الاجتماع والانثروبولوجيا.

ويعيد المقال الثاني عن الرق العسكري في فترة الحكم التركي – المصري إلى الأذهان أسباب غزو محمد علي باشا للسودان بين عامي 1820م – 1821م وتصدُرْ الحصول على السودانيين لتجنيدهم لتلك الأسباب، وهو أمر أكده البروفيسور حسن أحمد إبراهيم في كتابه الموثق "محمد علي في السودان" بجلب نصوص من مراسلات بين محمد علي وحكام السودان منها "وجلب السودانيين هو غاية المراد ونتيجة المقصود مهما كانت الصورة التي يجلبون بها من أوطانهم". لاحظتُ استخدام كاتب المقال للفظ الخديوي عند ذكر محمد علي. وهذا خطأٌ فلقب خديوي أطلق على إسماعيل حفيد محمد علي الذي حكم مصر خلال الفترة 1863م – 1879م، وقد اشتراه من السلطان العثماني. وكان كل الحكام قبله ولاة. ونضيف إلى إحالة المترجم المرجعية عن صموئيل بيكر واكتشافه لمديرية خط الاستواء كتاب مهم وموثق كتبته أليس موور هاريل بعنوان" إمبراطورية مصر الإفريقية، صموئيل بيكر وشارلس غردون، ميلاد مديرية خط الاستواء".  وتأتي ترجمة مقال الجنود السودانيين الذين ذهبوا إلى المكسيك (1863م – 1867م) في سياق الرق العسكري فهم من اصطادتهم واسترقتهم غزوات الحكم التركي – المصري للتجنيد.

شملت المقالات المترجمة مذكرة كتبها المؤرخ مارتن دالي عن استقالة السير جفري آرشر حاكم عام السودان لفترة قصيرة 1925م – 1926م وهي استقالة تبعت زيارته للسيد عبد الرحمن المهدي في الجزيرة أبا. لم يذكر دالي في مذكرته أن الزيارة تمت في وقت كانت تحوم فيه شكوك حول طموحات ملوكية للسيد عبد الرحمن تدعمها الحكومة والإدارة البريطانية في السودان.

المقال الرابع لهيذر شاركي "دليل الطهي الحديث" رؤية عمل المرأة السودانية من خلال كتاب اقتصاد منزلي باللغة العربية، الكتاب من تأليف مدينة بابكر الغالي ونفيسة خليل جبارة، ونشرته المطبعة الحكومية عام 1973م بالخرطوم. وأهدت المؤلفتان كتابهما إلى الطالبات وربات البيوت على حد سواء. ونستحضر في هذا الكتاب حصص التدبير المنزلي في المرحلة الوسطى والثانوية والتي اصبحت أثراً بعد عين.

المقال الخامس ترجمة وتلخيص لمقال بقلم الدكتور أنطونيوس شاالديوس عن تاريخ الجالية الإغرِيقِية في السودان بين عامي 1821م و1885م.  كما ترجم المترجم لنفس الكاتب مقالاً آخر ضمن محتويات هذا الكتاب بعنوان: أسماء المواقع السودانية ذات الصلة بنشاط ريادة الأعمال الإغريقية وقد شهد القرن التاسع عشر قدوم أجانب بعد الغزو والحكم التركي – المصري استوطنوا المدن السودانية التي ازدهرت في ذلك الوقت. وأصبحت المدن السودانية تضم خليطاً من المجموعات والأجناس الذين جذبهم النشاط التجاري وجاء مثلاً تجارٌ يهود استقروا فيما بعد خلال حكم المهدية في حي المسالمة. ويمتد تأثير الأغاريق عبر الأجيال ويقف شاهداً على ذلك فندق الأكروبول الذي تم تشغيله دون انقطاع منذ تأسيسه عام 1952م إلى أن اضطرت الحرب الدائرة الآن في السودان صاحبه جورج باجولاتوس إلى المغادرة إلى اليونان ثم وفاته في مارس 2024م في العاصمة اليونانية أثينا.

