الإله والمعنى في زمن الحداثة.. رفيق عبد السلام: هزيمتنا سياسية وعسكرية لا فكرية
تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT
صدر حديثا كتاب "الإله والمعنى في زمن الحداثة، الخطاب بين الهيمنة والتعدد" لمؤلفه الأكاديمي والباحث والسياسي التونسي رفيق عبد السلام، ويسعى فيه وزير الخارجية التونسي الأسبق للاجتهاد لتحرير الحداثة من سردياتها الكبرى لصالح قراءة أكثر انفتاحا.
ويرى المفكر التونسي أن الحداثة بدأت إجرائية، ويعتبر أن العالم العربي والإسلامي كان في المركز لا الأطراف، إذ كانت الدولة العثمانية في احتكاك مباشر مع أوروبا، وكانت بلدان مثل الشام ومصر وتونس في احتكاك مستمر أيضا.
ويعتبر المؤلف أن الحداثة بدأت أداتية وإجرائية تماما كآليات يمكن الاستفادة منها كما عبر عنها خير الدين التونسي، كيف نقتبس الآليات التي تساعدنا على المناعة الذاتية، وعلى التحصن من التهديد الغربي.
ويقول في حواره مع الجزيرة نت "لما هزم المسلمون في مواجهة الحداثة الغربية، لم يهزموا في نقاش فلسفي، أو سجالات فلسفية أو جدل فلسفي، بل هزموا في الميدان بقوة جيوش الإنجليز والفرنسيين والبرتغاليين ثم الروس وغيرهم"، فكان السؤال الرئيسي داخل بيروقراطية السلطان وفي مختلف مواقع الدولة العثمانية لماذا انهزمت الجيوش العثمانية في مواجهة الجيوش الغربية؟ وكان الجواب على ذلك أن الجيوش الغربية أكثر قوة، ونجاعة، وبالتالي الحل: كيف نستنسخ التحديث الإجرائي وآلية تنظيم الجيوش وتسليحها، ثم تنظيم الدولة وبيروقراطيتها، وهكذا انطلق المشروع التحديثي في حقبة التنظيمات العثمانية، ثم بعد ذلك انتقلنا للمرحلة الثانية عندما أصبح التحديث فكريا مضمونيا، خاصة بعد الثورة الفرنسية".
ويؤكد المؤلف أن العرب والمسلمين هزموا بأدوات السياسة وآلياتها، ولا يمكن أن يتحقق النهوض إلا بمواجهة التحدي السياسي، ما دام العالم الإسلامي مفككا وخاصة قلبه العالم العربي، إذ لا يمكن للعرب أن يخوضوا مغامرة الحداثة، وأن يشقوا مشروعهم في النهوض بدون مواجهة التحدي السياسي، وعلى رأسه ذلك قضية الانقسام والتجزئة والتدخلات الخارجية والهيمنة الأجنبية.
كتاب "الإله والمعنى في زمن الحداثة، الخطاب بين الهيمنة والتعدد" لرفيق عبد السلام (الجزيرة)ويعتبر أنه لا مفر من مواجهة الهيمنة الأجنبية والضعف الذاتي بضرب من ضروب التكامل والوحدة، في عالم متعدد الأقطاب، يتجه إلى امتلاك مزيد من القوة وعناصر القوة والإخضاع، هذا هو التحدي كما يراه المؤلف، تحدٍ سياسي بدرجة أولى، فإلى الحوار:
كتابك الجديد يبدو انتقالا عما اعتاده قراؤك، فهو كتاب فلسفي، أليس كذلك؟ليس انتقالا بكل معنى الكلمة، وقد ذكرت في فاتحة الكتاب أن موضوعا مركبا ومعقدا مثل الحداثة يحتاج لتخصصات متعددة ولذلك لم أتناول موضوع "الحداثة" من الزاوية الفلسفية المجردة عبر نصوص الفلاسفة والمفكرين الغربيين من القدامى والمحدثين، ولكن تناولت مداخل مركبة ومتداخلة من الزاوية التاريخية والزاوية الإستراتيجية وعلوم السياسة.
القسم الأول من الكتاب تناول سياقات نشأة الحداثة في العالم الإسلامي، من تجاربها الأولى، تجربة التنظيمات العثمانية وامتداداتها المختلفة في المراكز الأساسية بلاد الشام ومصر (عهد محمد علي) ثم تونس، ثم تناولت خطاب الحركة الإصلاحية باعتباره مرحلة متقدمة لاحقة لفترة التنظيمات والإصلاحات الإدارية، إذ انتقلنا حينها مما سميته "الحداثة الإجرائية" إلى "الحداثة الدينية والفكرية" إن جاز التعبير.
والقسم الثاني مخصص لنصوص فلسفية تناولت فيه الحداثة منذ ماكس فايبر والانعطافة التي أحدثتها فلسفة العدمية مع نيتشه وفي خطاب هابرماس وغيرهم، وتقريبا هو كتاب مركب ولكن فيه قسمين أو جزأين يتناول أولهما الحداثة في السياق العربي والإسلامي، والثاني يتناول الحداثة في السياق الغربي.
وهو استكمال لأطروحتي التي قدمتها في كتابي الأول عن موضوع العلمانية، وكنت عازما على استكمال هذا المشروع بالجزء الثاني حول الحداثة، ولكن انقطعت هذه المسيرة بسبب مشاغل السياسة التي نقلتني من عالم الفكر والكتابة والأكاديميا إلى تعقيدات السياسة وصخبها، وحاليا توفرت فرصة لأعود إلى أوراقي السابقة ثم أضفت إليها ونشرناها في هذا الكتاب.
يتحدث العنوان عن "حداثة" بصيغة المفرد، خلاف ما اعتاده نقاد الحداثة من استخدام صيغة الجمع "حداثات" لتناول حداثة وحداثة بديلة من منظور نقدي، كيف ترى ذلك؟لا مشاحة في الألفاظ، الهدف الرئيسي من هذا الكتاب هو تجريد الحداثة من سردياتها المهيمنة، وقلت إن الحداثة هي حداثات، وهي انفتاح على إمكانيات متعددة، والهدف الرئيسي أيضا أن نفتح باب الاجتهاد في الحداثة، إذ لا توجد صورة نمطية ونهائية ومكتملة في الحداثة، وبالتالي يمكن للعالم الإسلامي أن يختط تجاربه ونماذجه الخاصة في الحداثة، ولكن لا توجد تجربة مجردة ومعزولة عن بقية التجارب، بل تفاعل مع ما هو قائم من تجارب وتخصيبها وتطويرها بما يستجيب لحاجيات المجتمع السياسي العربي الإسلامي.
هل تناولت شخصيات الحركة الإصلاحية في تونس مثل عبد العزيز الثعالبي ودوره في الإصلاح والتجديد؟الحقيقة الكتاب يتناول الفكر العربي والإسلامي بصفة عامة، ولم أركز كثيرا على الخصوصية التونسية، بل تناولت التجربة التونسية من خلال تجربة خير الدين باشا الإصلاحية ودوره في حقبة التنظيمات، ولكن فيما بعد تناولت خطاب الحركة الإصلاحية مع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا والآباء المؤسسين لخطاب الحركة الإصلاحية، والثعالبي هو امتداد لهذه المدرسة، ولكن تقديري أن الخطاب الإصلاحي لا يمكن تقسيمه قطريا لخطاب تونسي وآخر لبناني أو سوري، فهو خطاب إسلامي مع بعض الخصوصيات بالتأكيد، إذ كانت كل هذه الروافد تتغذى من بعضها بعضا خاصة في تلك المرحلة التي تتبلور فيها التحيزات والانتماءات القطرية بصورة واضحة.
