تحويل الدعم من عيني إلى نقدي.. كيف سيؤثر على ملايين المصريين؟
تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT
تخطط الحكومة المصرية لتحويل نظام الدعم في البلاد من عيني إلى نقدي، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات واسعة حول تأثير ذلك على حياة أكثر من 106 ملايين مصري يعتمد معظمهم على الدعم، ويعيش ثلثهم تحت خط الفقر أو فوقه بقليل.
وتؤكد موازنة العام المالي القادم، الذي سيبدأ في الأول من يوليو، على أن "الحكومة تعتزم الاستمرار في التحول التدريجي إلى الدعم النقدي وشبه النقدي الذي يستهدف الفئات الأولى بالرعاية والمناطق الأكثر احتياجا"، وفقا لوزارة المالية.
فيما يقول رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية قبل أيام، إنه سيتم إجراء "حوار وطني جاد" لوضع تصور لكيفية التحول إلى الدعم النقدي.
ويضيف: "الدولة مستعدة لتطبيق آلية الدعم النقدي في حال التوافق عليه ضمن حوار مجتمعي. والهدف هو استفادة المواطن طبقا لاحتياجاته وأولوياته".
ويأتي الحديث عن هذه الخطة بالتزامن مع إعلان مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، رفع سعر رغيف الخبز المدعوم لأول مرة منذ 3 عقود من خمسة قروش إلى 20 قرشا، اعتبارا الأول من يونيو، وهي خطوة تقول الحكومة إنها "ضرورية لتتناسب مع الزيادة الكبيرة في الأسعار".
ويبلغ إجمالي الدعم في موازنة العام المالي الحالي، نحو 529.7 مليار جنيه (11.2 مليار دولار)، فيما يسجل في موازنة العام المالي المقبل، نحو 635.9 مليار جنيه (13.5 مليار دولار).
ويؤكد الخبراء على أن "هذه الخطوات تأتي جميعها في إطار ما تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي"، والذي يطالب مصر منذ البرنامج الأول للإصلاح الاقتصادي في العام 2016، بتحويل الدعم العيني إلى دعم نقدي.
واتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي، في مارس الماضي، على استئناف برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم التوافق بشأنه في ديسمبر 2022 وتعثر لعدة أشهر بسبب رفض السلطات تنفيذ بعض الإصلاحات المتفق عليها، وفي مقدمتها تحرير سعر الصرف.
وبموجب هذا البرنامج الذي يستمر حتى خريف 2026، رفع صندوق النقد الدولي تمويلاته إلى مصر من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات.
سعر "عيش المصريين".. لماذا تلجأ الحكومة للخطوة الحساسة الآن؟ تمهد الحكومة المصرية، لزيادة مرتقبة في أسعار الخبز، الذي يُعد العنصر الأساسي على موائد المصريين، كما كان حاضرا في تظاهراتهم، بما في ذلك ثورة الـ25 من يناير التي أسقطت نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، قبل نحو 13 عاما، حين نادى المحتجون بـ"العيش" إلى جانب الحرية والعدالة الاجتماعية. "أخطار اجتماعية"وفي أكثر من مناسبة، أكد صندوق النقد أن مصر مطالبة بتحويل الدعم العيني بما في ذلك دعم المحروقات والطاقة، إلى دعم نقدي من خلال التوسع في برامج شبكة الحماية الاجتماعية، مثل برنامج تكافل وكرامة، الذي تقدم الحكومة من خلاله مساعدات نقدية مشروطة لمساعدة الأسر الفقيرة والأكثر احتياجا.
لكن، هذه الخطوة يحذر منها خبراء اقتصاد خلال حديثهم مع موقع "الحرة"، حيث إنها إلى جانب ما قد تتسبب فيه من ضغوط تضخمية على الطبقات الفقيرة والتحديات التي ستواجهها نتيجة "الفساد"، "ستحدث أيضا خللا في المجتمع المصري"، وفق الخبير الاقتصادي، وائل النحاس.
ويقول النحاس في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة" إن "تطبيق الدعم النقدي قد يُحدث خللا في المجتمع المصري، حيث سيتجه بعض الأشخاص إلى استخدام هذه الأموال في مواضع لا تتعلق بالإعانة على الحياة اليومية من شراء السلع والخدمات".
