د. محمد ممدوح يكتب: الوضع الاقتصادي وحقوق الإنسان قبل وبعد الثورة
تاريخ النشر: 27th, June 2024 GMT
فى الذكرى الحادية عشرة لثورة الثلاثين من يونيو يمر أمام عينى شريط من الذكريات لمرحلة ما قبل 30 يونيو، حيث كانت مصر تعانى تحديات اقتصادية كبيرة، بما فى ذلك التضخم المرتفع، وارتفاع معدلات البطالة، وهروب شبه كامل لأغلب الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة للكوارث التى عاشتها هذه الدولة فى مجالات البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية.
كنا نعيش فى حالة غريبة من عدم الاستقرار السياسى والاضطرابات الاجتماعية، حيث توالت الاحتجاجات والمظاهرات، وانتشرت مشاعر الإحباط والغضب بين جميع الفئات، خاصة الشباب، مولدة موجات من الخوف والقلق بين جميع المواطنين، كانت هناك حاجة ماسة لتغيير حقيقى لهذا الوضع يمكن معه إجراء مجموعة من الإصلاحات الهيكلية فى الاقتصاد لتحقيق النمو المستدام وتحسين فرص العمل.
- من بين التحديات الاقتصادية التى كانت تواجه مصر قبل الثلاثين من يونيو تنامى وتعاظم مفهوم الإدارة الاقتصادية الضعيفة، وتدهور الوضع المالى، وارتفاع مستوى الديون العامة. كان هناك أيضاً تحديات وقصور شديد فى مجال الإصلاحات الهيكلية وجذب الاستثمارات وتعزيز القطاع الخاص فى ظل وجود إدارة غير رشيدة من أهل الثقة وليس من أصحاب الكفاءة فى مختلف مراكز صنع القرار.. كان القطاعان الزراعى والصناعى يعانيان من تحديات كبيرة أيضاً، ما أدى إلى ضعف النمو الاقتصادى، وتدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين، وعدم قدرة الدولة على الوفاء باحتياجات مواطنيها.
- بالإضافة لذلك شهدت مصر انتهاكات خطيرة مثل التضييق على حرية التعبير، والقمع السياسى والإعلامى، وليس حصار مدينة الإنتاج الإعلامى بغريب عن الذكريات، بالإضافة إلى انتهاكات فى حقوق النساء وحقوق العمال.
كما تم تقييد حرية التجمع والتظاهر بشكل كبير. بالإضافة للعديد من القيود الشديدة على الحريات الأساسية مثل حرية التعبير، حيث كانت هناك مضايقات واعتقالات تعسفية للصحفيين والنشطاء السياسيين، وصلت فى العديد من الأحيان إلى الاغتيال والتصفية.
كما كانت هناك تدابير صارمة لقمع الحريات الدينية والسياسية، ما أدى إلى تقييد حرية التعبير والتجمع والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد فى عملية واضحة لجر هذه الدولة إلى حرب أهلية.
كل هذه القيود والانتهاكات أثّرت سلباً على الحياة اليومية للمصريين ودفعتهم للتمرد على الوضع القائم.
- لا أحد يستطيع أن ينكر أن الثورة المصرية فى 30 يونيو كانت استجابة لمطالب الشعب المصرى بالتغيير والإصلاح، حيث شهدت مصر حكماً ذات طابع ديكتاتورى راديكالى، وتردياً اقتصادياً واجتماعياً، مع تفاقم الفساد وتدهور الأوضاع.
تصاعدت مشكلات البطالة وفقر الطبقات الفقيرة، ما دفع المواطنين للخروج فى تظاهرات حاشدة للمطالبة بالإصلاح والتغيير.
وقد ساهمت الإجراءات السياسية غير الرشيدة والعجز الواضح للدولة عن الوفاء باحتياجات المواطنين فى إضعاف، بل وفقد ثقة أغلبية الشعب فى قدرة هذا النظام على الاستمرار، ما دفعهم للنزول إلى الشوارع فى ثورة سلمية، لكنها حاسمة، فى ظل أسباب ودوافع تشمل الغضب الشعبى من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتفشى الفساد والقمع السياسى وانتهاكات حقوق الإنسان.