ماذا تقصد بتحرير الحداثة من سردياتها الكبرى، أي حداثة تقصدها وما التحرير الذي تنشده؟الحداثة تقدم في الأدبيات الليبرالية على صورة نمطية يقصد بها الخروج من دائرة الفكر الغيبي إلى دائرة الفكر العقلاني الوضعي، وهي قائمة على أيديولوجيا التقدم وما تحمله من معاني القطيعة مع الماضي، وهي أيضا ولادة الذاتية مقابل غياب هذه الذاتية في فلسفة الفرد الذائب في المجموع والكيانات العامة، والانتقال من الديني والعلماني، وغيرها، وأنا شككت في هذه المقولات إذ لا توجد صورة نمطية واحدة وخطية للحداثة.
ولذلك قلت إن الحداثة هي حداثات وليست على صورة واحدة، والعديد من العناصر أو المكونات التي ينظر إليها. كمكونات جوهرية للحداثة، لا أراها كذلك، بما في ذلك مقولة العلمانية، ليس بالضرورة أن تكون الحداثة علمانية، لا توجد علاقة حتمية وترابطية بين الحداثة والعلمانية، كما أكدنا في أطروحات سابقة أنها لا توجد علاقة حتمية وقاطعة وتلازمية بين العلمانية والديمقراطية.
يبدو مشروعك متقاطع مع مشروعات فكرية أخرى مثل مشروع عبد الوهاب المسيري ومشروع طه عبد الرحمن وغيرهمنعم، ربما الفرق أن أستاذي الدكتور طه عبد الرحمن يتحدث عن روح الحداثة، وكتابي يتحدث عن أرواح الحداثة، لأني أراها أرواحا متعددة لا روحا واحدة.
كتابي يتحدث عن أرواح الحداثة، لأني أراها أرواحا متعددة لا روحا واحدة، ولا مفر من الاجتهاد في الحداثة أيضا ضمن الكثير من الإكراهات التي صنعتها الحداثة بسبب انسياب مشروع الحداثة والتحديث في مختلف مناحي المعمورة الكونية، فلا يمكن التفكير في الحداثة خارج عوالم الحداثة
كما أكدت في هذا الكتاب أنه لا مهرب من الحداثة، ولا مفر من الاجتهاد في الحداثة أيضا ضمن الكثير من الإكراهات التي صنعتها الحداثة بسبب انسياب مشروع الحداثة والتحديث في مختلف مناحي المعمورة الكونية، فلا يمكن التفكير في الحداثة خارج عوالم الحداثة، يعني في نهاية المطاف نحن نضيف ونجتهد ونعدل ونصوب، ولكن ضمن مقتضيات الزمن المعاصرة والأزمنة الحديثة، لسنا خارج إطار الأزمنة الحديثة، وخير الدين باشا، انتبه إلى هذا منذ وقت مبكر وقال إن أي قوة تقف في وجه هذا التيار الجارف سيصرعها التيار.
ولكن لا أرى الأمور أيضا بصورة حتمية فالحداثة ليست قوة قاهرة جبارة، ولكنها أيضا ليست بالقوة البسيطة، فهي تركت بصماتها وتأثيراتها في مختلف مناحي المعمورة الكونية، وفي مختلف الثقافات.
وربما ميزة العالم العربي والعالم الإسلامي بصفة عامة أنه يتوفر على رصيد رمزي تاريخي ثري وغني جدا، فيمكن أن يمتزج هذا الموروث مع فكر الحداثة، ويخصبه بشكل جديد، وربما هذا ينتج منتوجا جديدا ومتميزا في تجربة أو في تجارب حداثية جديدة.
ميزة العالم العربي والعالم الإسلامي بصفة عامة أنه يتوفر على رصيد رمزي تاريخي ثري وغني جدا، فيمكن أن يمتزج هذا الموروث مع فكر الحداثة، ويخصبه بشكل جديد، وربما هذا ينتج منتوجا جديدا ومتميزا في تجربة أو في تجارب حداثية جديدة
هل هناك تقاطعات إذن بين كتابكم وبين الجدل السياسي والأيديولوجي الموجود على الساحة العربية؟نعم، تماما، الكتاب يتقاطع مع سؤال رئيسي مطروح عن أسباب تعثر النهوض العربي الإسلامي وخاصة في العالم العربي على وجه الخصوص بحكم الخصوصيات العربية، هل نحن كعرب لم نتقدم ولم نلج -بالنسبة لبعض الحداثيين العرب- أبواب الحداثة لأننا لم نستوعب فكر الحداثة وقيمها المؤسسة؟
نحن عجزنا أو تعثرنا كما تعثرت أمم كثيرة في حقيقة الأمر من قبلنا بسبب موازين القوى، ولذلك لا يمكن أن نتناول موضوع الحداثة بمعزل عن موازين القوى بمعناها العام بمعناها الإستراتيجي والعسكري والاقتصادي والسياسي، كان من الممكن لمشروع الحداثة أن يتقدم في العالم الإسلامي لو لم تهزم مثلا الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى. فكر الحركة الإصلاحية يعني في مختلف المراكز العثمانية، توفر أرضية مواتية لإمكانية النهوض
الأمر ليس بهذه البساطة، نحن عجزنا أو تعثرنا كما تعثرت أمم كثيرة في حقيقة الأمر من قبلنا بسبب موازين القوى، ولذلك لا يمكن أن نتناول موضوع الحداثة بمعزل عن موازين القوى بمعناها العام بمعناها الإستراتيجي والعسكري والاقتصادي والسياسي، كان من الممكن لمشروع الحداثة أن يتقدم في العالم الإسلامي لو لم تهزم مثلا الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.
فكر الحركة الإصلاحية يعني في مختلف المراكز العثمانية، توفر أرضية مواتية لإمكانية النهوض، ولا أتصور أن الفكر الياباني في ذلك الوقت أو الفكر الروسي كان أكثر إبداعا وحيوية من فكر الحركة الإصلاحية، ولكن الذي هزم المسلمين وهزم العرب هو موازين القوى، كانت موازين أقوى منهم موازين عسكرية واقتصادية، والتوسعات الإمبريالية.
خاصة أن معطى الجغرافيا السياسية تؤثر إلى حد كبير بالنظر إلى معطى الجوار الجغرافي المباشر للأمم الأوروبية الصاعدة في القرنين الـ18 والـ19، ودفع العالم الإسلامي ثمن قربه الجغرافي، وثمن التوسعات الإمبريالية الغربية التي فككت مشروعه الإصلاحي، وربما أجهزت عليه منذ وقت مبكر.
يعني كأنك تريد أن تقول إن أسباب التعثر ليست فكرية ولا فلسفية، بل الأسباب هي سياسية واقتصادية، وليست أسبابا متعلقة بالفكر والفلسفة؟تماما، تماما، الأسباب تتعلق بموازين القوى بمعناه العام وموازين القوى الصلبة والناعمة، ويدخل فيها الجانب العسكري بدرجة أولى، ثم الجانب الاقتصادي والتقني والعلمي، ونحن نتعثر اليوم كعالم عربي وعالم إسلامي، ليس لأننا متخلفون فكريا، في حقيقة الأمر.