ويضيف: "قد يذهب بعض الأشخاص مقابل ما توفره الحكومة لهم من أموال نحو شراء المخدرات الرائجة ذات الأسعار المنخفضة، بدلا من شراء السلع والخدمات التي تحتاجها الأسرة، وهو الأمر الذي سينعكس على المجتمع وقد يزيد من معدلات الجريمة، في ظل مستوى الفقر المرتفع الذي يعيش فيه المصريون".
وتتفق مع هذا الطرح، أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، عالية المهدي، والتي شاركت في دراسة ميدانية واسعة أجريت قبل نحو 18 عاما حول إمكانية تطبيق الدعم النقدي في مصر، حيث أظهرت رفض الأسر المصرية لهذا المقترح حينها.
وتقول المهدي في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة": "قبل ثورة 2011، كانت الحكومة كانت تريد تطبيق منظومة دعم نقدي في مصر، وطالبوا بإجراء دراسة ميدانية شملت نحو 5 آلاف أسرة، شاركت في إعدادها، لكن النتائج كانت غير مرحبة بمثل هذه الخطوة".
وتضيف: "الدراسة أظهرت أن 85 بالمئة من الأسر رفضت تطبيق الدعم النقدي بدلا من الدعم العيني، نظرا لتخوفات فيما يتعلق بإمكانية استغلال الأموال بشكل غير مقبول من قبل بعض أفراد الأسرة وفي مقدمتهم رب الأسرة. كما أبلغوا بأن الأموال عادة تتراجع قيمتها مع الوقت ومن الأفضل الحصول على السلع والخدمات المدعومة من الدولة".
وتؤكد هذه الدراسة التي أجراها خبراء اقتصاد لصالح الحزب الوطني الحاكم حينها، قبل أن يتم حله بعد إسقاط الرئيس المصري، حسني مبارك، في ثورة شعبية عام 2011، على "الرفض الشعبي لمثل هذه الخطوة"، وفق المهدي، والتي تشير إلى أنه "إذا قامت الحكومة الحالية بذات الدراسة حاليا ستجد نفس النتائج".
"قرار جريء".. كيف حلّقت الأسعار في مصر خلال 10 أعوام؟ بالتزامن مع قرار الحكومة المصرية زيادة سعر رغيف الخبز المدعوم بنسبة 300 في المئة لأول مرة منذ عقود، بحسب تصريحات لرئيس الوزراء ، مصطفى مدبولي، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي جدلا كبيرا بسبب غضب المصريين من استمرار ارتفاع أسعار السلع الأساسية بين الحين والآخر. تجربة الدعم النقدي؟حسب بيانات موازنة العام المالي المقبل، التي نشرتها وزارة المالية، يمثل الدعم النقدي من إجمالي الدعم والمزايا الاجتماعية نسبة 6.3 بالمئة.
ويستفيد من برنامج تكافل وكرامة، الذي تنفذه الحكومة المصرية، منذ برنامجها السابق مع صندوق النقد قبل 8 أعوام، ما يزيد عن 5 ملايين أسرة، إذ تقدم الحكومة من خلاله مساعدات نقدية مشروطة لمساعدة الأسر الفقيرة والأكثر احتياجا، وفق ما تقول وزارة التضامن الاجتماعي.
ويقلل النحاس من "إمكانية أن يكون برنامج تكافل وكرامة مثال على نجاح منظومة الدعم النقدي في مصر"، إذ يقول إن "هذا البرنامج يعود إلى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وأعيد تسميته في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، كما هو الحال في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي".
ويضيف خلال حديثه: "الحكومة لم تقوم بتطوير برنامج دعم نقدي جديد، ما قامت به ما هو إلا تغيير لاسم منظومة قديمة قائمة منذ عدة عقود. وهذا البرنامج متوارث من الحكومة السابقة ولا يقدم أي جديد فيما يتعلق بالدعم النقدي، وعلى العكس من ذلك يقدم مبالغ متدنية تصل إلى 650 جنيها للأسرة شهريا (14 دولارا)".
