الدعم السريع وثورة ديسمبر 2018: الدخول لدهاليز السلطة

عبدالرحمن الغالي

كانت بداية الدعم السريع مرتبطة بدوره في مكافحة التمرد لصالح حكومة الانقاذ، وما لبث البشير أن حوّل الدعم السريع من ذلك الدور لسلاح يستغله ضد خصومه الأقربين في الجيش وحزب المؤتمر الوطني. ومن ناحية أخرى انتبه حميدتي لاستغلال حكومة الانقاذ له وتكوّن لديه وعي سياسي وطموح للمشاركة في لعبة السلطة.


لجأ البشير لحميدتي لحمايته بعد أن أصاب حكمه الوهن جراء الفشل الاقتصادي والسياسي وازدياد الضغوط الداخلية والخارجية، وأصبحت قيادة البشير للدولة محل نزاع حتى داخل حزبه وحركته الاسلامية إضافة لتخوفه من الجيش دعك من الأجسام الاسلامية خارج تنظيم الحركة الاسلامية وقوى المعارضة الأخرى. فقد ظهر جدل في المؤتمر الوطني في 2014 حول ترشيح البشير لرئاسة الجمهورية ولكنه نجح في استصدار قرار من المؤتمر العام بترشيحه لانتخابات 2015 وهي آخر فترة رئاسية له حسب دستور البلاد ودستور الحزب الذي يحصر مدة الرئاسة في دورتين فقط. وتجدد ذلك الجدل مع اقتراب انتخابات 2020. فقد صرح بعض قادة المؤتمر الوطني بمعارضتهم لترشيح البشير مثل د. أمين حسن عمر ود. نافع علي نافع ولكن مؤتمر الحزب أعاد تسمية البشير مرشحاً.
وفي ظل خوفه من كل أولئك ومن الانقلاب العسكري لجأ البشير لإجراءات كثيرة منها:
– بعد قمع انتفاضة سبتمبر 2013 بعنف قام بإجراء تعديل دستوري في يناير 2014 أعاد جهاز الأمن لوضعية القوات النظامية.
– وفي 2016 أصدر مرسوماً جمهورياً يضع الدعم السريع تحت إشراف القائد الأعلى للقوات المسلحة (رئيس الجمهورية).
– وفي يناير 2017 أجاز البرلمان قانون قوات الدعم السريع كقوة منفصلة عن الجيش في الواقع بعد أن ألحق تبعيتها للرئيس وأعطى نفسه حق تعيين قائد الدعم السريع ووضع للدعم السريع قانوناً منفصلاً وميزانية منفصلة ومجلساً برئاسته يقرر في كل شؤون قوات الدعم السريع.
– وفي مارس 2017 قام بحل الأمن الشعبي.
– وفي نوفمبر 2017 زار البشير روسيا وطلب منها الحماية.
وتعكس الصيغة الغامضة الواردة في القانون حول تبعية قوات الدعم السريع التنازع وتضارب الأجندة والقلق داخل الطبقة العسكرية والأمنية الحاكمة وسنأتي على نص تبعية الدعم السريع في القانون لاحقاً إن شاء الله.
– وفي فبراير 2018 أعاد البشير الفريق صلاح قوش مديراً لجهاز الأمن وعزا بعض المراقبين تلك الخطوة – رغم شك البشير فيه – لحاجة البشير لتحسين العلاقات مع أمريكا واستكمال رفع العقوبات. وكان البشير قد أقال قوش في أغسطس 2008 وسجنه بعد اتهامه بضلوعه في محاولة انقلابية في نوفمبر 2012.
– وعند إندلاع ثورة ديسمبر 2018 شكّل البشير اللجنة الأمنية العليا من قيادات الأجهزة الأمنية برئاسة نائبه الفريق أول عوض أبنعوف والفريق صلاح قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات مع آخرين.
تصاعدت الاحتجاجات الشعبية طوال أربعة أشهر وتعرضت للقمع ولكن حميدتي خاطب قواته رافضاً المشاركة في قمع المواطنين. كان لإنحياز الدعم السريع للثورة الأثر الأكبر في ترجيح خيار الاطاحة بالبشير ومما ساعد على ذلك وجود كل الأجهزة العسكرية والأمنية الرسمية في اللجنة الأمنية مما سهل التنسيق والوصول لقرار عزل البشير.
تم تكوين مجلس عسكري انتقالي برئاسة الفريق أول عوض أبنعوف والفريق أول كمال عبد المعروف نائباً له. اعتذر حميدتي عن الاشتراك في المجلس العسكري الانتقالي الذي قوبل برفض من الثوار المعتصمين أمام القيادة. وبعد يوم واحد قدم أبنعوف ونائبه استقالتهما وتم تعيين الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي الذي ضم الفريق حميدتي ( رُقّي في 13 أبريل لفريق أول وصار نائباً لرئيس المجلس ) والفريق أول عمر زين العابدين نائب مدير الاستخبارات والفريق أول شرطة الطيب بابكر والفريق أمن جلال الدين الشيخ الطيب والفريق طيار صلاح الدين عبد الخالق.
وبعد الثورة بدأ تمدد الدعم السريع سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وقانونياً.
فمن الناحية القانونية:
– في 11/7/2019 تم التعديل الأول لقانون الدعم السريع بالمرسوم الدستوري رقم 32 لسنة 2019. يقضي التعديل بنقل صلاحيات القائد الأعلى وصلاحيات رئيس الجمهورية في قانون قوات الدعم السريع إلى القائد العام ( البرهان) في استباق واضح للاتفاق مع المدنيين حيث تم توقيع الاعلان السياسي في 17 يوليو 2019، وتوقيع الوثيقة الدستورية في 20/ 8/2019.
نَصّ التعديلُ على استبدال عبارة رئيس الجمهورية وعبارة القائد الأعلى في القانون بالقائد العام. كما تم إلغاء صلاحية مجلس قوات الدعم السريع في إصدار وإجازة اللوائح الإدارية والمالية لقوات الدعم السريع، وحصر صلاحيته في إصدار وإجازة اللوائح المنظمة لأعمال المجلس، مما يعني منح تلك الصلاحيات لقائد الدعم السريع مع الخضوع للقائد العام. واعطت مواد أخرى في التعديل صلاحيات إضافية واستقلالية لقوات الدعم السريع لن نخض فيها الآن. وبهذا التعديل انفرد البرهان وحميدتي بالدعم السريع.
– وفي 30/7/2019 تم التعديل الثاني لقانون الدعم السريع بالمرسوم الدستوري رقم 34 لسنة 2019 الذي تم فيه إلغاء المادة الخامسة ونص التعديل في المرسوم: ( 1. تلغى المادة (5) من قانون الدعم السريع لسنة 2017 {الخضوع لقانون القوات المسلحة} بجميع فقراتها).
وفقرات المادة (5) الملغاة من قانون الدعم السريع هي:
(5) (1) عند إعلان حالة الطوارئ أو عند الحرب بمناطق العمليات الحربية تخضع قوات الدعم السريع لأحكام قانون القوات المسلحة لسنة 2007 وتكون تحت إمرتها.
(2) يجوز لرئيس الجمهورية في أي وقتٍ أن يدمج قوات الدعم السريع مع القوات المسلحة وفقاً للدستور والقانون وتخضع عندئذٍ لأحكام قانون القوات المسلحة لسنة 2007.”
وأهمية وخطورة المادة الخامسة لا تحتاج لتعليق.
– وفي 20/8/2019 تم توقيع الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري الانتقالي وبين قوى الحرية والتغيير. نصت الوثيقة الدستورية في المادة (11-1) على أن مجلس السيادة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع والقوات النظامية الأخرى. وهذا ما أعاد قوات الدعم السريع لمجلس السيادة مجتمعاً وليس للقائد العام حسب تعديل قانون الدعم السريع الأول الذي أجراه المجلس العسكري برئاسة البرهان.
كما أتت الوثيقة بنص غامض حينما ذكرت في المادة 35 -1 أن ( القوات المسلحة وقوات الدعم السريع مؤسسة عسكرية وطنية حامية للوطن ولسيادته تتبع للقائد العام للقوات المسلحة وخاضعة للسلطة السيادية). اتبعت الوثيقة نفس غموض قانون الدعم السريع المجاز في 2017 حيث تحدثت عن القوتين بصيغة المؤسسة الواحدة رغم اعترافها بقانونين للمؤسستين وأن تبعية الدعم السريع للقائد العام إسمية إذ تخضع لمجلس السيادة وليس للقائد العام. وخلاصة وضع الدعم السريع أنه في عهد البشير كان خاضعاً له كفرد يجمع بين منصبين هما القائد الأعلى ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس الدعم السريع وكانت تبعية الدعم السريع للجيش شكلية. حاول البرهان في التعديل الأول الحلول محل البشير في الصلاحيات على الدعم السريع استباقاً للاتفاق مع المدنيين حتى لا تؤول صلاحيات البشير كلها لمجلس السيادة وإنما للقائد العام. ومهما يكن من أمر فقد دلت الأحداث والقرارات التي أصدرها البرهان على أنه منح الدعم السريع الحماية الكاملة وسمح له بالتمدد السياسي والاقتصادي والعسكري والدبلوماسي كما سنرى في الحلقات القادمة.
– ومن الأحداث المهمة ذات الصلة صدور قرار بحل هيئة العمليات بجهاز الأمن ( يوليو 2018) وتخيير أعضائها بين الانضمام للدعم السريع أو الجيش أو التسريح فاختار (5800) التسريح رافضين للقرار وانضم منهم 2650 للدعم السريع وتقسمت البقية بين جهاز الأمن والقوات المسلحة. وتم تسليم عهدة الجهاز من الأسلحة الثقيلة والعربات المدرعة مع تسليم ستة معسكرات إيواء وتدريب ذهبت للدعم السريع. وفي يناير 2020 عند تسليم المستحقات للهيئة بمدينة الأبيض رأى أعضاء هيئة العمليات أنها أقل من المطلوب وأن الحل إنما هو فصل تعسفي . وتصاعد الرفض فقاموا باحتجاج مسلح تم اخماده بقوة مشتركة من الجيش والدعم السريع. نظر البعض لقرار حل هيئة العمليات ضمن سياق تحويل جهاز الأمن بعد الثورة لجهاز مدني يختص بجمع المعلومات ولكن نظر البعض إلى أن ذلك قد صادف هوى الجنرالين لتقليص وتقليم أظافر الجهاز وقوته وخطره فهيئة العمليات تضم أكثر من 11700 مقاتل بتدريب عسكري وقد شاركت من قبل في القتال. تم حل الاشكال وإبطال التمرد وأهم نتائجه تسليم مقراته لقوات الدعم السريع وسنأتي للتمدد العسكري ومسألة مقرات الدعم السريع داخل العاصمة والمناطق الاستراتيجية إن شاء الله.
وحتى هذه اللحظة من الاستعراض صار الدعم السريع فعلياً قوة مستقلة بقيادتها وحقها المطلق في التصرف وليس أدل على ذلك من أن نائب القائد هو شقيق القائد، قوة مستقلة عن أي إشراف لها هيكلها التنظيمي المستقل ومواردها المالية المستقلة ونظام مرتباتها المستقل وشاراتها وخططها في التجنيد الذي توسعت فيه وكذلك توسعت في الحصول على الأسلحة من مصادر خارجية دون إذن أو علم من الدولة والجيش ودون أي رقابة كما كان يحدث في النظام البائد ( انظر على سبيل المثال تقارير قلوبال وتنس وغيرها من المنظمات التي تتبع دخول الاسلحة والعربات القتالية عبر الشركات المرتبطة بالدعم السريع ). بل لم يعد الدعم السريع مؤسسة عسكرية فقط وإنما سياسية واقتصادية ودبلوماسية .
سياسياً:
– صار قائدها نائب رئيس مجلس السيادة رغم عدم وجود هذا المنصب في الوثيقة الدستورية.
– ثم صار الموقّع على الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية إنابة عن المكون العسكري.
– ثم صار رئيساً للجنة الاقتصادية رغم عدم معرفته بالاقتصاد ورغم أن اختيار رئيس الوزراء انبنى على زعم خبرته الاقتصادية.
– ثم صار رئيساً للوفد المفاوض في مفاوضات السلام بجوبا وصاحب الكلمة الأولى في حسم نقاط الخلاف.
وتطورت استقلالية الدعم السريع لتصير استقلالية عن الدولة بل ليصبح دولة داخل الدولة: فله استقلالية عن القوات المسلحة كما ذكرنا وله حرية تكوين محاكم عسكرية خاصة بل صارت له نيابات خاصة بل ومفوضية أراضي (انتشر خبر تكوينها في أبريل 2022 وهي خاصة بتسجيل اراضي الدعم السريع ، وصارت له علاقات خارجية لا تعلم عنها مؤسسات الدولة شيئاً ….ونواصل في الحلقة القادمة إن شاء الله.
عبد الرحمن الغالي

الوسومعبدالرحمن الغالي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: قانون الدعم السریع الوثیقة الدستوریة قوات الدعم السریع رئیس الجمهوریة القوات المسلحة القائد الأعلى للقائد العام مجلس السیادة للدعم السریع الفریق أول جهاز الأمن

إقرأ أيضاً:

رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي نائب وزير الخارجية السعودي

التقى السيد رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول الركن عبدالفتاح البرهان اليوم نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخرجي، بحضور وزير الخارجية السفير علي يوسف.حيث نقل تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمير محمد بن سلمان للسيد رئيس المجلس السيادي.وتطرق اللقاء لمسيرة العلاقات السودانية السعودية وسبل تعزيزها وترقيتها. بجانب مجالات التعاون المشترك بين السودان والمملكة العربية السعودية، خاصة أن البلدين تربطهما علاقات تعاون وثيقة في مختلف المجالات.وأكد نائب وزير الخارجية السعودي حرص المملكة على إستتباب الأمن والإستقرار في السودان.إعلام القوات المسلحة إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ماذا تعني سيطرة الجيش على أكبر قواعد الدعم السريع بدارفور؟
  • قوات الدعم السريع السوداني يسيطر على قاعدة عسكرية شمال دارفور
  • الدعم السريع تستعيد السيطرة على قاعدة في دارفور
  • قوات الدعم السريع تؤكد استعادة منطقة الزرق.. والمشتركة تنفي
  • رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي نائب وزير الخارجية السعودي
  • بالفيديو.. هل يسير “جلحة” على درب “كيكل” وينضم للجيش؟ القائد الميداني للدعم السريع يبعث برسالة ساخنة لحميدتي (نحنا ما بنتهدد يا حميدتي وعندنا قوة لا مثيل لها وجيش جرار)
  • الفاشر – طويلة .. مواطنون يروون معاناتهم جراء تعرضهم لاعتداءات من قبل قوات الدعم السريع
  • أطباء بلا حدود: قوات الدعم السريع هاجمت مستشفى بالعاصمة السودانية
  • المبعوث الأميركي للسودان: الدعم السريع متورطة في تطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية
  • قوات الدعم السريع تعتزم التعاون مع حكومة جديدة وتثير مخاوف بتقسيم السودان