يشير مقال إسرائيل والسودان": أصول علاقات سرية بين عامي 1954م و1964م إلى علاقات واتصالات تمت عام 1954م بين حزب الأمة ومسئولين إسرائيليين في لندن إبان زيارة قام بها الصديق المهدي إلى لندن. وقد زار الصديق لندن في أوائل عام 1954م عقب إعلان نتيجة الانتخابات البرلمانية الأولى والتي لم يحالف حزب الأمة الفوز بها. وتوجد وثائق في دار الوثائق العامة بلندن تشير إلى هذه الاتصالات. وقد شغل تطبيع العلاقات مع إسرائيل حيزاً في السنوات القليلة الماضية بين مؤيد ومعارض. وتجدد بشكل أوسع بعد لقاء الرئيس البرهان برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في مدينة عنتبي اليوغندية في فبراير 2020م. خطر لي في ذهني عند قراءة هذا المقال المؤرخ غبريال ووربق أستاذ التاريخ بجامعة حيفا إسرائيل الذي كتب بغزارة عن تاريخ السودان الحديث وتنوعت كتاباته العلمية الموثقة بين الكتب والمقالات. ومن مؤلفاته "السودان في عهد ونجت"، وونجت ثاني حاكم عام للسودان وامتد حكمه من عام 1900م وحتى عام 1916م، وتم إرساء وتخطيط النظام الإداري في عهده. وقد خلف ونجت كتشنر أول حاكم عام وقائد حملة إعادة غزو السودان، وكانت فترة حكمه وجيزة امتدت لعام 1899م – 1900م. وترجم الدكتور محمد الخضر محمد سالم كتاب ووربق عن ونجت إلى العربية. ومن مؤلفاته أيضاً "الإسلام والطائفية والسياسة في السودان منذ المهدية" و"مصر والسودان دراسات في التاريخ والسياسة". ومن مقالاته "الشريعة في السودان: التطبيق والتداعيات 1983م – 1989م"، نشر في دورية "دراسات الشرق الأوسط". وليت الهاشمي يتحفنا بترجمة جزء من انتاج ووربق العلمي في ترجماته القادمة.

وبالنسبة لمقال ثورة عام 1924م وانعكاساتها على نظام التعليم بالسودان، لليليان ساندرسون يتكون من جزأين كما ذكر المترجم، وليته ترجم الجزأين كي تكتمل الصورة. وقد شهدت الحركة الوطنية ركوداً بين الأعوام 1925م – 1935م، كما شهدت نفس الأعوام ردة في التطورات التعليمية إبان تولي جون مافي منصب الحاكم العام (1925م – 1935م)، والذي أولى عناية خاصة للنهوض بزعماء القبائل والحكم غير المباشر. وشهدت نفس الأعوام تكوين جمعيات القراءة الأدبية كمتنفس. وبالإضافة إلى مقالاتها عن التعليم فقد شاركت ليليان زوجها المؤرخ ساندرسون في تأليف كتاب صدر عام 1981م بعنوان "التعليم والدين والسياسة في جنوب السودان 1899م - 1964م".

يثير المترجم فيما ترجمه عن الزبير باشا رحمة الشخصية المثيرة للجدل سؤالاً ماثلاً في الأذهان هل الزبير تاجر رقيق؟ وفي ملخص بحث الدكتوراه الذي أورده المترجم يذكر صاحب البحث أن الزبير تاجر رقيق ولا ندري ماهي الأسانيد التي استند عليها ليصل إلى هذا الاستنتاج إذ لم يذكرها في خاتمة بحثه. ويشكل ما ورد في مدونة جميل شريف الباحث البريطاني الباكستاني الأصل عن العلاقة بين الزبير باشا وعبد الرسول الكشميري إضافة معرفية جديدة عن الزبير وتاريخه. وبغض النظر عن كون الزبير باشا تاجر رقيق أم لا تبقى حقيقة أن الزبير أسدى خدمات جليلة للحكم التركي المصري في السودان بمساعدتها في ضم إقليم دارفور عام 1874م بعد أكثر من خمسين عاماً على غزو السودان بين عامي 1820 – 1821م، وقد جرت أكثر من محاولة لضمه باءت بالفشل.