ويتابع النحاس: "أين الكرامة في هذا المبلغ الضئيل.. يجب ألا يقل هذا المبلغ في حال كانت الحكومة جادة عن 3 آلاف جنيه، وهو الحد الأدنى للمعيشة بالنسبة للطبقة الفقيرة".
ومنذ 4 أعوام، لم تنشر السلطات المصرية بيانات الفقر، في الوقت الذي تشير فيه تقارير عدة إلى أن نحو ثلثي سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر أو فوقه بقليل.
وكان آخر تحديث نشره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لتقرير "بحث الدخل والإنفاق" في عام 2020، والذي أظهر تراجع نسبة الفقر إلى 29.7 بالمئة من أعلى مستوى في نحو 18 عاما عند 32.5 بالمئة والمسجل في عام 2018.
وحينها كان خط الفقر للفرد في مصر، وفق "بحث الدخل والإنفاق"، نحو 857 جنيها للفرد شهريا (55 دولارا بأسعار الصرف في نهاية 2020، و18 دولارا بأسعار الصرف الحالية).
بدورها، تقول المهدي إن "برنامج تكافل وكرامة لا يتيح للأسر أي دعم اجتماعي لمواجهة متطلبات الحياة على الرغم من الشروط التي تضعها الحكومة والمعايير لاختيار المستفيدين".
وتضيف خلال حديثها: "تكافل وكرامة يتيح مبلغ صغير للأسرة، هذا المبلغ لا يكفي الأسر بطبيعة الحال أو شخص واحد حتى على مدار الشهر".
"الفساد"إلى جانب ذلك، تؤكد تقارير محلية على "وجود بعض أشكال الفساد والمحسوبية في المحليات، تحول دون وصول الدعم إلى مستحقيه ضمن برنامج الدعم النقدي تكافل وكرامة".
ونقلت صحيفة "الشروق" قبل عام تقريبا، عن عضو مجلس الشيوخ المصري، إيهاب الخراط، قوله إن "الفساد والمحسوبية في المحليات تحد من وصول دعم برنامج تكافل وكرامة إلى مستحقيه".
ويؤكد هذا أيضا، النحاس، والذي يقول خلال حديثه إن "الفساد مستشر في كل منظومة الدعم بما في ذلك الدعم العيني".
أعوام عديدة مقبلة لمصر مع صندوق النقد.. هل يتحمل المواطن "ثمن الإصلاحات"؟ في السادس من مارس الماضي، سمح البنك المركزي المصري بانخفاض قيمة الجنيه بأكثر من 60 بالمئة، لتنفيذ إصلاح اقتصادي لطالما طالب به صندوق النقد الدولي القاهرة، منذ الاتفاق على برنامج تمويلي قبل عام ونصف العام تقريبا.وحسب مؤشر مدركات الفساد لعام 2023، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، سجلت مصر أدنى درجاتها عند 35 درجة، منذ أصبحت نتائج مؤشر مدركات الفساد قابلة للمقارنة في عام 2012، كما حلت في المرتبة 108 في التصنيف الذي يشمل 180 بلدا وإقليما، ويقيس المستويات المدركة لفساد القطاع العام لديها.
لهذا يشير الخبير الاقتصادي إلى أن "الإقدام على خطوة الدعم النقدي دون القضاء على الفساد، سيزيد من انتشاره في ظل عدم وجود معايير محددة في الأساس لاختيار الأسر والمستحقين للدعم سواء النقدي أو العيني".
ويضيف: "المعايير التي وضعتها الحكومة قبل سنوات بالنسبة لإلغاء الدعم للأسر غير المستحقة لم تكن واضحة تماما، حيث ألغت الدعم للكثير من الأسر التي تستحق ذلك. في المقابل إذا كان هناك معايير واضحة مثل استهلاك الكهرباء والسيارة والأصول العقارية، كان من الممكن أن يتم إلغاء الدعم لأغلب المصريين".
