يمانيون – متابعات
تظاهرة علمية وثقافية واسعة باتت تشكلها الدورات والمدارس الصيفية بشكل سنوي في اليمن كتجربة رائدة كرستها القيادة الثورية لما لها من أهداف سامية ترتبط بواقع ومستقبل البلد والأمة بشكل عام.

ولعل من أبرز وأهم الأهداف والغايات النبيلة لهذه المدارس التي شارفت على اختتام أنشطتها أنها تمثل حاضنة لإعداد جيل يحمل من القيم والمبادئ والعلوم المختلفة ما يؤهله لتحمل مسؤولية بناء أمة قوية قادرة على مواجهة التحديات والأخطار المحدقة بها من كل صوب.

بدأت هذه التجربة في تسعينيات القرن الماضي بمحافظة صعدة تحديدا في عام 1991م، والتي أحياها السيد العلامة بدرالدين الحوثي وكانت تقام في بعض المساجد والمدارس مثل مسجد ومدرسة الإمام الهادي وتركز على تعليم الطلاب تلاوة وحفظ القرآن وعلومه والجوانب التوعوية المرتبطة بالمسؤولية تجاه واقع ومستقبل الأمة.

عقب ذلك توسع هذا النشاط سنة بعد أخرى إلى أن انتشر في عدة محافظات مثل صعدة وعمران وصنعاء وذمار والتي كانت تحظى بالاهتمام الكبير من العلامة بدرالدين الحوثي والشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي ويشرف عليها السيد العلامة محمد بن بدرالدين الحوثي.

أولى الشهيد القائد هذه الدورات اهتماما كبيرا وكان يحرص على زيارتها وإلقاء محاضراته التوعوية على الطلاب والتي كانت تشمل الكثير من المواضيع مثل المسؤولية الدينية والأخلاقية على طلاب العلوم الدينية وكذا الوعي السياسي تجاه أحداث وقضايا الأمة وكذا التربية الإيمانية والثقافة الجهادية وغيرها من الأمور التي تربط الملتحقين بها بواقع وقضايا الأمة والجهاد في سبيل الله.

وفي ظل واقع البلد والأمة باتت هذه المدارس ضرورة ملحة تقتضيها المرحلة نتيجة الهجمة الغربية الشرسة على منظومة القيم والمبادئ التي شكلت الهوية الإيمانية الجامعة للشعب اليمني والتي كانت وستظل الحصن الحصين لحمايته والحفاظ على كيانه.

ونتيجة لغياب الاهتمام بترسيخ الهوية الإيمانية في غالبية البلدان العربية والإسلامية باتت شعوب تلك الدول عرضة للاختراق من قبل الأعداء، وبدا ذلك واضحا في ما تشهده من انحدار أخلاقي بشكل تدريجي جعل من بعضها نسخة مشابهة للمجتمعات الغربية بثقافتها المنحلة.

وفي مقابل حملات التشويه والتضليل الذي تمارسها الأبواق الحاقدة من ضعاف النفوس ممن ارتموا في أحضان الأنظمة المطبعة لمحاولة رسم صورة سوداوية عن هذه المدارس، في سياق الأدوار الموكلة إليهم من أعداء الأمة، تشهد الدورات الصيفية من عام لآخر إقبالا أكبر من قبل الطلاب إيمانا من أولياء أمورهم بأهميتها وفائدتها الكبيرة لأبنائهم.

جسد ال- مإقبال والتفاعل الواسع على هذه الدورات لهذا العام مستوى الوعي الكبير الذي بات يحمله أبناء الشعب اليمني، وادراكهم أن ما يصدر من ضجيج وبلبلة مصدره انزعاج الأعداء من هذه المدارس واستماتتهم في إبعاد الأمة عن دينها ونهجها الإيماني القويم الذي يمثل مصدر قوتها وعزتها ليتسنى لهم إخضاعها والسيطرة التامة عليها.

ومما يجعل هذا الضجيج والانزعاج لا قيمة له لدى أحرار الشعب اليمني هو أن من يقف وراءه هم أنفسهم من شنوا وأيدوا العدوان والحصار على الشعب اليمني، وارتكبوا بحقه أفظع الجرائم، وهم أنفسهم من يساندون الكيان الصهيوني في عدوانه الإجرامي على الشعب الفلسطيني، ويدفعون بمرتزقتهم وذبابهم الإلكتروني لشن حملات التشويه ضد موقف الشعب اليمني المساند لشعب فلسطين وضد كل ما يقوم به من تحركات لإفشال مخططات ومؤامرات الأعداء ضد اليمن والأمة.

