أقامت الشرطة الكينية حواجز على الطرق المؤدية إلى القصر الرئاسي اليوم، في حين توعد بعض المحتجين "باقتحام مقر الرئاسة" رغم تراجع الرئيس وليام روتو عن الزيادات الضريبية المقترحة التي أثارت احتجاجات دامت أسبوعا.

ولم يتضح إلى أي مدى سيرضى المحتجون بقرار الرئيس بسحب مشروع قانون الموازنة، الذي اتخذه أمس غداة اشتباكات عنيفة تسببت في مقتل ما لا يقل عن 23 شخصا مع اقتحام المحتجين لمبنى البرلمان لفترة وجيزة.

1) لماذا اندلعت الاحتجاجات في كينيا؟

واندلعت الاضطرابات على خلفية مشروع القانون للعام 2024، بهدف جمع ضرائب إضافية بقيمة 2.7 مليار دولار، لخفض عبء عجز الموازنة، إذ تستهلك مدفوعات الفائدة وحدها 37% من الإيرادات السنوية، حيث تبلغ ديون البلاد 82 مليار دولار.

وطالب المحتجون الحكومة بأن تصرف النظر تماما عن مشروع قانون المالية، قائلين إن الزيادات الضريبية ستضر بالاقتصاد وترفع تكاليف المعيشة للشعب الكيني الذي يكافح بالفعل لتدبير أموره اليومية.

يأتي كل هذا وسط أزمة اقتصادية مريرة أدت إلى انخفاض قيمة الشلن الكيني بنسبة 22% مقابل الدولار الأميركي منذ عام 2022، مما تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والنقل والطاقة، في حين ظل الدخل على حاله إلى حد كبير.

لكن صندوق النقد الدولي يقول إن الحكومة بحاجة إلى زيادة الإيرادات لخفض عجز الموازنة والاقتراض الحكومي.

وأظهرت الحكومة الأسبوع الماضي المرونة بموافقة روتو على إلغاء بعض الرسوم الجديدة المقترحة في مشروع قانون المالية، ومنها الضرائب الجديدة على تملك السيارات والخبز وزيت الطهي والتحويلات المالية.

ورغم المظاهرات الواسعة النطاق التي خرجت في 19 من أصل 47 مقاطعة في كينيا، أقر النواب مشروع قانون المالية في قراءته الثانية الخميس الماضي، مما حول المقترحات الضريبية محل الخلاف إلى مرحلة الإقرار التالية.

وفي المجمل قتل 23 شخصا على الأقل بينما يتلقى 30 آخرون العلاج من جروح ناجمة عن أعيرة نارية أصيبوا بها خلال الاحتجاجات التي عمت البلاد ضد زيادة الضرائب في كينيا، وفق ما أعلنت نقابة الأطباء الكينية أمس.

جانب من احتجاجات كينيا (الأناضول) 2) هل هدأت الاحتجاجات بعد سحب المشروع؟

تراجعت حدة الاحتجاجات بعد أن أعلن الرئيس الكيني أمس سحب مشروع القانون، لكن الشرطة ما زالت تتحسب لتجدد الاحتجاجات فانتشرت بشكل كثيف في العاصمة نيروبي وغيرها من المدن.

وتعهد الرئيس وليام روتو في خطاب له أمس بأنه لن يوقع مشروع القانون رفع الضرائب الذي أثار الاحتجاجات، مضيفا: "أُنصت باهتمام إلى الشعب الكيني الذي رفض مشروع القانون بوضوح، سأتراجع أمام مطالبه. وبناء عليه لن أوقع مشروع القانون وسيجري سحبه لاحقا".

وأشار الرئيس، دون الخوض في تفاصيل، إلى اعتزامه إطلاق حوار مع الشباب الكيني، وإلى أنه سيعمل على إجراءات تقشف، تبدأ بخفض نفقات الرئاسة، لسد العجز في موازنة البلاد.

وبقيت احتجاجات ومظاهرات محدودة في عدة مناطق رفعت سقف المطالب بتنحي الرئيس عن السلطة جراء الدماء التي سقطت في الاحتجاجات، بعدما كانت تقتصر هذه المطالب سابقا على إلغاء القانون الجديد.

