مع شروق الشمس يحث الخطى نحو مصلى العيد مرتديا زيه التقليدي العماني حاملا عصاه المقطوعة من شجرة العتم وقد زين مقبضها بالفضة، ويلبس في وسطه خنجرا تقليديا عمانيا رأسها مصنوع من «قرن الزراف» النفيس، مسبحا ومكبرا ومهللا حتى يصل إلى المصلى، هكذا يبدأ العماني طقوس عيد الأضحى المبارك الذي اختاره الله تعالى أن يكون ثاني الأعياد الإسلامية في السنة الهجرية.

ولهذا العيد أحكامه وتشريعاته وحكمه، وكيف أن حكم الأضحية والفداء هو مستمد من الحنيفية الإبراهيمية، فما هي المعاني الأخرى للأضحية والفداء؟ وكيف أن العيد إشاعة للفرح؟ وعلاقة الأحداث الجارية في غزة وفلسطين فيما ينبغي على المسلمين من استحضاره وتجديده في عيد الأضحى المبارك، كل هذه الموضوعات وغيرها تطرق لها «سؤال أهل الذكر» الذي يعده ويقدمه د.سيف الهادي، ويستضيف فيه فضيلة الشيخ د.كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان.

في بداية الحوار تناول المقدم موضوع الأضحية وربطها بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام وانبه إسماعيل عليه السلام في قصة الذبح، فقال في قوله تعالى: «فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)» الشائع عند الناس أن هذه الحادثة هي التي أسست لسنة العيد فإذا صح هذا لديكم ما هي القيمة الإيمانية التي تتجاوز مجرد التاريخ أو مجرد التخليد؟

معاني عيد الأضحى

فأجاب د.كهلان بقوله: لا غرابة أن يكون من معاني عيد الأضحى المبارك إحياء سنة إبراهيم الخليل وولده إسماعيل عليهما السلام، وهذا لا يعني أنه لا سبب آخر فيما أكرمنا الله تبارك وتعالى به من شعيرة عيد الأضحى المبارك ذلك أن هذه الأيام هي أيام مباركة فهي واقعة في الأشهر الحرم وهي واقعة في أشهر الحج المعلومات وهي في العشر الأول من ذي الحجة التي أعلى الله تبارك وتعالى مقامها وأعلى منزلتها وضاعف فيها أجور العاملين، وفيها جملة من المناسك والشعائر التي يتقرب بها المسلمون سواء الذين وفدوا إلى الله تبارك وتعالى لأداء فريضة الحج أو أولئك الذين هم في الأمصار والأفاق فاجتماع هذه العبادات كلها هي أيضا من أسباب أو من الحكم والمعاني التي نجدها في تشريع سنة عيد الأضحى على وجه الخصوص.

التوحيد الخالص

وأضاف: أما الذي تشيرون إليه وتقدم أنه لا غرابة أن يكون من دواعي تشريع العيد فلأننا نجد في كتاب الله عز وجل أن اتباع ملة إبراهيم بمعنى وراثة ملة أبي الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام قد خصت به هذه الأمة فكل من استجاب لدعوة نبينا محمد صـلى الله عليه وآله وسلم الخاتم وآمن برسالته واهتدى بالقرآن الذي أكرمه الله تبارك وتعالى به فإنه داخل في هذا الاتباع، وهذا المعنى يتأكد كثيرا في كتاب الله عز وجل فربنا جل وعلا يخاطب نبيه محمد صـلى الله عليه وسلم بقوله: «قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)» هذه الآيات الكريمة تشتمل إجمالا على ثلاثة معاني عظيمة أريدَ تأكيدها، ولذلك كان كل ما فيه إحياء لملة إبراهيم عليه السلام مقصودا أما المعاني الثلاثة التي ترد إجمالا في هذه الآيات الكريمة مما خصت به هذه الأمة من ميراث إبراهيم الخليل عليه السلام فهو التوحيد الخالص لله تبارك وتعالى وأنها شريعة حنيفية سمحاء لا غلو فيها ولا مبالغة ولا شدة ولا ميوعة، هي حنيفية وسط قصد سمحاء كما وصفها ربنا تبارك وتعالى في هذه الآيات الكريمة وفي كل المواضع التي أمر فيها نبينا محمد صـلى الله عليه وسلم وأمته من بعده باتباع ملة إبراهيم فإننا نجد هذين الوصفين: «ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» وهذا أيضا الذي نجده فيما تقدم من آيات، ولذلك نجد أن رسول الله صـلى الله عليه وسلم يؤكد هذا المعنى أيضا في قوله: «إنما بعثت بالحنيفية السمحاء» فهي من حيث شريعتها وأحكامها وهداياتها ميسرة بعيدة عن الغلو والتطرف فيها سماحة ويسر وسهولة، فيها ما يدعو إلى الإقبال عليها والتمسك بها.

