بوابة الوفد:
2025-04-02@23:22:42 GMT

أنا مدين لـ«طارق حجى»

تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT

ليس للمحبة ضفاف. يسكنك أناس تراهم نفعوا وأحسنوا، يبقون فى القلب والعقل والروح محل تقدير دائم. منهم طارق حجى، المفكر الجميل النبيل الذى رفع مبكرًا خطاب العقل واعتبره جسرًا وحيدًا لمفارقة التخلف.

كم مر من أعمارنا لنرى طارق حجى شيخًا يصارع السرطان فى بأس؟ هل كُنت أنا قبل ثلاثين عامًا ذلك اليافع الموصول بالكتابة والمفتش عن خلاص فيما دوّنه المبدعون عندما التقيته مفندًا ومفككًا وناقدًا للكلام الرائج والخطاب العام؟ هل راقنى ما طرحه فصرت أتتبعه من مقال لمقال، وأنتظره من كتاب لكتاب مسحوبًا مشدودًا لما يقول بلغة جزلة طيبة بسيطة؟

هل قادتنى كتاباته لأفكر وأفكر، وأرنو للعلم نظرة تقدير، وأغوص فى أعماق الأشياء ناقدًا ومُصححًا؟ هل أنقذتنى أفكاره فنجوت من الانزلاق فى مستنقعات التبعية والطاعة لجماعات التأسلم التى لوثت عيشتنا؟

تبدو القراءات الأولية فارقة، تؤسس لانطلاقتنا الفكرية، ترتب أدمغتنا، وتضع قواعد واضحة لمواقفنا.

كان كتابه «الأصنام الأربعة» قائدى ومرشدى الأول لأعيد تقدير العقل الإنسانى وأضعه ميزانًا لكل تصور. وضع الرجل عينيه على النصف الآخر من العالم، ذلك الغرب الموصوم بالكفر والقسوة والرذائل، ليُقدم لنا الجانب المخفى المنسى بفعل الصوت الزاعق والحناجر الجاهلة. فكك طارق حجى نظرية المؤامرة التى غرستها فينا الحكومات والمعارضات العربية أزمنة طويلة لتُخضعنا. دعانا الرجل لننفتح ونطل على العالم ونبحث عن المعرفة بعيدًا عن خطباء المساجد، وهتيفة الانتخابات، والمثقفين العتقاء. أبصر «حجي» مبكرًا آفة العالم العربى بخلطه المريب للدين بالسياسة، والذى استفادته منه الأنظمة الحاكمة، مثلما استفاد خصومها من الجماعات المتأسلمة، فزايد الكل على الكل، وكُنا نحن الضحية.

فيما بعد كافأتنى مهنة الصحافة لأقترب من الرجل، وأحاوره وأناقشه، وأخبرنى أن الإصلاح ليس مستحيلا، وأن تغيير الناس، والمجتمعات ممكن بالكلمة والفكر والتعليم.

وفى رأيه، فإن دعاة العودة للجذور والأصول ليس لديهم ما يقدمونه إلا الوعود الكبيرة للعامة. أما خاصة المثقفين فيعرفون أن التاريخ الإسلامى كان تاريخًا بشريًا محضًا شهد فترة ازدهار نسبى، يبالغ فى حقيقتها ومداها كثيرون، ثم أخذت فى الانحسار والانهيار عندما أفرزت من داخلها عقلية نقلية مضادة للعقل والابتكار ووضعت سقوفًا منخفضة لعمل العقل الإنسانى.

فالتقدم الذى شهدته أوروبا الغربية حدث بفعل عوامل إنسانية أكثر من كونها أوروبية أو غربية، وأول هذه العوامل هو الحد من سلطان ونفوذ رجال الدين، ثم رفع سقف حرية التفكير وإعمال العقل النقدى، وهما العاملان اللذان طورا قيم التقدم والتى هى جلها «إنسانية صرفة» وليست غربية أو مسيحية أو أوروبية.

قال لى «إن تحقيق التقدم كفيل بتغيير أنماط التفكير فى المجتمعات العربية، والعقل العربى مثل أى عقل، قابل للتطور والتغير، بعد مراجعات وتجارب حقيقية.»

