توصل فريق بحثي بقيادة علماء من جامعة بريستول إلى أن انخفاض تساقط الثلوج في شمالي كوكب الأرض وبشكل خاص قارتي أوروبا وأميركا الشمالية، سيغير من أنماط تدفق المياه في الأنهار، مما يزيد من فرص نقص المياه في الصيف، وهو الأمر الذي يفتح الباب لموجات جفاف ستكون هائلة في بعض الأحيان.

ويُعرّف الجفاف بأنه فترة ممتدة من الطقس الجاف بشكل غير عادي، وتتميز بنقص في هطول الأمطار مما يؤدي لمشكلات كبرى في النظم البيئية والزراعة وبالتبعية الأنشطة البشرية.

ويمكن أن يؤدي الجفاف إلى فقدان التنوع البيولوجي، وزيادة حرائق الغابات، وتآكل التربة، والتصحر، وبالطبع انخفاض الإنتاجية الزراعية، ونقص المياه اللازمة للصناعات، وزيادة تكاليف إمدادات المياه وإنتاج الغذاء، مما يؤثر بشكل عام في اقتصاد الدول.

الثلوج تتناقص

وبحسب الدراسة التي نشرها الفريق بدورية "نيتشر" العلمية، ركز الفريق على القمم الثلجية لجبال روكي بأميركا الشمالية وجبال الألب الأوروبية، حيث تتساقط الثلوج على تلك القمم في الشتاء، ومع قدوم الربيع يذوب بعضها لتجري المياه إلى أسفل وتغذي الأرض بالخصوبة والكائنات الحية من نبات وحيوان وبشر.

وفحص فريق الدراسة سجلات سقوط الثلوج في تلك المناطق، وحلل بيانات المناخ وتدفق المياه لأكثر من 3000 حوض نهري عبر نصف الكرة الأرضية الشمالي في الفترة من 1950 إلى 2020، وتبين أن تغير المناخ يُخفّض من كميات الثلوج الساقطة، وبالتالي كمية المياه في الأنهار، مما يرفع من احتمالات حدوث جفاف في الصيف تحديدا.

وبحسب الدراسة، فإنه في كل سنة من البيانات، يحسب الباحثون نسبة هطول الأمطار المتساقطة على شكل ثلوج، والتوقيت الموسمي لهطول الأمطار وتدفق الأنهار، ويقارنون بعد ذلك هذه المؤشرات مع السنوات العشر السابقة.

ومن خلال هذه المقارنة تبين أن عدم اليقين بشأن المستقبل، أي احتمالية أن تتطرف الأجواء في أي سنة من السنوات لدرجة موجات جفاف كبيرة، ازداد في الفترة الأخيرة، ومن المتوقع أن يزيد مستقبلا.

ارتفاع متوسط درجة الغلاف الجوي يؤدي إلى تبخر المزيد من الماء من السطح والتربة ويقلل من كمية المياه المتاحة للنباتات والحيوانات والأنشطة البشرية (شترستوك) العالم يتغير

وتأتي تلك النتائج في سياق تأكيدات بحثية تصدر بوتيرة متصاعدة تربط بين التغير المناخي الذي تختبره الأرض حاليا وارتفاع وتيرة وشدة موجات الجفاف.

ويحدث ذلك لأن تغير المناخ يؤدي إلى ارتفاع متوسط درجة الغلاف الجوي مما يؤدي إلى تبخر المزيد من الماء من السطح والتربة، وهذا بالتبعية يقلل من كمية المياه المتاحة للنباتات والحيوانات والأنشطة البشرية، فيخلق حالة الجفاف.

وإلى جانب ذلك، يمكن لموجات الحر التي يغذيها تغير المناخ أن تجفف التربة، ويؤدي ذلك بالتبعية إلى ارتفاع درجة حرارة الهواء بشكل أسرع، مما يؤدي إلى تكثيف الحرارة، وبالتالي يزيد الطلب على المياه أثناء الطقس الحار من الضغط على إمدادات المياه.

موجات الجفاف الكبرى الشديدة التي تمتد الواحدة منها لأكثر من خمس سنوات ستصيب قارة أوروبا في وقت أبكر من نهاية هذا القرن (شترستوك) من أميركا إلى أوروبا

ومن المتوقع أن يكون لهذه العلاقة بين تغير المناخ والجفاف تأثير طويل المدى، فمنذ عام 2000 على سبيل المثال واجه الجزء الغربي من الولايات المتحدة بعضا من أكثر موجات الجفاف شدة على الإطلاق، ويشهد جنوب غرب الولايات المتحدة على وجه الخصوص فترة غير مسبوقة من الجفاف الشديد حاليا.

وفي دراسة صادرة من جامعة كامبردج في عام 2021، ظهر أن موجات الجفاف في أوروبا منذ عام 2015 كانت أكثر حدة من أي فترة أخرى خلال الـ2100 سنة الماضية، والسبب في ذلك -بحسب الدراسة- كان التغير المناخي الذي يتسبب فيه الإنسان.