ثم هي من حيث عقيدتها توحيد خالص لا يشاب بشيء ينزه فيها الله تبارك وتعالى عن كل ما لا يليق به ويوصف بكل صفات الجلال والكمال، وينزه عما لا يليق به من صفات النقص تعالى الله أكبر عن ذلك علوا كبيرا، ولذلك يتأكد أيضا المعنى الثالث الإجمالي الذي اشتملت عليه هذه الآيات وهو معنى الإخلاص لله تبارك وتعالى، ولذلك قال: «قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» فكل عمل يقوم به هذا المكلف وكل ما ظهر له من أفعال وأقوال يأتيها، وكل ما يدعه ويأتيه في هذه الحياة الدنيا فهو داخل في مفهوم العبودية التي لا تكون إلا خالصة لوجه الله تبارك وتعالى، إذن هذه المعاني ليست من المعاني الهزيلة التي يمكن تغييبها حينما نتحدث عن إحياء سنة عيد الأضحى المبارك، بل هي من صميم المعاني الإيمانية التي لا بد من تجديدها، وتجديدها يكون بإحياء سنة العيد، وبتأمل هذه المعاني فيها وباستلهام الحكم منها.

غاية خلق الإنسان

يضاف إلى ذلك أن هذا ربط بالغاية التي من أجلها خلق هذا الإنسان فإن الله تبارك وتعالى لما آذن ملائكته بخلق هذا الإنسان قال: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)» ذكروا أشرف أوصافهم، وأسوأ ما يمكن أن يصدر من هذا الإنسان، ثم ذكروا أشرف أوصافهم التي يحبها الله تبارك وتعالى وخلقهم من أجلها «ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك» إذن الغاية الكبرى التي من أجلها خلق هذا الإنسان وجعله الله تبارك وتعالى خليفة في هذه الأرض تبينت في مثل هذه الأحداث الكبرى التي يظهر فيها الإنسان بأسمى ما أودعه الله تبارك وتعالى في ملائكته الذين لا يعصونه طرفة عين.

فهذه الأيام وما كان من ذكرى إبراهيم الخليل عليه السلام في الآية التي ذكرتموها: «فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ» هنا تتجلى غاية التقديس لله تبارك وتعالى ومنتهى التسبيح له والإذعان والطاعة المطلقة والإخلاص لله تبارك وتعالى، هذا موقف في تاريخ الإنسانية يؤكد سبب اصطفاء هذا الإنسان ليكون خليفة في الأرض، يؤكد ما أجملته آية «قال إني أعلم ما لا تعلمون» أن هذا الإنسان سيكون مقدسا مسبحا منزها مخلصا مطيعا عابدا لي وحدي لا لسواي وسوف يشهد العالمون موقف هذا الإنسان، ولذلك فإننا نفهم من تاريخ هذا الإنسان الموجود في كتاب الله عز وجل سبب إعلاء هذه الأيام المباركات وإحياء ذكرى إبراهيم عليه السلام لأنها نموذج بشري ممن اصطفاهم الله تبارك وتعالى وجعلهم في مقام الإمامة والاقتداء والمباهاة لله تبارك وتعالى عند سائر خلقه أن هذا هو الإنسان الذي يريده الله تبارك وتعالى، والذي بوأه هذه المنزلة والذي كرمه حينما يذعن لله عز وجل مخلصا موحدا مطيعا عابدا فإنه يرقى إلى هذا المستوى الذي يسترخص فيه كل شيء والذي يقدم فيه طاعة ربه على هوى نفسه والذي يسعى إلى إرضاء ربه بنفس راضية طيبة، ولذلك نجد هذا المعنى حتى فيه نفس راضية ونفس طيبة في الأضاحي قال رسول الله صـلى الله عليه وسلم «فطيبوا بها نفسا» وقال ربنا تبارك وتعالى: «لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ» والله تعالى أعلم.

