أكد مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم الدكتور شوقي علام، أنه منذ دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتجديد الخطاب الديني انخفضت بشكل كبير جدا وتيرة الفتاوى الشاذة، وهذا ما نلحظه في ثقة الناس في المؤسسات الدينية خاصة دار الإفتاء.

وقال المفتي اليوم السبت، إن تجديد الخطاب الديني كان أداة حيوية ومهمة في مواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية، موضحا أن تجديد الخطاب الديني ساعد في مواجهة الفكر المتطرف من خلال تقديم فهم معتدل ومتوازن للنصوص الدينية وتقديم بدائل فكرية قائمة على التسامح والاعتدال.

وأضاف أن تجديد الخطاب الديني أسهم بشكل كبير في رفع مستوى الوعي المجتمعي تجاه العديد من القضايا الحيوية فأصبح الناس أكثر فهمًا للوسطية والاعتدال في الدين، مما جعلهم أقل عرضة للأفكار المتطرفة والمتشددة، وذلك من خلال نشر المفاهيم الدينية الصحيحة وإبراز القيم الإسلامية السمحة.

ورأى فضيلته أنه ينبغي استخدام التكنولوجيا الحديثة لنشر الرسائل الدينية بطرق فعالة وجذابة.. كما يجب على المؤسسات الدينية أن تستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي، والبث الرقمي، بل وتطبيقات الذكاء الاصطناعي للوصول إلى جمهور أوسع، خاصة وأن الشباب يستخدمون هذه التقنيات بشكل يومي مما يساعد في إيصال الرسائل بطرق تتماشى مع العصر الحديث.

وقال إن دار الإفتاء كان لها دور بارز في بناء وعي الشباب وتوجيههم نحو الفهم الصحيح للدين، فقدمت لقاءات وندوات وبرامج تعليمية ودورات تدريبية تركز على توضيح المفاهيم الدينية الأساسية وتعليم الشباب كيفية التمييز بين التعاليم الصحيحة والمفاهيم المغلوطة، وذلك بالتعاون مع الجامعات والمدارس والمؤسسات التعليمية، كما تستخدم دار الإفتاء وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية لنشر محتوى ديني صحيح ومعتدل، يتم تقديمه من خلال المحاضرات والمقالات والفيديوهات التوعوية التي تناقش القضايا الدينية والاجتماعية بطرق جذابة ومبسطة.

وأشار فضيلة المفتي إلى تعاون الدار مع مختلف المؤسسات الشبابية، سواء كانت حكومية أو غير حكومية، لتنظيم برامج مشتركة تستهدف توعية الشباب، مثل الجامعات والمدارس كما تقدم دار الإفتاء خدمات الاستشارات الدينية للشباب فضلًا عن كافة فئات المجتمع، حيث يمكنهم طرح استفساراتهم والحصول على إرشادات دينية موثوقة تساعدهم في حل المشكلات التي قد يواجهونها في حياتهم اليومية من منظور ديني صحيح.

وبشأن نشر القضايا الخلافية أمام العامة، أكد المفتي أن الأمر يحتاج إلى حكمة وتوازن، لافتا إلى الاختلاف بين ذلك وبين الخلاف في المسائل الفقهية والذي يعد تنوعا طبيعيا وسنة من سنن الكون، حيث يعكس رحمة الله بعباده وتيسيره عليهم في أمور دينهم، مؤكدا أنه من الحكمة أن يتم تناول القضايا الخلافية بأسلوب علمي ومتزن، مع التركيز على تعليم الناس أن وجود خلاف بين العلماء هو أمر طبيعي ويعبر عن غنى الفقه الإسلامي وتنوعه.

وشدد على أنه يجب في الوقت نفسه، أن يكون هناك وعي بأن نشر القضايا الخلافية بين العامة قد يؤدي إلى البلبلة إذا لم يتم التعامل معها بحكمة، لذلك ينبغي أن يقتصر النقاش العلني على الأمور التي لا تسبب خلافا وشقاقا بين المسلمين، وأن تترك الأمور الخلافية خاصة ما يؤدي منها إلى الصدام لتناقش في الأوساط العلمية المتخصصة حيث يمكن للعلماء تبادل الآراء والنقاشات بطريقة علمية وبناءة.

وأكد فضيلة المفتي أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، ولدى مصر علماء كبار يستطيعون مواجهة أي فكر خاطئ بنشر التعاليم الصحيحة والمعتدلة للإسلام، بالإضافة إلى ذلك، يوجد قانون في مصر يتصدى لأي فكر معوج يؤدي إلى البلبلة، مما يعزز من حماية المجتمع ويعزز استقراره.

