لجريدة عمان:
2025-07-04@00:26:46 GMT

يوم عرفة والعقول الثّلاثة

تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT

تتكرر جدلية يوم عرفة وعيد الأضحى في عمان بين فترة وأخرى، فهناك من يحاول أن يجعلها في الإطار الطائفي، وكأنَّ هناك صراعًا بين الطوائف المذهبية في عمان، أو محاولة لفرض مذهب على آخر في طقوسه الدينية والتعبدية، وهناك من يقرأ الحدث بضبابية دون تفكيك له، فيقع في إطلاق أحكام عمومية لا علاقة في العديد من جزئياتها أو بعضها بالواقع.

في نظري لقراءة القضية عن قرب وبعقلانية علينا أن نمايز بين ثلاثة عقول: العقل الجمعي، والعقل الفقهي، والعقل العلمي، وأما العقل الجمعي فهو أقرب إلى صورة الواقع المحسوس من الفقه أو العلم، فقد ينقد الطرق التي يمر عليها ولو لم يفقه علم الهندسة، ويحكم على ما يعايشه من تطبيب ولو لم يكن متخصصًا أو ضليعًا في الطب.

لهذا قبل مائتي سنة مثلا، لما يبدأ صوم رمضان يتصور العقلُ الجمعي العالمَ جميعا في هذه اللحظة بَدَأ الصيام معه، وقد يكون من في قرية أخرى لا تبعد عنه كثيرا لم يبدأوا صيامهم بعد، فكذلك لما يكون في يوم التاسع من ذي الحجة يحضر في وجدانه أن حجاج بيت الله الحرام في هذه اللحظة يقفون في صعيد عرفات، ولكن في الواقع قد يكون عندهم الثامن، وقد يكون لديهم العاشر، وكما فقهت حتى سابقا في مكة لم يكن الناس يقفون في يوم واحد، وقد يُعيده بعضهم احتياطًا، وظهرت في الفقه مقولة «الخطأ في يوم عرفة مغتفر» لأجل أن يقف الناس معا في يوم واحد على صعيد عرفات، حتى جاءت الدولة السعودية، فوحدتهم سياسيا على وقفة واحدة، ومنعت تعدد الوقفات.

أما اليوم فلا يمكن عقلا تصور ذلك؛ لأن الإفاضة إلى منى يوم الثامن، والوقوف بعرفة يوم التاسع، ثم الإفاضة ليلا إلى مزدلفة، وما يعقبه من أعمال النحر والتشريق، كل هذا يعايشه العقل الجمعي من خلال البث المباشر، فأصبحت الصورة الذهنية عالقة في تصوره وتصديقه لها من خلال الإعلام المشاهد بصورة حية، ولهذا ارتأى غالب العالم الإسلامي متابعة أم القرى في هذا الأمر؛ لأن الجانب السياسي كان مرجحًا لهذه الحالة، سواء استند إلى رأي فقهي أو علمي أو لم يستند واقعًا، عدا دول إسلامية أخرى غلبت الجانب الفقهي والعلمي فيها على العقل الجمعي، وهي أقل عددا، وكانت هذه الحالة مؤثرة في الرأي السياسي.

وأما في عُمان ففي فترة مبكرة لأكثر من عقدين كانت تميل سياسيًا إلى متابعة أم القرى في ذلك، ولكنه بعد عام 2008م حدث رأي في القرار السياسي المتمثل في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، فتارة تغلب متابعة أم القرى، وتارة تتبع الجانب الاستقلالي فقهيًا، ثم أنها سابقًا وضعت نفسها في سعة من الأمر، فلم يكن هناك لجنة تبث على الهواء كلجنة رمضان، وإنما يترك الأمر لما فيه مصلحة، لهذا لم يكن هناك جدل أو اضطراب خصوصا قبل 2008م، وتناغم العقل الجمعي من أي مذهب كان مع القرار السياسي في الجملة.