لهذا فإن من المتوقع أن ينزعج هؤلاء ويستميتون لتشويه المدارس والدورات الصيفية لمعرفتهم أنها جزء لا يتجزأ من معركة الوعي التي يخوضها الشعب اليمني بقيادة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، والتي لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية ضد العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي ومن بعده العدوان الأمريكي البريطاني.

فبعد أن فشل هذا العدوان الأرعن عسكريا وتلاشى أمام صلابة وقوة وتماسك الشعب اليمني والتفافه حول قيادته الصادقة، ووقوفه خلف قواته المسلحة، ها هو اليوم يحاول العودة بطرق أخرى وتحت عناوين عدة من ضمنها الحملات الإعلامية المسعورة وتزييف الوعي ونشر الأفكار المغلوطة والثقافات الدخيلة في إطار حرب ناعمة هدفها الأساسي إفساد المجتمعات وبالأخص فئة النشء والشباب وغيرها من الفئات ليكون من السهل اختراق هذه المجتمعات من الداخل والتحكم بمصيرها.

من هنا تبرز الأهمية الكبيرة للأنشطة والدورات الصيفية في تحصين الطلاب والطالبات والنشء والشباب بشكل عام من الثقافات المغلوطة وحمايتهم من كل هذه الأخطار المحدقة بهم، وذلك من خلال تبصيرهم وتوعيتهم وربطهم بهدى الله وكتابه العزيز الذي هو حبل الله المتين والحصن الحصين لمن يحمل ثقافته ويعمل به.

كما أن هذه الواحات الايمانية هي بمثابة الاستثمار الأنسب لأوقات الفراغ خلال العطلة الصيفية والتي يكون الطلاب فيها أكثر عرضة للضياع نتيجة للكثير من الأسباب التي من أهمها تعدد وسائل الغزو الفكري التي يستخدمها الأعداء، وباتت موجودة في كل شارع وبيت مثل الهواتف الذكية والانترنت والقنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من الوسائل التي يستغلها الأعداء لاستهداف النشء والشباب وحرفهم عن المسار الصحيح وجعلهم وسيلة هدم للمجتمعات الإسلامية.

لا تقتصر الدورات والأنشطة الصيفية على تعزيز الجانب الثقافي والإيماني للملتحقين بها بل إنها تحفل بالكثير من البرامج والأنشطة الهادفة، تشمل الجوانب التربوية والرياضية والعلوم والمعارف المختلفة، إلى جانب اكتشاف وتشجيع وتنمية المواهب والقدرات المختلفة للطلاب والطالبات.

تعول القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى كثيرا على هذه المدارس في إعداد جيل واع يحمل من القيم والمبادئ الإيمانية والمعرفة ما يؤهله لتحمل مسؤولية بناء أمة قوية قادرة على مواجهة التحديات والأخطار، وعصية على الاختراق مهما كانت مؤامرات الأعداء.

تستمد القيادة هذه الرؤية من منظور قرآني وباستقراء أحداث طويلة مرت بها الأمة وما أحدثته البعثة النبوية من تغيير جذري في واقعها حتى أوصلها هدى الله إلى القمة، قبل أن تعاود الانحدار بعد وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نتيجة ابتعادها التدريجي عن كتاب الله وتعاليمه، وصولا إلى ما هي عليه اليوم من سقوط على كافة المستويات.

لهذا يؤكد قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي على أن الأمة لا يمكن لها أن تفلح أو تصلح إلا بما صلحت به في أولها، معتبرا الأمية القائمة في هذا العصر لدى كثير من نخب المجتمع، أخطر بكثير من الأمية التي كانت سائدة في الجاهلية الأولى، نتيجة المفاهيم المقلوبة والتصورات الخاطئة التي أدخلها الأعداء إلى أوساط الأمة.

كما أن حالة التراجع والشتات والفرقة والتخلف التي وصلت إليها شعوب الأمة تعود إلى جهلهم، وانحرافهم، وسوء فهمهم، وما دخل إليهم من ثقافات وتصورات وأفكار خاطئة غيرت نظرتهم إلى الدين، والحياة والواقع والناس والأعداء، وكل شيء فأوصلتهم إلى ما وصلوا إليه.