وفي مجال التصوف يفرد المترجم مقالين لأبريشت هوفهاينز عن تغير اتجاهات المثقفين السودانيين في الأرياف تجاه التقاليد حيث اختار كاتب المقالين مثقفي المجاذيب مثل محمد المهدي المجذوب كأنموذج ويثير ما تناوله الكاتب التناقضات في شخصية الطبقة المستنيرة وتنازعها بين القديم والحديث. وقد أورد هذه التناقضات إدوارد عطية في كتابه "الطليعي الأسود"، الذي ترجمه الهاشمي وصدر عن دار المصورات للنشر والطباعة والتوزيع عام 2020م.  وهو أمرٌ متجدد. وقد قفز إلى ذهني حديثٌ عن التصوف أورده محمد المكي إبراهيم في كتابه "الفكر السوداني وأصوله وتطوره" حيث يقول "أفلحت خمسة قرون من التصوف في طبع الفكر السوداني بطابع غير علماني نجد رواسبه في أكثر من مجال، فهو المسئول عن قلة احتفال الفكر السوداني بالبحث العلمي ........”، وإن ما تلقاه السودان من مبادئ التصوف، لم يكن أكثر من قشور وتسميات.

يحتل التاريخ الطبي والصحي مكاناً ضمن المقالات المترجمة وذلك كيف تمكن رجل واحد من تفادي كارثة انتشار محتمل لوباء الجدري في السودان عام 1903م هو الطبيب البريطاني جون براين كريستوفيرسون. وينقلنا هذا المقال إلى تاريخ الطب في السودان وإسهامات الدكتور أحمد بيومي أستاذ علم الأوبئة الذي كتب كتباً عن الطب والصحة في السودان منها كتابه "تاريخ الخدمات الصحية في السودان" الذي صدرت طبعته الأولى عام 1979م. وقد رصد بيومي سجلات لأخطر الأمراض في السودان مثل الجدري والكوليرا والحمى الصفراء. كما نثمن ترجمات الدكتور طارق عبد الكريم الهد لكتب ألّفها أطباء عملوا في السودان خلال الحقبة الاستعمارية مثل كتاب "القدم الرحالة حكاية: حكاية طبيب" ألفه الكساندر كروشانك. ويحتوي الكتاب المترجم على كثير من خدمات الصحة والتطبيب في السودان. ونذكر أيضاً كتاب "الحكيم" الذي ألّفه بروفسور أحمد الصافي عن الطب الشعبي في السودان ومشروعه البحثي حول الطب الشعبي.  قدم كتاب الحكيم سرداً مفصلاً لتطور الطبابة في السودان منذ قيام مدرسة كتشنر الطبية في السودان في العام 1924م. كما كتب الدكتور حسن بلة الأمين عام 2012م كتاب أطباء السودان الحفاة: قصة نجاح بهرت العالم، ووثق لمدرسة القابلات في السودان التي نشأت في أم درمان عام 1920م.

لم يغفل المترجم في المقالات المختارة المهدية بل تضمن هذا الجزء عدداً مهولاً من المقالات عن المهدية إذا ما قارناها بالعدد المترجم، وشملت مقارنة بين أيديولوجيتي المهدية وماجي ماجي المناهضتين للاستعمار في السودان وتنجانيقا (تنزانيا اليوم). وكذلك الفتاوى والدعايات وردود أفعال المسلمين المعاصرين للدعوة المهدية. وقد كتب الدكتور عبد الله علي إبراهيم كتاباً قيماً عن الصراع بين المهدي والعلماء قدم له البروفسور مكي شبيكة. وشملت مقالات المهدية أيضاً مقالاً لبروفسير بيتر هولت عن موقع مهدية السودان في التاريخ، والمقال مستل من كتاب هولت "دولة المهدية في السودان". كما شملت ترجمة لوثيقة كتبها أحد أتباع المهدي تتضمن دفاعاً عن المهدي نشرها بروفسور محمد إبراهيم أبوسليم والدكتور كنوت فيكور من جامعة بيرقن. واستعرض أحد المقالات التجارب المحلية للمهدية في جنوب السودان كتبه دوقلاس جونسون. وأورد المترجم ترجمة لمقدمة المؤرخ بيتر هولت لكتاب حاييم شاكيد المعنون "حياة المهدي السوداني: دراسة تاريخية لكتاب "سعادة المستهدي بسيرة الإمام المهدي".