وتوصل فريق بحثي بقيادة علماء من معهد ماكس بلانك لعلوم الطقس إلى أن موجات الجفاف الكبرى الشديدة التي تمتد الواحدة منها لأكثر من خمس سنوات، ستصيب قارة أوروبا في وقت أبكر من نهاية هذا القرن، على عكس توقعات العلماء سابقًا. ونُشرت تلك النتائج في دورية "كوميونيكيشنز إيرث آند إنفايرونمنت"، ووجد الباحثون خلالها أن نوبات متزامنة من الموجات الحارة والجفاف الشديد يمكن أن تحدث بشكل كثيف (كل عامين مثلا) في أوروبا بحلول الفترة من 2050 إلى عام 2075.

وبحسب بيان رسمي من جامعة بريستول، فإن نتائج الدراسة الجديدة تفرض تحديات كبيرة أمام تخطيط وإدارة موارد المياه في دول قارتي أميركا الشمالية وأوروبا، حيث يجب تطوير إستراتيجيات جديدة وعاجلة للتكيف مع هذه التقلبات المتوقعة مستقبلا.

ويأتي ذلك في سياق تباطؤ عالمي في الاتفاق على سياسات حاسمة للحد من نفث ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وهو الأمر الذي تتفق معظم الأعمال البحثية في هذا النطاق على دوره الرئيسي فيما تختبره الأرض حاليا من احترار.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات موجات الجفاف تغیر المناخ المیاه فی یؤدی إلى

إقرأ أيضاً:

التفاوض بين إيران وأميركا.. دوافعه وتحدياته ومآلاته المتوقعة

في ظل التحولات المتسارعة التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، يعود ملف التفاوض بين إيران وأميركا إلى واجهة الأحداث، وسط تساؤلات ملحة بشأن أسبابه وإمكانياته ومآلاته المحتملة، خاصة في ضوء المتغيرات التي فرضتها مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وطوفان الأقصى.

وفي قراءة معمقة نشرها عبر حسابه بموقع "إكس"، تتبع عبد القادر فايز، مدير مكتب الجزيرة في طهران والصحفي المتخصص في الدراسات الإيرانية، مسار التفاوض بين الجانبين عبر تحليل دقيق يستعرض العوامل التي تدفع الطرفين للجلوس إلى الطاولة مرة أخرى، والتحديات التي تعترض طريقهما نحو اتفاق جديد.

فمنذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، ظلت العلاقة بين طهران وواشنطن محكومة بمعادلة "لا حرب ولا سلام"، لكن مع مجيء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، برزت محاولة لفرض معادلة جديدة تقوم على إما الحرب أو السلام الكامل، وهو ما وضع التفاوض أمام منعطف مصيري.

بالمقابل، سعت إيران إلى صياغة معادلة خاصة بها عبر تثبيت مفهوم "لا حرب ونصف سلام"، في محاولة لشراء الوقت وترسيخ مكتسباتها الإقليمية دون الانخراط في مواجهة مباشرة مع القوة العظمى.

دوافع التفاوض

ويُجمع المراقبون، وفق قراءة فايز، على أن الضرورة الأمنية شكلت المحرك الأساسي لكل جولات التفاوض بين الجانبين، حيث دفعت الضرورات الأمنية والمصالح العليا كل طرف إلى تبني الحوار كأداة لتفادي الصدام المباشر باهظ التكلفة.

إعلان

وتاريخيا، خاضت طهران وواشنطن 6 جولات تفاوضية مهمة، بدءا بمحاولة إبقاء العلاقات قائمة بعد الثورة، مرورا بأزمة الرهائن وصفقة "إيران-كونترا"، وصولا إلى المحادثات النووية التي أثمرت اتفاق 2015، وكلها كانت مدفوعة بالضرورات الأمنية.

ومع التحولات الأخيرة، بدا واضحا أن نمط المفاوضات تغير بشكل جذري، إذ لم تعد المسألة مجرد تفاوض دبلوماسي بين إدارات، بل أصبحت عملية تفاوض بين رأس النظام الإيراني والرئيس الأميركي بشكل مباشر، مما أكسبها طابعا أكثر حساسية وتعقيدا.

منطلقات مختلفة

وتشير قراءة عبد القادر فايز إلى أن المفاوضات الحالية انطلقت دون شروط مسبقة، حيث لم تعد واشنطن تشترط العودة إلى الاتفاق النووي، ولم توقف طهران تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، مما خلق أرضية تفاوضية انطلقت من الواقع القائم بدلا من محاولة الرجوع إلى الوراء.

كذلك، تتسم الجولة الراهنة بطابع تفاوضي ثنائي مباشر بصيغة 1+1 بين إيران وأميركا، مع استمرار دول مثل روسيا والصين والترويكا الأوروبية بلعب أدوار خلف الستار عبر قنوات اتصال غير مباشرة.

ومن اللافت أن المفاوضات الراهنة تجاوزت مرحلة التمهيد الطويل، إذ لم تسبقها جلسات تمهيدية مطولة، بل انطلقت مباشرة بقرارات سياسية عليا، في دلالة على حجم الضغوط الداخلية والخارجية التي تحيط بالجانبين.