رؤيا الأنبياء

ـ ما الذي جعل إبراهيم عليه السلام يؤمن بأنها رؤيا من الله رغم أن فيها ما يخالف ما يدعو إليه الإسلام من المحافظة على النفس وحرمة القتل خاصة إذا كان ابنه؟

رؤيا الأنبياء عليه السلام هي وحي من الله تبارك وتعالى فإن الشيطان لا يتلبس لهم في منامهم، وهذا نوع من أنواع الوحي الذي خص الله تبارك وتعالى به أنبياءه ورسله فرؤياهم حق وهي وحي من الله تبارك وتعالى ولذلك نجد ما قصه لنا ربنا جل وعلا في كتابه الكريم من رؤى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، قصه لنا على سبيل أنه وحي منه جل وعلا لهم، فرؤيا إبراهيم هنا هي وحي منه جل وعلا، وما ذكره الله تبارك وتعالى عن رؤيا يوسف عليه السلام فهي حق، وهو جزء من أجزاء النبوة، وما قصه لنا ربنا تبارك وتعالى

عن رؤيا نبيه محمد صـلى الله عليه وسلم حينما قال: «لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ» فهذا أيضا نوع من أنواع الوحي، ولذلك قال رسول الله صـلى الله عليه وسلم: «الرؤيا الحسنة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» فهذا هو الذي دفع إبراهيم عليه السلام إلى أن يستجيب لأمر ربه والآية الكريمة تشير إلى تكرر هذه الرؤيا ليتثبت إبراهيم عليه السلام، لأنه حكى ما رآه بصيغة المضارع، قال إني أرى في المنام أني أذبحك، فهذا يدل على أن هذه الرؤيا تكررت ولم يقل إني رأيت، على خلاف ما قاله يوسف عليه السلام، فيبدو أن من ظاهر السياق القرآني أنه رأى ذلك مرة واحدة، أما هنا فتكرر عنده ذلك في إبراهيم الخليل حتى يكون على بينة وعلى يقين ويفاتح ولده وهو مستجيب لا محالة، فحتى يفاتح ولده إسماعيل وهذا هو القول الراجح الصحيح كما تقدم في جواب سابق، وإلا فإن علماء المسلمين اختلفوا في الذبيح قيل بأنه إسحاق وقيل بأنه إسماعيل وهذا هو القول الصواب الراجح ولكن ليس هذا محل البسط لهذه القضية فكلاهما نبي ونبي كريم له منزلته ومقامه وهما من أنبيائنا الذين يجب علينا الإيمان بهما عليهما الصلاة والسلام وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام، لكن فيما يتعلق بهذه الحادثة فهي على الراجح أنها كانت مع إسماعيل عليه السلام.

الكتب السماوية السابقة

ـ ذكرتم بأن الإيمان بنبينا صـلى الله عليه وسلم يعني بالضرورة الإيمان بإبراهيم عليه السلام وبقية الأنبياء، هنا سؤال لدينا يقول: أليس من الواجب علينا الأخذ من الكتب السماوية بما يوافق القرآن الكريم بحكم أن رسالة نبينا صـلى الله عليه وسلم امتداد لذلك التشريع؟

الجواب لا لأن كتابنا هذا أنزله الله تبارك وتعالى ليكون كما وصفه «ومهيمن عليه» فهو مهيمن على الكتب قبله، فأخذنا يكون من القرآن الكريم، وقد حكى لنا ربنا جل وعلا في القرآن الكريم أن أتباع الملل السابقة أتباع الأنبياء والرسل قبل نبينا محمد صـلى الله عليه وآله وسلم قد حرفوا الكلم عن مواضعه فصحيح أن ما يتعلق بالعقائد والأخلاق لا نسخ فيها، لكن لا أمان من أتباع هؤلاء الأنبياء والرسل بعدما تطاول بهم العهد كما أخبرنا ربنا جل وعلا من تحريفهم لما بقي من هذه الكتب السماوية فنحن مأمورون باتباع كتاب الله عز وجل باتباع القرآن الكريم وما كان في الكتب السابقة من مراشد وهدايات ومواعظ وعقائد وأخلاق، فإن القرآن الكريم قد اشتمل عليها، ولذلك نجد أن هذا أيضا يتكرر في القرآن الكريم قال: «إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ» بعدما ذكر جملة من الأمور في سورة الأعلى فهو مشتمل عليه أيضا في القرآن الكريم.

إذا لا يسوغ لمسلم اليوم أن يدعي الأخذ من الكتب السماوية لأننا نؤمن بالأنبياء والرسل جميعا نحن نؤمن بهم ونؤمن بالكتب التي أنزلت عليهم كما أنزلها الله تبارك وتعالى، لكننا لم نؤمر بالأخذ منها، وإنما أمرنا أن نأخذ من القرآن الكريم وأن يكون هو المنهاج الذي نهتدي به والدستور الذي نحتكم إليه، ومصدر الهداية التي بها نهتدي، وما كان من خير في الكتب السابقة فإن القرآن الكريم قد اشتمل عليها لأنه مهيمن عليها بنص ما ورد في القرآن الكريم، ومعنى أنه مهيمن عليه، أي أن له الحكم والسيادة والشمول وهو مصدق لما فيها من هدايات كما أنزلها الله تبارك وتعالى على الأنبياء والرسل فالقرآن الكريم هو كما تقدم الذي يأخذ منه المسلمون لا من سواه والله تعالى أعلم.