كما أن الشعب المصرى طالب بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير فرص العمل والحد من البطالة. حيث كانت الرغبة فى التغيير والإصلاح تحفز الناس على النزول إلى الشوارع والمطالبة بإسقاط نظام الجماعة وبناء مستقبل أفضل للبلاد.
كل هذه الأمور التى أدت لنجاح الشعب فى استعادة هذا الوطن جعلت صناع القرار بعد الثلاثين من يونيو فى تحدٍّ حقيقى مع الزمن، حيث شهدت مصر على مدار الأعوام الماضية تحولات اقتصادية جذرية، فقد تم التركيز على تنمية البنية التحتية، وتحفيز الاستثمار، وتحسين مناخ الأعمال، وإعادة الثقة للمواطن قبل المستثمر فى قدرة هذه الدولة على العودة مرة أخرى للنهوض والتوقف عن سياسة تعاطى المسكنات والتحول لسياسة العلاج الحقيقى مهما كانت تكاليف أو مشقة عملية العلاج.. هذه الخطوات جاءت مع حزمة من الجهود المخلصة على المدى الطويل لتحسين مستوى المعيشة للمواطنين والعمل على توفير حياة كريمة ولائقة يستحقها كل المصريين.
حيث شهدت مصر تغييرات اقتصادية مهمة، حيث تم التركيز على تحسين بيئة الأعمال، وتبسيط الإجراءات، وتحسين التشريعات المالية، بالإضافة إلى ذلك، فقد تم تعزيز القطاعات الصناعية والزراعية، وتحفيز الاستثمار الأجنبى. كل هذه الإجراءات ساهمت فى تحقيق نمو اقتصادى قوى، وتحسين الفرص الاقتصادية للمواطنين.
- بعد ثورة الثلاثين من يونيو، شهدت مصر تحسناً كبيراً فى مجال حقوق الإنسان؛ حيث شهدت تلك الدولة إيماناً حقيقياً بضرورة القضاء على الانتهاكات السابقة للحقوق الأساسية، وزيادة الحريات العامة والمدنية، مع إصدار العديد من القوانين والتشريعات الجديدة لحماية حقوق الإنسان، وعلى رأسها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وقبلها بأعوام الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، بالإضافة لرؤية مصر 2030. كما أنه تم تعزيز الحوار المجتمعى الذى يسهم فى زيادة الوعى بحقوق الإنسان والمساواة بين الجميع.
- بعد الثورة، حققت مصر تقدماً كبيراً فى مجال حقوق الإنسان، تم تعزيز حرية التعبير وحرية الصحافة، بالإضافة لحزمة من الإجراءات الجادة فى مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية. بالإضافة للخطوات الجادة فى قضايا العنف ضد المرأة، وتعزيز حقوق الفئات الأوْلى بالرعاية والحماية، ودعم مشاركة المجتمع المدنى فى عملية صنع القرار.
هذه التحسينات أسهمت فى بناء مجتمع مصرى أكثر تقدماً وتعاوناً، وساهمت فى جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز الاستقرار السياسى والاقتصادى.
ومع ذلك وبالنظر إلى المستقبل، يواجه الوضع الاقتصادى فى مصر تحديات عديدة تتمثل فى تحسين مستوى البطالة وتعزيز النمو الاقتصادى وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين. كما تتطلب الآفاق المستقبلية تحقيق استقرار السوق المالى وجذب الاستثمارات الخارجية وتحسين القطاع الصحى والتعليمى. كما أنه من المهم أيضاً التركيز على تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد لضمان التنمية المستدامة وتحسين جودة الحياة للمواطنين.
- مع تطور الأحداث والتغيرات فى السياسة والاقتصاد، يتعين على مصر التصدى لتحديات مستقبلية مثل تحسين البنية التحتية وتحسين بيئة الأعمال وتنمية القطاع الزراعى وتحسين السياسات الضريبية.