يفتح مقال "اختيار خشم القربة لإعادة توطين الحلفاويين" ملفاً لم يغلق بعد هو توقيع اتفاقية مياه النيل في نوفمبر 1959م بين الحكومة العسكرية الأولى والحكومة المصرية بعد عام من تولي الجيش السلطة وإجحاف بنودها بحق السودان. وقد باءت جميع المفاوضات بعد الحكم الوطني عام 1954م بالفشل. ونذكر في هذا الشأن ما كتبه الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان خبير المياه العالمي عن هذه الاتفاقية في كتابه "السودان ومياه النيل" والتي تركت أثراً لن يمحى في نفوس سكان حلفا الذين هُجروا إلى خشم القربة. وأثارت قضايا تراثية مهمة منها غرق الآثار والذي عملت اليونسكو على تلافيه أو التقليل من الفقدان بإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ويربط المترجم هذا المقال بترجمة: السودانيون النوبيون والسد العالي استعراض كتاب حسن دفع الله "هجرة النوبيين"، حسن هو الإداري الحاذق الذي أوكلت إليه مهمة الاشراف على إعادة توطين الحلفاويين في خشم القربة. لم تجد الاتفاقية ترحيباً واسعاً كما ذكر بيتر كيلنر في مقاله "الحكومة العسكرية في السودان في الأعوام الثلاثة الماضية (1959 – 1961م) "، ويوجد ضمن المقالات المترجمة. ويذكر خبير الري، يحيى عبد المجيد، وزير الري الأسبق، أن قطاعات كبيرة من الشعب السوداني اعترضت على قانونية وشرعية اتفاقية مياه النيل لافتقار السلطة للتفويض الشعبي في عدالة الاتفاق وحصة السودان وغمر أراضي حلفا، وفي التعويض المالي الذي ألحق بالاتفاقية.

ترجم المترجم عرضاً كتبه بيتر هولت لكتاب مكي شبيكة "السودان في قرن 1819 – 1919م". وقد كتب المترجم نبذة وافية عن بيتر هولت في استعراضه لكتاب هنري س. جاكسون: «ما وراء السودان الحديث”. وهولت هو منشئ دار الوثائق السودانية وكان أمينها حتى سودنة الوظيفة عام 1955م وتعيين بروفسير محمد إبراهيم أبوسليم مديراً لها. ويعتبر شبيكة أب المؤرخين السودانيين، وبدأ أعماله البحثية والتأليف قبل الاستقلال، واعتمدت أبحاثه الوثائق الأصلية مصدراً أساسياً. وينسب إلى بروفسير شبيكة قوله "دع الوثائق تتحدث". واعتمد شبيكة في كتابه على الوثائق الرسمية الأصلية المحفوظة بدار الوثائق المصرية (دار المحفوظات سابقاً). وقد أثرى المكتبة السودانية بمؤلفات كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: السودان عبر القرون والسودان المستقل تاريخ شعوب وادي النيل: مصر والسودان والسودان والثورة المهدية.

شملت المقالات المترجمة تقديم السير هارولد ماكمايكل السكرتير الإداري لحكومة السودان بين الأعوام 1925م و1934م لكتاب هنري جاكسون "ما وراء السودان الحديث

الذي ترجمه أيضاً الهاشمي وصدر عن دار باركود بالخرطوم، 2003.  وعمل جاكسون بالسودان لفترة امتدت لأربعة وعشرين عاماً. وبالرغم من كتابات ماكمايكل المتنوعة عن السودان إلا أنه يرتبط في الذاكرة الشعبية بالتسلط وقصة "كسار قلم موكميك" لا زالت متداولة. وتحكي عن كسر زعيم قبيلة الكواهلة عبد الله جاد الله لقلم ماكمايكل عندما كان مفتشاً بمركز بارا. وشكلت هذه الواقعة رمزية لأدب المقاومة الشعبية في مراحل الحكم البريطاني الأولى للسودان.

يثير كتيب سودان الأربعينيات الذي أصدرته الجمعية الفابية البريطانية أسئلة عن وضع السودان الدستوري وتنازع الحكومتين المصرية والبريطانية عليه، ومطالبة الحكومة المصرية باستمرار بالسيادة عليه. وقد تناول الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه هذا الموضوع بالتفصيل في كتابه: الحركة السياسية السودانية والنزاع المصري – البريطاني بشأن السودان 1936م – 1953م، 2013م طبعة ثانية مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي.  ومما يجدر ذكره أن السودان لم يُتبعْ لوزارة المستعمرات البريطانية بل كان يتبع لوزارة الخارجية البريطانية. لذلك لم تكن من ضمن خيارات السودان الانضمام للكومنولث. وضُمنتْ اتفاقية الحكم الذاتي وتقرير المصير خيارين: الاستقلال التام والارتباط بمصر في صورة من الصور، وقد اختار السودانيون بالإجماع الاستقلال التام، وتضافرت عوامل كثيرة دفعتهم لهذا الاختيار نوقشت بإسهاب في كتاب فدوى عبد الرحمن علي طه: كيف نال السودان استقلاله دراسة تاريخية لاتفاقية الحكم الذاتي وتقرير المصير بين الحكومتين المصرية والبريطانية، وصدرت طبعته الثانية عن مركز عبد الكريم ميرغني عام 2007م.

