تامر أفندي يكتب: ماذا يريد "تركي آل شيخ" من مصر؟
تاريخ النشر: 21st, June 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
كنت قد شرعت في الكتابة عن فكرة راودتني، وأرجأتها للأسبوع المقبل، لدى رؤيتي منشورًا لصديق يكتب فيه.. هو تركي آل شيخ عايز إيه من مصر؟.
تذكرت أنني منذ سنوات أنني أجريت عدة حوارات مع عدد من الأشقاء العرب، أحدهم كان من العراق وحينها سألته إنت عايز إيه من مصر؟ فابتسم وقال لي: «اسألني إنت مش عايز إيه من مصر؟ إحنا عايزين مصر كلها حضارتها وتاريخها وناسها وطيبتها وفنها وشوارعها وضحكتها وقوتها وصبرها؟.
حكايات كثيرة تناولتها المقالات آنذاك لقلوب رأت مصر كما يجب أن تُرى.. لا عبر لحظة عابرة في عمر الزمن.. مصر التي كانت وما زالت حائط الصد الأخير.. السد المنيع الذي تصدى لكل محاولات هدم وتجريف وتدمير الهوية العربية، مصر التي في خضم معاناتها تقتسم كسرة خبزها مع ضيفها.. مصر التي تحمل على عاتقها هموم غيرها.. مصر التي منثور في هوائها أبيات الشعر والفكر.. ليس لها مواسم زرع لعلمائها ولفنانيها وفنها.. حسناء لا يطول الشيب رأسها تلد وكأنها عروس ما زالت في خدرها.
إن تسألي عن مصر حواء القرى
وقرارة التاريخ والآثار
فالصبح في منفٍ وثيبة واضح
من ذا يُلاقي الصبح بالإنكار؟
مصر التي لا تكتمل أركان الإيمان إلا بها.. لا ينقص نبعها إذا سقت ظمآنا ولا يجف ضرعها إذا أطعمت سائلًا.. هذا ليس حديثا منمقا ولكنه تاريخ من قبل أن يضع التاريخ قلمه في دوايات الحبر ليكتب.. ارجع إلى ما قالته الكتب السماوية والسلف وما ساقه "بن جبير" في تاريخه، وما خطه "ابن إياس" في "بدائع الزهور في وقائع الدهور".. تذكر مقدمة "بن خلدون" وما قاله "جمال حمدان" ووصف "الكندي" لها.. افتح رسالة بن العاص لعمر بن الخطاب حينما طلب منه أن يصف له مصر فكتب: "فبينما مصر يا أمير المؤمنين لؤلؤة بيضاء، إذا هي عنبرة سوداء، فإذا هي زمردة خضراء، فإذا هي ديباجة رقشاء، فتبارك الله الخالق لما يشاء".
مصر ليس فيها "شين" حتى ما تحسبه العين عيب فيها "زين" فها هو "ابن بطوطة" يضع في لوحته عنها كل ضدٍ فيصير التضاد تنوعًا وألقًا.. فكيرها نافع كالعنبر: "مصر مجمع الوارد والصادر، ومحط رحل الضعيف والقادر، وبها ما شئت من عالم وجاهل، وجاد وهازل، وحليم وسفيه، ووضيع ونبيه، وشريف ومشروف، ومنكر ومعروف، تموج موج البحر بسكانها، وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها وإمكانها، شبابها يَجِدّ على طول العهد، وكوكب تعديلها لا يبرح عن منـزل السعد، قهرت قاهرتها الأمم، وتمكنت ملوكها من نواصي العرب والعجم، ولها خصوصية النيل الذي أجلّ خطرها، وأغناها عن أن يستمد القَطْرَ قُطْرُها، وأرضها مسيرة شهر لمجدّ السير، كريمة التربة، مؤنسة لذوي الغربة".
أنا تاج العلاء في مفرق الشر
ودراته فرائد عقدي
أي شيء في الغرب قد بَهر الناس جمالًا
ولم يكن منه عندي
دعك من العرب وكتبهم وكُتابهم وحبهم وطريقة تعبيرهم عن تقديرهم، انظر إلى الغرب الدكتورة جروس، أستاذ الحضارات القديمة في نيويورك: "أستطيع أن أؤكد أنه بالرغم من وجود نسبة الأمية والفقر في مصر، إلا أنها عظيمة بأبنائها، وذلك لأن الحضارة تحت جلودهم".
