تعتبر الدقة والكفاءة أمرين بغاية الأهمية في عالم الخدمات المالية، حيث يجب أن تكون كل نقطة عشرية وكل معاملة سليمة، مما يجعل دمج الذكاء الاصطناعي نقطة تحولية ضخمة من الأعمال الورقية التقليدية المتكررة إلى الأتمتة المعتمدة على البيانات.

تعمل تحليلات البيانات الضخمة المدعمة بالذكاء الاصطناعي على إحداث نقلة نوعية في قطاعيّ التقنيات والخدمات المالية، مما يدفع عجلة الابتكار ويعزز الكفاءة التشغيلية والتركيز على تلبية متطلبات العملاء.

ومن المتوقع أن تضاعف المؤسسات المالية إنفاقها على الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2027 وفقاً لتنبؤات صندوق النقد الدولي. ويؤكد هذا الارتفاع في الاستثمار على إدراك ووعي القطاع المتزايد بأهمية الذكاء الاصطناعي كقوة تحويلية وتجاوزه لكونه مجرد كلمة طنانة، بعد أن أصبح حافزاً ملموساً للنمو والابتكار.

 

توماس براموتيدهام، الرئيس التنفيذي لشركة "بريسايت"

يستفيد القطاع المالي الذي يعتمد على الميزانيات العمومية والبيانات المالية بشكل كبير من الذكاء الاصطناعي وخوارزميات التحليلات التي يمكنها معالجة كميات هائلة من البيانات المنظمة وغير المنظمة، واستخراج معلومات قيّمة لتوجيه عملية اتخاذ القرار. وتُترجم هذه الخطوات في الممارسة العملية إلى تقييمات أكثر دقة للمخاطر وتوقعات الاستثمار والتخطيط الاستراتيجي على أساس اتجاهات السوق وسلوكيات المستهلكين في الوقت الفعلي.

تتمتع تحليلات البيانات الضخمة، بفضل السرعة والدقة غير المسبوقة، إلى جانب نماذج الذكاء الاصطناعي، بالقدرة على استهلاك كل شيء من البيانات التاريخية، إلى ظروف السوق الحالية والتدقيق فيها، وتعزيز ممارسات إدارة المخاطر من خلال تحديد التهديدات المحتملة وأنماط الاحتيال وتقلبات السوق في الوقت الفعلي. ويسمح هذا بدوره للمؤسسات المالية بتخفيف المخاطر بشكل استباقي وحماية الأصول.

ومن مظاهر الثقة الأخرى بالذكاء الاصطناعي التوليدي، الفهم الأفضل لقدرته على تقديم خدمات استشارات مالية أكثر تخصيصاً وتوجيه العملاء خلال رحلتهم المالية من خلال معلومات مخصصة واستراتيجيات لبناء الثقة. وتأخذ هذه التقنية نظرة متعمقة على كميات هائلة من البيانات، تشمل تاريخ المعاملات وأنماط الإنفاق والتفضيلات لتخصيص الخدمات مثل المشورة الاستثمارية، وتوصيات القروض وخطط التأمين، وتحسين رضا العملاء وولائهم ومشاركتهم. وهذا التطور ليس خيالاً علمياً في المستقبل البعيد، بل هو مسار ملموس وجاهز لإعادة تعريف المشهد المالي في وقت أقرب مما قد نتوقعه.

يُتيح الجمع بين تحليلات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي التوليدي المدعم بمنصات متطورة، آليات متقدمة للكشف عن الاحتيال والوقاية منه، حيث يمكن لهذه الحلول التقنية اكتشاف أي نشاطات غير طبيعية أو مشبوهة والأنماط غير العادية في المعاملات المالية وتحديد حالات الاحتيال المحتملة للتحقيق الفوري والتخفيف منها، وبالتالي حماية كل من العملاء والمؤسسات المالية. كما يمكنها تحديد ثغرات الامتثال ومراقبة المعاملات، بحثاً عن الانتهاكات التنظيمية، وإنشاء التقارير الآلية وتبسيط العمليات، وتقليل مخاطر العقوبات أو القضايا القانونية.

لكن يتطلب هذا تدريب نماذج توليدية على بيانات المعاملات العادية، كي تتمكن هذه الأنظمة من التعرف على الأنماط والتوزيعات الأساسية لتكون قادرة على رصد الانحرافات باعتبارها نشاطات مشبوهة محتملة تُشير إلى الاحتيال. ويمكن لهذه النماذج إنشاء بيانات اصطناعية تُحاكي بيانات المعاملات الحقيقية عن كثب، مما يُثري مجموعات التدريب لنماذج اكتشاف الاحتيال. ويسمح هذا التنوع المعزز في البيانات بمجموعة أوسع من الأمثلة، مما قد يحسن قدرة النماذج على اكتشاف أنماط الاحتيال الجديدة والناشئة.