ترجم الدكتور بدر الدين مقالاً عن "السياسة الكلولونيالية في محو الأمية في السودان بين عامي 1946م و1956م" كتبته أيريس سريي – هريش. وذكرت كاتبة المقال إنشاء معهد التربية في بخت الرضا لدار النشر عام 1946م وإصدار مجلة الصبيان. ونضيف تجربة بخت الرضا في تعليم الكبار التي بدأت بقرية أم جر جنوب الدويم كأول تجربة في السودان أشرف عليها الأستاذ مكي عباس، وانتقال التجربة إلى مشروع الجزيرة في الخمسينيات. وكانت تجربة تعليم الكبار ببخت الرضا أول محاولة لمحو الأمية في حملات منتظمة. ومما يجدر ذكره تعيين مكي عباس أول مدير سوداني لمشروع الجزيرة.

تضمن الكتاب ترجمة لعرضين لكتاب بيريدج “الانتفاضتان المدنيتان في السودان الحديث ربيعا الخرطوم عامي 1964م و1985م، والذي ترجمه الهاشمي أيضاً وصدر عن دار باركود بالخرطوم بداية هذا العام 2024م   وكانت إحدى الأسئلة المهمة التي طرحتها المؤلفة كما يذكر الدكتور جون فول هي: هل كانت الإطاحة بنظام إبراهيم عبود العســكري أمرا مدبرا ومخططا له، أم أنه كان أمرا عفويا تلقائيا؟ وخلصــت الكاتبة إلى أنه على الرغم من وجود "جماعــات" كانت تقوم بمعارضة منظمــة لنظام عبود، إلا أن أحداثا عفوية هي ما بذرت بذور ســقوط ذلك النظام. وفي تقديري هذا القول غير صحيح ومجحف فبذور اسقاط ذلك النظام كانت موجودة وغير عفوية وأن ما حدث في أكتوبر 1964م كان الشرارة التي أضرمت النار، ونتحفظ على استخدام عبارة جماعات لأن المعارضة قادتها أحزابٌ سياسية.  وكانت هناك معارضة منظمة أشرت لها بتفصيل في كتابي: "تاريخ السودان المعاصر 1954م – 1969م- دراسة تاريخية توثيقية" طبعة ثانية 2022م، مدارات للنشر. وكأن المؤلفة باستخدام "انتفاضة" في عنوان الكتاب قد حسمت الجدل الدائر هل أكتوبر ثورة أم انتفاضة. ونضيف إلى قائمة ما كتب عن ثورة أكتوبر مقال البروفسير يوسف فضل حسن عن ثورة أكتوبر الذي نشر عام 1967م في “مجلة الدراسات الإفريقية الحديثة" عدد ديسمبر. ويتواصل التوثيق لثورات السودان حيث صدر كتاب البروفسير أحمد إبراهيم أبوشوك “الثورة السودانية (2018م-2019م) : مقاربة توثيقية – تحليلية لدوافعها ومراحلها عام 2021م عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي أهداه "إلى شهداء الثورة والكنداكات الذين يحلمون بالحرية والسلام والعدالة".

جامعة الخرطوم في عامها الأول ملخص لورقة ألقاها بروفيسور مايكل قرانت في مؤتمر الجمعية الفلسفية السودانية في الخامس عشر من نوفمبر عام 1956م. وهو أول مدير لجامعة الخرطوم. وقد صدر قرار البرلمان السوداني بترفيع كلية الخرطوم الجامعية إلى جامعة الخرطوم في يوليو 1956م. وقد حرصتُ إبان تولي منصب مديرة جامعة الخرطوم على الاتيان بصورته لتكون أولى صور المديرين في إطار معلق على الحائط ، والشكر لبروفسير أحمد إبراهيم أبوشوك الذي زودني بها.  وكما ذكر بدر الدين فإن نصر الحاج علي أول مدير سوداني لجامعة الخرطوم تولى المنصب بعد قرانت. ومما يجدر ذكره أن قرانت عُين مديراً للجامعة رغم اكتمال عملية السودنة التي نصت عليها اتفاقية الحكم الذاتي وتقرير المصير الموقعة في 12 فبراير 1953م بين الحكومتين المصرية والبريطانية.

