علم الكلام الإسلامى المعاصر وقضاياه
تاريخ النشر: 21st, June 2024 GMT
بداية ما المقصود يعلم الكلام الإسلامى المعاصر، وهل ثم اختلاف بينه وبين علم الكلام القديم، وما قضاياه التى سيعالجها وهل تتشابه مع قضايا العلم القديم؟!
مما لا شك فيه فإن لكل عصر من العصور مفكريه، ولكل عصر قضاياه تفرضها مستجدات ومستحدثات الأمور، وما يقتضيه فقه الواقع وما تفرضه نظرات ووجهات نظر المفكرين فى تعاملهم مع المشكلات.
لكن كثير من الناس، خصوصا العوام غير المتخصصين فى الفكر الفلسفى الإسلامى لا يعلمون تقسيمات الفلسفة الإسلامية وفروعها ومباحثها وتعريفاتها.
لذا ينبغى علينا التوضيح، لكن باختصار حتى لا يتفلت من بين أيدينا الموضوع الرئيس.
نبدأ بتعريف الفلسفة الإسلامية بعيدا عن التعريفات الكلاسيكية التقليدية، فإنها محاولة لإبراز وجهات النظر حول مشكلاتنا وقضايانا التى تتعلق بالفكر الإسلامى قدر طاقة الإنسان المفكر، فهى محاولة للتعرف على وجهات نظر الباحثين حول قضية التجديد، تجديد الخطاب الدينى، ورأى الفقهاء وعلماء الدين حول هذه القضية وموقف المفكر منها، كذلك كقضية دراسة الفرق التى طفت على سطح الساحة الفكرية، كفرقة القاديانية، وفرقة البهائية والبرهانيون، والقرآنيون، وفرق الشيعة التى لاح نجمها فى الظهور بعد الاستتار الطويل والتقية.
ومن هنا جاء التقسيم إلى ثلاثة فروع، علم الكلام، فلاسفة الإسلام، التصوف، ثم فرع رابع ألا وهو علم أصول الفقه.
أما بالنسبة لمباحث الفلسفة الإسلامية، مبحث الله، مبحث العالم، مبحث الإنسان.
إلا أننا سنكتفى ها هنا بالحديث عن علم الكلام، الذى غرضه الدفاع والنفاح عن العقيدة الإسلامية ضد ما أثير حولها من شبهات غرضها تشويه المعتقد والتشكيك فيه وفى مسلماته.
يمكننا أن نقسم علم الكلام - تقسيم من عندياتى - علم كلام قديم، علم كلام حديث، علم كلام معاصر.
أما علم الكلام القديم فيمثله الفرق الكلامية كالشيعة والخوارج والمعتزلة والمرجئة والاشاعرة ومتأخرى المتكلمين كالماتريدية.
أما علم الكلام الحديث، فيمثله موقف علماء الدين وأنصار الفكر الإسلامى من قضايا التجديد، متمثلا فى المجددون فى الإسلام، الذين حاولوا توظيف النص لخدمة قضاياهم المعاصرة وقت وجودهم، لكنهم كانوا متمسكين بظاهر النصوص، لذلك أرى أن محاولاتهم لم تحقق الغرض المرجو منها كمحاولات إقبال، ووحيد الدين خان، وأمين الخولى، ومن قبل هؤلاء العز بن عبد السلام، ومن وجهة نظرى أن هذه المحاولات كانت ذات نظرة أحادية ضيقة الأفق، لماذا لأن المعول الرئيس فيها الاعتماد الكامل على النص ممثلا فى القرآن والسنة دونما إعطاء العقل فرصته فى التألق والإبداع، التمسك بظاهر النص دونما الغوص فى باطنه.