هوية الأمة المستقلة

- دخل النبي صـلى الله عليه وسلم المدينة وجدهم يحتفلون بأيام عيد خصت بهم، فقال: «لكن الله أبدلنا بهما يوم الفطر ويوم الأضحى» هل هو استقلال في الرمزية أم استقلال في المفهوم؟

ما يعرف بالرمزية إذا كانت رمزية لذات الرمزية أي رمزية فارغة ليس فيها إلا الرمز فهذه لا وجود لها في دين الله تبارك وتعالى، أما إذا كانت بمعنى العظة والذكرى والدلالة على معاني أخرى فهذا مما يتوسع فيه لكن سيكون من الاختزال أن نصف مثل هذا بأنه رمزية بمعنى العظة والذكرى فقط المسألة أعمق من ذلك كما تقدم فالمسألة تتعلق بتصحيح التصور وبناء المفاهيم الصحيحة عن الحياة وعن الخالق جل وعلا وعن طبيعة هذا الدين بلا مبالغة، فرسول الله صـلى الله عليه وآله وسلم هنا يؤكد لهذه الأمة أن هويتها هوية مستقلة كما تفضلتم في السؤال وأنها ليست ممن يقلد غيرها من الأمم، وإنما لها دينها وهويتها وأحكامها وتشريعاتها وأعيادها، وهذه الأعياد تعكس طبيعة هذا الدين الذي تنتسب إليه هذه الأمة لأن أخلاق الأمم تظهر في أعيادها، فإذا كانت أعيادنا شكرا لله عز وجل واستبشارا بنعمه وإعلاء لذكره وإكثارا من ذكره جل وعلا، واقتداء بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وإظهارا للفسحة التي في الدين بإظهار البِشر والفرح والسرور وباتباع السنن الداعية إلى التجمل في حدود الاعتدال والتطيب وإلى مسامحة الآخرين، وبعث روح التآلف والتراحم والتعاطف بين المسلمين وإظهار شعائر الدين بالتكبير والخروج إلى المصليات وأداء صلاة العيد بما فيها من تكابير ثم الخطبة وسماع الموعظة والأحكام ويخرج المجتمع، فرسول الله صـلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر المخدرات من النساء والحيَّض من النساء أن يشهدن الخير ويأمر الحيض أن يعتزلن المصلى فهن يخرج ولكن يعتزلن المصلى ليشهدن الخير مع جماعة المؤمنين، وكان رسول الله صـلى الله عليه وسلم يخصهن بالموعظة أيضا يوم العيد.

ثم ما يحصل من تآلف في المصلى ومن انبساط فكل ذلك لبيان حقيقة استقلال هذه الأمة في شخصيتها في هويتها في معالمها الظاهرة وفي معانيها الباطنة وفي نظرتها للحياة وفي اعتدالها وتوسطها مع ما يشتمل عليها أيضا من بواعث التآخي فيما بينهم وإظهار الفرح والسرور، والتعود وعلى الاعتدال في المشاعر مع الاعتدال فيما يتعلق بالمظاهر المادية.

فالعيد يشتمل على كل هذه المعاني ويمكن أن تقاس الأمة من خلال التزامها بهذه المعاني والأخلاق والحكم والأحكام في أعيادها.

عيد الأضحى ومناصرة غزة

ـ موسى عليه السلام كان يعول على وعي الجماهير عندما اختار العيد الذي كان يقدسه الفراعنة «قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى» كان يعول على وعي الجماهير في استقبال الرسالة وقناعتهم ببطلان ما يدعيه فرعون، الآن لدى المسلمين قضية وهي فلسطين وغزة وما تتعرض له من الإيذاء كيف يستغل المسلمون هذا العيد لنصرة قضيتهم أيضا والانتباه إلى موضوع الشعور القلبي والوجداني بما يعانيه أهل غزة؟

