هيرست: خطر كبير يحدق بالشعب اليهودي
تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT
#سواليف
حذر الكاتب الصحفي #ديفيد_هيرست، من #خطر_كبير يحدق بالشعب اليهودي، على إثر تصرفات “إسرائيل” #العنصرية، وتحالفها مع اليمين المتطرف في أوروبا، والذي عاد إلى السلطة من جديد.
وقال هيرست الذي يترأس تحرير موقع “ميدل إيست آي” في مقال له ، إنه لا يوجد أشد خطراً اليوم “على وجود الدولة اليهودية في الشرق الأوسط من الكلمات والأفعال الصادرة عن زعمائها”.
ِ
وشدد على أنه “لا يوجد تهديد أكبر لليهود حول العالم الآن، كما كان عليِه الحال في ثلاثينيات القرن الماضي، من وصول الفاشيين إلى السلطة تارة أخرى في أوروبا، رغم ما يجدونه اليوم من قضية مشتركة مع #إسرائيل”.
ولفت إلى أن التحالف مع الأحزاب السياسية الأوروبية التي تشيطن المسلمين بنفس الطريقة التي كانت المجموعات اليمينية المتطرفة تكن الكراهية والعداء لليهود أكثر من مجرد غزل، بل سرعان ما تكرس ذلك على شكل تحالف وثيق، بالفعل وبالكلمة.
تاليا نص مقال هيرست:
بات جلياً لعيني كل ناظر طبيعة الجيل القادم من الزعماء السياسيين لما نستمر بولع في تسميته بالديمقراطية الغربية.
إنه مفعم بالطاقة، وعلى درجة عالية من الكاريزما، ويتحدث لغة بإمكان الجميع فهمها. تجده يتواصل بسهولة مع الناخبين الذين تعرضوا للإهمال من قبل النخب الحالية، يتحلى بالصبر الاستراتيجي، وينهمك في التخطيط للانتخابات التي تلي تلك القادمة.
وبات واضحاً ما الذي يفكر به. إنه يؤمن بأن الإسلام يهدد “الحضارة الغربية”، وأن المهاجرين يهددون “السكان الأصليين”، ويعتنق نظرية صدام الحضارات ونظرية الإحلال العظيم. وهو مناصر بشدة لإسرائيل.
استخدمت المعكوفتين لأنه حتى التاريخ الحديث، لم يزل مفهوم الحضارة “اليهودية المسيحية” كلاماً فارغاً لا معنى له.
ما كان أحد في إنجلترا القرن السادس عشر ولا في ألمانيا ثلاثينيات القرن العشرين ليجرؤ على الحديث عن الحضارة “اليهودية المسيحية” لسبب بسيط وهو أن المسيحيين كانوا المنكلين الرئيسيين باليهود.
إلا أن الحقيقة لا تحول دون الدعاية الجيدة.
عندما أجرى التلفزيون الفرنسي مؤخراً لقاءً مع رئيس الوزراء بنيامين #نتنياهو، سئل عما إذا كان بإمكان أحد أن يقارن، كما فعل هو، نزول الحلفاء في نورماندي بالهجوم الإسرائيلي على #غزة.
أجاب نتنياهو بالفرنسية في حديثه مع قناة تي إف 1: “إن انتصارنا هو انتصاركم. إنه انتصار الحضارة اليهودية المسيحية على الهمجية. إنه انتصار لفرنسا. إذا فزنا هنا تفوزون أنتم هنا”.
حقيقة أن قناة فرنسية تجارية كبيرة فتحت المجال لرجل ينتظر أن تصدر بحقه مذكرة توقيف بتهمة ارتكاب جرائم حرب أفرزت مظاهرة ضخمة في باريس احتجاجاً عليها.
ولكن لا ينبغي أن تغر المرء المظاهر.
أكثر من مجرد تذرع سياسي
إن إخراج نتنياهو لعدوانه على غزة في صورة يمكن أن يتفهمها الصليبيون لأمر يشترك معه فيه الطيف السياسي الفرنسي، والجميع، وبشكل خاص الرئيس إيمانويل ماكرون، لعبوا في هذه المياه.
وهو أمر يوشك أن يقترب من تجريم ما سماه ماكرون بشكل مخادع “الانفصال الإسلاموي”، من أجل تبرير استهداف حرية العبادة لما لا يقل عن ستة ملايين مواطن فرنسي مسلم.
ولكن لا يوجد أحد يستفيد من انهيار الليبرالية في عهد ماكرون أكثر من جوردان بارديلا، الولد المدلل لليمين المتطرف، والشخص الذي يعتقد بأنه يمكن أن يصبح يوماً رئيساً للوزراء، والذي قال في عام 2021: “اذهب وتمشى في الأحياء التي عشت فيها أنا في سين سانت دينيس، لترى ما حدث من بحر من التغير السكاني، الذي من شأنه أن يبدل وجه فرنسا خلال بضعة أعوام”.