أما علم الكلام المعاصر فالأمر جد مختلف بمعنى حدوث طفرة فكرية معتبرة قادها ولا يزال يمسك بزمامها أئمة متكلمون على قدر كبير من التنوير والثقافة والفكر الإسلامى المستنير ممثلا فى الأزهر الشريف ورجالاته، التنوير بغيتهم والتجديد المستنير هدفهم، التنوير القائم على العقل دونما إهدار للنقل، بمعنى الحفاظ على عراقة وأصالة النصوص وفى نفس الوقت توظيفها لخدمة واقعنا المعاصر، وهذه هى أبهى وأروع صور التجديد، فليس المهم ارتداء بذة وخلع العمامة والجبة والقفطان، المهم لا نخلع عمامة الدين من عقولنا وقلوبنا ونستبدلها ببذات مستوردة بغرض الحداثة والمعاصرة، فحداثتنا ومعاصرتنا لا تكون إلا بالحفاظ على هويتنا التى هى فى الأساس حفاظا على ثوابتنا، وتوظيف هذه الثوابت لخدمة واقعنا المعاصر الذى نحياه.
لكن السؤال هل الفروع الثلاثة من الممكن فصلها عن بعضها البعض، نقول لا يمكن بحال من الأحوال، فالهدف واحد والغاية واحدة، والمنهج واحد، لكن قد يكون الاختلافات فى طرح القضايا والمشكلات وفقا لكل عصر من عصور الفكر الإسلامي.
فعلى سبيل المثال لم يكن ثم علم كلام على عهد النبى لأنه كان صلىى الله عليه وسلم المرجع فى الحيرة، لكن بعد وفاته وبعد توسع الخلافة الإسلامية وامتداد الفتوحات الإسلامية إلى كل الدنيا بدأ الطعن على الإسلام وعلى نبيه والتشكيك فى ثوابته قرآنا وسنة بأيد خبيثة غرضها إثارة الفتن، وهو ما حدث فى العصر الحديث ويحدث الآن فى أيامنا من التشكيك فى نبوة محمد صلىى الله عليه وسلم وظهور مدعى النبوة، وظهور فريات وبدع كثيرة الدين منها براء كالتشكيك فى المعراج، والطعن على الصحابة وشتمهم وسبهم، وسب القرآن الكريم وحرقه وتدنيسه، فضلا عن حديث الرويبضة فى أمور الدين، وإثارة موضوعات قد تضرب المعتقد فى الصميم عند عامى الإيمان، بل وقد تخرب الدور والبيوت العامرة مثل أن الشرع لم يصرح ولم يجبر الزوجة على خدمة والدة زوجها، وخروج المرأة دون إذن زوجها، وارضاعها لأبنائها بالأجر من الزوج، أليست كل هذه موضوعات تطرح للمناقشة الجادة على طاولة علم كلام معاصر، ناهيكم عن كل من قرأ كتابا أو حفظ حديثا يتصدى للفتوى والدعوة، وهذا فى حد ذاته يستدعى وقفة جادة من علماء عدول يوضحون للناس خطورة هذا الأمر الجلل وأن ذلك فيه إهدار وتشويه للدين.
ومن ثم بات الأمر ملحا لوجود علم كلام معاصر.
فضلا عن ذلك ظهور المد الشيعى الذى كان متحصنا خلف عقيدة التقية، بات جليا الآن عبر عشرات الفضائيات التى تنشر شبهاتهم وفرياتهم ليلا ونهارا، عيانا بيانا، وظهر ذلك جليا فى نقل حى مباشر ما يحدث فى ذكرى استشهاد الإمام الحسين شهيد كربلاء رضى الله عنه من بدع وفريات سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم برىء منها.
وظهور مدعى النبوة فى كثير من امصار الدنيا وأنهم أنبياء آخر الزمان، وللأسف خبثاء الإنس يدعمونهم ويغدقون عليهم العطايا، كذلك ظهور الفرق التى تدعى التصوف مستخدمين رقصات وحركات غريبة التصوف الحقيقى منها ومن منسوبيها براء.
نعم نحن فى حاجة إلى علم كلام معاصر، متعقلن لضبط كل هذه الرزايا وإيقاف مدها وانتشارها.