هذان الأمران - أي بث الإعلام الحي، والعادة على اتباع عشر ذي الحجة حسب إعلان المملكة العربية السعودية - جعل العقلَ الجمعي ينكمش على حالة واحدة، غير قابلة صوريًا ومصداقًا ذهنيًا على تصور حالة ذهنية أخرى، وهذا ليس في عمان فحسب، ففي عام 2001م حدث جدل كبير مع المسلمين القاطنين في أمريكا، مع بعد أمريكا جغرافيا عن مكة، حيث صادفت وقفة عرفة في مكة 4 مارس، وعيد الأضحى 5 مارس، بينما انقسم المسلمون في أمريكا إلى فريقين: فريق رأى أن الوقفة فلكيا حسب موقع أمريكا يوافق 5 مارس، والعيد 6 مارس، واحتج هؤلاء باختلاف المطالع، بينما ذهب فريق آخر إلى أن الحج عرفة، وهذا مرتبط بمكة، فالاختلاف جائز في عيد الفطر، ولكن لا يجوز أن يكون ذلك في عيد الأضحى، فحدث جدل كبير بينهم، فأرسل الطرفان رسالة إلى الشيخ يوسف القرضاوي (ت 1444هـ/ 2022م) ليحكم بينهم، فأجاب: «إن يوم عرفة إنما هو للحجاج، ولو كان هو اليوم الثامن أو اليوم العاشر في بلدهم، وقد نص الفقهاء على أن الخطأ في يوم عرفة مغتفر، ولو وقف الحجيج يوم الثامن خطأ، فإن حجهم صحيح ومقبول، ولكن لا يجب على جميع المسلمين أن يتبعوهم في هذا الخطأ، بل كل يتبع بلده الذي يعيش فيه، وسلطته الشرعية»، كما أجاب أيضا: «فكم نحب للمسلمين أن يتفقوا في يوم صومهم ويوم فطرهم، ويوم حجهم الأكبر، ولكن جرت سنة الله أن يختلف الناس... إننا إذا لم نصل إلى وحدة المسلمين في العالم حول هذه الشعائر؛ فلنحرص على وحدة المسلمين في كل بلد، بحيث يتبعون سلطتهم الشرعية التي ارتضوها..».

أمام العقل الجمعي -وهو الغالب لطبيعة البشر- يكون العقل الفقهي، والعقل العلمي، وقد كتبت عنهما في أكثر من مناسبة، آخرها في جريدة عمان بعنوان: «الأشهر القمرية وجدلية الهلال»، ويمكن إجمال ذلك أن الخلاف فيه على ثلاثة أوجه، الوجه الأول من حيث المطالع، فهناك من يرى اتحاد المطالع، وآخرون يرون اختلاف المطالع، ومنهم من يرون اختلاف المطالع في المناطق البعيدة عن بعضها، ومنهم من يرى اختلاف المطالع في المناطق غير المشتركة في جزء من الليل أو غالبه؛ والوجه الثاني الاشتراك في أصل الرؤية بالعين الباصرة تعبدًا، فهناك من يرى عدم جواز إثبات الأهلة تعبدًا بغير الباصرة كالتلسكوب والمكبرات، ومنهم من يرى جواز ذلك استئناسا لا تعبدا، ومنهم من يرى جواز ذلك تعبدا وإثباتا، والوجه الثالث باعتبار العلم أو الحساب الفلكي، ففريق يرى بدعيته وظنيته ولا يجوز استخدامه تعبدا، ومنهم من يرى قطعيته لكن لا يعتد به في رؤية الهلال إثباتا ولا إنكارا، وفريق يرى الاعتداد به إنكارا لا إثباتا، ومنهم من يرى الاعتداد به إثباتا وإنكارا، وهؤلاء اختلفوا هل باعتبار الولادة، أم باعتبار المكث بعد الغروب، أم باعتبار المكث والقدرة على رؤيته بالباصرة أو المحدبة.

وأما العقل العلمي فتارة يتزاوج مع العقل الفقهي كما أسلفنا آنفا، وتارة يستقل عنه، فهناك من التقاويم من تعتمد الولادة كتقويم أم القرى، وهناك من التقاويم من تجمع بين المكث وإمكانية رؤيته كالتقويم العماني.

وعلى هذا القرار أو الرأي السياسي في غالب العالم الإسلامي بالنسبة لعيدي الفطر والأضحى ووقفة عرفة على تغليب وحدة المطالع، ولو أن الرأي الفقهي الرسمي مخالف لذلك، ولكن من باب تحقق مصلحة الوحدة الشرعية في مظاهر التعبد كرمضان والعيدين، فيتبعون إعلان المملكة العربية السعودية، وإعلان السعودية قائم على رؤية الباصرة ظاهريا وفقهيا، وليس باعتبار تقويم أم القرى، وهؤلاء غالب العالم العربي والإسلامي، ومنهم من يرى الاستقلالية حسب اختلاف المطالع، فلكل بلد رؤيته، اعتمد على الباصرة أم جمع بينها وبين الحساب، كما في غالب دول شرق آسيا، وفي عمان والمغرب، وكانت الجزائر ترى بهذا ثم أخذت بالقول الأول، ومنهم من يعتمد الحساب الفلكي إثباتا وإنكارا كما يبدو الحال في تركيا، وكانت ليبيا في عهد القذافي على هذا الرأي، وبعد الثورة أخذت بالرأي الأول، ومن الشيعة من يرى هذا سابقا محمد حسين فضل الله (ت 1431هـ/ 2010م)، وحاليا كمال الحيدري، وإن كان وضع الشيعة الإمامية في الاتباع حسب التقليد، لكن من حيث الجانب الرسمي حسب رؤية الدولة كما في إيران والعراق.

