ليس من الصعب، على من يراقب الواقع السياسي اللبناني ان يتأكد بأن القوى المسيحية لا يمكن لها أن تتحالف، لا بل إن تلاقيها حول عناوين استراتيجية مرتبطة بمصلحة المسيحيين ليس سهلاً، بل شبه مستحيل في ظل التنافس الكبير، الشعبي والسياسي بينها، والخلاف على التوجهات السياسية التفصيلية والعامة، لذلك فإن المنطقة والوقائع الحالية تؤكد استحالة حصول تقارب فعلي وفعال بين "التيار الوطني الحر" من جهة و"القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية" من جهة أخرى.
حتى ان التجارب السابقة اوحت بأن اي تحالف او تقارب سينتهي بخلاف فعلي وكبير يعيد الازمة والخلاف اسوأ مما كان عليه قبل المصالحة، ولعل التقاطع الذي حصل على اسم الوزير السابق جهاد ازعور بين القوى والاحزاب والشخصيات المسيحية لم يؤد الى أن تحالف طويل الامد، بل على العكس تضمن الكثير من جوانب عدم الثقة، اذ لم يكن كل طرف يثق بأن الطرف الآخر جدي بهذا التقاطع بل "كل الظن" كان ان هناك غايات سياسية مخفية تجعل الجميع يقبلون بالموافقة على ازعور الى حين.
لكن بعيداً عن كل هذه التجارب، وعن الظروف الحالية، يبدو ان التحالف المسيحي المسيحي سيصبح حاجة فعلية في المرحلة المقبلة، ما يعني أن الاطراف المعنية ستجد نفسها ملزمة بالتفاهم في ما بينها على عناوين عريضة سياسية مرتبطة بالاستحقاقات الداخلية، والا فإن الاطراف الاخرى ستكون قادرة على التفاهم وربما على تخطي المسيحيين او التفاهم معهم "بالمفرق" مما يفقدهم اي قدرة جدية على التأثير في الحياة السياسية اللبنانية وهي قدرة استعادها المسيحيون تدريجياً بعد العام 2005.
عاجلاً أم آجلاً ستنتهي الحرب في غزة، حتى لو استمر القتال لاشهر اضافية، لكن الاكيد أن التسوية باتت حتمية وستشمل كما الحرب، كل المنطقة، اذ من المتوقع أن تكون التسوية السياسية في كل بلد منفصلة عن التسوية في البلد الآخر، لكن من يرسم المسار التسووي سيكون قادراً على موازنة هذه التسويات لتكون مرتبطة وان بشكل غير مباشر وغير علني، من هنا ستصبح الساحة اللبنانية تحت المجهر الدولي نظراً لاهميتها الاقتصادية والجيوسياسية وحتى الامنية والعسكرية.
وبحسب مصادر مطلعة فإن عدم تشكيل القوى المسيحية لبلوك سياسي فعلي، يؤمن لها القدرة على تعطيل اي تسوية ويجعلها قادرة فعلياً على استخدام سلاح الميثاقية، سيؤدي الى جعل حضورها السياسي اضعف مما كان عليه في السابق، لان التحالفات السياسية التي بدأت تنشأ والتي بمعظمها تحالفات إسلامية- إسلامية، ستهمش الدور المسيحي، وكما يحصل اليوم في عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية سيحصل لاحقاً في عملية الاتفاق على قانون انتخابي جديد وغيرها من الاستحقاقات التي تكون فيها القوى المسيحية غير مؤثرة في مسار الاحداث ونتائجها.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: القوى المسیحیة
إقرأ أيضاً:
القراءة في عقل الأزمة
زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن الأزمات و التحديات التي تواجه القوى السياسية، تعد أهم الاختبارات التي تواجه العقل السياسي، و هي التي تبين إذا كان العقل السياسي سليما قادارا على تجاوزها، أم به من العلل التي تعجزه أن يقدم مبادرات يتجاوز بها هذه الأختبارات، و إذا كان العقل معلولا تجده يبحث عن تبريرات يداري بها هذا العجز.. و علة العقل السياسي ظهرت في أول أختبار مرت به، عندما سلم ذات العقل المعلول قيادة الجيش السلطة طواعية عام 1958م، خوفا من نتائج الصراع السياسي مع الآخرين باعتباره حلا يمكن تجاوزه بدخول عامل جديد في الصراع على السلطة، أهمل العقل دراسة هذه الواقعة و نتائجها إذا كانت سالبة أو إيجابية، ثم تكررت التجربة في 1969م و أيضا إهملت تماما، و أيضا في 1989م، كلها تجارب ماذا كان دور القوى السياسية حيال هذه التجارب، هل استطاعت أي قوى سياسية يسارا أو يمينا كانت، أن تقدم نقدا لهذه التجارب لكي تستفيد منه القوى السياسية الأخرى.. أم أهملت نقد التجارب؟.. الأهمال نفسه يبين أن العقل السياسي في أعمق مراحل الأزمة التي عجز أن يتجاوزها..
