لمياء الصديق (أبوظبي)
تزخر دولة الإمارات العربية المتحدة، بموروث ثقافي كبير ينعكس في قيم وأصالة شعبها، يجمع بين الأصالة العريقة والمعاصرة في آن واحد، ويرجع تراثها الذي يشتمل على مختلف المجالات المتنوعة إلى آلاف السنين. وبقي راسخًا يعكس التاريخ العريق ويوثق منجزاته الثقافية والحضارية.
التراث الإماراتي الثري والمتنوع، ينعكس في العادات الاجتماعية، ونمط الحياة والمناسبات، والعمارة والفنون الشعبية، والأدب والشعر والموسيقى، واللباس والمأكولات، وتلتقي الثقافة الإماراتية في بعض مكوناتها مع ثقافة باقي دول الخليج العربي.



اقرأ أيضاً..التراث الإماراتي.. «ذاكرة منقوشة على الطوابع البريدية»

الثقافة الإماراتية غنية ومتنوعة، تعكس تاريخاً عريقاً وتأثيرات متعددة من مختلف أنحاء العالم. تجمع بين التقاليد القديمة والحداثة، مما يمنحها هوية فريدة ومتميزة، يعد نشر التراث الإماراتي والحفاظ عليه مسؤولية جماعية ولمفرداته مكانة خاصة في قلب كل إماراتي، فكان الحفاظ على منظومة القيم الأصيلة والهوية الوطنية حجر الأساس في استراتيجية بناء الدولة، تجسيداً لمقولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه: «من ليس له ماض ليس له حاضر ولا مستقبل».
نستعرض بعض مكونات وملامح التراث المحلي، والتي تعكس غنى وتنوع الهوية الإماراتية:

- التسامح والضيافة

قيم التسامح والضيافة تشكل أساساً للثقافة الإماراتية وثقافة التسامح والتعايش السلمي في المجتمع، تجمع بين الثقافات المتنوعة.
تشكل الضيافة قيمة أساسية في المجتمع الإماراتي، حيث يُعتبر استقبال الضيوف وتقديم الضيافة الكريمة من الأمور المهمة جداً. يتمثل ذلك في طقوس تقديم القهوة والتمور والحلويات والمأكولات.

- القهوة

عنوان للكرم والأصالة، ويترافق معها كنز من العادات والتقاليد التي تكشف عن أهمية ثقافة وهوية المجتمع الإماراتي.

طقوس إعداد القهوة الإماراتية تكشف عن مفردات «السنع» الثقافية، لتفعيل أدواره في الحياة اليومية، من خلال نشر قيم الكرم والنخوة والإيثار.

اقرأ أيضاً..التراث في دلال عتيقة

- السنع
يعرف السنع في الضيافة الإماراتيّة بأنّه حزمة من العادات والتقاليد التي تُركّز على تعليم كيفية التعامل مع الآخرين والتصرف معهم، بدءًا بتقديم القهوة للضيوف والترحيب بهم، وانتهاءً بدعوتهم إلى الطعام، كما أنّها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالقيم المجتمعيّة الإيجابيّة والسلوكيات التي تدل على وجود التلاحم الاجتماعي والترابط والتضامن الاجتماعي، بهدف ترسيخ هذه القواعد في قلوب الأجيال.
تُعتبر القهوة جزءاً أساسياً من الضيافة العربية، ويعكس تاريخ المنطقة ارتباطها الوثيق بهذا المشروب، حيث إن تقديم القهوة من أهم تقاليد الضيافة في المجتمع العربي والإماراتي، فضلاً عن كونها رمزاً للجود والكرم، لذا ظلت القهوة العربية من أساسيات الثقافة العربية على مدار قرون، من ناحية طقوس تحضيرها وتقديمها.