خاتمة المقالات المترجمة خطة التعليم في السودان بين عامي 1949م – 1956م. وكي تعم الفائدة نضيف بأن هذه الخطة قدمها إلى الجمعية التشريعية عبد الرحمن علي طه وزير المعارف، وهي خطة معدلة للخطة العشرية لعام 1946م، وقد شهد النصف الأول من عام 1949 انشغال وزارة المعارف بإعداد خطة معدلة للتعليم في شمال السودان تغطي الأعوام 1949 –  1956.  وتهيئ لتقدم أسرع في التعليم الأولي والأوسط وتعليم البنات. قدم وزير المعارف الخطة العشرية المعدّلة بعد إعدادها إلى المجلس التنفيذي في مايو 1949 فدرسها المجلس وصادق عليها مبدئياً توطئة لإجازتها من قبل الجمعية. قدم الوزير خطة وزارته للتعليم في شمال السودان إلى الجمعية التشريعية في جلسة 8 نوفمبر 1949وتم توزيع الخطة قبل أسبوعين على أعضاء الجمعية. وقد وافقت الجمعية بالإجماع على الخطة العشرية المعدلة. وتحدث الوزير عن أبرز مظاهر خطة وزارته فذكر أن أهم جوانبها المدارس الأولية والصغرى للبنين، وأن وزارته تستطيع أن تهيئ بنهاية عام 1956 التعليم بالمدارس الأولية والصغرى لقرابة 40% من تعداد البنين الذين هم في سن التعليم في المديريات الشمالية. وقال الوزير إن أي محاولة تهدف في الوقت الحاضر لأكثر من 40% ستكون سياسة غير عملية لأن الزيادة في نسب التعليم تتطّلب الحصول على المال اللازم لتدريب المعلمين ودفع مرتباتهم وتوفير المباني والأثاث والكتب والأدوات. ويمكن الرجوع إلى كتاب "أستاذ الأجيال عبد الرحمن علي طه 1901م – 1969م"، تأليف فدوى عبد الرحمن علي طه لتفاصيل أوفى عن هذه الخطة.

ليت الدكتور بدر الدين ولكي تكتمل الصورة يولي عناية خاصة لترجمة كتب مهمة جداً وموثقة تناولت تاريخ الحقب الاستعمارية في السودان مثل كتاب ريتشارد هيل "مصر في السودان 1820م -1885م" الصادر عام 1959م. ويعتبر هيل من الرواد في دراسة تاريخ السودان الحديث. جاء إلى السودان عام 1927م وعمل ثمانية عشر عاماً في سكك حديد السودان. وقد ترجم الأستاذ سيف الدين عبد الحميد قاموس هيل عن أعلام السودان إلى العربية، وصدر عام 2016م عن مطابع دار العملة بالخرطوم وهو مؤسس أرشيف السودان في جامعة درهام عام 1967م. وكذلك كتابي مارتن دالي “إمبراطورية على النيل السودان الإنجليزي-المصري 1898م -  1934م" و "السودان الإمبريالي: الحكم الثنائي الإنجليزي – المصري 1934م – 1956م". وقد تناول مارتن في كتابيه التاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي.  وذكر بدر الدين في المقال الثالث "ويُعد مارتن دالي واحداً من أهم المؤرخين الغربيين للسودان ومصر (خاصة فيما يتعلق بتاريخ عهد الحكم الثنائي)، وله العديد من المؤلفات مثل "امبراطورية على النيل" و"أحزان دارفور"، و "صور الإمبراطورية". وله أيضا كتاب "تاريخ السودان منذ مجيء الإسلام ..." بالاشتراك مع ريتشارد هيل. ولابد من تصويب هنا فالكتاب بالاشتراك مع بيتر هولت وليس هيل كما أورد المترجم. ترجمة هذا الكتاب من الاهمية بمكان وقد ألف هولت الطبعة الاولى بمفرده عام 1961م وفي عام 1979م اشترك هولت ودالي في اصدار طبعات من الكتاب امتدت لتشمل تاريخ السودان حتى عام 1998م. ستعين ترجمة هذه الكتب الباحثين في تاريخ السودان خاصة الطلاب في زمن تدهورت فيه اللغة الإنجليزية تدهوراً بالغاً ومريعاً.