هذه قضية بالغة الأهمية ولا يمكن أن تمر مناسبة عيد الأضحى بالمسلمين دون أن يتذكروا إخوانهم في غزة وفي عموم فلسطين، نسأل الله تبارك وتعالى أن يفرج عنهم وأن يفرغ عليهم صبرا وأن يكتب لهم من عنده نصرا وتمكينا إنه سميع مجيب، وأهم ما يمكن أن يستلهم من مناسبة عيد الأضحى معنى التناصر، يقول ربنا تبارك وتعالى: «إنما المؤمنون إخوة» ويقول: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويطيعون الله ورسوله»؛ ولذلك فإن مرور مثل هذه المناسبة على أمة الإسلام يجب أن يكون مصحوبا بإظهار النصرة لإخوانهم المستضعفين المظلومين، ومقتضى النصرة أن يمدوا لهم يد العون بما يستطيعون، وأن يقفوا موقف مؤازرة الحق ورد الظلم والعدوان وكشف الأباطيل التي يزعمها العدو المحتل الغاشم، والعدوان وتبيين هذه الحقائق للناس أجمعين، وهذا يمكن أن يكون من خلال ما يظهره المسلمون في أعيادهم من خلال ما يتمسكون به من أخلاقهم وما يرفعونه من أكف الضراعة لله تبارك وتعالى وما تجود به نفوسهم، وما تمتد به أيديهم لنصرة إخوانهم وغوثهم ولإعادة الإعمار ولما يحتاج إليه إخوانهم المستضعفون في غزة، هذا يتجدد في ذكرى عيد الأضحى المبارك.

ثم مع المناصرة والمؤازرة يأتي معنى التضحية فلإن كان عيد الأضحى كما تقدم من معانيه ما يتعلق بالفداء والتضحية في سبيل الله تبارك وتعالى وحده واستجابة لأمره جل وعلا وإخلاصا للعبودية له فإن هذا يغرس في المسلمين جميعا حينما تمر بهم ذكرى عيد الأضحى المبارك أنهم لم يخلقوا لهذه الحياة الدنيا وإنما خلقوا للآخرة وأنهم في هذه الحياة الدنيا عليهم أن يتعلموا معاني الفداء والتضحية مخلصين لله تبارك وتعالى وحده، لا يرفعون إلا شعار لا إله إلا الله، قصدهم إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى ومن إعلاء كلمة الله جل وعلا دفع الباطل ورد العدوان وحماية المقدسات وحفظ هوية هذه الأمة في أنفسها وأعراضها ومقدساتها وأموالها فإن هذه المعاني أكدها رسول الله صـلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع حينما خاطب المسلمين جميعا وأكد ما آل إليه حال هذه الأمة الذي وصفته الآية الكريمة: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» فإن رسول الله صـلى الله عليه وآله وسلم أكد هذا المعنى حينما قال: «ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللهم فاشهد» وحينما أكد أيضا في الموسم أن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله، وعرضه»، حينما نهى عن التدابر والتحاسد والتباغض وعن التفرق، كل هذه المعاني لا بد أن تتجدد معنا في العيد، ولئن كان تجددها مطلوبا في سائر الأعياد فهي اليوم مع ما يصيب إخواننا في غزة وما نكبوا به وما رزئوا به من عدو ظالم متجبر غاشم أدعى وألزم، فيجب أن نجدد هذه المعاني وأن نلتفت إليها وأن نسعى بما نستطيع لفهم هذه الحقائق وإدراكها لأنها جزء من هويتنا وشخصيتنا ووجودنا أمة مسلمة.

ولا مناص لنا فنحن نرى كيف أن هذه الأحداث كشفت أن أعداءنا ملة واحدة، وأنهم يجتمعون على ثلة مؤمنة من المسلمين بكل عتادهم وجبروتهم وقوتهم وأنه لو لا صبر هذه الثلة المؤمنة وتضحيتها وتقديمها للغالي والنفيس لما ادخر العدو أدنى وسع للقضاء على كل ما هو من الإسلام والمسلمين وكل ما كان سببا للصبر والثبات أو للتضحية والفداء أو ما كان شعارا من شعارات المسلمين، أو ما كان فكرة من فكر المسلمين أو تصورا من تصوراتهم لما ادخر وسعا في القضاء عليه لكنها حكمة الله تبارك وتعالى الغالبة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: رسول الله صـلى الله علیه وسلم صـلى الله علیه وآله وسلم إبراهیم علیه السلام محمد صـلى الله علیه عید الأضحى المبارک الله تبارک وتعالى فی القرآن الکریم الأنبیاء والرسل الکتب السماویة إبراهیم الخلیل هذا الإنسان هذا المعنى هذه الآیات لله عز وجل هذه الأمة کما تقدم ما یتعلق فی کتاب یمکن أن إذا کان یکون من أن یکون ما کان وحی من فی هذه فی غزة هذا هو أن هذا أن هذه

إقرأ أيضاً:

حكم بيع السجاد المكتوب عليه لفظ الجلالة

أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم بيع السجاد المكتوب عليه لفظ الجلالة؟ فهناك رجلٌ يتاجر في السَّجَّادِ، ومنه سَجَّاد الصلاة المكتوب عليه كلمات للإهداء أو بعض الأسماء، مما يشتمل أحيانًا على لفظ الجَلَالَة -كما في بعض الأسماء المركبة مِن نحو عبد الله وغيرها- أو بعض الكلمات القرآنية، ويَبسُطُه المشتري على الأرض للصَّلاةِ عليه، فهل يحرُم عليه شرعًا بيع السَّجَّاد المشتمل على تلك الكلمات؟". 