كانت مجالس القهوة في الماضي خير مكان لقضاء أوقات الفراغ، وتبادل الأخبار والأفكار الأدبية والثقافية، ومناقشة الأحداث اليومية، بالإضافة إلى ما تحمله القهوة من قيم ودلالات ومعان اجتماعية متعددة، تنظم إيقاع المجتمع.
يعد تقديم القهوة العربية التقليدية من الطقوس الاجتماعية في دولة الإمارات، وعادة ما تكون القهوة المصنوعة محلياً مطعّمة بالهال والزعفران، وتقدم في فناجين القهوة العربية الصغيرة غير المزوّدة بمقبض.
أُدرجت القهوة العربية عام 2015، في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في منظمة اليونسكو، ولا تقتصر أهمية القهوة على الضيافة فحسب، بل هي رمز للوحدة والروابط الاجتماعية والثقافية، والتي أسهمت في تشكيل مجتمع الإمارات.

اقرأ أيضاً..«تراثنا الأصيل».. تعزز الوعي بالهوية الإماراتية

- الطعام
المطبخ الشعبي في دولة الإمارات يتميز بأكلات متنوعة ومتوارثة، خاصة في المناسبات والدعوات. وتتميز هذه المأكولات الشعبية بخصوصيتها وتنوعها.

تعكس الأطعمة التقليدية مزيجًا من التأثيرات العربية والشرق آسيوية، مع التركيز على الأطعمة البحرية واللحوم.
ويعتبر الأرز، والسمك، واللحم من الوجبات الأساسية في دولة الإمارات، ومن أشهر الأكلات الشعبية:

- الهريس

طبق تراثي، يتمّ تناوله غالباً خلال التجمعات العائلية المهمة، مثل حفلات الزفاف، وفي المناسبات والأعياد الوطنية والدينية، وله حضور مميز خلال شهر رمضان المبارك.
يذكر أنّ "الهريس" يُحضّر عن طريق طبخ القمح في ماء مملح قليلاً لعدة ساعات، ثم يضاف اللحم الذي يكون في الغالب لحم الضأن أوالدجاج، ويطهى مرة أخرى لمدة ساعات، ثم يُقدّم الطبق مع وضع ملعقة من السمن البلدي فوقه.

- الثريد

تُعد وجبة الثريد بأصنافه من الثريد باللحم أو الثريد بالدجاج أو الثريد بالسمك والذي يتكون من الخبز المحلي أو ما يسمى الخبز العربي أو خبز الرقاق·
وخبز الرقاق الإماراتي الشهي، لا تخلو منه الموائد في رمضان، وبحسب العادات الشعبية لا يؤكل فقط مع الجبن والعسل، إنما تقدم القطع الجافة منه كمادة أساسية تمزج مع الحساء أو تكون ضمن بعض الأكلات مثل الثريد أو المرقوقة.

وهناك عدد كبير من المأكولات الشعبية القديمة الشهيرة ومنها العصيدة والخبيص والمضروبة والساقو والخنفروش وهي من المأكولات التي تشتهر بمذاقها وطعمها المميز. بالإضافة إلى الطبق الرئيسي الذي لا يزال حتى اليوم سيد المائدة وهو العيش أو الأرز بأصنافه المتنوعة من القبولي والبرياني والمكبوس والمقلوبة والمندي·
ومن أشهر أنواع الحلويات الشعبية، الشعرية أو ما يسمى بالبلاليط بأشكالها، واللقيمات والساقو وقرص بسبس وغيرها.

- اللباس التقليدي
يشمل الثوب الأبيض للرجال والعباءة والشيلة للنساء، ويُعتبر اللباس التقليدي رمزًا للهوية الوطنية.

- العباية

هي اللباس التقليدي والأساسي للمرأة في الإمارات، فالعباية في الماضي كانت تلبس على الرأس، ولها لون واحد فقط هو اللون الأسود، ولا يدخل عليها أي مواد خام، أو لون، ولها نوع قماش واحد، أما في الحاضر، فقد تغيرت العباية بشكل ملحوظ وباتت بألوان مختلفة غير اللون المتعارف عليه وهو «الأسود».
و«البرقع» أحد أهم الرموز التراثية للمجتمع الإماراتي، الذي اتخذته النساء ليعبّر عن الزينة والحشمة.