وعليه فقد بات الجميع في حاجة ماسة للعودة إلى القرآن وهدى الله، وتعليماته المباركة، لبناء نهضة وحضارة إسلامية تعتمد على المفاهيم القرآنية الصحيحة، وهو ما تهدف إليه المدارس الصيفية من خلال تعليم الأجيال القوة والبأس الشديد والثقة بالله والروحية الجهادية والوحدة مع الأمة الإسلامية لتكون جديرة بحمل هم الأمة وقضاياها الأساسية.

– سبأ / يحيى جارالله

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: بدرالدین الحوثی الدورات الصیفیة الشعب الیمنی هذه المدارس التی کانت

إقرأ أيضاً:

ثمار الشهادة في سبيل الله

 

الثورة /متابعات

الشهادة كقيمة أخلاقية وإنسانية
الشهادة هي في جوهرها قيمة أخلاقية وإنسانية عظيمة، تمثل أسمى درجات الإيمان والشجاعة في سبيل الله. هذه القيمة تعبر عن استعداد المؤمن للتضحية بنفسه من أجل قضية عادلة، وتجعل الشهداء مثالًا يُحتذى به في قمة الأخلاق والتفاني. ومن خلال الشهادة، يضع الشهيد نفسه في أعلى مراتب العطاء، فالشهادة لا تُعطي فقط للمؤمن حياة خالدة، بل تجعل من تضحياته إرثًا خالدًا يساهم في بناء مجتمع قوي قائم على القيم الإيمانية والإنسانية.
التصدي للعدو وحماية الأمة.. يأتي على يد الشهداء وتضحياتهم
الشهادة في سبيل الله تمثل الدرع الذي يحمي الأمة ويعزز مكانتها أمام أعدائها. المؤمنون الذين يضحون بأنفسهم من أجل حماية أمتهم وتحريرها من الظلم ينالون بذلك أعلى درجات الإخلاص والتضحية. وقد ورد في القرآن الكريم تشجيع على مقاومة الأعداء والوقوف ضد الظلم، كما في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” فالآية تحث المؤمنين على الثبات وتذكر الله في مواجهة العدو، مما يعكس عظمة الصمود والشجاعة في سبيل الله.
اليوم المعركة هي معركة الأمة كلُّ الأمة، والاستهداف ليس جديدًا في واقع هذه الأمة؛ وإنما هو وفق مراحل مستمرة، ونحن في مرحلة مهمة وحساسة، ووجدنا أن ثمرة مفهوم الشهادة في سبيل الله وفق المفهوم الصحيح، التقديم الصحيح، أثمر نصرًا في واقع هذه الأمة، وأصبحت نماذجه قائمة في الساحة وحاضرة في الساحة بكل نجاحٍ ملموسٍ وواضح. التجربة في فلسطين تجربة الجهاد والاستشهاد أثمرت نصرًا، حريةً، عزةً، كرامةً، ما نراه في قطاع غزة هو نموذج حي، يشهد لصحة وإيجابية وأهمية وضرورة هذا المفهوم، عندما يقدَّم بشكل صحيح كيف يصنع في واقع الأمة متغيرات مهمة وإيجابية، يصنع الحرية بإرادة الله “سبحانه وتعالى”، والكرامة والعزة والاستقلال، يصنع النصر.
عندما نجد النموذج في لبنان أمامنا متجسدًا ومنذ سنوات عديدة، منذ بداية انطلاقة المقاومة الإسلامية في لبنان، ثم ما صنعته من انتصارات كبيرة في عام 2000م وفي عام 2006م، وما منَّ الله به -أيضًا- من انتصارات لاحقة في لبنان وسوريا وغيرها، وكذلك ما تقدمه المقاومة الإسلامية في لبنان اليوم من ثبات وتضحيات عظيمة رغم استشهاد قادتها و في المقدمة أمين الأمة وشهيدها السيد حسن نصر الله وكذلك الثبات الأسطوري للمقاومة الفلسطينية رغم همجية العدو وحجم التضحيات و الدمار في قطاع غزة ما تزال ثابته منذ أكثر من عام, كما نجد ما قبل ذلك نموذجًا عظيمًا وكبيرًا متمثلًا بالثورة الإسلامية في إيران، حررت إيران الإسلام من هيمنة أمريكا، ومن نفوذ إسرائيل، ومن الأداة التي كان يعتمد عليها الأمريكيون والإسرائيليون في السيطرة على الشعب الإيراني المسلم، متمثلةً بالنظام الملكي و(الشاه) آنذاك، ثم فتحت المجال أمام الجمهورية الإسلامية لتكون نموذجًا ورائدًا كبيرًا في الساحة الإسلامية، في الحرية والاستقلال، والتصدي للهيمنة الأمريكية، والتصدي للعدو الإسرائيلي.
النموذج القائم في سوريا والعراق، والنموذج القائم والمتجسد في التضحيات الكبيرة وفي العزم الذي لا يلين الذي يقدمه شعب البحرين، نماذج تاريخية كثيرة في مختلف الأقطار العربية والإسلامية، وفي مختلف المراحل لأمتنا.
إن كل ذكرى من العزة، وإن كل ذكرى للنصر هي مرتبطة بهذا المفهوم العظيم، وهذا كافٍ في أن ندرك مدى أهميته، ومدى قيمته، ومدى ما يترتب عليه في واقع هذه الحياة الدنيا والآخرة.

