تراوده.. فيصيبنى.. قصة قصيرة لــ دنيا الأمل إسماعيل
تاريخ النشر: 2nd, August 2023 GMT
كانت البنت تجلس على يمينه فى كافتيريا بحرية، تنشغل عنه بالكتابة، وينشغل عنها بالفتاة الفرنسية، ذات الشعر القصير، والتى تبثه كلامًا أستشف منه رغبة أنثوية، تناوب نفسها، بينه والشيشة الراقدة إلى جوارها، مستسلمة ليدها الخبيرة. يحاول كلما فتر الحديث أن يواصل دفئه، بخبر من هنا، أو حادثة من هناك. حدّثته عن مشروع بحثها الحالى، وحدثها عن رغبته فى السفر لتعلم اللغة الفرنسية، قالت كلامًا هامسًا، أكاد أستشعر بهاءه المتوّجه صوبه مباشرة.
أخبار متعلقة
الطيب «قصة قصيرة» لــ أحمد محمد أبورحاب
جريمة فى رأس البر «قصة قصيرة» لــــ حسين عبدالعزيز
الفرن والتليفون.. قصة قصيرة لــ رضا الأشرم
لم يستطع الهروب، كانت مشددًة الحصار حوله، تحاول الولوج إليه، لم يكن رافضًا، كما لم يكن لديه القبول الأكمل، هكذا استشعرتٌ، غير أنّ الغيرة، التى لا أستطيع التهرب منها، كانت تأكل داخلى، أمّا الكبرياء فقد أصابها خدش يشفّ عبر ملامح الوجه عبوسًا وضيقًا. أغاظتها هذه الأحاسيس المتداخلة، وهى تضغط على أعصابها بعمق وصمت قاتلين، فكرّت بالقيام، لكنها تراجعت، لتكسب دقائق أخرى معه.
مرة أخرى تقع فى مصيدة أن تكون قريبة منه، ولو على حساب ألمٍ، يتنامى على مهلٍ قاتل، وفى كل مرة أيضًا، تكتشف أكثر حجم تورطها مع هذا الرجل. كانت تشعر بالانجراف نحو شىء غامض وجميل، جمال لا يخلو من معاناة، كانت تصفه انجرافًا جميلًا، ليس مخططًا له أن يكون مدمرًا، هكذا اعتقدت أو تمنت، ففى حضرة الحب لا يمكننا التفريق بين الاعتقاد والتمنى، كما لا يمكننا أن نتصرف بمنطق سوى منطق القلب الموجع.
تتابع حركة يده من المطفأة إلى فمه، الذى يخجل من لحظة صمت قد تشى بانتهاء الجلسة، بينما تفلت نظرات من عينيه نحو دفترك الأصفر وقلمك الأحمر وهو يسرد وحدته للورق، ما الذى يبقيك أيتها المسكينة؟، أنت لست هنا، وهو بكامل حضوره، يجامل فتاة غربية على حسابك.
أيها البحر الرابض فوق صدرى الحزين، وأنت هنا غير بعيد سوى بمسافةِ ما بينى وهذا الرجل، الذى يروضنى على نعمة الرضوخ، التى لا تشبهنى، أرجوك أخرج فيوضك السرّية واقلب هذه الطاولة التى تشتعل ضدى.. يا لدمها البارد يتلهى بمشاعرى وهى تتقلب على جمر شيشتها، فيما عيناها ترسلان الورود لعينيه وهو يبتسم.
القلب المسكين لم يعد قادرًا على التحمل، وصلته برودة أعصابها، فكاد أن يرد عليها دمعًا حارًا ورجاءً بالرحمة، وهنا كان عليك أن تتنصلى من ضعفك الغريب، وتنسحبى لموعد طارئ تذكرته فجأة.
آلمك أنه لم يتضامن مع ضعفك وانحاز لنصفه الغربى، ليكون هذا درسًا أول فى قائمة خسارات المحبة، لكنك لا تريدين أن تخسريه، تريدنه كاملًا من محبتك ورضاك، وهو مشغول عنك بالفرنسية التى تمارس شرقية لا تشبهها، يسرب لها ابتسامات المجاملة، هكذا كنت تودين وصفها، إذ لا يعقل أن يكون حبيبها أو حبيبته.