روسيا القيصرية كانت عبارة عن تلميذ نجيب، تعلمت من أوروبا، وتداركت ضعفها ودخلت عالم الحداثة، واليابان أيضا ربما مثلت استثناء من القاعدة العامة، كان ينظر لأمم الشرق بأنها أمم فاشلة وعاطلة وعاجزة، ولكن اليابان تلمذت على الغرب؟ وتقدمت وولجت، ودخلت عوالم الحداثة، المسلمون لم يتمكنوا من دخول مغامرات الحداثة لسبب رئيسي، لأنه تم كسرهم عسكريا واقتصاديا، وخضعوا لتوسعات إمبريالية فالمسألة تتعلق بموازين القوى ولا تتعلق بالاعتبارات الفلسفية أو بمجرد النصوص الفلسفية المجردة.
كون أننا (تعثرنا لأننا) لم نستوعب فولتير أو روسو أو كانط أو هيجل، هذه رؤية تبسيطية، بعيدة عن الواقع التاريخي وبعيدة عن التحليل الاجتماعي السياسي.
نحن لم ننهزم في عالم الأفكار يعني في حركة جدل فكري أو حوار فكري ولكن هزمنا بالدبابات وبالقوة النارية في ذلك الوقت مثل ما نهزم اليوم أيضا بالطائرات والصواريخ، المسألة تتعلق بموازين القوى العسكرية وبمختلف عناصرها الإستراتيجية، ولا يتعلق الأمر بمجرد عالم الفكر أو عالم الروح، أو عالم الثقافة
فالأسباب برأيكم هي أسباب مادية، لا أسباب معنوية، هذا ربما اختلاف بعض الشيء عن فكر طه عبد الرحمن، لأن الدكتور طه يرى الأسباب أيضا فكرية ومعنوية وروحية، يعني هناك بعض التباين، ألا ترى ذلك؟الجانب الفكري والروحي هو معطى، هو عنصر ما بين عناصر أخرى، ولكن تقديري للعناصر الأساسية تتعلق بموازين القوى، اعتبارات مادية بدرجة أولى وخاصة القوة الصلبة، نحن لم ننهزم في عالم الأفكار يعني في حركة جدل فكري أو حوار فكري ولكن هزمنا بالدبابات وبالقوة النارية في ذلك الوقت مثل ما نهزم اليوم أيضا بالطائرات والصواريخ، المسألة تتعلق بموازين القوى العسكرية وبمختلف عناصرها الإستراتيجية، ولا يتعلق الأمر بمجرد عالم الفكر أو عالم الروح، أو عالم الثقافة، فأنا ربما أختلف من هذه الزاوية مع الدكتور طه عبد الرحمن، وحتى مع المرحوم مالك بن نبي.
ربما أيضا تجربتك السياسية لها دور في هذا المنظور، تجربة وزير الخارجية وتجربة العمل الدبلوماسي والعمل الدولي، صحيح؟نعم صحيح، وذكرت هذا في المقدمة، ربما الاحتكاك بالشأن السياسي اليومي. يعني يولد لديك قناعة أن الثقافة والفكر ليست عوالم منعزلة، الثقافة والفكر، يتأثر إلى حد كبير بالمعطيات الموضوعية وبموازين القوى.
نحن نعيش في نظام دولي مركب ومعقد، تتدافع فيها الأمم والمصالح الكبرى، ولا تتصارع فيه فقط الأفكار والقيم، ولو تعلق الأمر بعالم الأفكار والقيم فقط ربما لو كنا في وضع أفضل بكثير. فأنا لا أتصور أن اليابانيين أو الصينيين تقدموا كثيرا يعني مقارنة بالمسلمين على صعيد الأفكار ومنظومة الأفكار والقيم.
بالنسبة للجزء الثاني من الكتاب يبدو أكثر التصاقا بالفلسفة الغربية والحديث عن الفلسفة الغربية، يعني لو تشرح لنا أكثر هل هو نقد للفلسفة الغربية التي تأسست عليه الحداثة؟ هل هو انحياز مثلا لمدرسة ومنظور غربي ناقد للحداثة، أم هو نقد لكل هذه المدارس؟في الحقيقة الجزء الثاني بسطت فيه مختلف الأطروحات ونقدتها، بما في ذلك أطروحة ماكس فيبر باعتبار أن نصوص ماكس فيبر تمثل نصوصا تأسيسية في فكر الحداثة، وميزة ماكس فيبر أنه ربط الحداثة بما يسميه العقلانية، ليست الحداثة كشيء مجرد أو كعالم مجرد، بل هي حالة مجسدة اجتماعيا وسياسيا تتجسد في نظام الاقتصاد الرأسمالي وتتجسد في نظام الدولة الحديثة، هذه التعبيرات الأساسية للحداثة، وانتقدت فيبر لارتباط نصوصه بكثير من الحتميات، ومن يقرأ نصوصه مثل "الأخلاق البروتستانتية ونشأة الروح الرأسمالية" وغيرها، يجدها نصوصا مفعمة بنزعة مركزية تكاد تكون مسيحية بروتستانتية معلمنة.
ثم تناولت الحداثة في نصوص نيتشه باعتبارها منعطفا أساسيا في الفكر الفلسفي الغربي، وليس مجرد مدرسة من المدارس التي أضيفت الفكر الغربي، من خلال نشأة النزعة العدمية وما يسمى بالمنظور النيتشوي القائم على تفكيك المرتكزات والمبادئ الأساسية والقيم الكبرى التي قامت عليها الحداثة، تفكيك مفهوم العقل، تفكيك إيديولوجيا التقدم ومفهوم التقدم، تفكيك مفهوم الذاتية الإنسانية.
وفي أحد تعبيراته يقول نيتشه العدمية هي عبارة عن اتجاه نحو المجهول بحيث فقد الفكر الغربي وجهته الناظمة، وطبعا قراءته تربط بين العقل وبين الثيولوجيا فالغرض الأساسي أن يفكك الأسس الدينية والثيولوجية للفكر الغربي، ولذلك يريد أن يؤسس عالما بدون إله وبدون قصدية وبدون معنى. فبصمات الفكر النيتشوي بقيت فاعلة وحاضرة لحد كبير في الفكر الغربي.
ثم جاء هابرماس، ومدرسة فرانكفورت التي جاءت محاولة إنقاذ مشروع الحداثة من الصدمة النيتشوية، أراد أن يشق طريقا وسطا بين النزعات الوثوقية للحداثة على نحو ما تشكلت مع الآباء المؤسسين في التراث الأنواري، مع أخذ مسافة من الفكر النيتشوي، فيريد أن يشق خطا وسطا بين الفكر العدمي النيتشوي وبين الفكر الوثوقي للحداثة، ومن هذه الزاوية تقريبا، أشبه نيتشه بابن تيمية، وأشبه نيتشه بابن عربي إذ أن الأخير محاولة لتفكيك المعنى الديني وتذويبه في الحقيقة الدينية الذاتية، باعتباره التجربة الروحية ذاتية، يعني لا توجد حقيقة موضوعية، أي أن كل الحقيقة مرتبطة بالذوات، أكثر من كونها مرتبطة بالأعيان، بالنسبة لابن تيمية أراد أن يشق طريقا وسطا من خلال إعادة الاعتبار لمفهوم العقل، وللمبادئ الأساسية للفكر الإسلامي، ولكن أقام طريقه على أسس نقدية بعيدا عن العدمية الصوفية والوجودية الحلولية، وبعيدا أيضا عن النزعات الوثوقية للفلاسفة المتأثرين بالفكر اليوناني، يعني تقريب هابرماس من هذه الناحية.