أخبار ذات صلة «مختبر المواد».. إبداعات متفردة «تراثنا الأصيل».. تعزز الوعي بالهوية الإماراتية

- الكندورة
يتكون لباس الرجال المحلي، وهو في الأغلب أبيض اللون، من الكندورة (الثوب)، والبشت (العباءة)، والحطة والشماغ (العقال)، والقحافي (الطاقية).
ورغم التشابة الظاهر في شكل الكنادير غير أنها تختلف في تصاميمها ونوعية أقمشتها·
وفي الأعياد ومناسبات الفرح لاتزال الزي الوطني المفضل.

- الزواج والأسرة
تُعتبر مراسم الزواج وتكريم الأسرة من القيم المهمة، ويحرص المجتمع الإماراتي على الاحتفال بالزفاف بأسلوب خاص يتميز بتقديم الهدايا للعروسين، وارتداء الحلي التراثية التقليدية، والرسم بالحناء.
المجتمع الإماراتي يتميز باهتمامه ومحافظته على الكثير من الموروثات الشعبية التي تتعلق بالتراث، مثل السحارة أو المندوس، و«السحارة» في التراث الإماراتي اسم يطلق على صندوق صغير توضع فيه أدوات الزينة والمجوهرات والعطور وخلافها، بينما «المندوس» نوع من أنواع الصناديق تحفظ فيه الحاجيات الثمينة للعروس.

- ذكريات الماضي
ارتبطت ذكريات العيد عند الجدات والأمهات، بتنظيف البيت قبل العيد، وخياطة الملابس الجديدة، وتخضيب اليدين بالحناء أجواء العيد بطقوسه وعاداته وتقاليده المتوارثة عبر الزمن.

- العيدية قديماً 
تبدأ طقوس توزيع العيدية بعد صلاة العيد، حيث يخرج الأطفال في مجموعات مرتدين الملابس الجديدة، قاصدين بيوت الأهل والأقارب لجمع العيدية، لتضج الأزقة بحركة الأطفال والمعيدين من الجيران وغيرهم، وتظل الأبواب مشرعة ومرحبة بالمهنئين، والعيدية قديماً كانت في صورة مبلغ مادي زهيد، فيما تلجأ بعض الأسر إلى تقديم الحلويات كعيدية عوضاً عن المبلغ النقدي.

اقرأ أيضاً.. إبداعات سينمائية وتشكيلية تعكس ثراء التراث الإماراتي

- رحلة الهجن
لا تعد مجرد رحلة إلى الذات يخلو فيها المرء بنفسه ويستمتع بطبيعة التلال الرملية المترامية، بل هي أيضاً بوابة إلى التراث الإماراتي بعاداته وتقاليده، تصطحبك إلى حقبة زمنية أخرى تتوارى في ذاكرة التاريخ، وتبقى الرحلة بمجملها مغامرة استثنائية يخوضها المشاركون على ظهور الهجن لمدة أحد عشر يوماً.
وتهدف «رحلة الهجن» إلى عيش تجربة تزيد من قوة التحمل لدى الفرد والاعتماد على النفس والعمل بروح الفريق الواحد، إضافة إلى تعلم الطرق القديمة في معرفة الاتجاهات بعيداً عن استخدامات وسائل التكنولوجيا الحديثة، حيث تستخدم الوسائل والخرائط القديمة التي اعتمدت في الرحلات قديماً.

- الموسيقى والفنون
يُعد الفلكلور والتراث الشعبي لدولة الإمارات العربية المتحدة الوعاء الذي يجمع الحصيلة الإنسانية العريقة لهوية الشعب الإماراتي الأصلية، سواء التراث المادي والحضري، أو الفلكلور والأدب الشعبي والعادات والتقاليد والفنون الشعبية والأمثال والأهازيج وغيرها التي نُقلت عبر الأجيال.

