حكمت الأزمة الإقتصادية غير المسبوقة التي طغت على لبنان منذ 2019، أن يعيش القطاع العقاري جموداً لا مثيل له في كل المناطق، يخرقه تحرّك بسيط في بعضها بين الفينة والأخرى. الأسباب التي وصلت بهذا القطاع- الذي كان ركناً من أركان الإقتصاد اللبناني في أحد الأيام- إلى حاله اليوم كثيرة، ومع تراكمها وسط واقع سياسي وأمني "مخلّع"، أودت بأحلام شباب لبنان بامتلاك بيوت وتأسيس أسر بمهبّ الريح.

فهل من بصيص أمل ولو صغير ينتشلهم من هذا الواقع المخيف؟

قطاع مكبوت
هذا السؤال حملناه للخبير الإقتصادي عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا البروفسور بيار الخوري، الذي أكد أن السوق العقاري في لبنان عانى من تحوّلات جمّة بعد الأزمة، وبشكل أساسي بسبب غياب المشاريع العقارية الكبرى، وأيضاً بسبب تحوّل جزء كبير من المواطنين من الشراء إلى الإيجار.
وأضاف الخوري لـ"لبنان 24"، أنه في الوقت عينه، وعلى الرغم من أن أسعار المبيع انخفضت بشكل كبير، إلا أن المناطق التي تعتبر أساسية و"صفّ أوّل"، لم تشهد حركة بيع كبيرة على مستويات الأسعار التي قيل إنها انخفضت لـ60% من السعر قبل الأزمة.
وأوضح أنه قد يكون هناك من اضطر لعدد من العوامل، أن يبيع عقاره بسعر زهيد، إلا أن معظم القروض العقارية والسكنية التي كان الناس يأخذونها، كانت بهدف التملّك وليس التجارة وقد انخفضت قيمتها.
وأشار الخوري إلى أن فيروس كورونا أدّى إلى معاناة السوق العقاري، ثم نشطت الحركة بدفع من سوق الإيجارات وسوق السياحة الريفية، لذلك يمكن التأكيد أن القطاع خسر عوامل مهمّة عدّة منها المشاريع الكبرى والبنية التحتية، ولكنه ربح التحوّل في مفهوم العمل بسوق العقارات، الذي وعلى الرغم من استمرار انخفاض الناتج الوطني بحدود الـ70%، لا يزال يشكّل النسبة عينها لدى 18% من مجموع الناتج.
وشدد على أن السوق العقاري مكبوت، ولو كان هناك من استثمارات وقروض وأموال تدخل عن طريق القطاع المصرفي اليوم في البلد، فالمستفيد الأول سيكون القطاع العقاري، مؤكداً أن المستثمرين لا يمكن أن يتشجعوا في ظل الأوضاع الراهنة.
وقال الخوري إن المغتربين يعتقدون أن الوقت الآن ملائم لشراء العقارات أكثر منه في ما لو كانت الأوضاع مستتبة، كما أن تجار العقارات يعمدون إلى شرائها على  الأسعار المنخفضة وتحديداً المحال والأراضي، خاصة وأن السوق اليوم لا سعر محددا له. كما أن لا استعدادات للبيع على أسعار زهيدة إلا في حالات معينة كالحاجة إلى المال أو مغادرة البلد بشكل نهائي وغيرها.
واعتبر أن "السبب الرئيسي الذي أدّى لوصول القطاع العقاري إلى ما هو عليه اليوم، هو سياسة فتح الإستيراد ورفع الطلب المحلي بطريقة غير عقلانية"، مشدداً على أننا خسرنا استدامة قدرة الإنفاق على سائر القطاع بما فيها العقاري.
وكشف الخوري أنه منذ العام 2013، شهد القطاع العقاري ولا يزال على عناصر ضعف ارتبطت بأن الميزان التجاري على سبيل المثال لا الحصر، سجّل عجزاً هائلاً وتاريخياً، كما أن ميزان المدفوعات لم يستطع تعويض العجر ما أدى إلى انخفاض الأموال المتوفرة للعمل بالقطاعات كافة.
وأضاف: "يعدّ البلد غير طبيعي منذ 2019 من حيث المخاطر السياسية، الأمنية والإقتصادية، فضلاً عن أزمة المصارف التي وللمفارقة، أدّت إلى تماسك القطاع العقاري ولو قليلاً من خلال سوق الشيكات في 2020 و2021، إلا أن هذا الأمر ليس دائماً".