هو أنه أراد أن ينقذ الحداثة من المتاهات الوثوقية، وكذلك من المتاهات العدمية النيتشوية، ولكنها هابرماس في نهاية المطاف ينتهي إلى تسييج الحداثة بحدود سميكة، ويقول إن الحداثة مشروع غير متكمل ولا ناجز. أي ضبط هذه الحداثة بخصائص جوهرية، وهذه الخصائص الجوهرية في الغالب ترتبط بحد كبير بالقيم المؤسسة الغربية، وبنزعة كونية (ادعاءات كونية غربية) تغيب الخصوصيات وتغيب بقية الثقافات والتجارب الحضارية.
لا حلول جاهزة ومكتملة، الإجابات صيرورة تراكمية، وإذا أردنا أن نخوض مغامرة الحداثة، فعلينا أن نأخذ بالشروط التاريخية، والشروط التاريخية، تعني تعديل موازين القوى لصالح العالم العربي والعالم الإسلامي بصفة عامة، حتى يختط طريقه الخاص أو سبيله الخاص في عالم الحداثة
هل الكتاب محاولة لإنشاء حداثة بديلة أو في محاولة لتأسيس موقف بديل غير موقف النقدي؟ يعني أقصد موقفا تأسيسيا أو موقفا إنشائيا؟لا حلول جاهزة ومكتملة، الإجابات صيرورة تراكمية، وإذا أردنا أن نخوض مغامرة الحداثة، فعلينا أن نأخذ بالشروط التاريخية، والشروط التاريخية، تعني تعديل موازين القوى لصالح العالم العربي والعالم الإسلامي بصفة عامة، حتى يختط طريقه الخاص أو سبيله الخاص في عالم الحداثة.
ثانيا. يجب ألا نصاب باليأس، الكثير من الأمم انكسرت، والصين مثلا إلى وقت قريب كان ينظر إليها أنها نموذج للعطالة التاريخية (عطالة الشرق في الأدبيات الاستشراقية)، وروسيا قبل ذلك تمكنت بعد الاحتكاك مع القوى الأوروبية من أن تشق طريقها الخاص في الحداثة. الآن لدينا بعض التجارب الواعدة في العالم الإسلامي يمكن أن تمثل نماذج مستقبلية، ولدينا تجارب حداثية تجري في تركيا وماليزيا وإندونيسيا وإيران، وأيضا بالعالم العربي لدينا تجربة تونسية ومغربية وغيرها، فيمكن أن يبنى عليها، بمعنى أن الأمور متحركة وليست جامدة، وهناك موازين قوى متحركة، وحالة التعددية القطبية اليوم مفتوح لإمكانيات وتعطينا فرصا للتعبير عن ذواتنا والدفاع عن مصالحنا، هذا العالم لا يعترف بالضعفاء، ذلك إذا أردنا أن ندخل عالم الحداثة، علينا أن نمتلك الشروط الإستراتيجية والاقتصادية والعسكرية. التي تمكنا من انتزاع موقعنا ضمن هذه الخارطة العالمية.
العلمانية لا تعني الديمقراطية بالضرورة، كما أن الدين لا يعني بالضرورة الاستبداد، فيمكن أن يكون هناك تجارب دينية استبدادية، كما يمكن أن تكون هناك تجارب دينية ديمقراطية، والعكس صحيح
بالعودة للكتاب الأول للدكتور كتابكم عن الدين والديمقراطية والعلمانية، كيف ترى افتراض التلازم بين العلمانية والديمقراطية في التجربة العربية؟أحد دوافع هذا الكتاب، تفكيك العلاقة التناسبية بين العلمانية والحداثة، وبين العلمانية والديمقراطية، فالعلمانية لا تعني الديمقراطية بالضرورة، كما أن الدين لا يعني بالضرورة الاستبداد، فيمكن أن يكون هناك تجارب دينية استبدادية، كما يمكن أن تكون هناك تجارب دينية ديمقراطية، والعكس صحيح، أيضا، العلمانية ليست على صورة واحدة وعلى نمط واحد، هنالك علمانيات استبدادية مثل تجربة (الديكتاتور الألباني السابق) أنور خوجة، وقد كان علمانيا ولم يكن ديمقراطيا وهناك تجارب أخرى أيضا مثل ستالين وأتاتورك.
الحداثة الأميركية لم تقم أيضا على فكرة القطيعة قامت على فكرة استعادة أمجاد روما وأثينا، خلاف الحداثة الفرنسية، التي تأسست على فكرة القطيعة، إذا من الناحية التاريخية لا نستطيع أن نقول إن العلمانية والحداثة مترابطتان، كما أنه لا يمكن أن نقول إن العلمانية والديمقراطية مترابطتان
بالمقابل أميركا في حقيقة الأمر قامت على موروث الفكر الديني للإصلاحي أي الإصلاحية البروتستانتية، الجماعات التي هاجرت من أوروبا في أجواء الحروب الدينية ذهبت إلى العالم الجديد، بحثا عن مساحات حرية، وأقامت مجتمعا يتأسس على تصورات دينية. الحداثة الأميركية لم تقم أيضا على فكرة القطيعة قامت على فكرة استعادة أمجاد روما وأثينا، خلاف الحداثة الفرنسية، التي تأسست على فكرة القطيعة، إذا من الناحية التاريخية لا نستطيع أن نقول إن العلمانية والحداثة مترابطتان، كما أنه لا يمكن أن نقول إن العلمانية والديمقراطية مترابطتان، هناك علمانية ديمقراطية كما أن هناك علمانية استبدادية وقس على ذلك أيضا الجانب الديني.
العلمانية ليست مجرد حل فلسفي. العلمانية هي حل تاريخي إجرائي، حينما أصيبت أوروبا في أجواء الحروب الدينية بتمزق ديني وتمزق اجتماعي
هذه النقطة الأولى، أما النقطة الثانية هو أن العلمانية ليست مجرد حل فلسفي. العلمانية هي حل تاريخي إجرائي، حينما أصيبت أوروبا في أجواء الحروب الدينية بتمزق ديني وتمزق اجتماعي، يعني بدءا من القرنين الـ16 والـ17، فقدت الكنيسة قدرتها الإدماجية، تمزق النسيج الديني والسياسي والاجتماعي، ولذلك أصبح السؤال المطروح، ما هو البديل عن إعادة تأسيس الاجتماع السياسي، فالدين أو الكنيسة، لم تعد قادرة على تأسيس هذا الاجتماع السياسي بحكم حالة الانقسام وتعدد الطوائف، وصراع الطوائف الدينية فيما بينها، صراعات دموية مهلكة ومدمرة. فطرح الحل العلمانية ضمن هذا السياق، ولذلك المقولة الأساسية التي تتأسس عليها العلمانية أن الدولة فوق الكنيسة، فنظر للدولة المدنية باعتبارها الإطار المنظم للشأن المدني، وفوق الكنيسة وفوق الدين.