الفنون الشعبية الإماراتية العريقة الجميلة تبرز إبداع المجتمع الإماراتي فهي رسالة يمكن أن يرسلها الشاعر أو الإنسان عندما يشدو وقت المساء بما يجول في خاطره من مشاعر وأحداث اجتماعية أو وطنية.
هذه الفنون أرسى قواعدها وأسسها الأجداد والآباء، لذلك حظيت باهتمام العديد من الجهات الرسمية بالفنون الشعبية في كل إمارات الدولة.

- الموسيقى الشعبية
تمثل جزءاً من التراث الشعبي للإمارات. فتتنوع الفنون في الإمارات بين الفن التشكيلي والموسيقى التقليدية حيث تهتم الجمعيات التراثية بفرق الفنون الشعبية والتي تستعرض أنواعا عدة من الفنون الإماراتية الأصيلة جميعها تعكس حياة أهل الإمارات بلغة فنية وترفيهية راقية تعتمد على الحركة والإيقاع وتستعين بالآلات الموسيقية التقليدية الموجودة داخل الإمارات والتي تستخدم في كل الأغاني التراثية.

- فنون العيالة
أدرجت ضمن التراث غير المادي بمنظمة اليونسكو عام 2014، مما يعكس الإرث الثقافي الغني لدولة الإمارات، كما تعزز قيم الكرامة والشرف، حيث أصبح هذا الفن رمزاً لهوية الدولة ووحدتها كونه يجسد القيم التراثية الأصيلة للثقافة الإماراتية.
ومن الفنون الشعبية الأكثر انتشاراً، فن العيالة والرّواح والندبة والويليّة ويولة السيف والآهلة والنهم والمالد والمنكوس والشلة والونّة والهبان، وغيرها. والتي تقدمها الفرق المحلية على شكل عروض فولكلورية وتراثية واستعراضات إماراتية.
وتتجلى هذه العروض بكثرة في «مهرجان الشيخ زايد»، الذي يقام سنوياً في منطقة الوثبة بأبوظبي.
وتهتم الفرق الفلكلورية بتقديم عروض تراثية وموسيقية تحثّ على الولاء والانتماء للوطن، وذلك باستخدام الآلات الموسيقية القديمة منها «القرب» و«الطبول العربي» و«الكأس النحاسي» و«المزمار».
كما تقوم الفرق بأداء بعض الأشعار القديمة حيث يجتمع أعضاؤها ويؤدون الإيقاعات في فخر بماضي الأقدمين بكافة أشكاله وفنونه.

- مشاهد التراث الإماراتي
تنعكس مشاهد التراث الإماراتي من خلال الحرف اليدوية، من سدو وخوص وتلي وأكلات شعبية ومنتجات حرفية ورياضة الصيد بالصقور، التي تعد إرثاً غنيا، أسهمت في المحافظة على هذه الحرف التراثية، باعتبارها مكوناً أساسياً من مكونات الهوية الوطنية.
تشمل الحرف اليدوية المنتجات النسائية، بالإضافة البهارات والملابس التراثية والعطور والدخون والرسم على الأواني والعبايات والجلابيات.
فالبيوت القديمة في الإمارات تميزها الفوانيس القديمة المزينة بأدوات استخدمها الأجداد في حياتهم اليومية والمصنوعة من الخوص والمجالس الخشبية المزينة بزخارف تحمل فنوناً تقليدية متوارثة.
دولة الإمارات اشتهرت قديماً بمهن وصناعات أهمها صناعة السفن الخشبية حيث برع الإماراتيون بصنع قوارب الصيد والسفن، بما فيها الجالبوت والسنبوك والشوعي والبتيل والبكره وغيرها".
كما اتقن الإماراتيون مهنة صيد الأسماك التي تتطلب إلى مهارة ومعرفة كبيرة في تطويع كافة الأدوات المتاحة، وأجادوا صنع أدوات الصيد البحري .