لا أفق للتحسّن
وفي السياق، رأى الخوري أن لا أفق لتحسّن القطاع وما نحن عليه اليوم هو الأفضل لناحية الظروف المحيطة"، قائلاً: "ربّ ضارة نافعة، إذ إننا كسبنا نظرة الناس المتحوّلة إلى الإيجارات وهذا ضروري لأننا في خضمّ أزمة شباب غير قادر على الزواج وشراء بيوت، ويمثّل الإيجار إمكانية لبداية تأسيس حياة من دون انتظار القروض العقارية ومن دون تحمّل مبالغ طائلة شهرياً".
وأكد أنه في حال تمّ الثبات على هذا الإتجاه، فسيكون امراً جيداً جداً بالنسبة لمن يستثمر العقار ولمن يشغله أيضاً كالعقارات التجارية، ويتحوّل الأمر نحو العقارات السكنية.
أمّا بالنسبة للخسائر التي ارتدّت على خزينة الدولة، فقال الخوري إن الدولة هي التي لا تقوم بفتح المصالح العقارية في الوقت الراهن لقبض المستحقات، مشدداً على أن الفساد الذي يطغى على الإدارات لا بد من أنه يؤدي إلى خسارة خزينة الدولة الكثير من حقوقها.
وعن السبل ﻟﺘﺤﺮﯾﻚ ﻋﺠﻠﺔ اﻟﺘﻤﻮﯾﻞ اﻟﻌﻘﺎري ﻣﻦ ﺟﺪﯾد، رأى الخوري أن ما يحصل في الظروف الحالية هو الأفضل، قائلاً إن من بمقدوره أخذ المخاطر يأخذها خاصة وأن الدولة لا تقوم باستثمارات، والقطاع الخاص لا يرتاح للإقدام على خطوة الإستثمار الكبير، لذا ما من سبل سوى الذهاب نحو دولة سوية من خلال الوصول إلى تسوية ما بالنسبة لرئاسة الجمهورية وللأوضاع الأمنية المشتعلة جنوباً، بالإضافة طبعاً إلى القطاع المصرفي الذي لا يزال حلّه غامضاً جداً.
وشدد على أن "لبنان لا تباع فيه العقارات، ومن هو قادر على الشراء، فليفعل ذلك"، قائلاً: "مررنا بالحرب الأهلية وتكسّر البلد وكانت الآفاق مسدودة على مدى أكثر من 10 سنوات، إلا أن العقارات لم تخسر بل ربحت"، داعياً للتريث في هذا الأمر مع أننا تحت خطر انخفاض الأسعار مجدداً  إلا أن ميزان السوق العقاري قد ينقلب بسرعة". المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: القطاع العقاری السوق العقاری على أن إلا أن

إقرأ أيضاً:

قراءة في قضايا العمل وقوانينه

تتشابك قضايا العمل في مجرياتها وتأثيراتها المجتمعية والاقتصادية؛ فتُحدث في داخلنا متاهات من التساؤلات تدفعنا إلى البحث عن الحلول لمشكلات أهمها أزمة الباحثين عن العمل، ومنظومة تقويم الأداء الوظيفي، وجدل التقاعد وقانونه الجديد. قبل الولوج إلى هذه القراءة وتشعباتها نحتاج إلى القول: إنه لا وجود لتقدم وتطور حضاري دون وجود تحديات مصاحبة؛ فنجد المشكلات مع كل تقدم وتنمية تواجه المجتمعات، منها مشكلات العمل التي لا ينحصر وجودها في دولة دون أخرى، إلا أن التفاوت في حجم هذه المشكلات هو ما يمكن أن يكون معيارا وقياسا لقدرة المجتمعات والحكومات على إيجاد الحلول المناسبة التي يمكن أن تخفف من وطأة الأزمات الناتجة.