بينما في العالم الإسلامي، إذا لم ننتبه لهذا المعطى، إذا دفع الدين أو إذا تحول الدين إلى قوة إكراهية وقوة صراع، بين طوائف ومذاهب وأصبح مفجرا للتناقضات الداخلية، فيمكن أن يستدعي الحل العلماني، ولذلك أرى أن الجماعات الدينية المتشددة في بعض الأحيان هي أكثر الجماعات رفضا للعلمانية ربما هي نفسها بنمط تفكيرها وسلوكها، هي التي تستدعي الحل العلماني، لأنها تؤكد واقعا أن الدين عاجز على تأسيس المشتركات العامة، فتحوله إلى عنصر تمزق وصراعات داخلية، وبالتالي العلمانية ليست حلا فلسفيا، بل هي حل إجرائي لأسباب وسياقات وملابسات تاريخية معينة، ويجب أن ننتبه إلى هذا أيضا في العالم الإسلامي اليوم.
لكن مفهوم الدين مفهوم مختلف، في الحداثة الغربية وفي الفلسفة الغربية، مثلا ماكس فايبر يتحدث عن الإسلام، ليس كدين، واعتباره مجرد دين بالمفهوم الغربي يبدو نوعا من التبسيط المخل، كما أشار، كيف ترى هذا الاختلاف بين مفهوم الدين في السياقين الغربي والإسلامي؟صحيح، مفهوم الدين في التصورات الغربية مرتبط بكون العلماني والديني مترابطان، فما يحدد مفهوم العلماني ومفهوم الديني مرتبط بالتصورات المسيحية الوسيطة، أن ما يوجد داخل الكنيسة هو المجال المقدس الديني وما يقع خارج الفضاء الكنسي يسمى بالفضاء الدنيوي أو المدني، وأصبح ينظر إليه له -في ذلك الوقت- كمجال مدنس.
حينما جاءت العلمانية وصعدت العلمانية، تمدد المدنس والدنيوي، على حساب الديني، وحشر المجال الديني داخل الحيز الكنيسي، لكن مثل هذا الأمر لا يوجد في الإسلام لأنه كما يقول محمد إقبال كل ما هو ديني هو دنيوي، كل ما هو دنيوي يحمل بعد ديني في التصورات الإسلامية، فالمسلم حتى في أكثر حالته الدنيوية كثافة وهو يقوم بواجباته الزوجية يكون متعبدا في دلالة على الترابط بين الدين والدنيا.
نعود للحديث عن كتابك الأول، وعن قضية الديمقراطية، هل تراها فلسفة أم إجراءات؟نعم، ولا في حقيقة الأمر، المقاربة التي ذهبت إليها في الكتاب أن الديمقراطية هي بالأساس آليات إجرائية، ولذلك نجحت في سياقات منظومات ثقافية ودينية مختلفة، وما أعطى للديمقراطية صلاحية كونية هو أنها يعني قابلة للتعديل والتطوير والاشتغال في المنظومات الثقافية مختلفة.
لست ممن يقولون بوجود ثقافة سياسية مسبقة كشرط لازم للديمقراطية، لكن التجربة بينت أيضا أن التعامل مع الديمقراطية كمجرد آلية إجرائية يمكن أن يوصلنا إلى مأزق، بحيث تستغل قوة كثيرة الآليات الديمقراطية لتخريبها أصلا، ليس بفعل الاقتناع، ولكن فقط هي مجرد أداة، وسيلة للتموقع في الحكم أو للانتصار أو ضرب للخصوم
لست ممن يقولون بوجود ثقافة سياسية مسبقة كشرط لازم للديمقراطية، لكن التجربة بينت أيضا أن التعامل مع الديمقراطية كمجرد آلية إجرائية يمكن أن يوصلنا إلى مأزق، بحيث تستغل قوة كثيرة الآليات الديمقراطية لتخريبها أصلا، ليس بفعل الاقتناع، ولكن فقط هي مجرد أداة، وسيلة للتموقع في الحكم أو للانتصار أو ضرب للخصوم.
وصعود الشعب كما الحالة الراهنة مثلا في تونس يعطينا دليلا على ذلك، كيف يتم استخدام الآليات الديمقراطية لكسر الديمقراطية؟ ولذلك الديمقراطية تحتاج شرطا مسبقا، ليس شرطا فلسفيا. ولكن تحتاج إلى اقتناع أيضا إلى أن تتحول الديمقراطية كقناعة عامة، وبأنها الوسيلة الوحيدة لإدارة الشأن السياسي ولإدارة الصراعات أيضا، يعني لا يمكن أن تستخدم الديمقراطية فقط من المدخل الإجرائي، هي إجراءات نعم، ولكنها تحتاج أن تترسخ، أن تكون هناك قناعة فكرية وفلسفية بهذه الآلة الإجرائية،
بمعنى أن تقوى هذه الإجراء الآلة الإجرائية بوجود أرضية فكرية وفلسفية صلبة بأنها الإطار الوحيد لتنظيم الشأن السياسي، ولإدارة الصراعات والخلافات السياسية، البديل عن ذلك أن تتحول إلى مجرد أداة للتموقع وافتكاك السلطة.
النهوض والتقدم يتعلق بالأخذ بأسباب النهوض، وعنصر رئيسي من أسباب النهوض، هو مثل ما ذكرت السياسة بمعناها الإستراتيجي العام
آخر سؤال، هو سؤال الاستقلال هل هو حاضر في كتابك ومشروعك الفكري، خاصة في هذه الحقبة التي نعيشها من الحرب الإسرائيلية على غزة، هل كان لسؤال الاستقلال حضور فلسفي في كتابك؟نعم، الموضوع حاضر في مقدمة الكتاب وفي خاتمته وبين الاستنتاجات الأساسية، لماذا نهضت أمم جديدة؟ نحن نعيش اليوم مرحلة صعود قوى جديدة في العالم، الصين إلى وقت قريب لم ينظر إليه أنها تمثل شيئا كبيرا في المنافسة الدولية الآن أصبحت قوة، فرضت نفسها في التوازنات الدولية، هناك قوى أخرى صاعدة أيضا مثل تركيا وإيران، والبرازيل. الهند بمعنى كأن بوابة الأمل مفتوحة، إذا أخذنا بأسباب القوة، إن النهوض والتقدم يتعلق بالأخذ بأسباب النهوض، وعنصر رئيسي من أسباب النهوض، هو مثل ما ذكرت السياسة بمعناها الإستراتيجي العام.
إذا امتلكت مقومات القوة بمعناها التقني والسياسي والاقتصادي وغيرها، وواجهت أيضا آليات الهيمنة الدولية، لأننا نعيش في نظام دولي مركب ومعقد ومتشابك، يتسم بالتداخلية الشديدة، إذا لم نواجه عنصر الهيمنة، والاحتلال الصهيوني في قلب العالم العربي. لا يمكن أن نتحدث لها عن نهضة، ولا تقدم، ولا شيء من ذلك.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی العالم الإسلامی الدولة العثمانیة فی حقیقة الأمر بین العلمانیة طه عبد الرحمن موازین القوى العثمانیة فی فی ذلک الوقت مفهوم الدین فی الحداثة هذا الکتاب الحداثة فی الحداثة من من الحداثة لا یمکن أن یتحدث عن فی مختلف خاصة فی لا توجد فی عالم یعنی فی أن تکون فی نظام أو عالم کما أن مثل ما من هذه أنه لا
إقرأ أيضاً:
محافظ عدن طارق سلام: اليمن بقيادة السيد عبد الملك الحوثي بات البوصلة التي تتجه نحوها أنظار العالم
يمانيون../
حذر محافظ عدن طارق مصطفى سلام، من التحركات الأمريكية الأوروبية في المحافظات الجنوبية والشرقية الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الإماراتي السعوديّ.