ضمانات ممكنة

ورغم ذلك، تبقى مسألة الضمانات العقبة الكبرى أمام أي اتفاق، إذ تطالب أميركا بضمانات مادية تمنع إيران من تطوير سلاح نووي، في حين تصر طهران على ضمانات ملموسة بعدم انسحاب واشنطن مجددا من أي اتفاق يتم التوصل إليه.

ويرصد فايز في قراءته أفكارا مطروحة لحل معضلة الضمانات الإيرانية، تتمثل في دور موسع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى جانب إشراك روسيا والصين كضامنين، أو حتى تأسيس صيغة إقليمية لتخصيب اليورانيوم بمشاركة دول حليفة لواشنطن.

إعلان

أما الضمانات الأميركية الممكنة، فتشمل عرض الاتفاق على الكونغرس لتحويله إلى اتفاقية ملزمة قانونيا، والدخول في استثمارات اقتصادية داخل إيران، ومنع فرض عقوبات جديدة ترتبط بملفات أخرى، رغم صعوبة ضمان النقطة الأخيرة.

عوامل مؤثرة

وفي سياق آخر، رصدت القراءة مستجدات نوعية مؤثرة في سير المفاوضات، أبرزها تبدل الموقف الإقليمي، حيث باتت إسرائيل تقف وحيدة نسبيا في معارضة الاتفاق، لكنها أصبحت أكثر جرأة في التلويح بالخيار العسكري المباشر ضد إيران.

وفي المقابل، راكمت إيران قدرات نووية مهمة منذ 2015، شملت تخصيب اليورانيوم بنسب تصل إلى 60%، وزيادة أعداد وأصناف أجهزة الطرد المركزي، مما منحها أوراق ضغط إضافية على طاولة المفاوضات.

ومع ذلك، أضعفت التطورات العسكرية الأخيرة في غزة وسوريا ولبنان واليمن نفوذ إيران الإقليمي خارج نطاق قدراتها النووية، مما انعكس سلبا على موقفها التفاوضي، وفرض معادلات جديدة لا يمكن تجاهلها.

كما تغير موقف روسيا والصين مقارنة بمفاوضات 2015، حيث يبدو أن موسكو وبكين تدفعان اليوم بجدية نحو إنجاح التفاوض، انسجاما مع أهدافهما الإستراتيجية في تحجيم النفوذ الأميركي بالمنطقة.

وتتداخل معطيات الداخل الإيراني بدورها في رسم ملامح التفاوض، فالضغوط الاقتصادية والاجتماعية أصبحت اليوم محددا مركزيا وليس هامشيا، مما يزيد من إلحاح القيادة الإيرانية على رفع العقوبات وتحقيق انفراجة اقتصادية سريعة.

ويضاف إلى ذلك عامل الوقت الضاغط على كلا الطرفين، إذ يسعى ترامب إلى إنجاز اتفاق شامل خلال فترة قياسية، في حين تحتاج طهران بشدة إلى تخفيف الضغط الاقتصادي قبل حلول مواعيد مفصلية قريبة مثل تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وانتهاء بعض بنود اتفاق 2015.

مآلات متوقعة

تشير المعطيات، وفق تحليل عبد القادر فايز، إلى أن كلا الطرفين مضطران للوصول إلى صيغة اتفاق جديدة، تتيح الخروج من معادلة "لا حرب ولا سلام"، وتفتح الباب أمام ترتيب مشهد إقليمي مغاير لما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

إعلان

ففي الوقت الذي يأمل فيه ترامب تسويق الاتفاق كإنجاز تاريخي يغير خريطة الشرق الأوسط دون طلقة واحدة، تسعى إيران لإعادة تموضع داخلي وخارجي ينسجم مع المعطيات الجديدة، ويحصنها أمام الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة.

ويبدو أن نجاح هذا المسار، أو إخفاقه، سيتحدد في غضون أشهر قليلة، مع دخول مفاوضات الوقت الحرج، وسط مراقبة دقيقة لكل إشارة تصدر عن طهران وواشنطن، ولأي تحرك على رقعة الشطرنج النووي التي باتت أكثر تعقيدا من أي وقت مضى.

مقالات مشابهة

  • شاشات، موجات، ومنصات ..!!
  • انقطاع شامل للكهرباء يضرب إسبانيا والبرتغال وفرنسا.. أزمة طاقة تضرب أوروبا
  • مباراة برشلونة وإنتر ميلان قد تتأجل بسبب “الانطفاء الكبير”  
  • الظلام يغزو أوروبا.. انقطاع كهرباء شامل يضرب 4 دول.. أحمد موسى يكشف التفاصيل كاملة
  • هو شي منه قائد ثورة فيتنام ضد فرنسا وأميركا
  • ترامب: خفض الرسوم الجمركية يؤدي إلى خفض الضريبة على الدخل
  • التفاوض بين إيران وأميركا.. دوافعه وتحدياته ومآلاته المتوقعة
  • اللهم تقبل.. مصطفى قمر يؤدي مناسك العمرة
  • محمد عبده يؤدي بروفته في الأوبرا استعدادا لحفل ليلة الموسيقار طلال
  • المياه الجوفية.. طوق النجاة المهدد في معركة العراق ضد الجفاف