أخبار ذات صلة ليوا عجمان للرطب والعسل ينطلق 24 الجاري محاكم دبي تطلق باقة خدمات "في الشوفة" لكبار المواطنين وأصحاب الهمم

وبعيداً عن الاحتيال، تعمل الأتمتة المدعمة بالذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة على تبسيط المهام الروتينية، مثل إدخال البيانات ومعالجة المستندات واستفسارات العملاء وتحسين الكفاءة التشغيلية، والحد من الأخطاء اليدوية، وتحرير الموارد البشرية للتركيز على المهام ذات القيمة الأعلى والابتكار والمبادرات الاستراتيجية، مما يؤدي بدوره إلى زيادة الإنتاجية الإجمالية وخفض التكلفة.

يمتد نطاق تأثير الذكاء الاصطناعي إلى ما هو أبعد من تبسيط العمليات، فهو يظهر كحليف لا غنى عنه للمراجعين والمحققين، حيث يعمل على إحداث نقلة نوعية في تحليل البيانات بسرعة ودقة لا مثيل لهما. وما كان يتطلب في السابق أسابيع من الجهد الشاق، أصبح يمكن إنجازه الآن في فترة قصيرة بفضل وجود مساعد ذكي لا يتجاهل التفاصيل المهمة أبداً، ويضمن الامتثال ويحافظ على سلامة المعاملات.

يرمز الدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في القطاع المالي إلى بناء الثقة أيضاً، فمن خلال تمكين المراقبة في الوقت الفعلي للمعاملات والأنشطة، تتولى الأنظمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي دوراً وصائياً، وتحمي قدسية المنظومة المالية الشاملة وتعزز ثقة العملاء. وتعمل العلاقة التكافلية بين الخبرة البشرية والذكاء الآلي بمثابة أساس متين لمشهد مالي أكثر أماناً وشفافية. وتتجاوز قدراته الحسابات العددية المجردة، وتركز أيضاً على تمكين الأفراد عبر تزويدهم بالأدوات اللازمة للتفوق في أدوارهم وتعزيز المشاركة الأعمق مع العملاء.

نرى عند تصور المستقبل أن إمكانات الذكاء الاصطناعي في مجال التمويل لا حدود لها. وستتنبأ خوارزميات الذكاء الاصطناعي التوليدي باتجاهات السوق المستقبلية وسلوكيات العملاء ونتائج الأعمال، استناداً إلى تحليلات البيانات التاريخية والتعرف على الأنماط، مما يتيح توقع تغيرات السوق وتحديد فرص النمو وتمكين المؤسسات المالية من البقاء في الصدارة والتكيف مع ديناميكيات السوق المتغيرة بشكل فعال.

إذاً، لا يتمحور ظهور الذكاء الاصطناعي في مجال التمويل حول الآلات، بل هو متعلق أكثر بتسهيل عمل البشر، عبر تزويد المتخصصين في التمويل بالأدوات التي تُعزز قدراتهم وتُحسن تجارب العملاء وتوجه الجميع نحو مستقبل مالي أكثر إشراقاً.

 

مادة إعلانية

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: تحلیلات البیانات الضخمة بالذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی من خلال

إقرأ أيضاً:

خمس حقائق قد لا تعرفها عن طريقة عمل روبوتات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT

مع تزايد الاعتماد على روبوتات الدردشة المدعومة بـ الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، يتساءل كثيرون كيف تعمل هذه الأدوات بالضبط؟ وهل نستخدمها بطريقة صحيحة؟ في هذا التقرير، نرصد أبرز خمس حقائق مهمة لفهم كيفية عمل روبوتات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT و Google Gemini، وكيف نتعامل معها بوعي وفعالية.

تُدرَّب بواسطة تدخل بشري مباشر

تمر روبوتات الدردشة بمراحل متعددة من التدريب، تبدأ بمرحلة تُعرف بـ"ما قبل التدريب" (Pre-training)، حيث يتم تعليم النموذج توقع الكلمة التالية داخل كميات ضخمة من النصوص، هذا التدريب يمنحه فهماً عاماً للغة والمعلومات والمنطق.

لكن هذا التدريب وحده لا يكفي لضمان الأمان والموثوقية. إذ يتدخل بعدها "مُقيِّمون بشريون" لتوجيه النموذج نحو إجابات آمنة ومفيدة، فيما يُعرف بمرحلة "الضبط الأخلاقي" أو "المحاذاة" (Alignment). 

في هذه المرحلة، يتم تصنيف الإجابات واختيار الأكثر حيادية وملاءمة، وهو ما يمنع النموذج من تقديم معلومات خطيرة أو مضللة.