تعتبر أزمة العمل وخصوصا أزمة الباحثين عن العمل أحد أكبر المعضلات التي تواجه دول العالم دون استثناء ومنها سلطنة عُمان التي تبذل الحكومة بمؤسساتها المعنيّة الجهود الممكنة للوصول إلى أقل معدلات للبطالة؛ فاستنادا إلى الواقع من زاويته المجتمعية بشموليّتها الاجتماعية والاقتصادية، وعبر ما نلتقطه من فئة الشباب الباحثين عن عمل يمكننا المحاولة في طرح قراءة لبعض مفاصل هذه المشكلة، وتحديد بعض مسبباتها مثل ضعف وجود الكوادر الوطنية في سوق العمل الذي يمكنه أن يشغلها بتعليمه الجامعي الذي تنفق الحكومة الأموال الطائلة عليه أو عبر إكسابه الخبرة المطلوبة بواسطة التدريب، وهنا الإشارة إلى سوق العمل في القطاع الخاص الذي يملك فرصا وافرة لكثير من المهن والتخصصات، وكذلك يرجع البعضُ تدني نسبة التعمين في القطاع الخاص لأسباب أهمها ضعف الحد الأدنى للرواتب وعدم توافقه مع غلاء المعيشة، والذي يمكن لبعض مؤسسات القطاع الخاص استغلاله بشكل قانوني يضمن تنفيذها لشرط نسبة التعمين، وفي المقابل تقليل التكلفة المالية الناتجة من التوظيف، وتحقيق مكاسب ربحية تضع الباحث عن العمل أمام خيارات صعبة منها عدم الاستمرارية في العمل نتيجة الإحساس بالضَّيْم وعدم المساواة، وهنا تتجلى الظاهرة النفسية التي نحتاج إلى الالتفات إليها المتولّدة عند الباحث عن العمل، أو الفاقد للحقوق المالية العادلة والمكافِئة للوظيفة ومهامها، أو عند الاضطرار لترك الوظيفة أوالفصل التعسفي، وهذه الظاهرة النفسية لها تأثيرها من جميع النواحي منها الفردية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي يمكن أن ترتبط بزيادة معدلات الجريمة والتفكك الأسري والاجتماعي، والأمراض النفسية التي تعوق مسيرة التنمية نظير تراجع معدلات الأداء والإبداع عند فئات الشباب الذي يعدّ عمادَ المجتمعات وأركانها.

لا يمكن أن نوجّه أصابع الاتهام إلى جهة معيّنة ونحمّلها المسؤولية بمجملها؛ إذ يتحتم أن ندرك أن مسؤولية أزمة الباحثين عن العمل يتشارك جميع عناصر المجتمع في مواجهتها وتقليل معدلاتها؛ فيأتي الوعي المجتمعي -المتعلق بفهم حركة العمل وأدواته وفلسفته- وتأسيسه على عاتق جميع عناصر المجتمع نفسه أفرادا ومؤسسات، ومن السهل أن نقرّب مغزى الوعي المجتمعي وأهميته في واقع حركة العمل الحر والمؤسسي التي يمكن لأيّ مجتمع أن يتبنى وجودها، ولنا في مدن وولايات عُمانية الأمثلة الناجحة على ذلك منها مدينة نزوى التي تعطي نموذجا واقعيا لوجود الوعي المجتمعي الخاص بفلسفة العمل الذي ليس بالضرورة أن يُحدَّ بأيّ ظرف خارجي يتعلق بتحديات القطاع الخاص أو القطاع العام؛ فانتهجت مدينة نزوى وغيرها من المدن والولايات العمانية توجها غيّر من قواعد العمل المألوفة؛ إذ نجد نشاطا في سوق العمل بمختلف مجالاته يدب في هذه الولايات ويتحرك بسواعد أبنائها الذين يقتنصون الفرص التي يمكن تسخيرها في تحقيق التنمية الاقتصادية واستدامتها؛ فنجد نموا صاعدا في قطاع السياحة الذي لم يعد حكرا على القوى العاملة الأجنبية بل نرى لهذا القطاع شركات أهلية تُعنى بجذب الشباب العُماني الباحث عن العمل؛ فتجعل منه شريكا يساهم بخبرته وعلمه ويستفيد من الناتج بشكل مجزٍ؛ فيعيد تشكيل خبراته التي يمكن أن تلهمه إلى توسيع دائرة العمل وتطويره، وكذلك يمكن لهذه الشركات الأهلية المساهمة في التنمية المجتمعية التي يمكنها أن تمنح الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للجميع.