إنه لخطأ كبير اعتبار احتضان إسرائيل من قبل بارديلا، وغيرت فيلدرز من حزب الحرية الهولندي، وسانتياغو أباسكال، زعيم حزب فوكس اليميني المتطرف في إسبانيا، وحزب البديل اليميني المتطرف في ألمانيا، مجرد حالة من الانتهازية.
صحيح أنه كان هناك الكثير من الشماتة في إسرائيل رداً على نجاح اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي التي نظمت مؤخراً، والذي رأوا فيه جزاءً وفاقاً لكل من إسبانيا وإيرلندا والنرويج وسلوفينيا على اعترافها بالدولة الفلسطينية.
نشر وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتز – بالإنجليزية والإسبانية – صورة للزعماء الإسبان تظهر فيها وجوههم وقد تلطخت بالبيض، زاعماً أن “الناخبين عاقبوهم” على اعترافهم بالدولة الفلسطينية.
كتب كاتز تعليقاً على الصورة يقول: “لقد عاقب الشعب الإسباني ائتلاف كل من سانشيز كاستيون ويولندا دياز بهزيمة ساحقة في الانتخابات. لقد ثبت أن من يحتضن مرتكبي جرائم القتل والاغتصاب من حماس لا يجني خيراً”.
وأما أميخاي تشيكلي، العضو السابق في تشكيل يمينا اليميني المتطرف والذي يشغل حالياً منصب وزير شؤون الشتات في إسرائيل، فأعرب عن ابتهاجه باستقالة رئيس الوزراء البلجيكي أليكسندر دي كرو.
وكان دي كرو قد توجه إلى رفح في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قبل أول عملية إطلاق للرهائن، وكان تقريباً الصوت الوحيد في أوروبا الذي ندد حينذاك بذبح المدنيين في غزة. قال تشيكلي في إشارة إليه: “إن الشعب البلجيكي لا يروق له دعم الإرهاب”.
لكن من الجدير بالذكر أن الروابط القائمة حالياً بين إسرائيل وأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا تعود إلى ما هو أعمق بكثير من مجرد المصلحة السياسية، وهي أكثر من مجرد “ابتهاج قصير النظر” كما عبر عن ذلك أحد الكتاب في صحيفة هآرتس.
تحالف غير مقدس
لقد غدا التحالف مع الأحزاب السياسية الأوروبية التي تشيطن المسلمين بنفس الطريقة التي كانت المجموعات اليمينية المتطرفة تكن الكراهية والعداء لليهود أكثر من مجرد غزل. بل سرعان ما تكرس ذلك على شكل تحالف وثيق، بالفعل وبالكلمة.
كل من يظن أن هذه التعابير عن الدعم لإسرائيل من قبل اليمين المتطرف مجرد كلام، فما عليه سوى أن يتأمل في ما يجري.
تم سحب ترشيح حليف ويلدرز جدعون (جيدي) ماركوس زوار لمنصب وزير الهجرة واللجوء في هولندا بعد شكوك حول ارتباطات هذا الرجل الذي ولد في إسرائيل بالموساد أثارها جهاز المخابرات الهولندي (إيفيد).
تعتبر أجهزة الأمن الإسرائيلية أن احتمال تشكل حكومة يمينية متطرفة في هولندا فرصة ذهبية سانحة لزرع موالين لها في أعلى مراتب الحكم، ولئن كانت لا تحتاج إليهم في معظم الأوقات.
لقد تضاعفت صادرات الأسلحة الصربية إلى إسرائيل أضعافاً كثيرة منذ أن بدأ العدوان على غزة، حيث تعرفت شبكة التحقيقات الصحفية في البلقان بالتعاون مع صحيفة هآرتس على ست رحلات جوية عسكرية إسرائيلية من بلغراد إلى بئر السبع منذ أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، حملت ما قيمته 15.7 مليون يورو (تقريباً 17 مليون دولار) من الأسلحة.
في شهر فبراير (شباط)، قال الرئيس الصربي أليكسندر فوتشيش إنه ناقش مع نتنياهو “الدفع قدماً بالعلاقات الثنائية” وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي “عبر عن امتنانه للدعم القوي الذي يقدمه الرئيس الصربي لإسرائيل بالكلمة وبالفعل”.
تسفر القومية الصربية التي يعتنقها فوتشيش عن وجهها وتهدد السلام الهش الذي تشهده بلاد البلقان. ومؤخراً، ظهر فوتشيش إلى جانب زعيم الكيان الصربي داخل البوسنة والهرسك ميلوراد دوديك، للمطالبة بتوحيد من ينتسبون إلى العرقية الصربية في المنطقة، وذلك خلال مهرجان نظم في بلغراد وحضره الرجلان.
زعم دوديك أن جمهورية سربسكا، الكيان الذي يقوده الصرب في البوسنة والهرسك، ملتزمة باتفاقيات دايتون، ولكنه أضاف بما يثير المخاوف إن كيانه سوف يطلب قريباً مساعدة ودعم صربيا من أجل “حل الوضع المتعلق به”.