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: التراث الثقافي التراث التراث الإماراتي مهرجان الشيخ زايد التراثي المجتمع الإماراتی التراث الإماراتی القهوة العربیة الفنون الشعبیة دولة الإمارات اقرأ أیضا

إقرأ أيضاً:

الغارديان: انتقادات لمشاريع تخضير الصحراء في مصر وأثرها على الأجيال المقبلة

نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا أعده إدموند باور قال فيه إن مشروع تحويل الصحراء الغربية في مصر إلى أراض زراعية وإنتاج محاصيل للتصدير يهدد الأمن المائي لمصر.

ويقول إن السائقين يمضون ساعتين اليوم على الطريق السريع المكون من ثماني مسارات والخالي من السيارات عادة والممتد ما بين القاهرة والضبعة، كل ما كانوا يرونه سوى أميالا بعد أميال من الأراضي الزراعية وعلى الجانبين.

 وقبل عشرة أعوام، فهذه المنطقة الواسعة من الصحراء الغربية لم تكون سوى رمالا وصخورا. وهذه هي المرحلة الأولى من مشروع مستقبل مصر أو جهاز مشروع مستقبل مصر للتنمية المستدامة والذي سيشمل في النهاية على 2.2 مليون فدان (9,240 كيلومترا) وهي منطقة بحجم جزيرة قبرص.

 وفي فيديو ترويجي نشر قبل فترة جاء فيه: "خريطة الصحراء المصرية تغير لونها" "من الأصفر إلى الأخضر". وتظهِر صور الأقمار الصناعية للمنطقة مئات الحقول التي يتم ريها بالرش المحوري (حيث تدور الرشاشات فوق المحاصيل)، بعضها يصل قطره إلى كيلومتر واحد.



ويقترب نهر اصطناعي يبلغ طوله 70 ميلا (114 كيلومترا) من الاكتمال بتكلفة تزيد عن 5 مليارات دولار (3.9 مليار جنيه إسترليني). وبمجرد اكتماله، سينقل 3.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا إلى الحقول.

ويقول الكاتب إن المشروع الضخم يمثل نصف خطة الحكومة المصرية لتحويل 16,800 كيلومتر مربع من الصحراء إلى مزارع قبل حلول عام 2027. وأعلن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي عن المشروع عام 2014 وبعد فترة قصيرة من وصوله إلى الرئاسة عقب انقلابه العسكري في عام 2013.

 وأكد في خطاب له بافتتاح مشروع مستقبل مصر في أيار/مايو الماضي أكد فيه على رغبته برؤية الصحراء مزدهرة "لو كان لدينا مياه كافيه لري 100 مليون فدان فسنفعل".

 لكن مشروع السيسي العملاق لتحويل الصحراء إلى حدائق يأتي في وقت تعاني فيه مصر من عجز سنوي في المياه بنسبة 7 مليارات متر مكعب، وبحسب أرقام الأمم المتحدة.

 كما تواجه سياسة تقشف لموازة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي التي تزيد عن 90٪ والتي تضخمت في ظل حكم السيسي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الإنفاق السخي على مشاريع البنية التحتية الضخمة والمعدات الجديدة للقوات المسلحة.

ويقول النقاد لسياسات السيسي إن مشاريع استصلاح الأراضي التي تتحملها الخزانة العامة والنظام البيئي للمشاريع الزراعية التي تقودها المؤسسة العسكرية والتي عززت الصادرات، ولكنها لم تفعل الكثير لمنع التضخم الهائل في أسعار المواد الغذائية، والذي كان في نيسان/أبريل خامس أعلى معدل في العالم.

ويعلق المدير السابق لمعهد أبحاث البيئة المستدامة ومقره القاهرة٬ ريتشارد تاتويلر قائلا "يطلقون عليها استصلاحا ولكنها ليست كذلك" و "هي ليست كما كانت في السابق ويتعين الآن علينا أن نعيدها بهذه الطريقة".

وعلى خلاف التربة الخصبة لوادي النيل التي سقيت وتم تخصيبها على مدى ألف سنة من الري والفيضانات، فرمال الصحراء ظلت قاحلة ولا تحتوي على عناصر مهمة لتغذية النباتات. وهذا يحتاج إلى كميات كبيرة من الري لكي تصبح خصبة وهي المياه التي لا يمكن استعادتها.