ويُنظر إلى روتو على نطاق واسع في كينيا على أنه دائم السفر بالطائرات الكبيرة، ويطلق عليه منتقدوه لقب "الرئيس الطائر". وفي حين أن هذا السفر قد جلب له الانتقادات، فإنه يبرر ذلك بأن زياراته الخارجية ضرورية لجذب الاستثمارات إلى الدولة التي تعاني من ضائقة مالية.

كما يتهم المنتقدون الرئيس بالخضوع للمؤسسات التي يقودها الغرب مثل صندوق النقد الدولي الذي دعم البلاد في الإصلاحات الضريبية المرفوضة الآن، كجزء من تسهيل قرض قال الرئيس إنه ضروري "للحفاظ على القدرة على تحمل الديون".

3) كيف يرى الكينيون الخطوة؟

ومن المتوقع النظر إلى هذه الخطوة باعتبارها انتصارا لحركة احتجاجية بدأت قبل أسبوع وتطورت من رفض لمشروع القانون على مواقع التواصل إلى مظاهرات حاشدة تطالب بإصلاح سياسي، وذلك في أبرز أزمة تواجهها إدارة روتو الذي تولى رئاسة البلاد منذ عامين.

وقد يسهم قرار روتو في استيعاب الاحتجاجات لكن الرئيس سيظل عالقا بين مطالب لمقرضين مثل صندوق النقد الدولي، الذي يحث الحكومة على خفض العجز للحصول على تمويل إضافي، وبين المواطنين الذين يعانون من ارتفاع تكلفة المعيشة.

4) ما الوضع الاقتصادي لكينيا؟

وافق مجلس صندوق النقد الدولي في أبريل/ نيسان 2021 على إقراض كينيا 2.34 مليار دولار، من أجل "إنعاش النمو في الاقتصاد بعد الصدمة المرتبطة بجائحة كورونا والحد من نقاط الضعف المتعلقة بالديون من خلال ضبط أوضاع المالية العامة لعدة سنوات عبر زيادة الإيرادات مع التحكم في النفقات".

وتم تمديد البرنامج في يوليو/ تموز 2023 لمدة 20 شهرا.

ومر البرنامج بـ6 مراجعات، وحصلت كينيا من خلال المراجعة الأخيرة التي مررها الصندوق في يناير/ كانون الثاني الماضي على 624.5 مليون دولار.

وتوقع الصندوق مطلع السنة الحالية ارتفاع معدل التضخم في كينيا في النصف الأول من عام 2024، مدفوعا في المقام الأول بتقلبات أسعار النفط العالمية وارتفاع سعر صرف العملة المحلية، لكنه توقع أن يظل تحت السيطرة بسبب تشديد السياسة النقدية خلال 2023.

ودعا كينيا إلى خفض عبء الدين نحو مستوى الدين الجديد البالغ 55% من الناتج المحلي الإجمالي بالقيمة الحالية بحلول عام 2029.

وكان صندوق النقد الدولي دعا كينيا في يناير/ كانون الثاني الماضي إلى تنفيذ "إستراتيجية الإيرادات المتوسطة الأجل" لزيادة القاعدة الضريبية (زيادة الممولين) لخلق مساحة أكبر للإنفاق لتحسين الخدمات العامة.

وحث الصندوق نيروبي على مراقبة المخاطر التي تواجه عملية ضبط أوضاع المالية العامة المخطط لها وتفعيل 3 خطط طوارئ على الفور حسب الحاجة.

5) ما التوقعات لأداء كينيا الاقتصادي؟

وهذه توقعات صندوق النقد الدولي لأداء كينيا خلال الفترة المقبلة:

سيبلغ معدل التضخم في 2024 حوالي 5% تزيد إلى 5.3% في العامين المقبلين. توقع زيادة إيرادات كينيا 19% من الناتج المحلي خلال السنة الحالية و19.1% في 2025 و19.5% في 2026. من المتوقع نمو اقتصاد كينيا 5% في 2024 و5.3% في العامين المقبلين.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات صندوق النقد الدولی مشروع القانون مشروع قانون فی کینیا

إقرأ أيضاً:

لماذا كل هذا الرهان على مفاوضات مسقط الإنسانية الاقتصادية؟!

تتجه الأنظار إلى العاصمة العمانية مسقط التي ستستضيف اليوم الأحد جولة مفاوضات مستحدثة بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، ستتركز حول القضايا الإنسانية والاقتصادية، في مسعى سعودي عُماني مشترك لإعادة ضخ الحياة إلى محادثات السلام المتعثرة؛ عبر الحفر في ذات المسار التفاوضي الذي لم يغادر بعد جزئية بناء الثقة والبعدين الاقتصادي والإنساني.