ففي ذلك تهديد ضمني لاتفاقيات دايتون التي شكلت دولة بوسنية تتكون من كيانين اثنين – فيدرالية بوسنية كرواتية وجمهورية سربسكا – يرتبطان ببعضهما البعض عبر خيط رفيع يتمثل في حكومة مركزية ضعيفة.
قال دوديك: “يستحيل على المرء أن يعيش في كنف أولئك الذين مارسوا الغدر والحقد والكذب والمكر في محاولة لإلصاق التطهير العرقي كصفة دائمة لهذا البلد، رغم أنه ليس كذلك على الإطلاق”.
يقصد دوديك بذلك المذبحة التي ارتكبت في سريبرينيكا في عام 1955، بعد أن أقرت الأمم المتحدة قراراً يؤسس لليوم العالمي للتدبر والتذكر بخصوص التطهير العرقي الذي وقع في سريبرينيكا في عام 1995، وتحول بذلك إلى الذكرى السنوية للمذبحة.
مازال دوديك ينفي وقوع أي مذبحة من هذا القبيل، رغم أن عدد ضحاياها من الرجال والصبيان المسلمين البشناق بلغ ثمانية آلاف.
لم يكن من باب المصادفة أن تمنح صحيفة جيروزاليم بوست حيزاً ضخماً لهذا الشخص الذي ينكر وقوع المحرقة لإجراء مقابلة معه غير نقدية، بل ومروجة له.
قال دوديك عن سريبرينيكا: “لا يمكن بحال وصفها بالإبادة الجماعية. فقد قرر الخبراء المعتبرون، الذين كرسوا حياتهم المهنية بأسرها لدراسة الإبادة الجماعية، بأن تلك لم تكن إبادة جماعية. كل من لديه صلاحية بالحديث عن هذا الموضوع قالوا إن ذلك لم يكن إبادة جماعية. وأنا أثق بهؤلاء الناس أكثر مما أثق بالسياسيين الذي قرروا إن ما وقع كان إبادة جماعية”.
طبعاً هذا ما تطرب له آذان صحفي الجيروزاليم بوست الذي أجرى المقابلة، والذي أجرى مقارنات بين عدم وقوع إبادة جماعية في سريبرينيكا وعدم وقوع إبادة جماعية للفلسطينيين في غزة، أو كما أشار إليهم الصحفي بقوله “من يسمون بالفلسطينيين”.
قال دوديك: “لا يحبونني في الغرب لأنني أتحدث مباشرة بما في نفسي. ولكن إذا ما عدنا إلى التاريخ وتأملنا فيه، فإنه لم يكن هناك بتاتاً أي تعايش سلمي بين الفلسطينيين واليهود، تماماً كما أن التعايش غير ممكن هنا، في البوسنة والهرسك، بين المسلمين والصرب”.
ليس من باب المصادفة ذلك الاقتران بين الحكومة الإسرائيلية، التي لا تخفي نيتها في إجبار الفلسطينيين على الخروج من الأراضي التي تحتلها، واليمين المتطرف في أوروبا، الذي يرغب في طرد أكبر عدد ممكن من المسلمين من أوروبا.
لقد رأينا أكثر من ورقة توت تتساقط عن صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية تخضع لحصار قوى همجية. وإذ تدخل الحرب الإسرائيلية شهرها التاسع، فإنها لا تبذل جهود حتى للتظاهر باستخدام عبارات تنسب إلى الديمقراطية.
فاشية معدية
ولا أدل على ذلك من الذكرى السنوية التي احتفل بها مؤخراً لحدث سيئ الصيت وقع في الأيام الأولى من الحرب العالمية الثانية.
كان ذلك يوماً من أيام شهر يوليو (تموز) من عام 1939 عندما أقدمت كل من الولايات المتحدة وكندا على صد سانت لويس، السفينة التي أبحرت باتجاه كوبا وعلى متنها ما يزيد على الـ 900 لاجئ يهودي. وعندما عادت السفينة إلى أوروبا، تشدق أدولف هتلر عبر الإذاعة بأن النازيين لم يكونوا وحدهم كارهين لليهود، وقال الطاغية النازي: “انظروا كيف أن العالم كله يكره اليهود”.
وتلك هي المشاعر الشائعة التي تبث اليوم عبر البرامج التلفزيونية والإذاعية الإسرائيلية ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
فالمشكلة في إجبارهم على الخروج من بيوتهم في غزة والضفة الغربية كما يراها المتحدثون تكمن في أنه “لا أحد آخر يريدهم كذلك”.
لقد بات هتلر نموذجاً يحتذى بالنسبة لإسرائيل هذه الأيام، بل لقد استدل به عضو الكنيست السابق عن حزب الليكود، موشيه فيغلين، الأسبوع الماضي حين قال في ندوة تلفزيونية: “كما قال هتلر أنا لا يمكنني العيش فيما لو بقي يهودي واحد على قيد الحياة. ونحن لا يمكننا أن نعيش هنا فيما لو بقي إسلامي نازي واحد في غزة”.