وبشأن المناظرات الدينية ونشرها أمام العامة، قال فضيلة الدكتور شوقي علام إنه يجب أن تدار المناظرات بحكمة وأن تلتزم بالضوابط العلمية وتهدف إلى توضيح الحقائق وتعزيز الفهم الصحيح للإسلام، وأن يكون الهدف منها توعية الناس وتصحيح المفاهيم الخاطئة بطريقة بناءة واحترام متبادل بين الأطراف المشاركة، مشيرا إلى ضرورة أن يكون المشرفون على هذه المناظرات من العلماء الراسخين في العلم والمتخصصين في الإعلام، الذين يمكنهم تقديم المعلومات بشكل واضح ومعتدل دون إثارة لأن الهدف هو تعزيز الوحدة والتفاهم بين المسلمين، وليس إثارة الخلافات والجدل العقيم.

وفيما يتعلق بمن يتناول السنة النبوية وعلم الحديث بغير علم، قال علام، إن السنة مصدر من مصادر الشريعة الإسلامية لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مأمور بالتبليغ عن الله عز وجل، وسنته واجبة الاتباع، وطاعته طاعةٌ لله تعالى، ولا يعني ذلك إلا كونها مصدرًا للتشريع.

وأوضح أن المحدثين وضعوا أُسس علم الحديث، وبيَّنوا صحيحه من سقيمه، كما بيَّنوا أن الضعف ينقسم إلى مراتب متفاوتة، فضلًا عن وضعهم لضوابط دقيقة جدا للعمل بأحاديث الآحاد والضعيف في حالات معينة دون المختلق أو المكذوب.

وأشار إلى أن نشر الأفكار المضللة في المجتمعات أمر مرفوض شرعا وقانونا وعرفا فهذا الفعل يضر بالمجتمع ويقوض الاستقرار والأمن، ويؤدي إلى نشر الفتن والخلافات بين الناس.. مؤكدا أن الإسلام يدعو إلى الحق والصدق والأمانة في القول والعمل، ونشر الأفكار المضللة يتعارض مع هذه القيم الأساسية.

وفيما يتعلق بفريضة الحج، ومن يتكاسل عن آدائها رغم الاستطاعة قال الدكتور شوقي علام إن الفقهاء اختلفوا في وجوب الحج وهل هو على الفور أو على التراخي فذهب الجمهور إلى أن الحج يجب على الفور (أي: في أول الوقت الذي يستطيع فيه الحج) وهو الأَولى، وذهب الشافعية والإمام محمد بن الحسن إلى أنه يجب على التراخي (أي: في أي وقت يستطيع فيه الحج).

وأضاف إنه على الرغم من وجود اختلاف فقهي في هذه المسألة فإننا ننصح الإنسان بأن يسارع في أداء هذه الفريضة إذا ما توافرت شروط الاستطاعة، لأن الإنسان لا يدري ما يكون عليه حاله مستقبلا من حيث الاستطاعة المادية والبدنية، مؤكدا أن المقصد من الحج هو تهذيب النفس الإنسانية وترقيق القلوب والقيام بالنسك، كما أنه لا بدَّ لهذه الفريضة من استعداد نفسي وروحي، فضلًا عن الاستعداد المادي والجسماني، فالحاج مُقبِل على أداء رحلة أشبه ما تكون برحلة إلى الآخرة، لذا عليه أن يتخلَّص من التبعات ويجعل الدنيا خلف ظهره، وأن يبادر بالتوبة قبل الحج.

واشار إلى أنه يجب أن يحرص المقبل على الحج على تقوية الروابط الأسرية وصلة الأرحام تمهيدًا لبدء حياة جديدة مع الحرص على كثرة الذِّكر وتلاوة القرآن والاستغفار والأعمال الصالحة، ولا مانع من طلب المسامحة من أي أحد يعرفه، ويبادر المسلم إلى التوبة لله قبل الحج، موضحا أنه إذا كان الحق متعلقا بالله فعليه أن يُقلع عن هذا الذنب ويندم ولا يعود إليه في المستقبل، وأن يحرص على الإنابة إلى الله والاستزادة من العبادة والطاعات، وعلى هذا النحو يَقبل اللهُ برحمتِه وفضلِه توبتَه، أمَّا إذا تعلق هذا الحق بالعباد فعليه أن يردَّ الحقوق إلى أصحابها إذا لم يترتب عليها فتن أشد، وإن عجز عن مواجهة أصحابها فعليه التبرع عنهم والدعاء لهم.