ويتابع النحاس: " بالتالي كان من الواجب وضع معايير حقيقية، وذلك بناء على تقييم للظروف والبيئة الاقتصادية المناسبة للمواطن المصري. ويجب أن نحدد اليوم من هو الشخص المقصود بـ 'المحدود الداخل'، سواء كان هذا الشخص في القطاع الخاص ولديه دخل أقل من الموظفين الحكوميين، أو كان ضمن القوى العاملة التي تخضع لسلطة الدولة. وضوح المعايير في هذا الصدد أمر ضروري، حيث يجب ألا يقل دخل هؤلاء الأفراد الذين يستحقون الدعم عن الحد الأدنى المقبول".
ورفعت الحكومة المصرية مؤخرا الحد الأدنى للأجور للقطاعين العام والخاص إلى 6000 جنيه شهريا (126.49 دولارا)، فيما يشتكي مواطنون يعملون بالقطاع الخاص من رفض بعض الشركات زيادة الحد الأدنى من المستوى السابق عند 3500 جنيه شهريا (73.78 دولارا).
المزيد من التضخمتواجه مصر ارتفاعا حادا في التضخم، حيث بلغ في أبريل الماضي نحو 31.8 بالمئة، وفق ما تظهر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. فيما يقول البنك الدولي، إن مصر من بين "البلدان الـ10 الأكثر تضررا من تضخم الغذاء في العالم".
لهذا تؤكد أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن "المزيد من الأموال في السيولة قد تؤدي لموجة تضخمية كبيرة، حتى لو كانت مؤقتة".
وتقول المهدي خلال حديثها: "أنا ضد تطبيق الدعم النقدي لأنه تضخمي. الحكومة تمنح الناس المزيد من الأموال في أيديهم دون أي زيادة تذكر في الإنتاج المحلي، وبالتالي النتيجة الطبيعية حدوث تضخم جامح".
وتضيف: "هل نحن نريد المزيد من التضخم في الاقتصاد وارتفاع الأسعار؟ بالطبع لا، الحكومة تكافح من أجل السيطرة عليه (التضخم)".
وتحدث الناطق الرسمي باسم مجلس الوزراء المصري، محمد الحمصاني، مؤخرا، عن مبالغ نقدية يمكن منحها للمواطنين حال تطبيق الدعم النقدي، إذ يقول في تصريحات لوسائل إعلام: "الدعم النقدي سيغطي عددا من الخدمات وليس كل الخدمات، لو افترضنا أن تكلفة الدعم يصل إلى ألف جنيه (21 دولارا) للفرد الواحد في الشهر، وافترضنا أن الأسرة مكونة من 5 أفراد، فإنها بالتالي ستحصل على 5 آلاف جنيه شهريا، وهذا مجرد مثال".
وتعتبر المهدي أن "مبلغ ألف جنيه رغم قدرته الشرائية المحدودة، لكنه يمكن أن يزيد من الأسعار بشكل كبير"، وتشدد على أن "التضخم في الأخير يشعر به الفقراء".
وتقول: "يجب استمرار الدعم العيني. والأفضل أن تخلق الحكومة فرص عمل للمواطنين ليكونوا منتجين ولديهم دخل يعينهم على متطلبات الحياة بدلا من التحول إلى الدعم النقدي".
ما مصير أموال "رأس الحكمة"؟.. الحكومة المصرية تجيب كشف المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، المستشار محمد الحمصاني، عن مصير أموال صفقة رأس الحكمة.بدوره، يرى النحاس أن "الأسواق المحلية غير مهيئة لتقبل فكرة التحول إلى الدعم النقدي، وأن يلعب القطاع الخاص دور الحكومة في توفير السلع الأساسية".
ويضيف: "لا يمكن فجأة إطلاق 70 مليون مواطن للتعامل مع السوق الحر والتجار، حيث لا يمكن للأسواق استيعاب متطلبات المواطنين من السلع، وهو ما قد يؤدي إلى وجود فجوة كبيرة بين المعروض والاستهلاك المحلي".
ويتابع الخبير الاقتصادي: "من الضروري، قبل وقوع الأزمة، أن يتم تأهيل الأسواق والشوارع والاقتصاد لاستقبال زخم الطلب".