هذه هي العنصرية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولقد غدت عملة رائجة في وسائل الإعلام الإسرائيلية الرئيسية، بل لقد غابت جميع المحرمات القديمة، ولم يعد يقتصر الأمر على المتطرف اليميني بن غفير، الذي يصرخ قائلاً: “من أجل تحقيق النصر، نحتاج إلى تشجيع الهجرة من غزة”.
ولهذا السبب يعامل الفاشيون الأوروبيون بكل ترحاب كما لو كانوا أشقاء الروح للفاشيين الإسرائيليين.
لا يتعلق ذلك بالتاريخ، بل يتعلق بإسرائيل اليوم. ليس مهماً كم مليون يهودي كانوا ضحايا الفاشية في أوروبا، ولم يعد مهماً أن المعادين للسامية بحق غدوا أقرب الناس لهم.
المهم هو أنهم وجدوا قضية مشتركة تتمثل في عدو مشترك. بالنسبة لليمين الفاشي المتطرف، باتت إسرائيل نموذجاً يحتذى في كيفية التعامل مع أقلية مسلمة ثائرة.
ولكن بالنسبة لإسرائيل، ثمة مخاطر بارزة في اتباع هذا النهج. وذلك لأنهم ليسوا في أرضٍ المسلمون فيها أقلية.
بل إنهم لا يشكلون أغلبية داخل دولتهم هم، كما أنهم يشكلون أقلية داخل المنطقة التي يتواجدون فيها. بالإضافة إلى ذلك، لا تقع “الدولة اليهودية” على هامش العالم الإسلامي، بل تقع في القلب تماماً منه.
نحن لسنا في عام 1948 تارة أخرى، على الأقل ليس بالنسبة للفلسطينيين.
لو حاولت إسرائيل القيام بإجراءات تصفية عرقية في الضفة الغربية، فسوف يشتعل الأردن ويصبح حركة مقاومة نشطة على امتداد أطول حدود برية مع إسرائيل. ولن تنعم إسرائيل من بعد بحدود هادئة.
فيما لو تبنت الدولة اليهودية القائمة على التفوق العنصري وعلى منظومة الفصل العنصري الأيديولوجيا الفاشية توجهاً لها في محاولة لإيجاد حل نهائي لصراعها مع الفلسطينيين، فسوف تواجه بأسرع مما تظن لحظة وجودية.
لا يوجد أشد خطراً اليوم على وجود الدولة اليهودي في الشرق الأوسط من الكلمات والأفعال الصادرة عن زعمائها.
ولا يوجد تهديد أكبر لليهود حول العالم الآن، كما كان عليه الحال في ثلاثينيات القرن الماضي، من وصول الفاشيين إلى السلطة تارة أخرى في أوروبا، رغم ما يجدونه اليوم من قضية مشتركة مع إسرائيل.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف ديفيد هيرست خطر كبير العنصرية إسرائيل نتنياهو غزة الیمین المتطرف فی إبادة جماعیة أکثر من مجرد فی إسرائیل فی أوروبا لا یوجد فی غزة فی عام
إقرأ أيضاً:
شهادات وذكريات.. يرويها مصطفى بكري: لقاء ساخن مع ديفيد هيرست
- هيرست زارني فى مكتبي عام 95.. وتوقع فوز جماعة الإخوان بالانتخابات
- هيكل يعرب عن قلقه على مستقبل النظام فى معرض الكتاب
عندما اعترضت على القانون 93، مبارك قال لى: «مفيش على راسكم ريشة»
هذه ليست قصة حياة، بل شهادة حية على مرحلة تاريخية مهمة، عشتُ فصولَها، انتصاراتهِا وانكساراتِها، حُلوَها ومُرَّها، اقتربتُ من صناع هذه الأحداث أحيانًا، وكنتُ ضحيةً لعنفوانهم في أحيان أخرى، معاركُ عديدة دخلتها، بعضُها أودى بي إلى السجون، لم أنكسر، ولم أتراجع عن ثوابتي وقناعاتي.
أروي هذه الشهادات، بصدق وموضوعية، بعضُ شهودها أحياء، والبعضُ رحل إلى الدار الآخرة، لكنَّ التاريخ ووقائعه لا تُنسى، ولا يمكنُ القفزُ عليها، وتزويرُ أحداثها.
1- موعد مع الأستاذ هيكلفى العاشر من فبراير 1995، كنت على موعد مع الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، كنت دومًا التقيه بشكل دوري، مرتين أو ثلاث مرات شهريًا، ليس بالضرورة يكون الموعد مرتبطًا بحدث معين أو إجراء حوار وخلافه، وإنما كنت دومًا أذهب للاستماع إلى رأى الأستاذ في قضية مطروحة، أتبادل معه المعلومات، وآخر التطورات، لقد ربطتني علاقة قوية بالأستاذ هيكل منذ أن عرفني به الأستاذ والكاتب الكبير محمود عوض فى عام 1983، ثم أجريت معه حوارًا عام 1986، أحدث ضجة في مصر، عندما قال: لا أعرف من يحكم مصر الآن، ونشرته فى مجلة كل العرب التي كانت تصدر فى باريس، ثم أعادت نشره صحيفة الشعب المعارضة فى مصر.