وعلى هذا الرأي أو القرار السياسي ليس واحدا في العالم الإسلامي، كما أن العقل العلمي على دقته يكون أحيانا متأثرا بالرأي الفقهي، وعليه ما حدث في عُمان في عيد الأضحى الأخير أي 1445هـ لا علاقة له بالطائفية، ولا ينبغي جر القراءة إلى البعد الطائفي، وإن كان الفقهاء قديما وحديثا اتفقوا على طاعة الحاكم أو الجهة الشرعية المتبعة في هذا، خلافا للإمامية الذين قالوا باتباع المرجع، ومع ذلك كحالة ظهورية لديهم يكون وفق ما قرره الولي الفقيه كما في إيران، وكحالة فردية لكل مرجعيته.

ومن المزعج أيضا هذه العمومية في قراءة الحدث بلا تأصيل، وإن كنت شخصيا أرى أن العلم لو ترك المجال له لخلص العالم الإسلامي من هذه الآراء المتباينة، فإذا اتفق العلم ذاته على معيار واحد لكانت له كلمته، ولكن كما يبدو أن ذلك بعيد المنال حاليًا، ولا زال العقل الفقهي على اختلافه مؤثرًا على العقل العلمي وعلى الرأي السياسي، وبه يرهن العقل الجمعي، لهذا ما نراه من أحداث مخالفة لما عليه الرأي السياسي لا يخرج عن هذا الجدل، وليس به نزعة طائفية، ولا ينبغي جر القراءة إلى هذا المنحدر، كما ينبغي أن تكون هناك سعة حوارية في التعامل حول هذه القضايا، وأن تسبق المعرفة والرحمة والحكمة القرارات السياسية أيا كان اتجاهها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العالم الإسلامی الرأی السیاسی العقل الجمعی فهناک من أم القرى یوم عرفة فی عمان لم یکن فی یوم

إقرأ أيضاً:

حين يكون الزواج بناءً لا مظهرا

 

 

 

سلطان بن ناصر القاسمي

 

في كل حضارة تنمو وتزدهر، كانت الأسرة هي الخلية الأولى التي يبدأ بها البناء، والركيزة التي يقوم عليها المجتمع. وإذا ما نظرنا في التاريخ نجد أن أعظم المجتمعات إنما عرفت الاستقرار والتقدم حين اعتنت بالزواج وباركت تكوين الأسرة.

والزواج في الإسلام ليس مجرد ارتباط بين ذكر وأنثى؛ بل هو ميثاق غليظ، وعهد رباني، وسنة كونية وشرعية تحمل في جوهرها مقاصد عظيمة. ولأننا اليوم نعيش زمنًا تتسارع فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية، بات من المهم أن نعيد الحديث عن هذا الركن الثابت، لا لنكرّر ما قيل، بل لنضيء الزوايا التي أهملناها، ونستنهض الوعي حول ما يجب أن يكون.

تحدثنا في موضوع سابق عن "كيف يمكن أن نبني زواجًا ناجحًا"؛ فكان لا بُد أن نوضح ونحث على الزواج، ونتحدث عن أهمية الزواج في الإسلام، حيث شرع الله سبحانه وتعالى الزواج بين جنسي البشر ذكر وأنثى، ووضع له شروطًا وأركانًا، وحث عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي الشريف: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء".

وهذا دليل من السنة على وجوب الزواج وأهميته. وكثيرًا ما تم الحديث عن أسباب تأخر الشباب في الزواج، ومنها ارتفاع المهور، وتكاليف الزواج، وعدم القدرة المالية، وقلة التوظيف، وكثرة التسريح من الأعمال. كلها أسباب مجتمعة تجعل من هذا الموضوع عائقًا أمام الإتمام.