ومع ذلك، يرفض النحاس أي تحول إلى الدعم النقدي في الوقت الحالي، حيث يختتم حديثه بالقول: "لا يمكن الاتجاه نحو الدعم النقدي دون وجود خطة شاملة لمكافحة الفساد، ويجب أن تكون الأولوية لمعالجة الفساد في مختلف مراحله، وبعد ذلك يمكن النظر مستقبلا في إمكانية تطبيق الدعم النقدي أم لا وفقا للحاجات الفعلية للشعب المصري".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: موازنة العام المالی برنامج تکافل وکرامة صندوق النقد الدولی إلى الدعم النقدی الحکومة المصریة الدعم النقدی فی مع صندوق النقد الدعم العینی الحد الأدنى المزید من دعم نقدی نقدی فی فی مصر
إقرأ أيضاً:
كيف سيؤثر برنامج إيلون ماسك الاقتصادي على العالم؟
نشرت مجلة "الكونفيدينسيال" تقريراً سلط الضوء على تأثير السياسات الاقتصادية التي يروج لها إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، على الاقتصاد العالمي.
وأشارت المجلة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن ماسك، الذي يحظى بدعم واهتمام كبيرين من الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب، سيواجه تحدياً كبيراً لتوفيق رؤيته الاقتصادية النيوليبرالية مع السياسات الحمائية التي يدعمها ترامب. هذه الموازنة تثير الكثير من التساؤلات حول إمكانية نجاح هذا النهج وسط المشهد السياسي المعقد.
وأوضحت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أن وصول ماسك إلى البيت الأبيض بدعم ترامب قوبل بترحيب واسع في أوساط التيار اليميني، سواء داخل الحزب الجمهوري أو بين قاعدته الشعبية. وأضافت أن ماسك يروج لفكرة أن "إلغاء القيود وتقليص الإنفاق العام يؤديان إلى تحقيق الازدهار الاقتصادي"، وهو توجه يعكس المعتقدات النيوليبرالية التي تجد صدى واسعاً بين مؤيديه.
ولفتت المجلة إلى أن "منشار ميلي" أصبح رمزاً لهذه السياسات النيوليبرالية، خاصة بعد ظهور صورة جمعت ماسك مع الرئيسة الأرجنتينية جورجيا ميلوني، ما عزز من تقديم نموذج ميلي كمرجع في السياسات الاقتصادية. ويدعم هذا النهج في الولايات المتحدة رجل الأعمال فيفيك راماسوامي، الذي يسعى إلى تبني سياسات مشابهة ولكن بإطار أكثر قوة وفعالية.
وأبرزت المجلة أن رؤية ماسك الاقتصادية تعكس توجهًا سائدًا بين بعض المقربين من ترامب، خاصة في مجالات التكنولوجيا وإدارة الأصول. ومع ذلك، فإن الجناح الحمائي يواجه تحديات كبيرة في التمثيل داخل الإدارة الجديدة. وأكدت المجلة أن التكهنات تدور حول تعيين روبرت لايتهايزر وزيراً للخزانة، وهو قرار يمكن أن يشير إلى توجهات الإدارة المقبلة، رغم أنه لا يبدو الخيار الأول على قائمة المرشحين.
الطريقان المختلفان: أي مستقبل ينتظر الاقتصاد الأمريكي؟
وأفادت المجلة بأن البرنامج الاقتصادي الذي وعد به الرئيس السابق دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية يعتمد على محورين رئيسيين: خفض الضرائب وتعزيز السياسات الحمائية. وتهدف هذه السياسات إلى دعم الصناعة الأمريكية وحماية السوق المحلية من المنافسة الأجنبية. ومع ذلك، فإن هناك خيارين لتطبيق هذا البرنامج، الذي يبدو متناقضًا في جوهره:
الخيار الأول- يتمثل في التمسك التام بالسياسات الحمائية، وهو ما يشير إلى العودة إلى نموذج اقتصادي شبيه بما كان سائداً في الولايات المتحدة أواخر القرن التاسع عشر، حينما سيطر من يُعرفون بـ"بارونات النهب" على الاقتصاد، ما أدى إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية.
