بوابة الوفد:
2025-11-15@05:52:58 GMT

أنا مدين لـ«طارق حجى»

تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT

ليس للمحبة ضفاف. يسكنك أناس تراهم نفعوا وأحسنوا، يبقون فى القلب والعقل والروح محل تقدير دائم. منهم طارق حجى، المفكر الجميل النبيل الذى رفع مبكرًا خطاب العقل واعتبره جسرًا وحيدًا لمفارقة التخلف.

كم مر من أعمارنا لنرى طارق حجى شيخًا يصارع السرطان فى بأس؟ هل كُنت أنا قبل ثلاثين عامًا ذلك اليافع الموصول بالكتابة والمفتش عن خلاص فيما دوّنه المبدعون عندما التقيته مفندًا ومفككًا وناقدًا للكلام الرائج والخطاب العام؟ هل راقنى ما طرحه فصرت أتتبعه من مقال لمقال، وأنتظره من كتاب لكتاب مسحوبًا مشدودًا لما يقول بلغة جزلة طيبة بسيطة؟

هل قادتنى كتاباته لأفكر وأفكر، وأرنو للعلم نظرة تقدير، وأغوص فى أعماق الأشياء ناقدًا ومُصححًا؟ هل أنقذتنى أفكاره فنجوت من الانزلاق فى مستنقعات التبعية والطاعة لجماعات التأسلم التى لوثت عيشتنا؟

تبدو القراءات الأولية فارقة، تؤسس لانطلاقتنا الفكرية، ترتب أدمغتنا، وتضع قواعد واضحة لمواقفنا.

كان كتابه «الأصنام الأربعة» قائدى ومرشدى الأول لأعيد تقدير العقل الإنسانى وأضعه ميزانًا لكل تصور. وضع الرجل عينيه على النصف الآخر من العالم، ذلك الغرب الموصوم بالكفر والقسوة والرذائل، ليُقدم لنا الجانب المخفى المنسى بفعل الصوت الزاعق والحناجر الجاهلة. فكك طارق حجى نظرية المؤامرة التى غرستها فينا الحكومات والمعارضات العربية أزمنة طويلة لتُخضعنا. دعانا الرجل لننفتح ونطل على العالم ونبحث عن المعرفة بعيدًا عن خطباء المساجد، وهتيفة الانتخابات، والمثقفين العتقاء. أبصر «حجي» مبكرًا آفة العالم العربى بخلطه المريب للدين بالسياسة، والذى استفادته منه الأنظمة الحاكمة، مثلما استفاد خصومها من الجماعات المتأسلمة، فزايد الكل على الكل، وكُنا نحن الضحية.

فيما بعد كافأتنى مهنة الصحافة لأقترب من الرجل، وأحاوره وأناقشه، وأخبرنى أن الإصلاح ليس مستحيلا، وأن تغيير الناس، والمجتمعات ممكن بالكلمة والفكر والتعليم.

وفى رأيه، فإن دعاة العودة للجذور والأصول ليس لديهم ما يقدمونه إلا الوعود الكبيرة للعامة. أما خاصة المثقفين فيعرفون أن التاريخ الإسلامى كان تاريخًا بشريًا محضًا شهد فترة ازدهار نسبى، يبالغ فى حقيقتها ومداها كثيرون، ثم أخذت فى الانحسار والانهيار عندما أفرزت من داخلها عقلية نقلية مضادة للعقل والابتكار ووضعت سقوفًا منخفضة لعمل العقل الإنسانى.

فالتقدم الذى شهدته أوروبا الغربية حدث بفعل عوامل إنسانية أكثر من كونها أوروبية أو غربية، وأول هذه العوامل هو الحد من سلطان ونفوذ رجال الدين، ثم رفع سقف حرية التفكير وإعمال العقل النقدى، وهما العاملان اللذان طورا قيم التقدم والتى هى جلها «إنسانية صرفة» وليست غربية أو مسيحية أو أوروبية.