وبالتالي نركز في هذا الموضوع على الأركان الأساسية لتحقيق الزواج كما أشار إليه مصطلح "الباءة"، والذي يعني القدرة على الإنفاق على الزوجة وتحمل تكاليف الزواج من مهر، ومسكن، ونفقة، وكسوة. وهذه أمور أساسية، نعم، قد يشارك الأهل في بعضها وتسهيل البعض الآخر، ولكن يبقى الأساس في ذلك هو "الاستطاعة"، وتشمل كذلك القدرة الجسدية على إقامة علاقة زوجية سليمة، مقرونة بالقدرة المالية على تحمّل أعباء الزواج. وإذا توفرت هذه الأركان يُحثّ الشخص على إتمام الزواج، وإلّا فليُرجع إلى التوجيه والنصح النبوي بالصوم، لكسر جموح الرغبة لدى الإنسان، خوفًا من الوقوع في المعصية، لا قدر الله.

والزواج في الإسلام سُنَّةٌ مؤكدةٌ وعبادةٌ حثّ عليها الأنبياء والرسل؛ حيث يُعد من أفضل الأعمال وأقربها إلى الله تعالى، لما يحققه من مقاصد شرعية واجتماعية. وقد ورد فيه: "تناكحوا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة". وهذا الحديث فيه حث صريح على الزواج، وهو أمر فطري لاستمرار التناسل، وحتى لا ينقطع التكاثر الإنساني، وهذا هو الأمر الفطريّ للبشرية. فالزواج كما ذكرنا عبادة، ويحقق نصف الدين، وكذلك يمثل الإطار الشرعي الذي يحقق الرغبات المشروعة، ويمنع الانحرافات الفطرية، ويوفر الاستقرار للمجتمع.

كما أنه بناء لمؤسسة عظيمة تقوم على أركان السكينة والمودة والرحمة، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً" (الروم: 21).

وهذه الآية بينت أن الزواج هو الأساس في بناء الأسرة، ويحقق أركانها. وشرع الله سبحانه الزواج منذ بداية الخليقة، عندما خلق سيدنا آدم، إلى أن تقوم الساعة، قال الله تعالى: "يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ" (البقرة: 35).

كما إنَّ الزواج يحقق ويقوّي الروابط الأسرية، ويعزّز التواصل الفعّال بين أفراد الأسرة، ويزيد من ممارسة الاحترام المتبادل.

وتُعد الروابط الأسرية هي روابط القرابة بين الأفراد الذين تربطهم صلة الدم أو الزواج، وهي تشكّل علاقات الوحدة الأساسية للمجتمع، وهي أساسية للتنمية الاجتماعية. فنجد أن الأسرة في الأفراح والأتراح مجتمعة بكاملها، تفرح لفرح الجميع، وتحزن لحزنهم، حتى وإن كانوا من قبائل مختلفة، لأن هناك ترابطًا بينهم من خلال تحقيق الزواج بين تلك العوائل. كما ذكرنا، بالإضافة إلى تحقيق الدعم المعنوي، يحقق الزواج أيضًا الدعم المادي لبعضهم البعض، ويتحقق ذلك من خلال إقامة الصناديق العائلية، والمساهمات العينية في جميع المناسبات.

ولله الحمد والمِنَّة، نجد ذلك يتحقق في مجتمعنا العُماني بصور مختلفة باختلاف المحافظات. وحتى نحافظ على تقوية تلك الروابط الأسرية، أود أن أشير إلى بعض النقاط والطرق التي من الممكن أن تساعد وتحقق معنى الترابط الأسري. على سبيل المثال: يمكن تنظيم مناشط عائلية مشتركة، تسهم في تعزيز التواصل الفعّال بين أفراد العائلة الواحدة. كما إنَّ إبداء الاحترام المتبادل، وحلّ الخلافات بطريقة بنّاءة، يسهمان في الاستمرارية الإيجابية لتقوية العلاقات الأسرية. كذلك، فإن الصراحة والإخلاص في العلاقات يبنيان الثقة الكاملة في تلك الرابطة.

ولنتحدث قليلًا عن تأخر الزواج وأسبابه وآثاره الجانبية. إلّا أنني أؤمن بأن تأخر الزواج قد يدل على جوانب تتعلق بالحكمة الإلهية، أو لظروف شخصية أو اجتماعية، أو حتى ظروف اقتصادية من جانب الرجل. وقد يكون السبب أيضًا المبالغة والأنانية في طلبات الزواج. ومع ذلك، فإن هذا التأخر قد يكون فرصة للنضوج والتطوير الذاتي لدى الجانبين.