أي شعور وفخر بنسب وأنت تقرأ عبارة أفلاطون التي كتبها بعد عشر سنوات عاشها في مصر: "ما من علم لدينا إلا وأخذناه عن مصر".. أي مجد يُمكن للكلمات وصفه بعد قوله لعلماء اليونان: "أنتم أطفال على علماء مصر".
أي عبارة تحتاجها للتوضيح بعد أن تقرأ "موسى والتوحيد" لـ"فرويد" وهو يهودي حتى النخاع: "عقدة اليهود الأزلية هي الحضارة المصرية".
كم ذا يُكابد عاشق ويلاقي
في حب مصر كثيرة العشاقِ
إذا أردت أن تعيش بعد الموت فلتسكن قلوب المصريين.. فكاتب التاريخ وإن رطن اللغات جميعها إلا أن أصله مصري.. مصر الوطن وإن تأزمت وعانت وعاندتها حينًا السنوات.. وإن أحاطها اليأس تبقى الأمل.
في قلوب كل العرب ومنهم "آل شيخ" صورا لذكريات بها، برغبة محب يريد استعادتها، واستعادة سنوات عاشها.. ضحكات وشموخ وصداقات وأنس وونس..
فكم تدفع أنت لتُعيد لحظة من صباك!.. لتُعيد للحياة إحدى الحكايات التي مضت!.. لتسمع أغنية بنفس الشعور الذي سمعته بها أول مرة.. لتستعيد براءة البدء وأولويات العسل!.
لا تلومنا عاشقا لعشقه.. فمصر لمن عشقها وعرف قدرها تظل ذكرًا لا ينقطع.. وحلمًا يؤرق المضاجع من فرط عذابات عشقها والشوق إليها.. فمن ذا الذي لا يعشق أرض الله وشعبها وجنودها!.
ومن ذا يكره أن يخرج من بين جناباتها رسل إلى كل مكان ينشروا علمها وفنها وثقافتها..! فلا تخافوا تماهيها.. فمصر من تضع صكها وتطبع ختمها وشامة حسنها ولكم من أمم جاءت بكل اللغات وخرجت تنطق بحرفها..
فأحبها أنت فقط كما يجب أن تُحبها.. كما تستحق أن تحبها.. وأترك غيرك يحبها كيف يشاء.. فتلك مذاهب في حب الآلهة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مصر تامر أفندي يكتب العرب القرآن السد مصر التی من مصر
إقرأ أيضاً:
أشرف غريب يكتب: الإدارة الأمريكية وغزة.. والكبيرة مصر
تتحدث التقارير الإخبارية عن أنّ مئة وخمسة وأربعين عضوا بالكونجرس الأمريكي قد وقَّعوا على وثيقة تطالب الإدارة الأمريكية الجديدة بالتراجع عن نواياها بامتلاك الولايات المتحدة لقطاع غزة، أو أنّ نوابا وشيوخا ديمقراطيين ينوون إجهاض خطتها، أو أنّ 350 شخصية يهودية أمريكية بينهم حاخامات وفنانون وشخصيات عامة، قد وقَّعوا على بيان رسمي يعارضون فيه خطة الإدارة الأمريكية الجديدة الخاصة بتهجير الفلسطينيين من غزة ويعتبرونها تطهيرا عرقيا، أو أنّ مستشاري الرئيس الأمريكي قد فوجئوا كما فوجئ العالم بتلك الخطة، إلى غير ذلك من ردود الداخل الأمريكي المناوئة لما دعا إليه الرئيس الأمريكي، فهل يمكن أن يمثل هذا نوعا من الضغط على البيت الأبيض فيتراجع ساكنه الأكبر عن خطته، أم أنّه توزيع للأدوار لن يؤدي إلى شيء ملموس؟
أنا شخصيا لا أثق في السياسة الأمريكية، وشواهد الماضي تؤكد ذلك، والذي أعلمه تماما كما يعلمه الجميع أنّ من وفرت الحماية والغطاء لكل ما فعلته إسرائيل على مدى تاريخها لا تريد خيرا للعرب ولا تبحث إلا عن مصالحها ومصالح حليفتها ومخلبها في المنطقة.
الذي يبدو لي أنّ الإدارة الأمريكية قد ضاقت بالقضية الفلسطينية، وقررت أن تنسفها من أساسها وتصفيها تماما من جذورها، أو على الأقل صرف الانتباه عن جوهرها الحقيقي، فمن يطالبون بحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 سيجدون، وفق خطة الإدارة الأمريكية الجديدة، حقائق جديدة على الأرض، مؤداها أنّه لا حدود فعلية للرابع من يونيو 1967، اليوم غزة وغدا الضفة الغربية لنهر الأردن، حيث لن تكون هناك لا أرض ولا شعب لقيام الدولة الفلسطينية.