ما أشد سذاجة المرأة حين تقع فى الحب، ويا لخراب الوعى حين يقع فى مصيدة التقاليد. تنسحبين بهدوء، تحملين هواجسك وألمك، تشاركينهم المشى فى ليل يشبه عتمة القلب، الذى تحملين.
المسافة إلى المنزل تحتاج إلى أكثر من القدمين للوصول، لكنك لا تصلين، تدخلين البيت وأنت خارجه، تدفعين بالحقيبة الملآى بالأوراق والكتب وأشياء صغيرة، تافهة على طاولة مزهوّة بورداتها، وتنامين بجوار ألمك حتى الصباح.
ثقافة سور الأزبكية قصة قصيرة تراوده.. فيصيبنىالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: زي النهاردة شكاوى المواطنين ثقافة قصة قصيرة زي النهاردة قصة قصیرة
إقرأ أيضاً:
محمد عبدالقادر يكتب عن رحلة المخاطر والبشريات
*محمد عبدالقادر يكتب عن رحلة المخاطر والبشريات ????
*الطريق الى القيادة.. (مهمة) فى يوم العبور…*
*رغم المخاطر المعلومة.. البرهان فتح الطريق الى القيادة العامة..*
*(….) فى هذا المكان التقينا النقيب حامد الجامد الذى رفع التمام من ( سلاح الاشارة)*
*القناصون فى اماكن ارجأها الجيش لمهام “التنظيف والتشطيب”،*
*الشوارع تحكي بلغة فصيحة قصص الحرائق والدمار ..*
*السيارات المحروقة على جانبي الطريق ورائحة الموت فى كل مكان*
*الجيش بخير، شباب وحماس، وملامح تعبر عن كل السحنات والملامح..*
(1)
الاحد الماضي، كانت القلوب تهفو “للقيادة العامة” وقد تحررت للتو من حصار الجنجويد الاثم لأكثر من واحد وعشرين شهرا (630 يوما) رابط فيها رجال من ابناء الجيش الجسورين ضباطا وضباط صف وجنود عايشوا الموت واتخذوا من سكنهم قبورا تحوى رفاة من رحلوا، وخنادقا تحكي قصة اطول واعنف حصار فى تاريخ الحروب.
بعد 24 ساعة من فك حصار القيادة ونيران المعركة مازالت مشتعلة كنت ابحث عن ما يحملني ووفد (صحيفة الكرامة) المرافق الى حيث القيادة ، وجدت ضالتى عند الاستاذة الهميمة سمية الهادى وكيل وزارة الاعلام ، اذ كانت تشكرني عبر اتصال هاتفي على وصولنا للوزارة ، وتخبرني بانهم يرتبون لزيارة وفد من الاعلاميين الى القيادة، فطلبت ان نكون ضمن من يشملهم شرف الوصول الى أطهر بقاع المعركة القيادة العامة، اجتهدت معي الاستاذة سمية فى ترتيب الامر حتى دخلنا فجرة اليوم التالي طائرة حملت فى جوفها صحفيين ومراسلين للقنوات ووكالات الانباء .
الطريق الى القيادة لم يكن مفروشا بالورود، الرحلة تنطوي على مخاطر اكيدة ، وابرزها “القناصين” الذين كانوا يرسلون سيلا من حمم الحنق والغصب على القوافل التى تقصد القيادة..
(2)
قبل ان تتحرك قافلة الاعلاميين صوب القيادة كانت الانباء تترى عن وصول الفريق اول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش، فقد سبق الجميع فجرا الى هناك برغم المخاطر التى لم تكن غائبة على الاجهزة الامنية.. لكنه اراد ان يفتح الطريق امام الجميع نحو القيادة العامة وقد هزه الشوق الى رفاق الخنادق، من تركهم قبل اشهر على مضض وغادرهم بعملية عسكرية محتشدة بالفراسة والجسارة والاسرار…
(3)
فى يوم الزيارة كان القناصون ينشطوز فى اماكن ارجأها الجيش لمهام “التنظيف والتشطيب”، وبرغم ذلك دخل البرهان القيادة وخيوط الفجر تسدل على اهداب اللحظات الحفية بالانتصارات والبشارات فيوضا من من الوطنية ونزاهة الانتماء لمؤسسة الجيش التى ماخانت العهد ولانكثت عن وعدها لشعب السودان بتخليصه من طاعون الجنجويد وسرطان المليشيا..