في الختام نهنئ البروفسور بدر الدين على هذه الترجمة الرصينة السلسة والاختيار الموفق وعلى المثابرة والمتابعة. ونتطلع إلى المزيد.

بروفسور/ فدوى عبد الرحمن علي طه

drfadwa@hotmail.com

 

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: السودان بین عامی السودان الحدیث تاریخ السودان جامعة الخرطوم الحکم الترکی دراسة تاریخ السودان من فی السودان السودان فی بدر الدین فی کتابه محمد علی أکثر من فی کتاب ما کتب

إقرأ أيضاً:

حفل توقيع وندوة لكتاب أحمد بدير بمهرجان المسرح المصري..صور

خصص المهرجان القومي للمسرح المصري، في ثاني أيامه، حفل توقيع كتاب (تنوع الأداء وعمق التجربة) عن مسيرة الفنان الكبير أحمد بدير، تأليف الكاتب الصحفي جمال عبدالناصر، وأدارت الندوة وحفل توقيع الكتاب، الإعلامية هبة فهمي، بحضور رئيس المهرجان النجم محمد رياض، والفنانة العراقية روكيان الوادي، والمخرج جمال قاسم والدكتور عايدة علام.

وقدمت الإعلامية هبه فهمي، الندوة وطلبت  من الفنان أحمد بدير افتتاح الندوة بكلمة فقال : حضوركم هو تكريم لي، وأي جائزة يحصل عليها الفنان هي تقدير له خاصة إذا كان التكريم من المسرح الذي اعتبره الملعب الخاص بي، والتكريم  فخر وتتويج لمسيرتي التي بدأتها من الصفر، موجها الشكر للكاتب جمال عبد الناصر، قائلا : أضاف في الكتاب معلومات وقصص وحكايات لم أكن أتذكرها عن نفسي خاصة أن هناك شباب لم يعاصروا تاريخي.


واستكمل قائلا :  المسرح له متعة خاصة في حياتي، وهذا ليس تقليل من حبي للسينما أو التلفزيون أو الإذاعة ، لكنني من عشاق المسرح، لافتا أن أول جائزة أخذتها كانت من الإذاعة، ولكن عند وقوفي على خشبة المسرح ينتابني شعور بالسعادة، وذلك لإسعاد الجمهور، واعتبر المسرح علاجا للجمهور، وعلاج لي انا شخصيا، والمسرح هو من قدمني للتلفزيون والسينما، و فنان المسرح دائما ما يعتمد على التفاعل مع الجمهور.

وأكد أيضا أن من يعمل بالمسرح يجب أن يكون من عشاقه، لأنه غير مربح، ومن الممكن أن يدفع الفنان من جيبه، لكونه محب للمسرح، ورغم ذلك أرى أن الأمل في مسرح الدولة، خاصة أنه يرى أن المسرح الخاص يحتاج للكثير من الوقت للرجوع.


وأكد أنه تأثر جدا بالفنان نجيب الريحاني، الذى كان يضحك وهو يبكي، وقال : أحبيت الكوميديا الإنسانية، وتعمدت أن أقدم تراجيديا، رغم أننى اشتهرت بالكوميديا، وكانت نقلة لي عندما بدأ المخرجين يثقو بي ويمنحوني أدوار متنوعة بخلاف الكوميديا، ودائما ما اقول للشباب عليكم بالسعي، لأنني إذا فكرت من أربعين سنه، لايمكن أن اتخيل أنني اتكرم اليوم وسط حشد عظيم بمهرجان أعظم، ودائما ما أقول أن الحظ يذهب للمجتهدين.

وفي النهاية قدم الشكر للفنان محمد رياض علي الجهد الكبير، الذى يقوم به في إدارة المهرجان وهذا يظهر لنا الفرق بين الفنان والموظف، في إدارة المهرجان، الذى قدم حالة حب كبيرة لكل الفنانين.