لترد دار الإفتاء موضحة: ان تعظيم ما عَظَّمَه اللهُ تعالى وشَرَّفَه مِن الكلمات القرآنيَّة والأسماء الربانيَّة وما يتبع ذلك في الشرف والقدسيَّة الدِّينيَّة أمرٌ محتَّمُ الوجوب في الشريعة الإسلاميَّة، واشتمالُ ما يُفرش على الأرض -كالسجاد وغيره- على شيءٍ مِمّا عظَّمه الله وشرفه متنافٍ مع هذا التعظيم الواجب، والتوقير اللازم، ومن هذا المنطلق فإن بيع التاجر للسَّجاد المشتمل على كلماتٍ جليلةٍ مُعظَّمة في الشرع الشريف من نحو أسماء الله تعالى وآيات القرآن الكريم، لمَن يعلم أنه يستعمله بالبسط على الأرض ووطئه بالقدم في الصلاة أو غيرها -لا يجوز شرعًا باعتباره مُعِينًا له حينئذٍ على ارتكاب ما نهى عنه الشرعُ وحَرَّمه.

بيان أن الأصل في التجارة الحلّ والإباحة

التجارةُ بابٌ عظيمٌ مِن أبواب الكسب الطَّيِّبِ ما رُوعِيَت فيها أركانها وشروطها الشرعيَّة، ولم تتعارض مع مَقصِدٍ مِن مقاصد الشَّريعةِ المرعيَّة، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].

والأصل فيها الحِلُّ والإباحةُ إلا ما جاء الشرع بتحريمه؛ لعموم قول الله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ [البقرة: 275]. فأصل البيوع كلِّها مباحٌ إلا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها، كما في "الأم" للإمام الشافعي رضي الله عنه (3/ 3، ط. دار المعرفة).

حكم الصلاة على السجاد والبساط
قد جرت العادة أن تُوضَع للصَّلاةِ الفُرُشُ المطهَّرةُ المجَمَّلةُ؛ طلبًا لطهارة المكان عن الدَّنَسِ والنَّجَس، المشروطةِ لصِحَّةِ الصَّلاةِ، وبدون الطهارة تَبطُلُ إجماعًا، كما في "الاستذكار" للإمام أبي عُمر ابن عبد البَر (1/ 332، ط. دار الكتب العلمية).

والصَّلاةُ على السَّجَّاد والبساطِ مشروعةٌ بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعن السيدة مَيْمُونَة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنَا حِذَاءَهُ، وَأَنَا حَائِضٌ، وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ إِذَا سَجَدَ»، قَالَتْ: «وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى الخُمْرَةِ» متفقٌ عليه. والخُمْرَةُ: "حَصِيرٌ صَغِيرَةٌ قَدْرُ مَا يُسْجَدُ عَلَيْهِ"، كما قال العلامة الفيومي في "المصباح المنير" (1/ 181، ط. المكتبة العلمية).

قال الإمام ابن بَطَّال في "شرح صحيح الإمام البخاري" (2/ 43، ط. مكتبة الرشد): [ولا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة على الخُمْرَةِ] اهـ.