وقال في حوار خاص مع صحيفة “المسيرة” إن المواطنين في تلك المحافظات باتوا اليوم يحشدون للتصدي لمشاريع المحتل التقسيمية وطرده والخلاص منه ومن أدواته الرخيصة
إلى نص الحوار:
-تحدثتم في وقت سابق من هذا الشهر عن تحركات أمريكية -أوروبية بعدن بالتزامن مع وصول سفراء أوروبيين إلى عدن وزيارات أوروبية مكثفة إلى الجنوب المحتل.. كيف تنظرون إلى هذه التحركات؟
بداية الأمر، التحركات الأجنبية الغربية ضد اليمن لم تتوقف كما أشرت منذ العدوان السعوديّ الأمريكي على بلادنا 2014 والمساعي الغربية الحثيثة ضد اليمن أرضاً وإنسانًا، وقد ظلت تحاك بمختلف وشتى الوسائل؛ من أجل إعادة اليمن إلى مربع الوصاية والهيمنة، وبرغم كلّ تلك المؤامرات والتحديات ظلت اليمن بقيادتها وشعبها وجيشها شامخة عصية أمام كلّ تلك المخاطر، والمؤامرات، وتمكنت -بفضل الله- من إجهاض كلّ مشاريع ومؤامرات العدوّ ، حتى جاءت معركة طوفان الأقصى، والتي كان لليمن فيها رأي مغاير ومختلف عن كلّ التوجهات الإقليمية والجيوسياسية، والمصالح والحسابات المختلفة.
كان اليمن -بفضل الله- وحكمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي -سلام الله عليه- هي البوصلة التي توجهت نحوها الأنظار، والآراء؛ نتيجة الموقف اليمني البطولي والفريد، بالإضافة إلى موقف الإخوة المجاهدين في المقاومة الإسلامية في كلّ من لبنان والعراق وإيران ومختلف الفصائل المساندة والمجاهدة، وبفضل هذا التغييرات والمواقف الجديدة التي فرضتها اليمن على اللعبة والمؤامرة ضد الأمّة، والشعب الفلسطيني المظلوم سعت القوى الدولية المختلفة راكضة للدفاع عن المصالح الأمريكية والإسرائيلية والغربية التي تضررت بفعل الضربات اليمنية، ولذا فإن التحركات الغربية الجديدة في اليمن تعمل على محاولة إعادة البوصلة التي دارت عجلتها ولم يتمكن العدوّ الأمريكي والإسرائيلي من وقفها عن مسارها الجديد الذي فرضه الشعب اليمني.
-ما تفاصيل التحركات الأوروبية الأمريكية في المناطق المحتلة؟
المساعي، والتحركات الغربية الأجنبية، والخطط والمؤامرات، التي تدار وتناقش من خلف الكواليس وعلى الطاولات لا شك أنها قد انكشفت وتعرت أمام رجال الله و القيادة الثورية والسياسية الحكيمة والمخلصة والتي أصبحت اليوم -بفضل الله- هي من تضع الخطط وهي من تدير اللعبة، على عكس ما يتوقعه العدوّ؛ فبعد أن وجد الأعداء أنفسهم عاجزين أمام بسالة وعنفوان الشعب اليمني المساند للمقاومة في غزة عملوا على محاولة لملمة وترتيب صفوف مليشياتهم الإجرامية على خطوط التماس، وحشدوا الآليات والأسلحة المختلفة والمتنوعة من الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية وقاموا باستدعاء قادة المرتزِقة ووضعهم أمام الصورة الجديدة والمهمة التي كلفوا بها؛ من أجل حماية إسرائيل والدفاع عنها، حتى أنهم جاءوا بالمرتزق طارق عفاش وجالوا به مختلف العواصم المطبعة وتنقل بين عدد من القواعد الأمريكية والتقى بقادة وجنرالات أمريكيين وإسرائيليين؛ من أجل توجيه المرتزِقة وتحريكهم ضد قوات الجيش اليمني الذين يخوضون معارك ضارية وبطولات عظيمة ضد كيان العدوّ سواء في البحر أو الجو أو من خلال أدواتهم الرخيصة المتواجدة على الأرض.
-أشرت إلى وصول عدد كبير من القوات الأمريكية والأجنبية للمحافظات المحتلة “مؤخرًا” بالتزامن مع تلك التحركات والهدف تفجير الوضع العسكري.. ما حجم هذه القوات؟
التواجد الأجنبي في اليمن حاضر وبقوة منذ العام 2015 ومنذ سيطرة الاحتلال السعوديّ الأمريكي على المحافظات الجنوبية اليمنية، وتعزز ذلك التواجد بفعل الارتباطات والمصالح التي منحت للدول الأجنبية مقابل مشاركتها في العدوان على اليمن، وكانت تلك المنح والمزايا التي يقدمها المرتزِقة للدول الأجنبية في اليمن هي الضوء الأخضر الذي مكن العدوّ الأمريكي والبريطاني والفرنسي والإسرائيلي وغيرهم من القوات الأجنبية والغربية من التمادي والتوسع في أنشطة أعمالها العدائية والعدوانية ضد اليمن، ومما لا شك فيه أن هذه القوات قد تضاعفت قوتها وتزايدت أعدادها بفعل المجريات الجديدة في المعركة التي تخوضها اليمن مع المجاهدين في غزة ضد الاحتلال الصهيوني الأمريكي والأطماع الغربية في المنطقة.
لاحظنا مؤخراً النشاط الأمريكي والاسرائيلي المريب في المحافظات المحتلة وحجم التحشيدات العسكرية والاستخباراتية واللوجستية ناهيك عن مستوى الدعايات والحملات الإعلامية الرخيصة التي لم تتوقف ضد اليمن والشعب اليمني منذ اللحظات الأولى لمعركة الإسناد اليمني للإخوة المجاهدين في غزة.
-برأيكم.. ما حاجة أمريكا للتواجد بهذه الأعداد في اليمن إذا كان المخطط يعتمد على توجيه المرتزِقة لأية معركة قادمة لحسابها وحساب المشروع الصهيوني الشرق أوسطي؟
المعركة اليوم لم تعد تدار خلف الستار، أو من تحت الطاولة.. معركة غزة وبطولات المجاهدين التي يجترحها الأبطال كلّ يوم والتضحيات العظيمة التي يقدمها الشعب الفلسطيني واللبناني في سبيل الدفاع عن شرف الأمّة ومقدساتها عرت وفضحت وكشفت كلّ تلك المؤامرات والخطط، أصبحت المعركة اليوم مواجهة مباشرة مع العدوّ الأمريكي الإسرائيلي، ولم يعد أولئك سوى أدوات أو كلاب استكشافية يطلقها العدوّ أمامه لتمهد له الطريق، وليكونوا كبش فداء تحركاته التي تتمركز في كلّ من المخاء والمهرة وحضرموت وسقطرى وغيرها من المحافظات المحتلة، والتي باتت اليوم معسكرات تحتضن تلك القوات الأمريكية والإسرائيلية التي تطمح لتحقيق أهدافها وغاياتها الدنيئة على حساب الشعب اليمني وثرواته وحقوقه المشروعة.