وشدد على ضرورة سداد أي ديون مستحقة عند الاستطاعة، وكذلك رد المظالم لأصحابها، وذلك في كل وقت وحين، فضلًا عن ضرورتها لمن وفَّقه الله إلى الذهاب للحج، كما ينبغي مبادرة المُقبل على الحج قبل حجه إلى إعطاء الحقوق لأصحابها، ومنها حقوقهم في ميراث المتوفى، حيث يحرم شرعا مماطلة أحد الورثة أو تأجيله في قسمة الإرث دون رضا باقي الورثة، ويجب تمكين الورثة من نصيبهم، فكل إنسان أحق بماله.

وأكد فضيلة المفتي أنه يجب على المقبل على الحج أيضا رد أي حقوق أو مظالم لأهلها بعينها إذا كانت باقية في يده، وإلا فعليه رد قيمتها إذا استهلكت أو فقدت، فإن لم يجدهم يردها لورثتهم، لأن من المقرر شرعا أن "التوبة من حقوق العباد لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء، أما إذا ترتب على ردِّ الحقوق وإعلام أصحابها بها ضرر أكبر أو فتنة، فإنه يجوز أن يرد الحقوق إليهم دون أن يعلمهم بفعلته، فإن عجز عن ردها لعدم معرفته بأصحاب هذه الحقوق أو لوجود حرج شديد في إعلامهم فله أن يتصدق بها عنهم".

وأكد أن الحج واجب على مَن توافرت فيه شروط الاستطاعة، فقد فُرض على كلِّ مسلم عاقل بالغ قادر لقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا}.. مضيفا أنَّ الإنفاق والدفع في مصالح الناس وإعانة الفقراء أَولى من الحج النافلة والعمرة النافلة، وكلما كانت المنفعة متعدية كانت أولى من المنفعة القاصرة على النفس، ونحن في هذه الظروف الاقتصادية نحتاج إلى وعي مجتمعي.

وأشار إلى أن شعيرة الحج ترشد المسلم إلى خير وسيلة يُتقرَّب بها إلى الله تعالى في كل أحوال حياته وشئونها حيث تجعله متجردا بصورةٍ كاملةٍ أثناء مدتها الزمنية من كل شواغلِه، مقبلا على ربه لا همَّ له إلا الذكر والعبادة والتلبية والدعاء، وهي تمثِّل في ذات الوقت والموقف تجربة تربوية حقيقية من شأنِها تقويم حياة المسلم ووجدانه وضبط سلوكه وتهذيب نفسه دون فرض سلطةٍ عليه من غيره، فقد نهى الله تعالى الحاج بأسلوبٍ فيه تأكيدٌ ومبالغةٌ، عن الوقوع في سَيئِ الأخلاق ومذموم ِالسلوك في هذا الزمان الفاضل والميقات المبارك، فقال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: 197].

وأضاف الدكتور شوقي علام أن شعيرة الحج تعتبر بمناسكها مجالًا واسعًا وفرصة مباركة لبناء شخصية المسلم بطريقة متوازنة، حيث خاطب الإسلام المسلم روحا وجسدا وعقلا في تناسق مبدع جامع لغذاء الروح ومتطلبات الجسد، فأعطى لكل حقه بالقسط، وذلك لأنه دين يقترب من الفطرة الإنسانية السليمة، ويوازن في أحكامه ومقاصده بين عناصر الشخصية البشرية بطريقة متكاملة لا يستغني عنها الإنسان.. وكذلك المتأمل في مناسك الحج وشعائره يجد أنها تحمل في مضامينها كذلك ترسيخ قضية التسليم والامتثال لأوامر الشرع الحنيف لأنها أصل التعبد وعليها بناؤه وهي من صور خُلُق الصبر وتجلياته، فرحلة الحج ما هي إلا استجابة لدعوة الله وامتثال لأمره، وإقامة لركن من أركان شريعته، وفيها يهذب الحاج نفسه، تقربًا إلى الله تعالى واتِّباعًا لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

وأوصى المفتي جميع الحجاج وضيوف الرحمن المصريين بالإكثار من الدعاء بأن يحفظ الله مصر وشعبها الكريم من كل سوء، وإلى الالتزام كذلك بالقواعد والضوابط التي وضعتها سلطات المملكة العربية السعودية لإنجاح موسم الحج.. مشيرا إلى أنه لا يجوز للحاج مخالفة القواعد والنظم التي أقرتها السلطات السعودية من تنظيمات ولوائح تحقق مصالح ضيوف الرحمن.

وطالب حجاج بيت الله الحرام بضرورة الالتزام بالوصايا الشرعية، وعدم الوقوع في المخالفات والممارسات الخاطئة التي يتهاون فيها الكثير، والمتمثلة في التخلف وعدم الالتزام بمواعيد العودة، ولوائح تحديد أعداد الحجيج التي جاءت للمصلحة العامة، حفاظًا على سلامة الحجاج وتيسير أدائهم للمناسك في سهولة ويسر.