حكم استعمال السجاد المكتوب عليه لفظ الجلالة
اشتمال السجاد وما يوطأ على كتابةٍ فيها ذكر الله أو شيء من آياته مما اتفق على كراهته فقهاء المذاهب الفقهية الأربعة المتبوعة؛ وذلك خشية أن يوضع على الأرض فيُمتهن، إذ مِن المقرَّر أنَّ "القرآن وكل اسم معظَّمٍ -كاسم الله أو اسم نبيٍّ له- يجب احترامه وتوقيره وتعظيمه"، كما قال شيخ الإسلام ابن حَجَرٍ الهَيْتَمِي في "الفتاوى" (2/ 6، ط. المكتبة الإسلامية)، فثَبَتَت الكراهةُ خشية الوقوع في ذلك. ينظر: "فتح القدير" للإمام كمال الدين ابن الهُمَام الحنفي (1/ 169، ط. دار الفكر)، و"البحر الرائق" للإمام زين الدين ابن نُجَيْم الحنفي (2/ 40، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"الشرح الكبير" للإمام أبي البَرَكَات الدَّرْدير المالكي -في بيان كراهة الكتابة على كلِّ موضِعٍ يُتَوقَّعُ فيه إهانةُ المكتوبِ بوطئه بالأقدام ونحو ذلك كالمقبرة- (1/ 425، ط. دار الفكر)، و"المجموع" للإمام النَّوَوِي الشافعي (2/ 70، ط. دار الفكر)، و"الفروع" للإمام شمس الدين ابن مُفلِحٍ الحنبلي -في بيان كراهة الكتابة على الدراهم وما قد يُنْثَرُ فَيُمْتَهَن- (6/ 317، ط. مؤسسة الرسالة). فأفاد أن المكروه كتابة اسم الله تعالى على موضِع يصير فيه عرضةً للامتهان، وهو ما يشمل السجاد الموطوء بالأقدام.

والبساط المكتوب عليه ذكرٌ أو اسمٌ معظَّم ترتفع كراهة استعماله بانتفاء مَظنَّةِ الامتهان عنه، وثبوت تعظيمه وحفظه، قال العلامة علاء الدين الحصكفي في "الدر المختار" (ص: 30، ط. دار الكتب العلمية): [بساطٌ أو غيره كُتِبَ عليه "الملك لله" يُكرَه بَسطُه واستعماله، لا تعليقه للزِّينة.. قلت: وظاهره انتفاء الكراهة بمجرد تعظيمه وحفظه، عُلِّق أو لا، زُيِّن به أو لا] اهـ.

أمَّا استعماله في الصلاة عليه فلا يجوز شرعًا ما دام هذا السَّجاد مشتملًا على شيء من أسماء الله تعالى وآياته المُكَرَّمة المُعَظَّمة؛ لِمَا في القيام عليه ووطئه بالقدم من إظهار الابتذال، وانتفاء ما يتناسب مع ما لهذه الكلمات مِن قُدسيَّةٍ ووجوبِ إجلالٍ، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]، وقال جَلَّ شأنُه وتعالى جَدُّه عن القرآن الكريم: ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ ۝ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ﴾  [عبس: 13-14].

وعن أمير المؤمنين عُمر بن عبد العزيز أنه قال: "لَا تَكْتُبُوا الْقُرْآنَ حَيْثُ يُوطَأُ" أخرجه أبو عُبَيْد القاسم بن سلَّام في "فضائل القرآن"، وابن بطة في "الإبانة"، والحافظ المُسْتَغْفِرِي في "فضائل القرآن" وبوَّب له بقوله: "باب ما جاء في النهي عن كتابة القرآن على الأرض أو على شيءٍ يُوطَأُ تعظيمًا له".

حكم بيع السجاد المكتوب عليه لفظ الجلالة
المقرَّر في الأصل أن البائِع لا يجب عليه أن يسأل المشتري عن قصدِه في استعمال ما يبيعه له مِن السِّلع أو أن يُلزِمَه باستعمالٍ محدَّدٍ، فإذا كان للشيء استعمالان فالمؤاخذة في الاستعمال المنهي عنه إنما تتوجه إلى الذي أقدَمَ عليه مختارًا وَحْدَه؛ فالحُرمَة إذا لم تَتَعَيَّن حَلَّت، ولا يَضُر البائعَ استعمالُ المشتري للمُباع على نحوٍ منهي عنه حينئذٍ، كما قرَّره فقهاء الحنفية وهو المختار للفتوى؛ إِذ "لَا فَسَادَ فِي قَصدِ البَائِع، فإنَّ قَصْدَه التِّجَارَةُ بالتَّصرُّف فيما هو حلالٌ لِاكتِسَابِ الرِّبِح، وَإنمَا المُحَرَّم قَصدُ المُشتَرِي" إنِ استَعمَله في الحرام، كما في "المبسوط" لشمس الأئمة السَّرَخْسِي (24/ 6، ط. دار المعرفة).

فإن تَيَقَّن البائع أن استعمال المشتري للسلعة مما هو منهيٌّ عنه شرعًا -كما في مسألتنا- مُنِعَ مِن بيع تلك السلعةِ له على جهةِ التحريم عند جمهور الفقهاء من المالكيَّة والشافعيَّة والحنابلة، وهو الأنسب في خصوص مسألتنا؛ سدًّا لذريعة الإعانة على الإخلال بحقِّ ما عَظَّمَه اللهُ وشَرَّفَه مِن كلمات الذكر والتنزيل وما يماثل ذلك مِن الأسماء المعظَّمةِ، مما يترتب عليه اقترافُ السيئات، والتلبُّسُ بالمَنَاهي والمُحرَّمات، ورفعُ مهابة المقدَّسات من النفوس، وقلة الحرص على صَونها وتعظيمها.