وعلى ضفاف النيل يقوم المزارعون ما بين الصعيد والبحر المتوسط باستخدام نفس المياه سبع مرات حيث تخرج المياه من الحقول إلى النهر أو إلى طبقات المياه الجوفية لإعادة استخدامها في اتجاه مجرى النهر. وفي الصحراء، "تعود المياه ببساطة إلى الصحراء"، كما يقول تاتويلر.

 وتأتي معظم المياه لري الحقول في الصحراء من المياه الجوفية، وهي المياه التي اعتمد عليها أبناء الواحات وعلى مدى قرون حيث تتدفق بشكل طبيعي إلى السطح وفي نقاط معينة.

وزادت حكومة السيسي من الجهود لزيادة الاستهلاك وعلى قاعدة صناعية للمياه الجوفية، واستثمرت في بناء عدة محطات ضخ في معظم أنحاء الصحراء لجلب المياه إلى السطح.

ويعلق تاتويلر قائلا "لديك كميات ضخمة من المياه في جوف الصحراء الغربية، لكنها محدودة". وفي دراسة أعدت العام الماضي قامت بفحص صور أقمار اصطناعية وكشفت أن معدل استنزاف المياه من المصادر الجوفية في الصحراء قد زاد فعلا في عهد السيسي.

 وعلق تاتويلر "ماذا عن مستقبل الأجيال المقبلة" و "لو استخدمت المياه فلن توجد مياه في الصحراء". ويقول صقر النور، وهو باحث في علم الاجتماع الريفي إن الاستخدام المتزايد للمياه الجوفية لن يخفض من مستوياتها، ولكنه يزيد من ملوحتها.

 وقال النور٬ إن العديد من المشاريع الصحراوية تعاني من زيادة الملوحة، مما يخفض من مستوى الإنتاج ويزيد من كلفة الزراعة.

ولم يتبق سوى 3 أعوام للوصول إلى الهدف، لم تحقق الحكومة سوى 20% من مشاريع الاستصلاح، 3,300 كيلو متر مربع، ووفقا لآخر إعلان.

ويعتقد النور أن هناك "مبالغة" في التقديرات وأن المساحة المستصلحة أقل وأقل ربحية مما تقترحه الحكومة. و "لا يعني تخضير الصحراء" أن هناك منتجات تخرج منها.

ويخشى شريف فياض، الخبير الزراعي الذي عمل مستشارا للحكومة، أن يتحول المشروع إلى حيلة دعائية. ويقول: "إنهم يريدون فقط أن يقولوا للناس: "حسنا، لقد استصلحنا 4 ملايين فدان". ولا توجد أرقام متاحة للرأي العام عن إنتاج الأراضي المستصلحة، لكن فياض يشك في أنه تم حصاد الكثير منها حتى الآن.

ويقول إن "إنتاجية وخصوبة التربة نفسها لن تصل أبدا إلى خصوبة وإنتاجية الأراضي القديمة بجانب النيل"، موضحا أن العديد من المحاصيل الأساسية التي يعتمد عليها المصريون، بما في ذلك القمح والبقوليات، غير مناسبة لهذه الأرض الجديدة. و "لهذا السبب، لا يشعر الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة المتدنية بأن هذا النوع من الاستصلاح يفيدهم".

 وارتفعت أسعار المواد الغذائية منذ آذار/مارس عام 2022 بمعدلات فلكية.

 وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي كان التضخم الحقيقي في أسعار الطعام الأعلى في العالم، وفقا لتقديرات البنك الدولي.

ولأن مصر تعتبر المستورد الأكبر للقمح في العالم، فقد تأثرت بتعطل سلاسل الإمداد نتيجة لانتشار كوفيد-19 وحرب أوكرانيا.

وفي نفس الفترة زادت نسبة تصدير الطعام بنسبة 5.6 مليون طن في 2021 و6.4 مليون طن في 2022، ووصلت رقما قياسيا 7.5 مليون طنا في 2023. وجاءت الزيادة من المحاصيل غالية الثمن مثل الفواكه والمكسرات.