مصطفى بكري مع الأستاذ هيكلذهبت في الصباح الباكر إلى الأستاذ هيكل، بمكتبه المطل على شارع النيل بالجيزة، وكان الأستاذ يدخن السيجار كعادته، كانت أمامه كومة من معلومات وقصاصات صحف مصرية وعربية وأجنبية، وهكذا هو الأستاذ هيكل لديه نظام دقيق لكل شيء، يتابع الأحداث وكأنه مازال محررًا صحفيًا شابًا، يتواصل مع الكثيرين، لا يترك كبيرة أو صغيرة.
فى هذا اليوم ذهبت لأستفسر من الأستاذ عن أصداء ندوته الصاخبة التي شهدها معرض الكتاب فى الثامن عشر من يناير حول تصوراته للوضع فى مصر وآفاقه المستقبلية..
- قلت للأستاذ هيكل: الناس قلقة بعد تحليلك الصاخب للأوضاع فى مصر، رد الأستاذ قائلا: كل كلمة كنت أعنيها، المشهد بات معقدًا.
استمعت مجددًا إلى الأستاذ، وتوقعاته بما يشير إلى مخاوف حقيقية على أمن هذا الوطن إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه.
توقفت كثيرًا أمام مقوله الأستاذ، أن عام 1995، هو عام حاسم فى تاريخ الوطن، وأن نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة ستؤثر على مستقبله، إما باتجاه الإنقاذ أو باتجاه الفوضى والانهيار.
وعندما تساءلت عما إذا كان الأستاذ يشعر بالقلق من جراء توقعاته؟ قال: عليك بمتابعة صحافة الغرب، إنها ترصد كل شيء يجرى على الساحة المصرية، وكانت أمامه مصادفة فى هذا الوقت صحيفة الجارديان البريطانية التي نشرت مقالًا خطيرًا للكاتب الشهير «ديفيد هيرست» حول مستقبل الأوضاع فى مصر.
لم أكن قد اطلعت على هذا المقال ولكنني كنت حريصًا على الاطلاع عليه ومعرفة ماذا كتب ديفيد هيرست عن الأوضاع فى مصر.
2- مكالمة من ديفيد هيرستفى اليوم التالي كان ديفيد هيرست، يتواصل معي لزيارتي فى مكتبي، لقد جاء إلى القاهرة لإجراء تحقيق صحفي حول ما يجرى فى ملوى من أحداث عنف، وقد دار بيننا حوار حول رؤيته للواقع المصري، وسألته عن المواقف المعادية من صحافة الغرب، كان هيرست متشائمًا بشأن مستقبل النظام، وقد قلت له فى هذا الوقت: إن عمر نظام مبارك سيطول وليس كما يعتقد.
كان هيرست، يتفق مع الكثير مما طرحه الأستاذ هيكل، فى ندوته بمعرض الكتاب حول أزمة الحاضر وسيناريو المستقبل، وإن كنت قد استمعت منه فى هذا الوقت أن الإسلاميين وخاصة تيار جماعة الإخوان هم الأوفر حظًا فى احتمال تولى مهام السلطة فى مصر.
وحاولت أن أستفسر من ديفيد هيرست، عن الأسباب التي تدعوه إلى هذا الاعتقاد، فكانت إجابته مبنية على أزمات النظام التي ستفتح الطريق لأكثر التنظيمات تواجدًا على الساحة للفوز فى الانتخابات البرلمانية المقبلة.
ديفيد هيرستوضرب هيرست، مثالا بقدرة الإخوان فى السيطرة على النقابات المهنية والانتصار على جميع التيارات السياسية الأخرى، وهو أمر له دلالته التي لا تخفى على أحد.
وتوقع هيرست، أن يحقق هذا التيار نتائج كاسحة فى انتخابات برلمانية نزيهة، إلا أنه قال إن الحكومة سوف تسعى إلى تقليم أظافر هذا التيار والحد من سيطرته على البرلمان القادم، مضيفا: النظام الذى أعلن فى أكثر من مرة أنه مع زيادة مساحة الديمقراطية خطوة خطوة أصبح الآن يعمل بهذا الشعار، ولكن بالاتجاه العكسي، أي بالارتداد حتى عن المكاسب التي تحققت طيلة السنوات الماضية.
3- ارتباك المشهد السياسيلقد اختلفت مع ديفيد هيرست، فى بعض هذه التحليلات وأيضًا فيما كتبه عن مصر ومستقبل النظام الحاكم برئاسة الرئيس مبارك.
كنت أعتقد فى هذا الوقت أن الأزمات التي تحاصر النظام كفيلة بحدوث حالة من الارتباك فى المشهد السياسي إلا أن ذلك ليس معناه أن النظام مشرف على السقوط كما ادّعى هيرست.
