ليس للمحبة ضفاف. يسكنك أناس تراهم نفعوا وأحسنوا، يبقون فى القلب والعقل والروح محل تقدير دائم. منهم طارق حجى، المفكر الجميل النبيل الذى رفع مبكرًا خطاب العقل واعتبره جسرًا وحيدًا لمفارقة التخلف.
كم مر من أعمارنا لنرى طارق حجى شيخًا يصارع السرطان فى بأس؟ هل كُنت أنا قبل ثلاثين عامًا ذلك اليافع الموصول بالكتابة والمفتش عن خلاص فيما دوّنه المبدعون عندما التقيته مفندًا ومفككًا وناقدًا للكلام الرائج والخطاب العام؟ هل راقنى ما طرحه فصرت أتتبعه من مقال لمقال، وأنتظره من كتاب لكتاب مسحوبًا مشدودًا لما يقول بلغة جزلة طيبة بسيطة؟
هل قادتنى كتاباته لأفكر وأفكر، وأرنو للعلم نظرة تقدير، وأغوص فى أعماق الأشياء ناقدًا ومُصححًا؟ هل أنقذتنى أفكاره فنجوت من الانزلاق فى مستنقعات التبعية والطاعة لجماعات التأسلم التى لوثت عيشتنا؟
تبدو القراءات الأولية فارقة، تؤسس لانطلاقتنا الفكرية، ترتب أدمغتنا، وتضع قواعد واضحة لمواقفنا.
فيما بعد كافأتنى مهنة الصحافة لأقترب من الرجل، وأحاوره وأناقشه، وأخبرنى أن الإصلاح ليس مستحيلا، وأن تغيير الناس، والمجتمعات ممكن بالكلمة والفكر والتعليم.
وفى رأيه، فإن دعاة العودة للجذور والأصول ليس لديهم ما يقدمونه إلا الوعود الكبيرة للعامة. أما خاصة المثقفين فيعرفون أن التاريخ الإسلامى كان تاريخًا بشريًا محضًا شهد فترة ازدهار نسبى، يبالغ فى حقيقتها ومداها كثيرون، ثم أخذت فى الانحسار والانهيار عندما أفرزت من داخلها عقلية نقلية مضادة للعقل والابتكار ووضعت سقوفًا منخفضة لعمل العقل الإنسانى.
فالتقدم الذى شهدته أوروبا الغربية حدث بفعل عوامل إنسانية أكثر من كونها أوروبية أو غربية، وأول هذه العوامل هو الحد من سلطان ونفوذ رجال الدين، ثم رفع سقف حرية التفكير وإعمال العقل النقدى، وهما العاملان اللذان طورا قيم التقدم والتى هى جلها «إنسانية صرفة» وليست غربية أو مسيحية أو أوروبية.
قال لى «إن تحقيق التقدم كفيل بتغيير أنماط التفكير فى المجتمعات العربية، والعقل العربى مثل أى عقل، قابل للتطور والتغير، بعد مراجعات وتجارب حقيقية.»
ومما يراه أن الحكومات والنخب العربية مطالبة بالعمل على نشر وتثوير ثقافة التسامح. صحيح أن الحضارة الغـربيـة اتسمت تاريخيـًا بالتـعصب العرقـى، إلا أَن الواقع يُحتم علينا أَن نعتـرف أَن الازدهـار الثقـافــى فى العالم الغــربى حــوّل أبناء هـذه المجتمعات لدرجة أفضـل من التسامح. لقد كنا قبل مائة عاما أكثر تسامحًا مع الآخرين، وكنا نؤمن أن الاختلاف سنة من سُننِ الحياة ومعلم من معالم التواجد الإنسانى على الأرض، أما نحن الآن فلا نرى سوى أننا نمثل الصواب المطلق، وخطورة ذلك أن يصل إلى مراكز القيادة فى المجتمع مَن يظنون أنهم وحدهم الصواب، ووحدهم الحق، ووحدهم الخير، وكل ما هو سواهم باطل.
لقد كنت ومازلت مدينًا لطارق حجى أن أضاء لى الدرب مبكرًا، ولا شك أن رجلا مثله وهب حياته لتغيير الناس عقولًا ووعيًا وسلوكًا يستحق دعاءنا ومحبتنا وتقديرنا.
والله أعلم.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أنا مدين القلب والعقل
إقرأ أيضاً:
محافظ المنيا يسلّم كرسيًا كهربائيًا لـ«عم منصور» تقديرًا لتبرعه بأرض الوحدة الصحية
في بادرة إنسانية نبيلة تجسد التقدير والعرفان بالعطاء المجتمعي الذي يتحلى به أبناء الوطن في توادهم وتراحمهم، سلم اللواء عماد كدوانى محافظ المنيا كرسياً كهربائياً للمواطن منصور محمد أحمد، البالغ من العمر 70 عامًا، أحد أهالي قرية الجزائر التابعة لمجلس قروي قلوصنا بمركز سمالوط، وذلك تقديرًا لدوره النبيل في التبرع بقطعة أرض من إرث والده لإنشاء وحدة صحية تخدم أبناء قريته والقرى المجاورة.
جاء ذلك خلال الجولة التفقدية التي أجراها محافظ المنيا اليوم، بمركز سمالوط لمتابعة عدد من القطاعات الخدمية والمشروعات التنموية، التقى خلالها بالمواطن منصور محمد أحمد والذى تبادل أطراف الحديث مع اللواء كدوانى طالباً توفير كرسي كهربائي ليساعده على الحركة والانتقال لأداء فريضة الصلاة بالمسجد مراعاة لحالته الصحية وظروفه المرضية وكبر سنه، ليستجيب المحافظ على الفور ويوجّه بتسليمه الكرسي في نفس اليوم أثناء تواجده، في لفتة تعكس روح المسؤولية والتكامل بين الدولة والمواطنين ورد الجميل لأصحابه.
ويُعد المواطن منصور محمد أحمد أحد النماذج المشرفة في العطاء المجتمعي، حيث تبرّع بقطعة أرض من إرث والده لصالح إنشاء الوحدة الصحية التي تخدم الآن آلاف المواطنين من قرية الجزائر والقرى المجاورة، في صورة تعكس مدى وعي المواطن المصري بدوره الوطني في دعم الخدمات الأساسية لقريته.
وأكد محافظ المنيا خلال اللقاء أن التكامل بين الدولة والمواطن هو الأساس الحقيقي للتنمية، وأن ما قام به “عم منصور” يُعد مثالًا يُحتذى به في المشاركة المجتمعية، مشددًا على أن الدولة لا تتأخر في دعم وتكريم من يقدّم الخير لأهله ومجتمعه.
كما وجّه المحافظ الشكر لأهالي قرية الجزائر على تفاعلهم الإيجابي مع جهود الدولة لتطوير الخدمات الصحية في الريف، في إطار المبادرة الرئاسية “حياة كريمة”، التي تستهدف رفع كفاءة المنشآت الطبية وتوفير حياة أفضل للمواطنين.
وتُعد هذه اللفتة الإنسانية واحدة من سلسلة الإستجابات الفورية التي يحرص محافظ المنيا على تنفيذها في جولاته الميدانية، من خلال الاستماع المباشر للمواطنين، والتعامل الفوري مع مطالبهم، بما يعكس الحرص على ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية وتوفير سبل الدعم والرعاية للفئات الأولى بالرعاية.