لكن، من جانب آخر، فإن تأخر سن الزواج يؤدي إلى متغيرات في نمط الإنفاق والاستهلاك لدى الفرد، فتجد عملية الإنفاق غير مسؤولة، والمشتريات ليست لها حاجة ضرورية، أو تكون فقط لحظية. وهذا ما يحدث نتيجة عدم الشعور بالمسؤولية الأسرية. كما لا يخلو التأخير من الآثار النفسية لدى الطرفين، من حيث القلق والتوتر النفسي، الذي قد يؤدي إلى انعدام الثقة، وفقدان الإحساس بالاستمتاع، والقلق، والعصبية، واضطرابات في النوم، وبعض المشاكل الجسدية في شكل أوجاع متفرقة.

ولو رجعنا إلى الخلف قليلًا، لوجدنا تباينًا كبيرًا في المتطلبات والعادات والتقاليد. فبينما كان في الماضي يتم عقد القران بحضور الأهل والأقارب والأصدقاء، مع تناول الحلوى العُمانية، وبعدها تتم مراسم الزواج من خلال الأهازيج والموروث العماني، وكلٌّ حسب محافظته، إلا أنَّ ما أثقل كاهل الشباب اليوم في موضوع الزواج هو إقامة الحفلات.

فهناك حفلة لعقد القران، يتبعها حفلة لِلَبس الدبل، ويتم استئجار القاعات أو الاستراحات مع وجبة عشاء، يتبعها حفلة العرس، وما تحمله من نفقات لا مبرر لها، وتُختتم برحلة تُسمى (شهر العسل). وهذه كلها تكاليف لم يأمر بها الإسلام أبدًا، امتثالًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "أقلهن مهرًا أكثرهن بركة".

ومما يدعو للتفاؤل أن هناك مبادرات مجتمعية آخذة في التنامي، تسعى إلى إقامة الأعراس الجماعية تخفيفًا لأعباء تكاليف الزواج، وتعزيزًا لروح التعاون والتكافل الاجتماعي. كما أن استشعار الدولة لأهمية دعم الشباب في هذا الجانب تجسّد في تبنّي الحكومة لصندوق دعم الزواج، المخصص لمن تنطبق عليهم الشروط، وهو ما يعكس وعيًا مؤسسيًا بقيمة الاستقرار الأسري في بناء المجتمع.

ولذلك.. أوجه ندائي للجهات المعنية بالدولة فيما يخص هذا الصندوق، بألا يتم وضع شرط دخل الفرد عائقًا أمام بعض الشباب من الاستفادة منه، أو على الأقل رفع معدل دخل الفرد إلى (1500 ريال عُماني) للحصول على هذا الدعم؛ لأن ما يترتب على الزواج من تكاليف، كما تم ذكره أعلاه، أكبر من أن يتحمّله الشباب وحدهم.

وهكذا، فإن الزواج ليس مجرد عقد وارتباط؛ بل هو بداية رحلة، ومفتاح لبناء حضارة، وتجسيد لمعاني الرحمة والسكن. فلنحمله بالوعي، لا بالمظاهر. ولنجعله عبادة، لا عادة. ولتكن نوايانا فيه خالصة، وقلوبنا مهيأة لحياة تستحق أن تُبنى على الثبات، لا على التكلّف.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • لماذا يكفّر صيام عرفة سنتين بينما يكفّر عاشوراء سنة واحدة؟.. أمين الفتوى يجيب
  • البستاني: لم تُنفَّذ خطط الكهرباء بالنكد السياسي
  • نصر الدين زار شيخ العقل: رفع التغطية الدوائية بنسبة 300% ونسير خطوة خطوة
  • بين حماية المستأجر واسترداد الحقوق.. تعديلات الإيجار القديم وتقنين أوضاع واضعي اليد تدخل حيز التنفيذ
  • البرلمان يوافق نهائيًا على قانون الإيجار القديم.. وحمدي عرفة: خطوة لإعادة التوازن بين المالك والمستأجر
  • صناعة القرار الاستراتيجي واختبار العقل القيادي
  • في الوهم السياسي .. !
  • شيخ العقل زار جنبلاط وعقد اجتماعات عمل في دار الطائفة
  • حين يكون الزواج بناءً لا مظهرا
  • شوبنهاور ولعبة العقل