قال تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]، و"الدَّالُّ عَلَى الشَّرِّ كَصَانِعِهِ"، كما قال الإمام القُرْطُبِي في "الجامع لأحكام القرآن" عند تفسير هذه الآية (6/ 47، ط. دار الكتب المصرية).

قال العلامة أبو العباس الصَّاوِي المالكي في "حاشيته على الشرح الصغير" (3/ 20، ط. دار المعارف): [يُمنع بيعُ كلِّ شيءٍ عُلم أن المشتري قَصَد به أمرًا لا يجوز] اهـ.

وقال الإمام النَّوَوِي الشافعي في "منهاج الطالبين" (ص: 98، ط. دار الفكر): [ومِن المنهي عنه: ما لا يَبطُل؛ لرجوعه إلى معنى يقترن به، كبيع حاضر لباد.. وبيع الرطب والعنب لعاصِرِ الخمر] اهـ. فأفاد أن النهي لاشتماله على المعنى المنهي عنه شرعًا، وهو هنا الإعانة على غير المشروع أو التسبب فيه.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "فتح الوهاب" (1/ 197، ط. دار الفكر) في ذكر البيوع المنهي عنها: [(وبيع نحو رُطَبٍ) كعنبٍ (لمتخذه مُسْكِرًا) بأن يعلم منه ذلك أو يظنه، فإن شك فيه أو توهَّمَه منه فالبيع له مكروه، وإنما حَرُم أو كُرِه لأنه سببٌ لمعصيةٍ محقَّقةٍ أو مظنونةٍ، أو لمعصيةٍ مشكوكٍ فيها أو متوهَّمة] اهـ. فأفاد النهي عن بيع ما يستعمل على نحوٍ منهي عنه شرعًا.

وقال الإمام موفق الدين ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (4/ 168، ط. مكتبة القاهرة): [إنما يَحرُم البيعُ ويَبطُل إذا علم البائعُ قصدَ المشتري ذلك، إمَّا بقولِهِ، وإمَّا بقرائن مختصة به تدل على ذلك] اهـ.

الخلاصة
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن تعظيم ما عَظَّمَه اللهُ تعالى وشَرَّفَه مِن الكلمات القرآنيَّة والأسماء الربانيَّة وما يتبع ذلك في الشرف والقدسيَّة الدِّينيَّة أمرٌ محتَّمُ الوجوب في الشريعة الإسلاميَّة، واشتمالُ ما يُفرش على الأرض على شيءٍ مِن ذلك متنافٍ مع هذا التعظيم الواجب، والتوقير اللازم، ومن ثمَّ فإن بيع التاجر المذكور للسَّجاد المشتمل على كلماتٍ جليلةٍ مُعظَّمة في الشرع الشريف من نحو أسماء الله تعالى وآيات القرآن الكريم، لمَن يعلم أنه يستعمله بالبسط على الأرض ووطئه بالقدم في الصلاة أو غيرها -لا يجوز شرعًا باعتباره مُعِينًا له حينئذٍ على ارتكاب ما نهى عنه الشرعُ وحَرَّمه.

مقالات مشابهة

  • في بطن الحوت: كيف قلب يونس عليه السلام المحنة إلى منحة؟
  • اللجنة المنظمة تحدد الساحات النسائية بالمحافظات لإحياء ذكرى مولد الزهراء
  • تحديد الساحات النسائية بالمحافظات لإحياء ذكرى مولد الزهراء عليها السلام
  • من كنوز متحف الفن الإسلامي.. قاع إناء خزف يمثل السيد المسيح عليه السلام
  • الشيخ كهلان الخروصي: لا توجد مشكلة شرعية في أن تدخل الأصول الرقمية في الوقف وتتم معاملتها كالأصول القابلة للتداول
  • الراعي: نموذج كهرباء زحله يجب الحفاظ عليه وتعميمه
  • حكم بيع السجاد المكتوب عليه لفظ الجلالة
  • فعاليات ثقافية في حجة لإحياء ذكرى ميلاد السيدة الزهراء عليها السلام
  • لقاء توعوي لموظفات مكتب رئاسة الوزراء لإحياء ذكرى ميلاد الزهراء عليها السلام
  • هيئة الأوقاف تُحيي ذكرى ميلاد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام