فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT
ما معنى قوله تعالى: «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»؟.
هو بيان لآية استأثر الله عز وجل بها لنفسه يدعو عباده ويسألهم الاتعاظ بها والتفكر فيها، فكما أنه جل وعلا أخبرهم عن المبتدأ وكيف بدأ خلقهم فإنه جل وعلا أخبرهم عن المنتهى ونصب لهم ما يتعظون منه ويعتبرون به مما هو مشاهد معلوم عندهم، فابتدأ بالحديث عن نفسه بقوله «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ» أي هو وحده لا غير هو الذي يتوفى الأنفس، وذكر نوعين من أنواع الوفاة هنا كما يقول أهل العلم بأنها الوفاة الكبرى والوفاة الصغرى، أما الوفاة الكبرى فهي الموت، الله يتوفى الأنفس حين موتها، هذه هي الوفاة الكبرى وفائدة الخبر هنا تأكيد أن الله تبارك وتعالى قد استأثر بسلب الحياة وحده جل وعلا لا شريك له في هذه القدرة وفي هذه الإرادة، ثم قال «والتي لم تمت في منامها» أي والله عز وجل يتوفى الأنفس التي لم تمت بما وصفه في صدر الآية الكريمة في قوله «حِينَ مَوْتِهَا» أي التي لم يصبها هذا الموت فإنه يتوفاها في منامها وهذه هي الوفاة الصغرى أي المنام، ثم قال جل وعلا مبينا قدرته وحكمته في خلقه جل وعلا «فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ» أي أنه جل وعلا يمسك الأنفس التي قضى عليها الموت ولا يعيدها إلى الحياة «وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى» إرسالها أي ترك الإمساك بها فإنه يعيدها إلى الحياة إلى أجل مسمى فحتى تحين ساعة وفاتها حين مماتها.
وهذا المعنى الذي تشير إليه الآية الكريمة وجد في كتاب الله عز وجل، فالله تبارك وتعالى يقول: «وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ» ويقول: «قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ» فهو يتحدث جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن استئثاره بهذه القدرة وأنه لا شريك له فيها، وأن العباد يشاهدون ذلك، فإن الأنفس تقبض نفسا بعد نفس، وهناك من الأنفس ما ينسئ الله تبارك وتعالى في آجالها وأعمارها حتى تحين ساعة موتها، فيمسك هذه الأنفس فلا تعود إلى الأرواح، وجعل لهم في الوفاة الصغرى معتبرا لأنهم يسلبون وقت الوفاة نوعا من الإدراك والتمييز الذي يسلبون إياه بالكلية حين الموت أو حين الوفاة الكبرى، فيمكن للنائم أن يتحرك بدنه لكن بلا تمييز أو إدراك ويمكن له في عالم الأرواح أن يرى في منامه ما يراه، يسمع أصواتا ويرى ألوانا ويشاهد مناظر مع أن مدارك الإحساس الحسية المادية معطلة في منامه، فدل على أن للوفاة الصغرى للنوم قانونا خاصا بها يشبه في بعض أجزائه ما يتعلق بالموتة الكبرى أو بالوفاة الكبرى، إذن هذا هو معنى الآية الكريمة، ولذلك ختم بقوله جل وعلا الآية بقوله تبارك وتعالى «إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» فهذه الآية فيها من العظات والعبر ما لا يخفى على من يتدبر فيها ويعمل عقله متفكرا فيها، مستخلصا قدرة الله تبارك وتعالى وحده، وأنه جل وعلا هو الذي يكتب على عباده الآجال وينسئ لهم في الآجال إلى أجل مسمى.
ولعل السبب الذي دفع السائل إلى طرح هذا السؤال أن كثيرا من كتب التفسير شحنت بما لا صلة له ببيان مراد الله تبارك وتعالى من هذه الآية الكريمة، كإغراقهم في الحديث عن الفرق بين النفس والروح والفرق بين حياة اليقظة وحياة المنام وبين النوم والوفاة وبين النوم والموت ثم بعد ذلك تحولوا إلى الحديث عن الأرواح، وهل تتواصل هذه الأرواح فيما بينها؟ ومقارنة ذلك بما يحصل للنائم فيما يتعلق بعالم الأرواح.
الحاصل أنهم حشدوا في تفسيرهم لهذه الآية الكريمة مسائل لا صلة لها بتبيين مراد الله تبارك وتعالى منها في هذا السياق الذي وردت فيه وفيما يتعلق بالنوم والوفاة، وما يعتمده الناظر في كتاب الله عز وجل حتى يتمكن من فهم الآية الكريمة، فإنه من المحمود أن يعمد إلى حقائق العلم وما أتاحه العصر من مكتشفات مع حذر شديد في تحر الدقة والاقتصار على الحقائق لأنه يتعامل بحقوقه لأجل الاستفادة في تبين معنى الآية الكريمة.
أما المركوب الأول فهو اللغة التي نزل بها كتاب الله عز وجل لكن يمكن لنا أن نأخذ المسألة إلى ما هو أبعد لنجد أن قواميس اللغة -للأسف الشديد- وأن معاجم اللغة العربية قد حشدت أيضا بمصطلحات أخرى من غير ما أريد أن أعرفها، فقد أريد تعريف هذه المفردات وبيان معانيها اللغوية كما وردت في لغة العرب في عصور الاحتجاج لكن قَلّ ما يسلم معجم من هذه المعاجم، ولعل من أقلها أي من أكثرها سلامة معجم العين للخليل بن أحمد، أما المعاجم التي جاءت من بعده فإنها لا تكاد تخلو من التأثيرات والمعاجمات ويتأثر بأقوال المفسرين مع أن المفسرين أرادوا أن يعمدوا إلى معاجم اللغة وهذه القواميس، فإذا بأهل هذه القواميس يستشهدون بأقوال المفسرين ولو كان استشهادهم مقتصرا على ما ورد عن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم والتابعين ممن يحتجون بأقوالهم ومما هو من صميم استعمالهم للغة، لكان ذلك حسنا لكنهم جاوزوا إلى نقل آراء تفسيرية في كتب اللغة ولذلك فإن طالب العلم ومن يشتغل بالتفسير عليه أن يتثبت كثيرا مما يجده في معاجم اللغة من معاني المفردات مع أن طائفة من كتب التفسير الأولى حاولت جاهدة أن تحصر المعاني كما تقدم في المعاني اللغوية.
وهذا نجده في بيان المتشابه من كتاب الله عز وجل فيما يسمى ببيان المتشابه أو بيان الغريب في الأعصر الأولى، فلم يكن الفارق بين الغريب من القرآن الكريم وبين النظائر والمتشابهات متمايزا وسنجد أن طائفة من المفسرين الأوائل كالإمام زيد بن علي يعنى في بيان غريب القرآن ويتحدث عن المتشابهات والنظائر والغريب.
وكذلك هارون بن يحيى الذي يذكر أنه توفي عند 170 للهجرة هو أيضا من أوائل من تناول المتشابه وكان يأتي بالمتشابه والنظائر وبالغريب ويذكر المعاني على جهة الحقيقة والمعاني على جهة المجاز، فقد يذكر للمفردة الواحدة في بعض الأحيان 16 وجها من المعاني الواردة في كتاب الله عز وجل.
يمكن لطالب العلم بعد المقدمة التي ذكرتها عن معاجم اللغة هذه ألا ينفي إمكان الوصول إلى المعاني اللغوية التي تعين على فهم مراد الله عز وجل من كلامه في كتابه الكريم من هذا التراث اللغوي التفسيري المتقدم والله تعالى أعلم.
كيف نوفق بين «كل بدعة ضلالة»، وبين «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء» لأن هناك فئة من الناس تقول إذا فعلنا شيئا قالوا لنا: إنها بدعة مثل الدعاء الجماعي بعد الفريضة أو الدعاء بعد أي وليمة، وغيرها من الأمور؟
العمل إذا كان يستند إلى أصول شرعية عامة تشهد له بالاعتبار وإن لم يرد فيه دليل خاص لكنه مما شهدت له الأدلة العامة أو الأدلة المجملة بالصحة وكانت له نظائر في دين الله تبارك وتعالى فليس هذا من المؤكد من البدع التي يأثم صاحبها، ولا هو مما هو رد في دين الله تبارك وتعالى وإنما هو كما قال أيضا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وسار عليه عدد من الأصوليين وأئمة المذاهب الإسلامية أنه من البدعة الحسنة ويقصدون بالبدعة الحسنة أي أنه أمر مبتدع من حيث إنه أحدث ولكن تشهد له أدلة الشرع بالاعتبار فهو مقبول بالنظر إلى تلك الأدلة المجملة أو الأدلة المطلقة أو العامة التي يندرج ذلك العمل فيها، فهذا لا يقال: إنه من البدع التي يأثم صاحبها.
ومما ابتليت به هذه الأمة أن يقفز جهلة إلى تصنيف الناس وأعمالهم لا مستند لهم من أدلة شرعية ولا يعرفون قواعد الأصول التي تبنى عليها الأحكام الشرعية ولعلهم يقلدون غيرهم ممن قصرت أنظارهم أيضا عن إدراك مثل هذه الحقائق وعن إدراك مقاصد الشريعة فنظروا إلى ظاهر ألفاظ النصوص الشرعية فقط واقتصروا عليها فإذا بهم يضيقون على المسلمين ما هو في ذات الشريعة واسع مع أنهم يقعون بأنفسهم فيما هو أشد فيبدعون حيث يشاؤون وينسبون إلى السنة حيث يشاؤون لا يكاد تجد لهم قاعدة مطردة، فما كان ناشئا عنهم أو ما أرادوا تسويغه فإنهم يوجدون له من المستندات الواهية الضعيفة ما يزعمون به أنه موافق للسنة أو أنه من العادات المستندات الواهية الضعيفة يخرجونه من العبادات ويزعمون أنه من العادات لا من العبادات وما ليس كذلك أي ما لم يكن على هواهم فإنهم يضيقون به على المسلمين، ولو أنهم استندوا -أي هؤلاء الذين يقولون ما أرادوا الابتداع ويحتجون بأدلة قد تكون عامة أو شهد لها الشرع بالاعتبار، أو أن من السلف من فعل مثل ذلك الفعل ولم ينكر عليه أحد، يدخلونهم في متاهات التفسيق والتبديع وقد يصل الأمر إلى حد التكفير والعياذ بالله.
فهذه من الظواهر التي مزقت في أوصال هذه الأمة وسببها ناشئ عن جهل واتباع للهوى وضيق للأفق وعدم إدراك لأدلة هذا الدين ولأصول استنباط الأحكام الشرعية منه ولقصر نظر في بعض الأحيان تجد أن من يعظمونهم من أئمة وفقهاء كبار قد قالوا بمثل ذلك القول ولكنه خفي على هؤلاء فلما يتبين لهم يعدلون عن القول الأول الذي كانوا يفسقون به غيرهم لأنهم تبين لهم أن أحد أئمتهم يقول بمثل ذلك القول وأنه لا يثرب على أحدهم وأنه لا يثرب على غيره فيه فيتحولون وكأن شيئا لم يكن، هذا لا يعني أن تترك البدع وأن الإحداث في هذا الدين أمر يمكن أن يترك فيه الحبل على الغارب، لا، لكن ما ثبت أنه مخالف لهدي كتاب الله عز وجل وهدي سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يستند إلى شيء من الأدلة المقبولة شرعا فنعم هذا الذي يصدق عليه «كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد» وهذا الذي يصدق عليه «من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو مردود» فأما أن يتعجل في إصدار الأحكام والتبديع والتفسيق دون مستندات شرعية أو بقصور فهم لهذا التأصيل الشرعي فهذا يتعجل وإنما يصدر عن الجهلة والله المستعان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الله تبارک وتعالى الآیة الکریمة هذه الآیة فی کتاب
إقرأ أيضاً:
كيفية بر الزوجة بعد موتها.. الإفتاء تكشف
قالت دار الإفتاء المصرية إن الشريعة الإسلامية شرعت للزوج بِرُّ زوجته بعد وفاتها بأنواع البر المختلفة، والتي منها أن يبرَّها بالثناء والذكر الحسن، وبالدعاء والاستغفار لها، وبالتصدق عنها، أو بأيِّ عمل آخر من أعمال الخير التي يصل ثوابها للمتوفى.