نعم نحن بحاجة إلى علماء كلام جدد معاصرين على دراية وفهم واستبصار بقضايا الدين وبالشبهات والمؤامرات التى دوما ما تدبر لضرب هذا الدين فى صميمه.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: علم الکلام
إقرأ أيضاً:
الأزهر للفتوى: ادعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل أفكار تخالف صحيح الدين والعلم
قال مركز الازهر العالمي للفتوى الالكترونية، إن الإسلام حفظ النَّفس والعقل، وحرَّم إفسادهما، وأنكر تغييب العقل بوسائل التغييب المادية كالمُسكِرات التي قال عنها سيدنا النبي ﷺ: «كلُّ مُسكِر خمر، وكل مسكِر حرام» [أخرجه أبو داود]، والمعنوية كالتَّعلُّق بالخُرافات، فقد رأى سيدنا رسول الله ﷺ رجلًا علَّق في عضده حلقة من نحاس، فقال له: «وَيْحَكَ مَا هَذِهِ؟»، قال: من الواهنة -أي لأشفى من مرض أصابني-، قال ﷺ: «أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا، انْبِذْهَا عَنْكَ، فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا». [أخرجه أحمد وغيره].
حصاد الأزهر للفتوى.. 66 ألف عمل إلكتروني ساهم في تقديم رسالة توعوية وسطية مؤسسة «فاهم» تعقد ندوة حوارية بمركز الأزهر للفتوى عن التعامل الأمثل مع الأمراض النفسيةوأضاف مركز الازهر العالمي للفتوى الالكترونية، أنه لا ينبغي للمسلم أن يعلق قلبه وعقله بضلال، ولا أن يتَّبع الخيالات والخرافات، ويعتقد فيها النَّفع والضُّر من دون الله.
وأوضح مركز الازهر العالمي للفتوى الالكترونية، أن كما رأى الإسلام أن ادعاءَ معرفة الغيب منازعةً لله فيما اختص به نفسه، واتباعَ العرافين ضربًا من الضلال الذي يفسد العقل والقلب، ويُشوش الإيمان؛ فالكاهن لا يملك لنفسه ولا لغيره ضرًّا ولا نفعًا، وهو كذوب وإن صادفت كهانته وقوع بعض ما في الغيب مرّة، ولا يليق إذا كان العرّاف أو المُنجّم يهدم القيم الدينية والمجتمعية، ويرسخ في المجتمع التعلق بالخرافه؛ أن يُستضاف ويظهر على الجمهور ليدلي إليهم بتنبؤاته وخرافاته، ثم تُتدَاوَل مقولاته وتُتنَاقل؛ بل إن مجرد سماعه مع عدم تصديقه إثم ومعصية لله سبحانه.
وأشار المركز إلى أن قال الحق سبحانه: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}. [النمل: 65]، وقال سيدنا رسول الله ﷺ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً». [أخرجه مسلم]
وأردف مركز الأزهر للفتوى، فما البال إن أفضى التمادي مع هذه الخرافات والافكار لفساد الاعتقاد، وارتكاب الجرائم، باسم العلم، والعلم منها براء؟!
وأكد مركز الأزهر للفتوى، إن ما ينتشر -في هذه الآونة- من رجم بالغيب وتوقعات للمستقبل من خلال حركة النجوم والكواكب، والأبراج والتاروت وغيرها؛ لهي أشكال مستحدثة من الكهانة المُحرَّمة، تدخل كثير من الناس في أنفاق مظلمة من الإلحاد والاكتئاب والفقر والفشل والجريمة، أو في نوبات مزمنة من الاضطراب العقلي والنفسي والسلوكي، وقد ينتهي المطاف بأحد الناس إلى إيذاء نفسه أو أهله؛ بزعم الراحة من الدنيا وعناءاتها.
وتابع الأزهر للفتوى: كل هذا يجعل امتهان هذه الأنماط المذكورة جريمة، والتكسب منها مُحرمًا، واحترامها والاستماع إليها تشجيع على نشر الفساد والخرافة، ويَقضِي ألَّا نراها -فكرًا وسلوكًا- إلا كجُملةٍ من المُخالفات الدينية، سيَّما وأن عامة طقوسها مُستجلَب من أديان وثنية، ويصطدم والعلم التجريبي، الذي لا يعترف بمنهجيتها في استنتاجاتها المُدَّعاة، حتى وإن أطلَّت على مجتمعاتنا عبر شاشات ملونة، أو قُدّمت للناس تحت أسماء مستحدثة، أو قُدّم المتحدثون فيها على أنهم خبراء وعلماء؛ سيبقى في طياتها الجهل والإثم، وصدق الحق سبحانه إذ يقول: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُون}. [الأنعام: 21]