-برأيكم.. ما حظوظ هذ التحركات، في هذا الوقت الذي باتت فيه صنعاء بقوتها تواجه أسياد أولئك المرتزِقة، وتتوعدهم بالزوال؟
كلّ تلك المساعي والتحركات المرصودة قد حُكِمَ عليها بالفشل إلى ما لا نهاية؛ لأنها استخدمت، وجربت بالمستوى المهين الذي لا يمكن لها أن تستعيد قوتها، بالإضافة إلى غياب المشروع والرؤية والهدف، ومع تجاذب المصالح والأطماع والمؤامرات ضد اليمن من قبل قوى العدوّ الصهيوني جعل من أولئك المرتزِقة أعداء لأنفسهم ودينهم قبل أن يكونوا أعداء لأنفسهم؛ ولذا فأي تحرك لهم اليوم هو يأتي في إطار ما يخطط له العدوّ من تحركات لردع الموقف اليمني المساند لغزة، وسيواجه بضربات قاصمة، وتصدٍ كبير بفضل الله، وبفضل العزيمة والإيمان الذي يتحلى به الشعب اليمني من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، ووعيه وإدراكه بحجم هذا العدوّ، وخطورة مشروعة الإجرامية ضد الأمّة.
-ألا يظهر تصادم مشاريع الانتقالي، المحرمي، الإخوان، وجماعة عفاش، كعامل انتكاس واقعي لمليشيا أمريكا، إسرائيل، السعودية، الإمارات، والأوروبيين؟
هذا من جانب، وهو غياب الرؤية والهدف وتجاذب المصالح والأطماع والولاءات، بالإضافة إلى ذلك وهو الأهم الزخم الشعبي اليمني المتعاظم مع القضية الفلسطينية، والدعم اليمني المساند سواء على المستوى الشعبي، أو العسكري، أو السياسي ضد كيان العدوّ الصهيوني ومؤامراته.. أضف إلى ذلك مستوى وحجم الاستعدادات الكبيرة، ومستوى التطوير الكبير في السلاح، والإمكانيات التي باتت اليمن تمتلكها مؤخراً، كلّ تلك المعطيات ستسهم -بفضل الله- في ردع ذلك العدوّ قبل أن يفكر بالتحرك في إطار المشروع الأمريكي الإسرائيلي الغربي الذي يحاك ضد اليمن، وسيدفن تحت رمال هذه التربة الطاهرة التي لا تقبل العمالة والخنوع والارتهان لأعداء الأمّة ومجرميها.
-كيف ينظر أبناء المحافظات الجنوبية اليمنية للتحركات الأمريكية وتحركات المرتزِقة في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها أبناء الجنوب؟
الشارع اليمني اليوم متأزم أكثر من أي وقت مضى بفعل المعاناة والأزمة التي يعيشها المواطنون في المحافظات المحتلة؛ نتيجة تراكم الأزمات الاقتصادية والانهيار الكارثي للريال اليمني، والتي انعكست على أوضاع المعيشة للمواطنين، وتسببت في ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية مع انقطاع المرتبات عن الموظفين منذ أكتوبر الماضي، وكلّ هذه العوامل والأسباب تنذر بانفجار وشيك للوضع بعد أن وصلت المعاناة إلى مرحلة لا تطاق، وبات المواطن اليمني يحلم بتوفير قوت يومه الأساسي كالخبز والماء.
-ولكن ما تأثير هذا على المرتزِقة وأدوات تحالف العدوان؟
لا شك، أنه وبعد هذا الوقت أصبح المواطن اليمني في المحافظات الجنوبية المحتلة جلَّ تركيزه واهتمامه موجه صوب قوات الاحتلال السعوديّ والإماراتي والأمريكي، ولم تعد تلك الأدوات في نظرهم سوى جماعات مرتزقة رخيصة باعت الأرض والعرض والشرف مقابل المال المدنس، ولذا فإن الأصوات والاحتجاجات التي نسمعها، ونشاهدها اليوم كلها مطالبة برحيل الاحتلال والتحالف من اليمن، وما يدركه الشعب اليمني أكثر من أي وقت مضى بأن رحيل المحتل هو المطلب الأساسي، وبرحيله لن يكون لأولئك المرتزِقة الرخاص الذين تسببوا بكل هذه المعاناة والأوضاع والقتل والترهيب والإجرام ضد الشعب اليمني أية قيمة أو أثر.
-مسؤول في المهرة يلوح بالتصعيد الشعبي ضد التحالف وحكومة المرتزِقة ويتحدث عن توجه المحافظة نحو تنفيذ خيارات مفتوحة تتجاوز توقعات التحالف…برأيكم ماذا يمكن أن تكون تلك الخيارات؟
لا شك أن هذه الأصوات والمواقف وإن كانت متأخرة إلا أنها تعكس الرغبة اليمنية في استعادة ما نهب وسلب واستبيح من قبل المحتل السعوديّ الإماراتي، وهي رسالة واضحة بأن المحتل محكوم عليه بالزوال سواء أكان ذلك اليوم أو غداً من خلال أعدائه، أو من خلال من تحالف معه بداية الأمر.
وكم نتمنى أن نسمع مثل هذه الأصوات والمواقف التي تكفر عن خطيئتها، وتعمل على تصحيح ما ارتكبته من أخطاء ومظلومية بحق الشعب اليمني، وتعمل على تصحيح ذلك الاعوجاج الذي تسبب في قتل وتشريد وتجويع ملايين اليمنيين ونهب الثروات وتدمير المقدرات الوطنية لأجل مصالح العدوّ، وتسهيل مشاريعها التدميرية على حساب الشعب اليمني وحقوقه المشروعة.
-هل هي مطالبات الحكم الذاتي أم مخططات تقسيم؟
لا أعتقدها مخططات حكم ذاتي بقدر ما هي خطط وضعت وأعدت في إطار مواجهة المخططات الرامية إلى جرها اليوم نحو التشرذم والانقسام، وحتى تظل اليمن ضعيفة منهزمة منكسرة أمام هذه الزخم والغزو الأجنبي والغربي في اليمن بما يمهد لكل قوة أو طرف أن تسيطر على منطقة، ويرجع اليوم إلى حكم السلطنات والمشيخات تحت إدارة وسيطرة المحتل الأجنبي الذي سيكون هو الوالي على تلك المنطقة.
-السعودية والإمارات تسعيان لتأزيم وضع المحافظات المحتلة أكثر فأكثر، حيثُ الصراع بينهما كبير.. وكلّ يوم يمر يمثل صورة أسوأ في حياة الناس هناك؟ كيف تقرأون هذا الصنيع من وكلاء الاستعمار من أعراب الجزيرة؟
مستوى الصراع بين السعودية والإمارات وصل إلى مستويات ومراحل متأزمة، وهو بلا شك قد ألقى بظلاله على مجريات الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي تعيشها المحافظات المحتلة اليوم، فبعد أن اتضحت حقيقة كلّ طرف تجاه الآخر، وتعرت وانكشفت تلك المخططات الاحتلالية والمصالح والأطماع أمام الشعب اليمني، وباتت حقيقة تلك المؤامرات، حيثُ تأزم الوضع أكثر وخاف كلّ طرف من خسارة ما لديه أو تراجعه عما بدأ به، وهو ما تسبب اليوم بخلق واقع متأزم من الصراع اللامتناهي بين السعودية والإمارات وسعي كلّ طرف تثبيت نفسه على حساب الآخر، ولا شك أن هذه المهزلة ستنتهي قريباً ويجتث اليمنيون المحتل وأدواته الرخيصة إلى مزبلة التاريخ بعد أن يلقنهم دروساً قاسية في الرجولة والعزة والكرامة.