فى هذا الوقت كان الرئيس مبارك، قد حسم الطريقة التي ستجرى بها الانتخابات البرلمانية لصالح الانتخاب الفردي وهو ما أكده الرئيس مبارك فى حديث كان قد أدلى به لمجلة الحوادث اللبنانية خلال شهر فبراير 1995، وكان ذلك بمثابة هزيمة لتيار الحزب الوطني الداعي إلى الأخذ بطريقة الجمع بين النظام الفردي ونظام القائمة النسبية بنسبة 50%فردى، 50%قائمة نسبية.
وكان أصحاب هذا التيار يرون أن الانتخابات الفردية سوف تحمِّل الحزب الحاكم عبئًا ثقيلًا فى مواجهة منافسيه فى الدوائر الانتخابية بعكس الانتخابات بنظام القائمة والتي ستضمن أولًا نجاحًا مؤكدًا لرؤساء القوائم من الشخصيات العامة التي يسعى الحزب إلى إنجاحها بعيدًا عن لعبة التنافس المباشر مع مرشحين آخرين وقد سعى أصحاب هذا التيار إلى محاولة إقناع الرئيس بوجهة نظرهم إلا أن الرئيس اتخذ قراره وفقًا للاعتبارات القانونية السليمة والتي تضمن عدم الطعن فى الدستورية ومن ثم إدخال البلاد فى حلقة مفرغة من جديد تنتهى بحل مجلس الشعب وإعادة انتخابه مرة أخرى ربما قبل أن يكمل مدته القانونية.
لقد جاء موقف الرئيس هذا استجابة لآراء الكثير من الأصوات العاقلة بما فيها أصوات من الحكم والمعارضة اعتبرت ان الانتخاب الفردي هو النظام الذى يضمن المساواة بين المرشحين أيا كانت اتجاهاتهم أو توجهاتهم.
كان ذلك بداية مشجعة لإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي بعد فترة من التخبط أضرت بالنظام وأضرت بسمعته- وتسببت فى حل مجلس الشعب السابق قبيل أن يكمل مدته الدستورية!!
لكن هناك من يتساءل حول مدى إمكانية إجراء الانتخابات القادمة بعيدًا عن عمليات التزوير التي اتسمت بها العملية الانتخابية طيلة الفترة الماضية، خاصة أن هناك حالة من التشاؤم سيطرت على أجواء الشارع عقب إسقاط كل من رشاد عثمان وأحمد سرحان، فى الانتخابات التكميلية التي جرت فى دائرتي منيا البصل وبورسعيد لصالح مرشحي الحزب الحاكم.. !!
لم يكن أحد يستطيع أن يجزم بنزاهة العملية الانتخابية المقبلة نزاهة كاملة حتى وإن التزمت الشرطة جانب الحياد، ذلك أن أحدًا من أركان هذا النظام لن يتنازل إطلاقًا عن ضرورة الحصول على ثلثي مقاعد البرلمان كحد أدنى وهى النسبة المطلوبة لترشيح رئيس الجمهورية، ثم بعد ذلك يمكن التفاهم أو السماح بنجاح أعداد بعينها من مرشحي المعارضة والمستقلين.
كان الحزب الوطني يدرك أن رصيده فى الشارع أصبح صفرًا، وأن سياساته دفعت بالبلاد إلى الهاوية ولهذا فسوف يلجأ- أردنا أم لم نرد- إلى سياسة تسويد الصناديق واستخدام أساليب البلطجة لصالح مرشحيه بعيدًا عن أية اعتبارات تتعلق بسمعة النظام أو حدوث ردود فعل من شأنها أن تهدم الأمن والاستقرار فى البلاد، وطالما أن الجميع على يقين من ذلك فلا خيار أمام الرئيس لإجراء انتخابات حرة ونزيهة إلا أن يصدر قرارًا بإقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة انتقالية لإجراء الانتخابات على أن تجرى إقالتها فى أعقاب الانتهاء من العملية الانتخابية وتشكيل حكومة من حزب الأغلبية، وهذا الاقتراح لا يمثل بدعة أو شيئًا جديدًا على أرض الواقع فالأنظمة التي تحترم إرادة شعوبها كثيرًا ما تلجأ إلى تشكيل حكومات انتقالية يكون أعضاؤها من المشهود لهم بالنزاهة واستقلالية الموقف بعيدًا عن اللعبة الحزبية وأطرافها.
وهذا الحل كان فى تقديري سوف يدفع الجماهير إلى المشاركة فى الانتخابات والخروج من حالة العزوف التي أصبحت سمة من سماتها، حتى أن التصويت فى بعض الدوائر المهمة داخل القاهرة والإسكندرية لم يتعد أكثر من 5% من مجموع الناخبين.
لقد طرحت المعارضة خلال مؤتمر الحوار الوطني فى هذا الوقت عددًا من الاقتراحات التي تضمن نزاهة العملية الانتخابية والبعد بها عن الشبهات والتزوير، ومن الواجب على الحكومة أن تستجيب لهذه المطالب إن كانت جادة حقًا فى إجراء انتخابات بها شيء من النزاهة قبيل نهاية عام 1995.