مظاهر بر الزوجة بعد وفاتها في الإسلام
وأوضحت الإفتاء أن اللهُ سبحانه وتعالى قال إن الرباطَ الأوثقَ بين الزوجين هو المودة والرحمة، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].
وأضافت أن الإسلام حرص على استدامة هذه المودة، حتى لو طرأ على الحياة الزوجية أسوأ ما يمكن أن تتعرض له، وهو انتهاؤها؛ وهو ظاهر قول الله تعالى بعد بيان الحقوق عند الطلاق قبل الدخول: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: 237].
وقالت الإفتاء: والفضل والمودة بين الزوجين اللذين عاشا معًا -أوثق وأعمق ممَن تفرقَا قبل الدخول، وأنه أشد عمقًا بين من فرقهما موتُ أحدهما؛ إذ لا يوجد في الغالب ما يُضْعِفُ هذه المودة أو يؤثر على سلامتها، كما في الطلاق، فيكون خطاب الشارع الطالب لاستدامة المودة متوجهًا بالقياس الأولوي للزوجين عند انتهاء الزوجية بموت أحدهما.
وتابعت: وليس في الشرع الشريف ما يمنع من إحسان الزوج لزوجته وبرِّها بعد موتها، بل إن نصوص السُّنَّة النبوية المطهرة، ووقائعها أصَّلَت للبر بالزوجة المتوفاة بصور متعددة، تجعل الناظرَ في هذه النصوص مُدركًا بإيقانٍ معالم الإنسانية في أسمى معانيها.
وأكملت: فمن صور بِرِّ الزوج بزوجته بعد وفاتها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يُكثر من ذكر زوجته أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها بعد موتها، وكان يُكْرِمُ أقرباءها؛ إكرامًا لها وبرًّا بها، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِيَّاهَا»، قَالَتْ: «وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ» رواه الشيخان، واللفظ للبخاري.
وعنها رضي الله عنها أيضًا أنها قالت: "اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاحَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: «اللهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ» فَغِرْتُ" متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم، فدلَّ على امتداد المودة والوفاء بحقِّ الزوجة بعد موتها.
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (15/ 202، ط. دار إحياء التراث العربي): [قولها: "فارتاح لذلك" أي: هش لمجيئها، وسُرَّ بها؛ لتذكره بها خديجة وأيامها، وفي هذا كله دليل لحسن العهد، وحفظ الْوُدِّ، ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته، وإكرام أهل ذلك الصاحب] اهـ.
ومن هذه الصور: أنه عليه الصلاة والسلام كان يُكرم أصدقاءها، ويتعهدهم بالهبات والعطايا، فعن أنسٍ رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أُتِيَ بالشيء يقول: «اذْهَبُوا بِهِ إِلَى فُلَانَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَةَ خَدِيجَةَ. اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَيْتِ فُلَانَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ خَدِيجَةَ» رواه البخاري في "الأدب المفرد"، والحاكم في "المستدرك".
وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «مَنْ أَنْتِ؟» قَالَتْ: أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ، فَقَالَ: «بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ، كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟» قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: «إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ»" رواه الحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وغيرهم.
واوضحت: فيظهر مما ذُكر أن الإحسان للزوجة وبرِّها بعد وفاتها بصفة عامة أمرٌ مشروع، وأنه من السنن التي سنها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن صنوف البر والخير أمرها واسعٌ، فيجوز برها وصِلتها بكلِّ شيءٍ يتحصل به البر، كالثناء عليها بالخير وذكرها به، أو الدعاء والاستغفار لها، أو بالتصدق عنها، أو بفعل أيِّ عبادة ثم وَهْب ثوابها لها.