-ما مستوى إدراك رجل الشارع، والمواطن البسيط في المناطق المحتلة لدور المرتزِقة في تنفيذ أجندة المحتل؟
المواطن اليوم حائر بين الركض وراء لقمة عيشه، والنظر إلى ما يدور حوله من مؤامرات؛ ففي الوقت الذي يفترض فيه أن يتم توفير أو تحسين مستوى الخدمات المعيشية للمواطنين أصبح المواطن اليوم يسخر من مرتزِقة التحالف، ومن مستوى الوضاعة التي وصلوا إليها مع أسيادهم.. لقد فقد المواطن اليمني الثقة بالمحتل ومرتزِقته وبات اليوم يحشد للتصدي لمشاريع المحتل التقسيمية وطرده، والخلاص منه ومن أدواته الرخيصة.
-قبل أيام جرى الحديث عن حكم ذاتي لسقطرى؟ كيف تعلق على هذا؟
صراع النفوذ بين قطبي الاحتلال في المحافظات المحتلة ألقى بظلاله على مجريات الأحداث في تلك المناطق والأطراف الموالين لهم، فالإمارات التي باتت تشعر بالخطر من التمدد السعوديّ في حضرموت والمهرة وعدن ولحج وجدت نفسها أمام خيار استئصال سقطرى من المحيط اليمني وسلبها الهوية اليمنية، ناهيك عن الأهمية الجغرافية للجزيرة التي تتمتع بموقع استراتيجي هام، جعلها محل أطماع، وأنظار قوى الاستعمار ممثلة بأمريكا وإسرائيل، وما نراه اليوم من استحداثات عسكرية، وعمليات سلخ الهوية اليمنية جزء من ذلك المخطط.
-السعودية دفعت مؤخراً بتعزيزات عسكرية “ضخمة” باتجاه عدن ليست المرة الأولى.. ما الهدف من هذه التعزيزات؟
لا شك، أن ما يدور خلف الكواليس من تحركات مريبة ومشبوهة تعكس الوجه الحقيقي للسعودية الذي يعتمد على الخداع والغدر وهو ليس بخفي على أبطال الجيش اليمني، والأجهزة الاستخباراتية في صنعاء، وقد بات واضحاً وجلياً للجميع حقيقة الدور الخبيث الذي تقوده السعودية في هذا التحالف الغربي على اليمن، وكيف أنها جعلت من نفسها مطية لتلك المؤامرات على اليمن، والتي بلا شك ستكون وبالاً عليها، وجحيماً على أمنها واستقرارها الذي بات رهن إشارة الأبطال، وستجني ثمار ما تحصد من غدر، وعدوان هي وكلّ المتآمرين على اليمن.
-في المقابل السعودية تتحدث عن اتصالات مع صنعاء لتنفيذ ما تم التوافق عليه من قبل.. كيف تقرأون هذا التحرك السعودي بالتزامن مع تصعيد أمريكي إسرائيلي في اليمن؟
السعودية بسياستها الحالية تكيل بمكيالين، الأول تراوغ في الشق السياسي، وتعمل على جعل نفسها وسيطة في الملف اليمني، وكأنها ليست الطرف المعتدي على اليمن، والآخر تحيك المؤامرات، وتحضر مع الأعداء في إدارة العدوان على اليمن، وهي بهذا السلوك تؤكد حقيقة ما عرفها اليمنيون عليه خلال الأزمنة الماضية، كحاضنة رئيسية للعداوة والمؤامرة على اليمن، وهذا ما يجب أن تخاف منه السعودية، والتي وضعت نفسها في موقف لا مفر منه أمام غضب وبطش الشعب اليمني الذي يقوم بواجباته الإنسانية والأخلاقية تجاه أمته ومقدساته، ولن يتهاون ويتساهل أمام أي طرف كان قد يتسبب بالأذى والضرر للشعب اليمني والأمّة.
-هناك كثير من الأصوات التي تدعو إلى مواجهة التجنيد للجماعات “التكفيرية”، فتكرار حضور هذه الجماعات في مناطق الصراعات في المنطقة يشير دائماً إلى ما يصاحبها من فوضى.. ما مستوى التخوف من حضور هذه الجماعات؟
هناك تخوف من تبعات هذا التمدد الوهابي الذي يعتمد على القتل والتكفير وتشويه الدين الإسلامي الحنيف، والأمر لا يقتصر على الفتاوى والخطب، بل امتد ليشمل وجود معسكرات تجنيد وقوات عسكرية باسم الدين تعمل على نشر تلك الأفكار المتطرفة والارهابية بهدف زعزعة الاستقرار، ونشر الفوضى والارهاب بين المواطنين في مخطط يعكس الأهداف الخفية للتمدد السعوديّ الخفي تحت غطاء الدين الذي بات يتوسع بكثرة في الآونة الأخيرة في المحافظات المحتلة.
حضورها يهدف إلى إغراق المحافظات المحتلة في وحل الإرهاب ومستنقع الفوضى كما يجري الآن في بعض مناطق شبوة وأبين، حيثُ تتمركز الجماعات الإرهابية المتطرفة، وتسيطر على بعض المناطق، بشكل كلي، وأيضاً بما يتوفر لها من إمكانيات ضخمة لمساعدتها في السيطرة على الأوضاع، وهو ما يجري له التخطيط حالياً ليشمل باقي المحافظات، من خلال نشر وإنشاء مراكز دينية متطرفة تعمل على دعم هذه الأفكار ونشرها ليخدم مصالح العدوّ ويمكنه من مواصلة احتلاله تحت غطاء مكافحة الإرهاب الذي أسسه وأوجده بنفسه.
-أخيرًا.. كيف تنظرون إلى مستقبل اليمن في ظل الأحداث والتطورات الجارية محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا؟
لا شك، أن الموقف اليمني المساند والقوي تجاه القضية الفلسطينية قد أربك الأعداء وفضح مخططاتهم وعرى حقيقتهم المظلمة تجاه الأمّة والشعب، وما جرى، ويجرى من مؤامرات وتحركات ضد اليمن ليست إلا محاولات لوقف هذا الإسناد المتعاظم، ومساعٍ لإفشال العمليات البطولية التي تقوم بها المقاومة ضد كيان العدوّ في كلّ من غزة والبحر الأحمر ولبنان، وقد أثبتت الأيام أن هذه الحرب لن تتوقف، وأن جبهة الإسناد لن تتراجع ما لم يكن هناك وقف كلي للحرب على غزة، وتراجع الكيان الصهيوني في المضي نحو مشروعه التقسيمي للأمة، وأن الشعب اليمني وقيادته الحكيمة والربانية ماضون نحو تحقيق الأهداف المنشودة لهذه الأمّة في ردع العدوّ، وقض مضاجعهم، ولن تكون هناك أية قوة، أو تحالف، أو عدوّ يستطيع من وقف هذا المد الجارف من الغضب الشعبي اليمني تجاه ما يجري، ويحصل لإخواننا في غزة وفلسطين مهما كلفنا ذلك من ثمن.
وفيما يتعلق بالمرتزقة والعملاء نقول لهم إن الشعب اليمني قد عرف حقيقتكم، وبانت مؤامراتكم وعمالتكم للعدو الصهيوني الأمريكي، ولن تكونوا بمنأى عن ضرباته وعملياته البطولية التي ستنال منكم، حيثُ كنتم، ولا شك أنكم الآن تدركون حقيقة الوضع الذي أوقعكم العدوّ فيه، فلا أرض تقبلكم، ولا سماء تحميكم، ولا سلاح يدفع عنكم بأس وغضب الشعب اليمني المقاوم.
المسيرة – حاوره إبراهيم العنسي