4- مفيش على راسكم ريشةكانت مصر كلها فى هذا الوقت مشغولة بالانتخابات البرلمانية وكان العالم يتابع حقائق ما يجرى على الأرض، ولم يكن ديفيد هيرست وحده الذى يعتقد أن "جماعة الإخوان" قادرة على أن تكرر سيناريو سيطرتها على النقابات داخل البرلمان أيضًا، ولذلك استعدت الحكومة وحزبها للمواجهة الحاسمة.
وبينما مصر كلها تستعد للانتخابات البرلمانية طرأت أزمة خطيرة على الساحة المصرية بين الصحفيين من جانب والدولة المصرية من جانب آخر.
فى العشرين من مايو للعام 1995، أحالت الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء إلى الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب «مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات والإجراءات الجنائية» مرفقا به مذكرة إيضاحية، موقعة من المستشار فاروق سيف النصر، وزير العدل آنذاك، حيث أحال د.سرور المشروع إلى لجنة الشئون التشريعية فى 22 مايو 1995.
وبالتوازي مع إصدار القانون، راحت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، تقدم فى تقريرها تبريراتها لأهداف صدور هذا القانون، ومنها المعزوفة المكررة، التي تستخدم كلما أرادت الحكومات تقييد حرية الرأي، وذلك بزعمها وجود تهديد للديمقراطية، مما أثر على آحاد الناس وجموعهم، على أمنهم العام والخاص، وعلى مصالحهم الجوهرية، وعلى كيان الدولة ككل.. واعتبر التقرير والمذكرة الايضاحية أن من أسباب صدور هذا القانون، حماية الحياة الخاصة، وعدم المساس بحرمتها، وعدم دستورية تمييز أفراد هذه الفئة - الصحفيين والكتاب - عن غيرهم من المواطنين، الذين يعبرون عن آرائهم بغير طريق الصحافة، بينما مراكزهم القانونية «واحدة»، فهذا التمييز يتعارض مع المادة 40 من الدستور التى تقرر المساواة بين المواطنين.
أحمد فتحي سروروقال التقرير: تنفيذا لهذه الأهداف، فإن القانون 93 لسنة 1995 يحقق ثلاثة نتائج، أولها التوسع فى إدخال أفعال غير مؤثمة إلى دائرة التجريم، مثل نشر البيانات، أو الإشاعات المغرضة، أو الدعايات المثيرة، إذا كان من شأن الأفعال المذكورة إثارة الفزع بين الناس، أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، أو ازدراء مؤسسات الدولة، والقائمين عليها، أو إذا ما كان ذلك بقصد الإضرار بالاقتصاد القومي للبلاد، أو بمصلحة قومية لها، أو ينشأ عنه هذا الضرر.
وأضاف التقرير، أن النتيجة الثانية المترتبة على صدور القانون 93 لسنة 1995هى تشديد العقوبات، فبعد أن كانت العقوبات تعطى للقاضي، إما الحكم بالحبس أو الغرامة، أو كليهما معا، أصبح الجمع بين الحبس والغرامة وجوبيا فى كثير من المواد، ورفعت عقوبة الحبس من 24 ساعة كحد أدنى، وسنتين كحد أقصى، إلى سنة كحد أدنى، وإلى ما بين 5 سنوات، و15 سنة سجنا، كحد أقصى، ورفعت الغرامة من 20 جنيها كحد أدنى، و500 جنيه، كحد أقصى، إلى 5000 جنيه كحد أدنى، وإلى 20 ألف جنيه كحد أقصى.
وقال التقرير: النتيجة الثالثة أن القانون أباح للنيابة العامة الحبس الاحتياطي فى قضايا النشر بواسطة الصحافة، وهو بذلك جرّم حريات الرأي والصحافة، ومن ثم ينهى عمليا حرية الصحافة والصحفيين.
وقد أجمعت الجماعة الصحفية على عدم صحة ما ذهبت إليه الحكومة فى القانون، بزعمها أن ما كان ينشر فى الصحف فى تلك الفترة شكل عدوانا على حرية الرأي والكلمة، وتهديدا للديمقراطية، لأن الحقيقة هي أن الحكومة فى هذا الوقت كانت قد ضاقت ذرعا بالمساحة المتاحة، والمحدودة لحرية الكلمة، والنقد، وحق القارئ فى الحصول على المعلومات، وما تعتبره الحكومة سبا وقذفا وتشهيرا، إنما هو فى الواقع نقد مباح.
كان صدور القانون 93 لسنة 1995«مريبا»، سواء فيما احتواه من نصوص، تغتال بوضوح حرية الرأي والصحافة، أو فى شكل، وأسلوب إصدار القانون.. فلقد تم استئناف مجلس الشعب لجلساته يوم السبت 27 مايو 1995، وقطع الإجازة التي منحت له دون إعلان سبب هذا الاستئناف، وحرصت سلطات الحكومة على عدم تسرب نبأ هذا القانون حتى اللحظة الأخيرة.