أما الخيار الثاني- فيسعى إلى الحفاظ على الهيكل النيوليبرالي داخل الولايات المتحدة، مع استخدام التعريفات الجمركية كأداة ضغط على الأسواق الخارجية. هذا الخيار، وفق الصحيفة، يشبه النموذج البريطاني في القرن التاسع عشر، حيث تُصدّر الدولة إنتاجها، بدءاً من الطاقة وصولاً إلى التكنولوجيا، عبر علاقات اقتصادية مهيمنة مع الدول الأخرى.
وبينت المجلة أن أيًّا من الخيارين لا يبدو عمليًّا أو جذابًا بالنظر إلى التحديات الواقعية. فالالتزام الصارم بالحمائية قد يعيد الولايات المتحدة إلى نموذج اقتصادي غير ملائم للعصر الحالي، بينما قد يؤدي الخيار الثاني إلى ضغوط شديدة على الدول الأخرى، خاصة أوروبا، التي ستكون في مقدمة المتضررين من هذه السياسات، ما يضيف أبعاداً جديدة لتعقيد المشهد الاقتصادي العالمي.
عوائد "الأرض": هل الاقتصاد الريعي هو الحل؟
وأفادت المجلةبأن الأرقام الاقتصادية التي يروج لها إيلون ماسك وأنصاره، وعلى رأسهم الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، قد تبدو واعدة ظاهرياً، لكنها لا تعكس الواقع الاقتصادي الصعب في الأرجنتين. إذ تعاني البلاد من ارتفاع معدلات الفقر بين شريحة كبيرة من السكان، إلى جانب التحديات التي تواجهها الشركات الصغيرة في ظل سياسات التقشف النيوليبرالية. وهذه الآثار ليست مجرد تداعيات جانبية، بل تمثل نتيجة حتمية لهذه السياسات، مشيرة إلى تجربة تشيلي تحت حكم أوغستو بينوشيه، التي أسفرت عن نتائج مشابهة تسببت في أزمات اجتماعية واقتصادية عميقة.
وأوضحت المجلة أن العوائد الاقتصادية التي تحققها بعض النخب في الأرجنتين تتركز في قطاعات محددة، مثل العقارات والبنية التحتية والموارد الطبيعية. ويعكس ذلك اعتمادًا على نموذج اقتصادي ريعي يتيح لقوى المال السيطرة على مسار التنمية، على حساب الصناعات التكنولوجية والصناعية.
وهذا النموذج أدى إلى تهميش القطاعات الصناعية الكبرى، خصوصًا تلك التي تتطلب استثمارات طويلة الأجل، ما يعمّق الفجوة بين الإمكانات الاقتصادية والتحديات الواقعية التي تواجه البلاد.
السمك الكبير يأكل السمك الصغير: كيف تتأثر أوروبا بالتحولات الاقتصادية الأمريكية؟
ونوهت المجلة في تقريرها إلى أن نجاح السياسات الحمائية في الولايات المتحدة يعتمد على قدرتها على تحويل الاقتصاد الأمريكي من نموذج ريعي إلى نظام إنتاجي صناعي. ولكن في حال فشل هذا التحول، فإن هذه السياسات ستعمل على تصدير الأزمات الاقتصادية من القوي إلى الضعيف، سواء داخل الولايات المتحدة أو على المستوى الدولي، وستكون أوروبا، وخاصة ألمانيا، في صدارة المتضررين إذا تم تطبيق هذه السياسات بشكل صارم.
وأشارت الصحيفة إلى أن ألمانيا تواجه بالفعل ضغوطاً كبيرة نتيجة فقدانها لمصدر الطاقة الرخيصة من روسيا، والارتفاع في الرسوم الجمركية الأمريكية، إلى جانب المنافسة المتزايدة من الصين. ودفعت هذه التحديات ألمانيا إلى مفترق طرق حاسم، حيث يتعين عليها اتخاذ قرارات استراتيجية لضمان بقاء صناعتها قوية في خضم ما وصفته بـ"الحرب الباردة الاقتصادية الجديدة".
وفي ختام التقرير؛ أكدت المجلة أن أوروبا تعيش معضلة معقدة في كيفية التعامل مع التحولات الجذرية في النظام الاقتصادي العالمي. ومع الخيارات المحدودة، تجد القارة نفسها مضطرة إلى التكيف بشكل فعال مع هذه التحولات، لا سيما في ظل احتدام الصراع الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)