وأكد أنه يجب على الحاج استحضار النية والإخلاص ومجاهدة النفس مع الإكثار من الدعاء، وأن أعظم ما في تلك الأيام المباركة يوم عرفة الذي ينتظره الصالحون وقد أعدُّوا السؤال واستحضروا الحاجات، فيسألون ربهم تعالى خيرَي الدنيا والآخرة مع تكرار الاستغفار والتلفظ بالتوبة.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: التوبة الرئيس السيسي تجديد الخطاب الديني مفتي الجمهورية موسم الحج الدکتور شوقی علام الخطاب الدینی دار الإفتاء فضل ا عن أنه یجب یجب على إلى أن

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: غياب الاقتداء بالنموذج النبوي في الحياة الزوجية سبب رئيسي للمشكلات الأسرية

أكد الدكتور نظير عيَّاد، مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، أن المشكلات الأسرية التي نشهدها اليوم تعود في جانب كبير منها إلى غياب الاقتداء بالنموذج النبوي في المعاملة بين الزوجين، مشيرًا إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جسَّد في حياته اليومية مع أهل بيته أرقى معاني الرحمة واللطف وحسن العِشرة، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».

وأوضح فضيلته، خلال لقائه اليومي ببرنامج «اسأل المفتي» الذي يقدمه الإعلامي حمدي رزق على فضائية "صدى البلد"، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدرك طبيعة المرأة جيدًا، وأن العاطفة لديها قد تغلب أحيانًا على العقل، وهو ليس انتقاصًا من شأنها، وإنما أمرٌ فُطرت عليه لتحقيق التوازن في الحياة الأسرية. وأورد فضيلته مثالًا على ذلك عندما كسرت السيدة عائشة -رضي الله عنها- إناءً أرسلته السيدة صفية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدافع الغيرة، فما كان منه إلا أن ابتسم قائلًا: «غارت أمكم»، ثم قام بتعويض السيدة صفية بإناء جديد من آنية السيدة عائشة، مما يدل على حكمته في التعامل مع المواقف بحب واحتواء، بعيدًا عن التوبيخ والتصعيد.

وأشار فضيلة المفتي إلى أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يقتصر على التعامل بحكمة في لحظات الغضب، بل كان يمازح أهل بيته ويشاركهم لحظات المرح، مستشهدًا بسابقته الشهيرة مع السيدة عائشة في إحدى الغزوات، حيث تغلبت عليه في السباق المرة الأولى، ثم غلبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاحقًا بعدما تقدمت قليلًا في السن، وقال لها مازحًا: «هذه بتلك».

وتابع فضيلة المفتي موضحًا أن الوفاء والاعتراف بفضل الآخرين كانا من أبرز صفات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ما ظهر جليًّا في حديثه المتكرر عن السيدة خديجة -رضي الله عنها- بعد وفاتها، حيث كان يذكر فضلها ومواقفها الداعمة له، حتى أثار ذلك غيرة السيدة عائشة، فقالت له: «يا رسول الله، قد أبدلك الله خيرًا منها»، فرد عليها بقوله: «والله ما أبدلني الله خيرًا منها»، مستذكرًا تضحياتها ودعمها له في أصعب المواقف.

وأوضح فضيلة المفتي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يكتفي بالحديث عن فضائل السيدة خديجة، بل كان يكرم صديقاتها وأهلها حتى بعد وفاتها، مما يعكس عمق الوفاء النبوي، وهي قيمة نفتقدها كثيرًا في مجتمعاتنا اليوم، حيث أصبحت المصالح تطغى على معاني الإخلاص والاعتراف بالجميل.

وأضاف فضيلة المفتي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان نموذجًا فريدًا في مراعاة مشاعر الآخرين، سواء داخل بيته أو في تعامله مع الصحابة والناس عامة، حيث كان يتجنب التصريح بما قد يحرج الآخرين، مستشهدًا بموقفه عندما كان مجتمعًا مع الصحابة وأحدث أحدهم بإخراج الريح، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من أكل لحم جزور فليتوضأ»، ليجنِّبه الشعور بالإحراج أمام الناس.

كما ضرب فضيلة المفتي مثلًا آخر بموقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما بال أحد الأعراب في المسجد، فأراد الصحابة نهره بشدة، لكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم بعدم مقاطعته، ثم قام بتوجيهه بالحسنى وتعريفه بحرمة المسجد، مما جعل الأعرابي يقول: «اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا»، فانظر كيف حول النبي صلى الله عليه وآله وسلم الموقف من الغضب إلى درس تعليمي راقٍ دون تجريح أو إساءة.