تأتي هذه الجولة من المفاوضات وسط تفاؤل تعززه تقارير الصحافة السعودية على وجه الخصوص، إذ تراهن تلك التقارير على ما قد تسفر عنه المفاوضات من نتائج ربما تمضي في اتجاه الإنجاز السياسي رغم الطابع الإنساني والاقتصادي لهذه المفاوضات، بل وتصف هذه الجولة من مفاوضات مسقط بأنها اختراقٌ قد يصل باليمن "إلى سلام دائم وشامل انتظره اليمنيون كثيرا، كما جاء في تعليق لصحيفة "عكاظ".

تذهب الحكومة اليمنية إلى اجتماعات مسقط تحت ضغط واضح من الرياض، في وقت تتضافر فيه الجهود العمانية والسعودية لإعادة الزخم لدور البلدين، الذي ينطوي على قدر مؤثر من الاستغلال الأنيق لضعف السلطة الشرعية، في ظل فراغ الساحة اليمنية من المواقف الصلبة والإرادات المستقلة،ما من مؤشر على أي تغيير في سلوك جماعة الحوثي السياسي والعسكري يمكن أن يضفي على هذا النوع من جولات التفاوض قدرا من المصداقية والموضوعية ويدفع بها إلى النتائج المرجوة، وأهمها التصرف بما تقتضيه الالتزامات تجاه تعزيز المركز القانوني للسلطة الشرعية وحالة الشلل في الموقف الوطني العام، الناتج أصلا عن سياسة تحييد القرار الوطني، التي شكلت أبرز سمات التدخل الإقليمي (العسكري والدبلوماسي) في الشأن اليمني على مدى السنوات الماضية من زمن الحرب.

ما من مؤشر على أي تغيير في سلوك جماعة الحوثي السياسي والعسكري يمكن أن يضفي على هذا النوع من جولات التفاوض قدرا من المصداقية والموضوعية ويدفع بها إلى النتائج المرجوة، وأهمها التصرف بما تقتضيه الالتزامات تجاه تعزيز المركز القانوني للسلطة الشرعية، وعدم السعي المتعمد لدفعها نحو الانحلال، أو الاستمرار في إجبار اليمنيين على انتظار ما ستقدمه جماعة الحوثي من تنازلات.

إن ما ينتظره اليمنيون تنازلات لا أقل من أن تُعيد إليهم الدولة المخطوفة، وتنهي سطوة المليشيات المسلحة عليها والنفوذ الطاغي للقوى الإقليمية على القرار السيادي، وتمكنهم كذلك من تأسيس سلطة وطنية منتخبة طبقا لقواعد الممارسة الديمقراطية، وإلا فلا معنى لأي مسعى أو توافقات لا توصل إلى هذا الهدف.

خلال الأسبوعين الماضيين شكلت إعادة فتح طريق رئيسي يصل وسط مدينة تعز بضاحيتها الشرقية، وآخر يربط بين محافظة مأرب وأمانة العاصمة صنعاء عبر مسار طويل ومكلف، نقطة تحول مهمة، تبين فيما بعد أن التنازلات الحوثية التي جاءت متأخرة تسع سنوات؛ لم تكن سوى استجابة لضغوط سعودية عمانية، هدفها ربما تأمين أرضية أخلاقية تضمن استمرار البلدين في خطوات من الواضح أنها تعزز الموقع التفاوضي لجماعة الحوثي، عبر تسوية يحرص البلدان على إنجازها بأي ثمن.

وإذا كانت سلطنة عمان مدفوعة بإنجاز تسوية تعزز موقفها الدبلوماسي وتتكئ على ثقل الدور العماني لدى أهم أطراف الصراع وهي جماعة الحوثي، فإن المملكة العربية السعودية أحرص ما تكون على التوصل إلى اتفاق حول خارطة طريق تنهي اشتباكها العسكري على الساحة اليمنية، وتحولها إلى طرف وسيط يتكئ على إمكانيات ستسمح بجعل تأثيره أكثر فعالية وأقل كلفة مما هي عليه الحال اليوم.