واجب الأمة تعزيز روح التضحية بين الأجيال
واجب الأمة تجاه شهدائها لا يتوقف عند إحياء ذكراهم، بل يتعدى ذلك إلى تعزيز روح التضحية في نفوس الأجيال المقبلة، يجب أن يُزرع في نفوس الشباب حب التضحية لأجل الله واستعدادهم لبذل أرواحهم في سبيل القيم والمبادئ النبيلة. فالحفاظ على إرث الشهداء يتمثل في إحياء هذا العطاء الخالد في قلوب المسلمين، ليصبحوا على أتم الاستعداد للذود عن حياض الأمة وقيمها.
ويأتي ذلك في إطار قوله تعالى: “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ” (الأنفال: 60)، فالآية تحث المسلمين على الاستعداد الدائم وتربية النفوس على الجهاد والصبر.

الاعتناء بأسر الشهداء
تقتضي مسؤولية الأمة نحو الشهداء الاعتناء بأسرهم، ومواساتهم والوقوف إلى جانبهم، لأنهم فقدوا أحب الناس إليهم من أجل رفعة الأمة، وهذا الوفاء لا يقل أهمية عن التضحية ذاتها، إذ يجسد تقدير المجتمع لذوي الشهداء ولتضحياتهم. ينبغي أن يكون لكل أسرة شهيد مكانة خاصة في المجتمع، وأن يكون هناك نظام كامل من الدعم والرعاية لهم، تعبيرًا عن تقدير الأمة لعطاء ذويهم وتكريمًا لما قدموه في سبيل الله.
ختامًا، يتبين لنا أن الشهادة ليست مجرد تضحيات عابرة، بل هي قمة العطاء في سبيل الله، هذا العطاء الخالد يزرع في الأمة الثبات، والعزيمة، والقوة لمواجهة كل الصعاب، ويحصنها من هيمنة الأعداء، من الطواغيت والمنافقين، كما أن عطاء الشهداء يخلق إرثًا من الإيمان والشجاعة يحافظ على بقاء الأمة، ويدفع بها نحو النصر.
أن واجبنا تجاه الشهداء في إحياء ذكراهم، وتعزيز روح التضحية في نفوس الأجيال، وتكريم أسرهم تقديرًا لما قدموه.
في كل شهادة نبض جديد لقلب الأمة، وفي كل تضحية تفتح أبواب العزة والكرامة، تحقيقًا لوعود الله لعباده المؤمنين بالنصر والثبات.

مقالات مشابهة

  • السيد الخامنئي: العدو لن ينتصر في غزة ولبنان
  • أين يجد اليمانيون احتفالاتهم وترفيههم؟
  • تكريم خريجي الدورات العسكرية في محافظة حجة
  • اليمن: الصخرة التي كسرَت قرون الشيطان وتستعد لتحطيم طغاة العصر
  • دم الشهيد سبب في الحرية الاستقلال
  • أحرار لبنان يشيدون بهبة الشعب اليمني لإغاثة النازحين جراء العدوان الإسرائيلي
  • العزي يحذر أمريكا وبريطانيا: الشعب اليمني بركان قد ينفجر دون تردد
  • تظاهرة حاشدة وسط طرابلس نصرة لغزة وتنديدا بالعدوان
  • ثمار الشهادة في سبيل الله
  • اختتام فعاليات الدورة التدريبية لمدربي الأنشطة والدورات الصيفية بصنعاء