وبدلا من المناداة الدائمة والأزلية بحق العودة للفلسطينيين الذين هُجِّروا من أراضيهم أصبح العالم منشغلا بمنع التهجير الجديد، وبدلا من البحث عن حل جذري للقضية بتنا نتحدث في الفرعيات تمهيدا لتصفية القضية ذاتها، أي تفكير شيطاني هذا الذي يفعله الأمريكان والإسرائيليون؟!
قبل أسابيع كتبت هنا في هذا المكان، غداة اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان وسقوط بشار الأسد، عن إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وأنّ واقعا جديدا يراد تشكيله حاليا لصالح طرف واحد هو إسرائيل، وأنّ المسرح بات مهيئا لظهور مخطط سابق التجهيز يسعى الأمريكان لتمويله من نفط الخليج أو حتى من خلال وقف المساعدات الأمريكية لكل من مصر والأردن إذا أبدت الدولتان أي تبرم تجاه ذلك المخطط حتى لا يكون لدافع الضرائب الأمريكي أي موقف سلبي من كل ما تخطط له السياسة الأمريكية.
ومنذ بداية أحداث السابع من أكتوبر وتداعيات ما جرى في غزة ومصر منتبهة لذلك كله، وسبق أن حذر الرئيس عبدالفتاح السيسي مرارا وتكرارا من أنّ سيناء لن تكون بديلا للفلسطينيين، وأنّ مصر لن تساهم في إفراغ القضية من مضمونها، وأنّ تكدير حياة سكان غزة من جانب إسرائيل من أجل دفعهم إلى اجتياز الحدود والدخول إلى سيناء لن تقبله مصر بأي حال من الأحوال.
وأنّه يجب أن يكون واضحا للجميع أنّ الحدود الشرقية لمصر خط أحمر لا يمكن حتى التفكير في تجاوزه، فلما أجهضت مصر تمثيلية السابع من أكتوبر وتأكد الإسرائيليون من فشل مخططهم، أخرج ساكن البيت الأبيض الجديد من جعبته، خطته البديلة المتعلقة بتهجير سكان غزة وامتلاك الولايات المتحدة للقطاع تمهيدا لتسليمه إلى إسرائيل أو على الأقل أن تكون منطقة عازلة بين مصر والفلسطينيين المراد تسكينهم في سيناء من جانب وبين إسرائيل على الجانب الآخر، فضلا عما يمكن أن يصدره من مشكلات لمصر وجود مليوني فلسطيني على أرضها معظمهم ينتمون إلى حركة حماس إحدى أذرع جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة.
ولأن الأمريكيين يتحدثون عن استحالة إعمار غزة في ظل وجود سكانها، وأنّه على من يرفض خطة الإدارة الأمريكية الجديدة إيجاد البديل، فإنّ مصر الكبيرة بمواقفها وبعظم دورها في المنطقة، وبتحملها لعبء القضية الفلسطينية على مدى التاريخ لم تقف موقف المتفرج على كل ما يحدث، وراح ساستها يعدون حاليا تلك الخطة البديلة التي تتيح إمكانية إعمار القطاع من دون تهجير سكانه.
ويبدو أنّ دخول الشاحنات المصرية للقطاع في الأيام الماضية وهي تحمل المساكن المتنقلة جزءا من هذا التصور المصري، الذي حتما سيكون مطروحا أمام القمة العربية الطارئة التي تستضيفها القاهرة أواخر هذا الشهر والتي من المفترض أن تأتي بمخرجات تجنب المنطقة تنفيذ المخطط الأمريكي الخبيث.
وهو ما يستدعي تكاتفا عربيا واضحا لا انشقاق فيه، وموقفا حازما من كل ما يحدث دون تشرذم أو بحث عن مصالح ضيقة، وأن يكونوا مستعدين لتوقع الضغوط وتحمُّلها، وعلى العرب جميعا أن يعلموا أنّ قوتهم في اتحادهم، وأنّ ضعفهم في تفككهم، وأنّهم مطالبون الآن أكثر من أي وقت مضى أمام الله وأمام التاريخ وأمام شعوبهم بأن يتخذوا ما تمليه عليهم عروبتهم ونخوتهم من أجل الدفاع عن وجودهم وإلا لن تقوم لنا قائمة بعد اليوم.