إذا عرجنا إلي الشعارات التي ترفعها القوى السياسية بكل مدارسها الفكرية "لعملية التحول الديمقراطي" في البلاد، من هي القوى السياسية التي استطاعت أن تكون مقنعة للشعب بأنها تعد مثالا للديمقراطية داخل مؤسستها أو خارجها من خلال إنتاجها الفكري و الثقافي الذي يقنع الجماهير بأنها بالفعل جادة قولا و فعلا في تنزيل الشعار لأرض الواقع الإجتماعي.. الديمقراطية فكر و ثقافة و قوانين و سلوك و ممارسة يومية و ليست شعارات تزين بها الخطابات السياسية.. و الذي يحصل في الساحة السياسية هو صراع ليس من أجل توعية و تثقيف الجماهير بالديمقراطية، أنما صراع بهدف الإستحواز على السلطة بأي ثمن كان..
الآن هناك البعض يرفع شعار البحث عن " طريق ثالث" رغم أن الذين يرفعون هذا الشعار هم من الذين ظلوا يدعمون " الميليشيا" و هم الذين اقنعوها بأن تقوم بالانقلاب، كما قال قائد الميليشيا أن أصحاب " الاتفاق الإطاري" كانوا وراء اشعال الحرب.. بعض من هؤلاء يرفعون شعار " الطريق الثالث" و لم يعرفوا الآخرين ما هو المقصود بهذا الشعار؟ ما هو التصور " للطريق الثالث" الذي يجب أن يتجاوز الحرب، و أيضا الأزمة السياسية التي تعيشها القوى السياسية، العقل المأزوم هو الذي يعلق انتاجه السياسي بالشعار، و لا يستطيع أن يقدم أطروحات فكرية تخدم الشعار الذي يرفعه، هؤلاء هم الذين عطلوا عقولهم طواعية، و اعتمدوا على شخص واحد يفكر نيابة عنهم، و عندما رحل مفكرهم، و جدوا انفسهم أمام تحديات عجز عقلهم التعامل معها..
أن الذين اعتقدوا أن الأزمة التي تعيشها البلاد أنها بسبب " الكيزان و الفلول" هؤلاء أنواع البعض منهم يحاول أن يغطي علاقته بالنظام السابق في اعتقاد أن تركيزه على ذلك سوف سغطي أفعاله، و البعض الأخر بسبب العجز الثقافي و الفكري الذي يعاني منه، أعتقادا أن التركيز على هذا الخطاب سوف يجعله من الذين يطلق عليهم " قوى تقدمية" رغم أن هذه الثقافة قد قبرت كما قبرت الحرب الباردة، و هؤلاء سدنة الأفكار التي تجاوزتها البشرية في مسيرتها التاريخية.. و أخرين يتعلقون بأهداب الخارج ليشكل لهم رافعة للسلطة، و يعتقدون كلما كانوا اشدا بأسا على الكيزان و الفلول " كانوا مقنعين لهذا الخارج بأنهم رجال مرحلة لهم، و هناك الذين يعتقدون أن " الكيزان و الفلول" جزء من الأزمة التي تعيشها كل القوى السياسية، و بالتالي معالجتها تأتي من المعالجة العامة للأزمة السياسية في البلاد...
أن الحرب التي يشهدها السودان هي أعلى مراحل الأزمة السياسية، و هي أزمة العقل السياسي، الذي بدأ يتراجع منذ أن بدأت القوى السياسية تبحث عن حلول للأزمة داخل المؤسسة العسكرية.. أن تحدث فيها أختراقا لكي تقوم بانقلاب عسكري يسلمها السلطة، و الغريب كل القوى السياسية التي أحدثت انقلاب بواسطة عسكريين عجزوا أن يستلموا منهم السلطة.. و حتى الآن لم يبينوا لماذا فشلوا في ذلك.. ما عدا إفادات الدكتور الترابي لأحمد منصور في " قناة الجزيرة" البقية تعلقت " بالنكران و الهروب" الحرب و فشل نقد السياسسين للتجارب السابقة تمثل أعلى درجات أزمة العقل السياسي، و هناك الأمارات التي تدخلت بشكل سافر في الأزمة لكي تحولها لمصلحتها، و استطاعت أن تتاجر في الاستحوا ز على عقول الأزمة في السودان، لعل تنجح مؤامرتها على البلاد، و من وراءها مثل بريطانيا و أمريكا و الايغاد و الاتحاد الأفريقي و بقية المنظمات الإقليمية.. هل تستطيع القوى الجديدة التي سوف تفرزها الحرب أن تدرك دورها و مسؤوليتها السياسية، و تقدم أطروحات سياسية و أفكار تخلق بها واقعا جديدا، و أيضا تتجاوز بها الأسباب الحقيقية التي أدت للأزمة و تنشل العقل السياسي منها.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com