وانتقل فضيلة المفتي للحديث عن أخلاقيات الحرب في الإسلام، مشيرًا إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يوصي أصحابه بعدم الاعتداء على غير المحاربين، وعدم قتل الأطفال والنساء والرهبان، وعدم هدم دور العبادة، بل إنه عندما رأى التمثيل بجثمان عمه حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه- توعد في البداية بالانتقام، لكنه عاد وامتثل لأمر الله في قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]، فاختار الصبر ورفض الانتقام، ضاربًا بذلك أعظم الأمثلة في العفو عند المقدرة.

وختم فضيلة المفتي حديثه عن السيرة النبوية بقوله: "أين نحن اليوم من هذه القيم العظيمة؟! العالم يشهد حروبًا لا تراعي للإنسانية حرمة، بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضع لنا دستورًا أخلاقيًّا في الحرب والسلم، يدعو للعدل والرحمة والتسامح".

وفي الجزء الأخير من الحلقة، أجاب فضيلة المفتي عن سؤال حول حكم زكاة المال وموعد إخراجها، مؤكدًا أن الزكاة ركن من أركان الإسلام، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «بُني الإسلام على خمس»، مشيرًا إلى أن الله تعالى قرنها بالصلاة في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، فقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}.

وأوضح فضيلته أن الزكاة ليست تفضُّلًا من الغنيِّ على الفقير، وإنما هي حق واجب في المال، لأنها تطهيرٌ للنفس من الشح، وتزكيةٌ للمال، وتحقيقٌ للتكافل الاجتماعي، مستدلًّا بقول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].

وحول موعد إخراج الزكاة ومقدارها، بيَّن فضيلة المفتي أنه إذا بلغ المال النصاب (وهو ما يعادل 85 جرامًا من الذهب)، وحال عليه الحول، وجب إخراج 2.5% منه.

أما عن حالة من اقترض من البنك، وكان يسدد الأقساط، فهل تجب عليه الزكاة؟ فأوضح فضيلته أن القاعدة الشرعية تقضي بأن الضرورة تُقدَّر بقدرها، فلا يمكن إصدار فتوى عامة دون معرفة تفاصيل الحالة، فإذا كان الشخص يمتلك أصولًا وأموالًا أخرى تكفي لسداد الدَّين، فلا تسقط عنه الزكاة، أما إذا كان الدَّين يشكل عبئًا حقيقيًّا، فيُنظر في الأمر وفقًا لظروفه الشخصية.

وفي ختام الحلقة، شدد فضيلة المفتي على أهمية الفهم الصحيح للأحكام الشرعية، ودعا إلى الاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أخلاقه ومعاملاته، قائلًا: "إذا أردنا أن نحيا حياة مستقرة، فعلينا أن نستلهم من السيرة النبوية قيم الرحمة والتسامح والتراحم، فهي المنهج الأسمى في بناء مجتمع متماسك ومتوازن".

اقرأ أيضاًمفتي الجمهورية: الموقف العربي خلال القمة يعيد لقضية فلسطين زخمها في وجدان الأمة

مفتي الجمهورية: الصيام مدرسة سلوكية تنطوي على منظومة قيمية وأخلاقية| فيديو

مفتي الجمهورية: رمضان يحقق التوازن بين الطاعة والتوبة في حياة المسلم

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية: الأنبياء هم القدوة العظمى والإيمان بهم أساس العقيدة
  • مفتي الجمهورية يكشف أهم أخلاقيات الحرب في الإسلام
  • مفتي الجمهورية: المشكلات الأسرية سببها غياب الاقتداء بالنموذج النبوي
  • مفتي الجمهورية: أغلب مشكلات البيوت بسبب عدم الإقتداء بالنبي
  • مفتي الجمهورية: السيرة النبوية تقدم نموذجًا متكاملًا للعلاقة الزوجية
  • نواب البرلمان: قانون تنظيم الفتاوى حصن ضد الفوضى وداعم لوحدة الخطاب الديني
  • برلماني: قانون تنظيم الفتاوى يعزز من دور الأزهر ودار الإفتاء في توحيد الخطاب الديني
  • مفتي الجمهورية: غياب الاقتداء بالنموذج النبوي في الحياة الزوجية سبب رئيسي للمشكلات الأسرية
  • مفتي الجمهورية: الإفتاء عملية بشرية بامتياز بعيدًا عن الذكاء الاصطناعي
  • مفتي الجمهورية: الكون المنظور دليل على وجود الله وكمال صفاته