وقال الكاتب الصحفي جمال عبدالناصر، أشكر إدارة المهرجان على اختياري لكي اكتب عن الفنان أحمد بدير، وعندما كلفني الفنان محمد رياض، بالكتابة عن النجم أحمد بدير، كنت في غاية السعادة لكوني من محبيه ، وكنت أتمنى بالفعل الكتابة عنه، لكونه صاحب تجربة ثرية جدا، وسعيد لكوني تشرفت بإعداد كتاب عن الفنان أحمد بدير، وهناك أشياء كثيرة اكتشفتها من خلال جلسات عقدتها معه، لافتا أنه برغم تشرفه بإعداد ثلاثة  كتب قبل ذلك عن ثلاثة  فنانين، هم إلهام شاهين والفنان محمد صبحي والفنان صلاح عبدالله، بخلاف كتب أخرى، ولكن الفنانين محمد صبحى، وأحمد بدير كانا يساعداني كثيرا في منحي  أرشيفهما من الصور .  

وتابع : "من أكثر المواقف التي لفتت انتباهي، في رحلة بحثي لاعداد الكتاب عن الفنان أحمد بدير  هو بداياته وشغفه بالفن فهناك فنانين عملوا في مهن أخرى حتى التحقوا بالمجال الفني، ولكن الفنان أحمد بدير، كان الفن هو (تارجت)  له من البداية، وهدف يسعي اليه وكان منذ صغره يذهب لكي يشاهد الأعمال، ثم يذهب فوق سطوح منزله ليقوم بأداء تلك الأعمال، حبا في الفن، كما أنه تأثر بالفنانين نجيب الريحاني ومحمود المليجي.

وعن كيفية التعامل مع صندوق الصور، أجاب الكاتب جمال عبدالناصر، أن صناديق الصور، كانت ملهمة بالنسبة له حيث استطاع أن يترجمها في الكتاب، ومن أهم الصور التي رائها صورته مع الفنان يوسف شاهين والمخرج خالد يوسف، وقتها كان يعمل مساعد مخرج، وكذلك صورته مع أحمد زكي، كما أنه اعتمد على وثائق مهمة جدا، في المركز القومي للمسرح والموسيقى، وتابع أنه قام بالبحث في جميع الكتابات التي تم كتابتها عن الفنان أحمد بدير حتى الكتابات التي تم انتقاده فيها، وأوضح أن الفنان أحمد بدير، قدم شخصيات عديدة، استطاع أن يمسك مفاتيح جميع الشخصيات التي قدمها، وذلك لحبه في الثقافة وحبه للقراءة.


وقال الفنان محمد رياض، أرحب بالجميع وإذا تحدثنا عن الفنان أحمد بدير نحتاج إلى شهور، وأنا شهادتي فيه مجروجة لكونه أول فنان اقوم بالتمثيل أمامه، وهو من استقبلني، وانا دائما ما  اقول له:  "يا خال "، وهو تاريخ كبير في المسرح واعطي للمسرح سنين عمره لإسعاد الجمهور، ونحن عندما نذهب لأي بلد عربي سواء في مهرجانات يسالونا  عن فنانينا الكبار ونحن نكون في غاية السعادة والفخر، واعلم أن التكريم تأخر، وكان يجب أن يكرم في  الدورات الأولى للمهرجان، ولكن نحن سعداء بهذا التكريم وهو تكريم لنا شخصيا كمسرحيين وإدارة المهرجان.

وحضرت الفنان العراقية روكيان الوادي ، والتي قالت أنا جئت لمصر لكي أشاهد القامات المصرية، وحرصت على التواجد لكي أحضر المهرجان القومي للمسرح المصري، ومبروك للفنان أحمد بدير، على التكريم وسعيدة لرؤيتي له، هو والفنان محمد رياض وانا من عشاق الفن المسرحي  المصري.

مقالات مشابهة

  • «الأرصاد» عن طقس الأحد: أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق
  • حالة الطقس المتوقعة اليوم الأحد
  • أمطار رعدية ورياح.. تفاصيل الطقس بالسعودية اليوم الأحد
  • بالتفاصيل.. اعرف خريطة الطقس اليوم الأحد على مناطق المملكة
  • ندوة وحفل توقيع لكتاب الدكتورة نجوي عانوس بمهرجان المسرح المصري.. صور
  • أمطار رعدية على بعض مناطق المملكة
  • «الأرصاد» عن طقس السبت: أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق
  • استمرار الأمطار.. تفاصيل الطقس على مناطق المملكة اليوم السبت
  • الأرصاد عن طقس الجمعة: استمرار هطول أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق
  • حفل توقيع وندوة لكتاب أحمد بدير بمهرجان المسرح المصري..صور