 ودافع السيسي عن سياسة استصلاح الأراضي لزراعة المحاصيل المدرة للنقد وقال في حفل تنصيبه بأيار/مايو الماضي"أستطيع زرع مليون فدان من القمح في حين أن هناك محاصيل أخرى يمكنك إنتاجها بقيمة ثلاثة أضعاف ذلك". وزعم أن هذه الاستراتيجية تشكل خطوة حاسمة لتضييق العجز التجاري وإيجاد مصادر جديدة للعملة الأجنبية.

  ويقول فياض إن مشروع مستقبل مصر مهم لكن الناس لا يشعرون أن هذه المشاريع هي لهم لأنهم لا يرون النتيجة على أسعار الطعام. ومعظم المحاصيل المنتجة في مصر ينتجها شركاء صغار تدعمهم مشاريع الاستصلاح التي يهيمن عليها الجيش. ويسيطر هذا على قطاع واسع من اقتصاد مصر، مصانع ومزارع ويستخدم ميزاته في البلد للتخلص من المنافسين.

 وهناك تقارير موثوقة تتحدث عن استخدام الجنود في الخدمة العسكرية للعمل في المزارع. ولم ترد الوزارات المعنية على الأسئلة للتعليق على هذا التقرير.


ويشرف على مشروع مستقبل مصر بهاء الغنام، العقيد في القوات الجوية، بخلاف التصريحات الصحفية لم ينشر الجهاز أي معلومات عن كيفية إنفاق الأموال ولا كيفية الحصول عليها أو توزيع الأرباح.

 وفي الأشهر الأخيرة، فرضت الحكومة تدابير تقشف في مجالات أخرى، فزادت أسعار الوقود وضاعفت سعر الخبز المدعم ثلاث مرات، في محاولة لخفض التزامات الديون المتزايدة على البلاد.

 وعلى الرغم من وعده بخفض الإنفاق على المشاريع العملاقة ــ تحت ضغط من صندوق النقد الدولي والحلفاء الإقليميين ــ قال السيسي في مايو/أيار الماضي إن الحكومة ستنفق 190 مليار جنيه مصري (3 مليارات جنيه إسترليني) إضافية في السنوات المقبلة على البنية الأساسية الجديدة لدعم طموحاته الزراعية.

 ويقول ديفيد سيمز، المتخصص في التخطيط الحضري ومؤلف كتاب "أحلام مصر في الصحراء" والذي تناول فيه مشاريع الحكومة السابقة "هي أموال حقيقية" و "هناك من سيدفع ثمن كل هذا".

مقالات مشابهة

  • «البيت الأولمبي» الإماراتي في باريس تجربة مفعمة بالحياة من «السكّة» إلى «الحوي»
  • الخميس.. رائد المغربي يناقش "القهوة العربية في الأدب والشعر" بالفيوم
  • الغارديان: انتقادات لمشاريع تخضير الصحراء في مصر وأثرها على الأجيال المقبلة
  • شيخ العقل حيّا مواقف ابناء الجولان المتمسكين بالهوية العربية
  • النائب أيمن محسب: العلاقات المصرية - الإماراتية نموذج يحتذى به في العلاقات العربية العربية
  • أرخبيل سقطرى: محور استراتيجي في التحالف العسكري بين الإمارات و”إسرائيل”
  • مهرجان العلمين .. الليلة حفل موسيقي مميز لفرقة المصريين للموسيقى العربية
  • «الإمارات للطاقة النووية» تعزز الوعي بأهمية البرنامج النووي السلمي للدولة
  • الاتحاد النسائي ومؤسسة الإمارات للطاقة النووية يعززان الوعي بأهمية البرنامج النووي السلمي للدولة
  • قصور الثقافة تطلق مشروعًا تدريبيًّا لتأهيل طلاب جامعة سوهاج لجمع التراث الشعبي بالمحافظة