وكان من الغرائب عدم دعوة الهيئة البرلمانية للحزب الوطني الحاكم للاجتماع لمناقشة مشروع القانون مسبقًا.. حيث يعرض مشروع القانون على مجلس الوزراء، ولم يعرض على قسم التشريع بمجلس الدولة، وذلك بالمخالفة للمادة 63 من قانون المجلس، والتي تقضى بأنه «على كل وزارة أو مصلحة قبل استصدار أي قانون أو قرار لرئيس الجمهورية ذي صفة تشريعية أو لائحة أن تعرض المشروع المقترح على قسم التشريع لمراجعة صياغته، ويجوز لها أن تعهد إليه بإعداد هذه التشريعات».. بل والأخطر لم يؤخذ رأى المجلس الأعلى للصحافة، وهو ما يخالف المادة 44 من القانون رقم 148 لسنة 1980 بشأن سلطة الصحافة، التى تنص على «أن يتولى المجلس الأعلى للصحافة إبداء الرأي فى مشروعات القوانين التى تنظم شئون الصحافة»، والمادة (75) من اللائحة التنفيذية للقانون.
لقد كان الرد سريعا من جانب الجماعة الصحفية، حيث أعلنت «الانتفاضة» ضد القانون الظالم، الذى نسجت خيوطه تحت جنح الظلام، عقد رؤساء تحرير صحف المعارضة اجتماعا بمقر حزب الوفد مساء يوم 29 مايو 1995، قررنا خلاله تنظيم حركة احتجاب للصحف، حيث احتجبت صحف «الوفد والشعب والأحرار» يوم 2 يونيو عن الصدور، واحتجبت صحيفة «الحقيقة» يوم السبت 3 يونيو، و«الأهالي» يوم الأربعاء 7 يونيو.. وإزاء شراسة الهجمة الحكومية على حرية الصحافة، عقد الصحفيون مؤتمرا عاما بمقر نقابتهم بشارع عبد الخالق ثروت فى الأول من يونيو 1995، حضره نحو 1500 صحفى، حيث تمت خلال المؤتمر الدعوة لعقد جمعية عمومية طارئة يوم 10 يونيو، وظل الصحفيون معتصمين حتى انعقاد الجمعية العمومية، وشارك فى الاعتصام المئات من الصحفيين من كافة المؤسسات، وعلى اختلاف توجهاتهم السياسية، والفكرية.
كنا فى هذا الوقت نقيم إقامة شبه كاملة بمقر نقابة الصحفيين، وكان الحوار بين المعتصمين لا يتوقف، وكان الإصرار على إسقاط هذا القانون كبيرًا.
وخلال الاحتفال بعيد الإعلاميين فى مايو 1995 بحضور الرئيس حسنى مبارك، طلبت الكلمة خلال اللقاء الذى ضم مئات الصحفيين والإعلاميين، أعطاني الرئيس الكلمة، وتحدثت معه عن خطورة هذا القانون الذى يهدم حرية الصحافة والتعبير، فرد علىّ الرئيس وقال: الصحفيين مفيش على راسهم ريشه، وقفت مجددًا وقلت للرئيس: نحن لا نطلب ميزة معينة، بل نطلب الحفاظ على حرية الصحافة، وهذا القانون جاء لاغتيال حرية الصحافة.
إبراهيم نافعوتحدث فى اللقاء الأستاذ جلال عيسى وكيل نقابة الصحفيين الذى طالب بضرورة التراجع عن هذا القانون فورًا، وكانت كلمته قوية وحاسمة.
ظلت الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، فى حالة انعقاد مستمر على مدار عام كامل، فى ظل عهد النقيب إبراهيم نافع، حيث انتصرت إرادة الصحفيين، وتم إلغاء القانون 93 لسنة 1995، وصدور القانون 96 لسنة 1996.. لقد انتصرت الجماعة الصحفية فى معركتها الأشرس فى تاريخها، بسبب وقوف جميع الصحفيين وقفة واحدة لمواجهة المحاولات الحكومية لاغتيال حرية الصحافة، وتصدت جميع الصحف، وبلا استثناء لتغول السلطة الحاكمة على حرية الصحافة، ولم يجد نظام مبارك وحكومته بدا من التراجع، بعد أن قدمت هذه المواجهة نموذجا مهما، وملهما فى التضامن، والوحدة بين الجمعية العمومية، ومجلس نقابة الصحفيين، وكافة القوى السياسية والوطنية، والتي لولا تكاتفها، لما رضخت حكومة مبارك لمطالب المصريين فى هذا الوقت.
جاء ذلك، في الحلقات التي ينشرها «الجمهور» يوم الجمعة، من كل أسبوع ويروي خلالها الكاتب والبرلماني مصطفى بكري، شهادته عن أزمات وأحداث كان شاهدًا عليها خلال فترات حكم السادات ومبارك والمشير طنطاوي ومرسي والسيسي.
اقرأ أيضاًشهادات وذكريات يرويها مصطفى بكري: خنجر في الظهر
شهادات وذكريات.. يرويها مصطفى بكري: حكايتي مع جيهان السادات
شهادات وذكريات.. يرويها مصطفى بكري: من الأحرار اليومية إلى سجن الجمالية!!