كما يتعين التركيز على تحسين سوق العمل وخلق فرص عمل جديدة وتوفير التعليم والتدريب المهنى للشباب للمساهمة فى بناء مستقبل واعد للبلاد.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: ثورة 30 يونيو التحديات الاقتصادية الإصلاحات الهيكلية حریة التعبیر حقوق الإنسان الترکیز على حیث شهدت شهدت مصر
إقرأ أيضاً:
كريم خالد عبد العزيز يكتب: البيت والأسرة.. أساس بناء الشخصية المستقرة نفسيًا واجتماعيًا
قوة البيت تظهر من خلال الدعم العاطفي، والشعور بالأمان، والانتماء الذي يحصل عليه الفرد من أسرته .... ترابط العائلة وتماسك أفراد الأسرة يُسهم في تكوين شخصية الإنسان .... الإنسان العاطفي الحساس يُعطي دائمًا الأولوية لبيته وأفراد عائلته على أصدقائه ونشاطاته الخارجية. عندما يكون البيت مليئًا بالحب والتفاهم، فإنه يُسهم في بناء شخصية عاطفية محبة للحياة، شخصية سوية متزنة وقوية قادرة على مواجهة التحديات الخارجية بثقة .... أما إذا كان هناك ضعف أو تفكك في العلاقات الأسرية فهذا يصنع شخصية مضطربة ومهزوزة، وقد يُؤدي ذلك إلى شعور الفرد بعدم الاستقرار العاطفي، مما ينعكس على سلوكه وتعامله مع الآخرين، وقد يضطر للبحث عن الدعم العاطفي خارج البيت، مما قد يعرضه للاستغلال أو الخداع من قِبل كثيرين غير موثوق بهم.
كريم خالد عبد العزيز يكتب: فن إدارة ردود الأفعال.. بين الحق والسمو الإنسانيكريم خالد عبد العزيز يكتب: البيت والوطن.. هوية عميقة تتجاوز الجدران والحدودالبيت يجب أن يكون مكانًا للراحة النفسية قبل الجسدية .... مكانًا آمنًا وصالحًا للحياة، وبيئة خصبة لإنتاج أفكار إبداعية ناجحة .... البيت هو العالم الداخلي الموازي للعالم الخارجي الحقيقي، فيه يتربى الإنسان ويتأسس ليستطيع التفاعل والتعامل مع العالم الخارجي أو مع الواقع .... البيت ليس جدرانًا تحتوي أجسادنا بقدر ما هو مكان يشهد على كثير من المشاعر والذكريات والتاريخ ومراحل عمرنا ونمونا .... وكذلك، فإن ترابط أفراد العائلة أو الأسرة وتفاعلهم الإيجابي يُضفي للبيت روح القوة والتماسك والفرح. الترابط الأسري قد لا يشترط العيش في بيت واحد، بل يعتمد على قوة العلاقة والمودة بين أفراد الأسرة، بغض النظر عن المسافات أو الظروف .... الطلاق، السفر، أو ظروف العمل قد تُفرق أفراد الأسرة مكانيًا، ولكن يمكن للتواصل المستمر، والاهتمام المتبادل، والدعم العاطفي أن يحافظ على هذا الترابط .... التكنولوجيا اليوم، رغم سلبياتها في تقليل التواصل بالكلام بين أفراد الأسرة وانشغال كل فرد بهاتفه المحمول، إلا أنها تُساعد بشكل كبير في تقوية الروابط من خلال المكالمات الهاتفية، الفيديو، والرسائل التي تُبقي الجميع متصلين رغم المسافات بين الدول والقارات. يجب أن نسعى دائمًا لتقوية الروابط الأسرية والعائلية، للمحافظة على الأمان والاستقرار النفسي داخل بيوتنا، ولمعالجة مشكلات التواصل بالمشاركة والتفاعل .... بيتنا يمثل هويتنا وقوتنا ووحدتنا وانتماءنا، فهو ليس مكانًا نسكن فيه فقط، بل هو مساحة تجمعنا بالمحبة والتفاهم، حيث نتشارك الأفراح ونتخطى الأحزان معًا .... عندما نحافظ على دفء العلاقة الأسرية، فإننا نبني أساسًا قويًا يمدنا بالقوة لمواجهة تحديات الحياة بثقة وثبات.