السعودية أحرص ما تكون على التوصل إلى اتفاق حول خارطة طريق تنهي اشتباكها العسكري على الساحة اليمنية، وتحولها إلى طرف وسيط يتكئ على إمكانيات ستسمح بجعل تأثيره أكثر فعالية وأقل كلفة مما هي عليه الحال اليوم
وما من شك في أن حرص الرياض على إنجاز اتفاق خارطة الطريق، يتأثر بحالة عدم اليقين بشأن نهاية سريعة للصراع الإقليمي؛ من شأنها أن تسمح بوقف قريب للاشتباك العسكري الذي تدير الولايات المتحدة في جنوب البحر الأحمر، المرتبط بالعدوان على غزة، وذلك بخليط من الاستخدام المحدود للقوة العسكرية يجعلها عمليا دون نتائج واضحة على الأرض أو على قوة الحوثيين ووجودهم، والادعاءات التي لا تتمتع بأية مصداقية بشأن أهداف واشنطن الحقيقية من وراء هذا الاشتباك.

والجميع يعلم أن الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر، وفرت ذريعة إضافية لتأهيل جماعة الحوثي وتعزيز دورها في اليمن، وفي إطار المواجهة الإقليمية التي تتغذى من نزعة إيران لفرض الهيمنة الطائفية، وتتغذى أيضا من حاجة واشنطن لعامل ضغط إقليمي منفلت يجبر الرياض على الذهاب إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، الذي إن تم بدون شروط أخلاقية، فإنه سيطيح حتما بمركزها الإقليمي ورمزيتها الدينية.

أقدمت الجماعة الحوثية قبل خمسة أيام على احتجاز (4) طائرات مدنية تابعة للخطوط الجوية اليمنية في مطار صنعاء الدولي الواقع تحت سيطرتها، وهو سلوك همجي إرهابي وعمل من أعمال الحرابة، يقوض بشكل كامل الثقة التي دفعت الشرعية أثمانا باهظه لأجهلها؛ تحت وطأة الضغوط الإقليمية والدولية.

وغني عن القول إن هذه الخطوة تنسف عمليا المكاسب الرمزية التي تحققت من وراء إعادة فتح بعض الطرق، وتعطي مؤشرا واضحا على أن مسلسل ابتزاز الشرعية وتهديد مركزها القانوني لطالما استُخدما بشكل متعمد، وتحت غطاء إقليمي؛ لانتزاع تنازلات من جانب الشرعية، وهو الأمر الذي قد يفتح المجال للتفكير بأن دوافع احتجاز الطائرات هدفه دفع الحكومة إلى التراجع عن قراراتها المالية الأخيرة التي قوضت بشكل مؤثر المكانة السلطوية لجماعة الحوثي.

هناك الآلاف من الحجاج اليمنيين المتواجدين في مطار الملك عبد العزيز في جدة وفي مكة ينتظرون العودة على متن الخطوط الجوية التي قدموا إلى المشاعر المقدسة على متنها، ومع ذلك لا يكترث الحوثيون بهذه الوضعية الاستثنائية الناشئة عن جريمة احتجاز الطائرات المدنية التي يفترض أنها تقدم خدمة محايدة للشعب اليمني، وأرجو ألا يتحول احتجاز الطائرات إلى قضية مهيمنة في مفاوضات مسقط، يأخذها نحو مسار تفاوضي عبثي جديد، كالمسارات العبثية التي كرست الواقع الفوضوي الحالي والتضعضع المخيف لهياكل الدولة اليمنية.

x.com/yaseentamimi68

مقالات مشابهة

  • لماذا ترفض الجزائر الحكم الذاتي للصحراء المغربية؟
  • احتجاجات كينيا.. نائب الرئيس يلقي اللوم على رئيس المخابرات
  • الرئيس الكيني يقدم مبادرة للحوار مع الشباب المحتجين
  • لماذا كل هذا الرهان على مفاوضات مسقط الإنسانية الاقتصادية؟!
  • لماذا أقرت لجنة النقل والمواصلات مشروع قانون تمويل الميناء الجاف؟
  • 30 قتيلا في الأقل حصاد تظاهرات ضد الحكومة في كينيا
  • درس آخر من الشقيقة كينيا.. يالروعة دولة المؤسسات والديموقراطية
  • استمرار الاحتجاجات الشعبية في كينيا رغم إلغاء قانون الضرائب
  • "هيومن رايتس ووتش": 30 قتيلا على الأقل في التظاهرات ضد الحكومة في كينيا
  • نشطاء يدعون إلى احتجاجات جديدة في كينيا