في جانب آخر فإن تعويلنا على دور الوعي المجتمعي لفلسفة العمل -الذي أمكن أن نرى نتائجه في بعض الولايات العمانية ومدنها- لا ينبغي أن نجعله بديلا يمنع حق مشاركة الكوادر العمانية في سوق العمل العام والخاص الذي سقنا بعض مسببات ركوده التي يمكن أن تعالج بقرارات تعيد النظر في قوانين العمل منها رفع الحد الأدنى للأجور، ورفع نسبة التعمين للوظائف بجميع مستوياتها الصغيرة والمتوسطة والكبيرة -وفي هذا المفصل لا ننكر الحراك الذي تبذله الحكومة عبر تحديثها المستمر لنسب التعمين ورفعها وفقا للتخصصات التي يمكن للكوادر العمانية أن تتولى تنفيذها-، ورفع معدلات الأمان الوظيفي -الذي أيضا نرى تحسّنه وفقا لمستجدات قانون العمل والحماية الاجتماعية-، وينبغي أن يصاحب أيّ مستجدات في هذه القوانين متابعة حثيثة ودقيقة يمكن بواسطتها تحقيق أقصى تنفيذ ممكن لهذه القوانين.

من منظور آخر يخص حركة العمل واستدامته لابد أن نلتفت في قراءتنا الحالية إلى منظومة التقويم الوظيفي وأدواتها المستعملة التي تتفاوت في آليتها وقياساتها وأدواتها من قطاع إلى آخر، إلا أننا في هذا المقال المعني بقضايا العمل نركّز على المنظومة الحالية المعتمدة في القطاع العام المدني التي يراها كثيرٌ من العاملين في القطاع العام بأنها منظومة بحاجة إلى مراجعة شاملة تعيد آلية تقويم الأداء الوظيفي بشكل مرضٍ وعادل للجميع مما يقلل من ظاهرة الإحباط وعدم المبالاة وضعف الأداء، وفي هذا الشأن من الممكن أن ندخل الذكاء الاصطناعي ونماذجه للمساعدة سواء في تحليل كفاءة هذه المنظومة وتحديد نقاط ضعفها أو في إعادة بنائها وتشغيلها. كذلك قانون العمل الذي ارتبط به نظام التقاعد الجديد بحاجة إلى إعادة النظر في مفاصله الكثيرة التي تخص الحاضر والمستقبل وتخص الزوايا المتعلقة بالأداء الوظيفي والاجتماعي والأسري والنفسي؛ فهذه زوايا من السهل أن تجتمع في تشكيل مجتمع منهك لا يرى وضوحا لمستقبله الذي يستحق أن يكون في صورة أكثر مرونة من حيثُ الميولات الشخصيّة ورغباتها، وتمنح فرص استئناف الحياة بصور أخرى؛ فتسمح لكوادر وطنية أخرى أن تكمل مسيرة العمل دون تأخير يسرق سنوات العمر من الجيلين السابق والجديد.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

مقالات مشابهة

  • قراءة في قضايا العمل وقوانينه
  • القاهرة الإخبارية: الاحتلال يواصل منع دخول المساعدات لغزة
  • “دبليو كابيتال”: عقارات دبي تحقق أداء استثنائيًا لا يعترف بسقف محدد أو نهاية معلومة
  • آخر التطورات بجنوب لبنان.. إسرائيل تقصف بالمدافع وحزب الله يرد بالأسلحة الثقيلة
  • المفتي دريان في رسالة السنة الهجرية: الوحدة الوطنية كانت وستبقى القاعدة الأساس في مقاومة الاحتلال
  • وزير الدفاع الإسرائيلي: المقترح الذي حصلت عليه حماس هو الأفضل
  • مدبولي: تواصلت مع الوزراء والمحافظين للاطمئنان أنهم الأفضل لمناصبهم
  • رئيس هيئة العقار: 1.3 مليون خريطة عقارية مصححة منذ إطلاق السجل العقاري
  • مناقشة آلية استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحقيق ميزة تنافسية وتحسين الأداء في السوق العقاري