ومما يراه أن الحكومات والنخب العربية مطالبة بالعمل على نشر وتثوير ثقافة التسامح. صحيح أن الحضارة الغـربيـة اتسمت تاريخيـًا بالتـعصب العرقـى، إلا أَن الواقع يُحتم علينا أَن نعتـرف أَن الازدهـار الثقـافــى فى العالم الغــربى حــوّل أبناء هـذه المجتمعات لدرجة أفضـل من التسامح. لقد كنا قبل مائة عاما أكثر تسامحًا مع الآخرين، وكنا نؤمن أن الاختلاف سنة من سُننِ الحياة ومعلم من معالم التواجد الإنسانى على الأرض، أما نحن الآن فلا نرى سوى أننا نمثل الصواب المطلق، وخطورة ذلك أن يصل إلى مراكز القيادة فى المجتمع مَن يظنون أنهم وحدهم الصواب، ووحدهم الحق، ووحدهم الخير، وكل ما هو سواهم باطل.

لقد كنت ومازلت مدينًا لطارق حجى أن أضاء لى الدرب مبكرًا، ولا شك أن رجلا مثله وهب حياته لتغيير الناس عقولًا ووعيًا وسلوكًا يستحق دعاءنا ومحبتنا وتقديرنا.

والله أعلم.

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: أنا مدين القلب والعقل

إقرأ أيضاً:

سحرة حميدتي

أكبر جريمة أرتكبها فرعون مصر في حق بني إسرائيل كما أشار لذلك القرآن، هي تقتيل الأبناء. أما فرعون السودان (حميدتي) فقد تفوق على سباع الغابة في طبعها اللؤوم. القتل والتشريد والاغتصاب وبيع الحرائر، بل دفن الناس أحياء،

أما الإتلاف للبنية التحتية، فقد أتى ما لم تأتِ به الأوائل، فلم يسلم حجر أو شجر من همجيته. وربما نكون صادقين إن قلنا: (إن إبليس قد استغرب من أفعال الرجل في بني جلدته، بل اختلفت الجن في حقيقته وانتماءه للإنسانية في أدنى درجاتها، أما أعلاها فذاك ضربٌ من المستحيل). الآن بفضل الله فقد أغرقه البرهان في (يم) شر أعماله،

وعما قريب سوف يطوي التاريخ صفحته السوداء، ليكون لِمَنْ خلفه آية. لكن السؤال المطروح: بعد أن تبين للقاصي والداني خروج الرجل من السودان (سياسياً واجتماعيًا) لماذا إصرار سحرته (تقزم) على المكابرة، وعدم الرجوع لجادة الطريق؟. لم نطلب منهم القول: (آمنا بصدق الشعب ودفاعه المشروع عن نفسه ومقدراته، والوقوف مع جيشه حفاظًا على كرامته، وصونه لتراب بلده، لتعيش فيه الأجيال مستقبلًا عيشة كريمة). وكذلك لا نطمع في خيرٍ عندهم؛ لأن من باع ضميره بلعاعة الدنيا، سيظل سلعة كاسدة في سوق النخاسة طيلة حياته، في انتظار أول مشتري. بل نطالبهم بالكف عن المتاجرة الرخيصة باسم السودان.

لقد آن الأوان بستر السوءة، فقد رآها مَنْ به عمًى، وسمع بها مَنْ به صممٌ. وخلاصة الأمر رسالتنا لهؤلاء السحرة بأن ما استرهبتم به الشعب طيلة سنين (حميدتي – حمدوك) العجاف فقد جعله الجيش قاعًا صفصًا في عامين، وأصبح حصيدًا تزروه رياح الواقع المعاش، ليبقَ القصاق صلبًا في جذوع نخل العدالة هو المنتظر.


د. أحمد عيسى محمود
عيساوي

السبت ٢٠٢٥/٣/٢٩

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • طالب بإجراءات لمنع تهريب المخدرات..عون: نسعى لاستعادة ثقة الدول العربية في لبنان
  • إنييستا يداعب الأوراق بكتاب عن العقل
  • موازنة النواب: اعتماد البرلمان الأوروبي دعما ماليا لمصر تقدير لدورها في الحد من أعداد النازحين
  • المؤتمر: مشاركة السيسي أبناء الشهداء احتفالية عيد الفطر تعكس تقدير الدولة لتضحيات أبطالها
  • مخابز قطاع غزة ستتوقف غداً الثلاثاء على أبعد تقدير
  • شيخ العقل تلقى اتصالات وبرقيات مهنئة بعيد الفطر وشارك في مناسبات دينية واجتماعية
  • شيخ العقل: لتجاوز التجاذبات المذهبية والعائلية والحزبية في الانتخابات البلدية
  • الحب في ألفاظ العربية
  • سحرة حميدتي
  • طارق الحسيني: تهنئة الرئيس السيسي لمنتخب سلاح السيف دافع كبير للاعبين