ورغم أن شركة OpenAI لم تكشف عدد الأشخاص الذين شاركوا في تدريب ChatGPT أو عدد ساعات التدريب، فإن تدخل البشر يعد ضرورياً لمنح النموذج "بوصلة أخلاقية" تقلل من مخاطره المحتملة.

لا يتعامل مع الكلمات... بل مع "الرموز"

على عكس الإنسان الذي يفكر بالكلمات، يتعامل روبوت الذكاء الاصطناعي مع وحدات أصغر تُسمى "الرموز" أو Tokens. 

وقد تكون هذه رموزاً كاملة، أو أجزاء من كلمات، أو حتى تسلسلات عشوائية من الحروف.

على سبيل المثال، الجملة "The price is $9.99." تُجزأ إلى رموز مثل: "The", "price", "is", "$", "9", ".", "99". أما "ChatGPT is marvellous"، فقد يتم تحليلها بطريقة أقل منطقية مثل: "chat", "G", "PT", "is", "mar", "vellous".

تُظهر هذه العملية مدى تعقيد فهم اللغة عند الذكاء الاصطناعي، بما له من نقاط قوة وحدود.

معلوماته قديمة ويصعب تحديثها

تُعدُّ روبوتات الذكاء الاصطناعي أدوات "ثابتة المعرفة"، أي أنها لا تقوم بتحديث نفسها تلقائيًا.

 وكل إصدار من ChatGPT مثلاً، يتوقف عند "تاريخ معرفة" معين. الإصدار الحالي مثلاً يمتلك معرفة حتى يونيو 2024 فقط.

عند سؤاله عن أخبار حديثة أو أسماء رؤساء حاليين، يحتاج إلى استخدام محرك بحث مثل Bing لقراءة النتائج وتقديم إجابة. 

وتُعد عملية تحديث النموذج مكلفة علمياً ومالياً، ولا تزال الأبحاث مستمرة لتطوير آلية تحديث أكثر كفاءة.

قابلة للهذيان... بثقة

إحدى أكبر مشكلات روبوتات الدردشة هي أنها قد "تهلوس" — أي تقدم معلومات غير صحيحة أو مختلقة ولكن بثقة كاملة. وذلك لأنها تركز على إنتاج نص مترابط أكثر من التركيز على دقته.

حتى مع وجود أدوات مساعدة مثل التحقق من المصادر أو دمج محركات البحث، لا يمكن منع الهلوسة بالكامل. لذا يُنصح باستخدام روبوتات الدردشة كنقطة انطلاق، وليس كمرجع نهائي للمعلومات.

تعتمد على الآلات الحاسبة لحل المعادلات

في مهام الرياضيات والاستنتاجات المنطقية المعقدة، تعتمد روبوتات الذكاء الاصطناعي على خاصية تُعرف بـ"سلسلة التفكير" (Chain of Thought). هذه الطريقة تُمكّن النموذج من حل المسألة خطوة بخطوة بدلاً من تقديم الإجابة مباشرة.

ولتفادي الأخطاء الحسابية، تستعين هذه النماذج بآلة حاسبة داخلية قادرة على تنفيذ العمليات الرياضية الدقيقة. هذا المزج بين المنطق الداخلي والأدوات المساعدة يحسّن من كفاءة الحلول.

خلاصة

تعكس هذه الحقائق أن روبوتات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT ليست مجرد أدوات للمحادثة، بل كيانات معقدة تعتمد على قدر هائل من البيانات والتدريب البشري. 

لكنها تظل محدودة بالزمان، قابلة للخطأ، وتفتقر للفهم الحقيقي للعالم. التعامل معها بذكاء يبدأ بفهم آلية عملها وحدود قدراتها، وهذا ما يميز المستخدم الواعي عن غيره.

طباعة شارك الذكاء الاصطناعي ChatGPT Google Gemini

مقالات مشابهة

  • 5 حقائق عن عمل روبوتات الذكاء الاصطناعي
  • نظرية أوركسترا الحمل المعرفي: دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز التعلم
  • استعادة تدريجية لخدمات الاتصالات المتأثرة بحريق سنترال رمسيس
  • غوتيريش يحذر من عسكرة الذكاء الاصطناعي
  • مدبولي أمام مجموعة بريكس: يجب تسوية المعاملات المالية بالعملات المحلية
  • خمس حقائق قد لا تعرفها عن طريقة عمل روبوتات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT
  • الذكاء الاصطناعي.. أمل اللغات المهددة
  • من البيانات إلى التنمية: كيف يقود الذكاء الاصطناعي ثورة اقتصادية في القارة السمراء؟
  • إلى كتبة الذكاء الاصطناعي: ارحمونا!
  • يحتاج إلى رقابة بشرية.. خبير يكشف تفاصيل «هلاوس الذكاء الاصطناعي»