قال لى «إن تحقيق التقدم كفيل بتغيير أنماط التفكير فى المجتمعات العربية، والعقل العربى مثل أى عقل، قابل للتطور والتغير، بعد مراجعات وتجارب حقيقية.»

ومما يراه أن الحكومات والنخب العربية مطالبة بالعمل على نشر وتثوير ثقافة التسامح. صحيح أن الحضارة الغـربيـة اتسمت تاريخيـًا بالتـعصب العرقـى، إلا أَن الواقع يُحتم علينا أَن نعتـرف أَن الازدهـار الثقـافــى فى العالم الغــربى حــوّل أبناء هـذه المجتمعات لدرجة أفضـل من التسامح. لقد كنا قبل مائة عاما أكثر تسامحًا مع الآخرين، وكنا نؤمن أن الاختلاف سنة من سُننِ الحياة ومعلم من معالم التواجد الإنسانى على الأرض، أما نحن الآن فلا نرى سوى أننا نمثل الصواب المطلق، وخطورة ذلك أن يصل إلى مراكز القيادة فى المجتمع مَن يظنون أنهم وحدهم الصواب، ووحدهم الحق، ووحدهم الخير، وكل ما هو سواهم باطل.

لقد كنت ومازلت مدينًا لطارق حجى أن أضاء لى الدرب مبكرًا، ولا شك أن رجلا مثله وهب حياته لتغيير الناس عقولًا ووعيًا وسلوكًا يستحق دعاءنا ومحبتنا وتقديرنا.

والله أعلم.

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: أنا مدين القلب والعقل

إقرأ أيضاً:

الرجل يفضل العمل في صمت وتجرد… ويكره الأضواء والظهور

علي الرُغم من أن الرجل يفضل العمل في صمت وتجرد… ويكره الأضواء والظهور… إلا أن أفعاله تتحدث بصوتٍ جهور.

وحجم الإمتنان ورسائل العرفان التي وردت إلينا من أهلنا الدارفوريين الموجودين قسراً في (معسكر أزهري المبارك بالعفاض) بعد أن شردهم تت*ار العصر الحديث ولاحقهم الأنذال المأجورين تعكس بوضوح حجم التقدير ونُبل العطاء وكيف وجدوا مايلزم من طمأنينة دون مّنْ أو متاجرة من كل أهل المنطقة هناك.

الحمد لله أن للسودان رجال لايزالون أبعد ما يكون عن الأهواء والتشدّق والمآرب… يقدمون بيمينهم ما لا تعلمه يسارهم بكل تواضع وبساطة… ويمشون بين الناس هوناً بالإحسان والخير العميم.

شكراً (حاج أزهري) علي كل ما نعلم وما لا نعلم…. أنت أهلٌ لكل جميل… ربنا يقدرنا علي جزاك وشكرك وهو السبيل لشكر العزيز الكريم الذي جعلك سبباً نسأله أن يغمرك بحفظه وتوفيقه.
د(اليا) س

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مواعيد مباريات العربية والعالمية اليوم الجمعة والقنوات الناقلة والمعلقون
  • بدء العلاج الوظيفي مبكرًا يرفع نتائج استجابة الطفل الخديج إلى 70%
  • توضيح من المكتب الإعلامي في مشيخة العقل.. هذه تفاصيله
  • قطر تؤكد أهمية توحيد الجهود لحفظ التراث خلال مشاركتها في الاحتفال بيوم الوثيقة العربية
  • شيخ العقل استقبل سفراء ووفودًا بحثت شؤونًا دبلوماسية وأكاديمية
  • أحمد عمرو: أحمل مهمة صناعة المواهب العربية والدولية في عالم الإسكواش
  • تقدير إسرائيلي: حرب غزة مهدت الطريق لفوز ممداني في نيويورك
  • الرجل يفضل العمل في صمت وتجرد… ويكره الأضواء والظهور
  • تقديرًا لإبداع الشباب..تفاصيل إطلاق النسخة الدولية من مسابقة AYDA في مصر
  • وزير الخارجية يؤكد تقدير مصر لدور المحكمة الدائمة للتحكيم