(4)
فى ذلكم اليوم تحركنا لانجاز مهمة نراها وطنية وتاريخية ، وقد الم بي جرح غائر فى القدم كاد ان يقعدني عن مرافقة الموكب، ورغم الرجاءات من الزملاء والمشفقين الا ان الجميع كانوا يسترخصون كل شئ فى مقابل اكتحال اعينهم برؤية اسوار القيادة، وزيارة الاشارة والالتحام مع لحظات النصر فى مكاخنها الطبيعي ومظانها الموارة بالدخان والرصاص ودموع الرجال..
فى شارع الوادي الامن المطمئن كان الاعلاميون يترقبون لحظة الانطلاق وهم (يرتكزون) بلغة الجيش فى مركز الشهيد عثمان مكاوي..، المقدم الهميم حسن كان يضبط كل شئ على ساعة اليقظة، وعقارب الدقة والاهتمام.
طريقة الاستعداد وهمس ابناء الجيش الغر الميامين فى الاعلام العسكري كانت تنبئ عن مهمة لا اقول خطيرة ، ولكنها تنطوي على احترازات واجبة التنفيذ ، الاعلاميات المرافقات رغم حماسهن للذهاب، ( لينا يعقوب ومشاعر عثمان ، وسارة الطيب واشواق سيف الدين ، واخريات) ووجهن بتقديرات حرمتهن من مرافقة الوفد، وفى قلوبهن حسرة) على التخلف عن ركب القيادة.
(5)
مع عبورنا ل(كبري الحلفايا) كانت بحري المنهكة بجراىم الجنجويد تنتظرنا على جمر التشوق لاكمال التحرير، والانعتاق من طيش الجنجويد وانتهاكاتهم بحق المواطنين ، كان الدمار حاضرا فى الحلفايا وشمبات والصافية وحتى كوبري الحديد المفضي الى سلاح الاشارة ومن ثم القيادة العامة، كانت الشوارع تحكي بلغة فصيحة قصص الحرائق والدمار، رائحة الموت فى كل مكان وارتال السيارات المحروقة تترامى على جانبي الطريق، شارع الكدرو المفصي الى المعونة نال وسام المواجهات حتى اطلقوا عليه “شارع الكمائن”، لم تسلم الجدران من طيش الرصاص الذى وسم الاحياء برماد الفجيعة، وترك على البيوت اثار الحرائق ، لهفي على الصافية التى نالت حظها الاوفر من الخراب الدمار الاحياء خاوية على عروشها اىا من نعيق البوم ، اسراب من الغربان والطيور الغريبة تجوس فى الافاق، وتعلن عن موت الحياة بغياب البشر، الشوارع متسخة والازقة متشحة بالسواد والبيوت منهوبة ومفتوحة بعد ان افرغ الشفشافة ما بجوفها من متاع واثاث.
(6)
مع تعرجات الطريق ، الذى سلكناه عبر الأزقة الداخلية ، كان الجيش ينتشر بكثافة،يخرج عليك الشباب اليافعون من كل مكان ، يغطون الطريق ويؤمنون المسير، سحنات السودان كانت حاصرة فى ملامح تنضح وطنية، وهو الامر الذى يجعلنا نتفاءل بان الجيش سبظل بوتقة لسودان واحد موحد متعدد الاعراق.
تغلب الجيش فى حرب الكرامة على واقع ما قبل الحرب، وقد تقدم العمر بمنتسبيه فرجحت مواجهات البداية الكفة لصالح المليشيا التى كانت تجند بالمال شبابا صغار السن، غير ان الجيش الذى رايناه الان يختلف تماما فاعمار منتسبيه ومجندى القوات المساندة باتت صغيرة ،ولعل هذا ما احدث فارقا فى الميدان رجح كفة قواتنا المسلحة الباسلة…
(7)
كانت اصوات القنص للسيارات المتحركة بسرعة فائفة لتجنب الاصابات تاتي، ونحن نجوب احياء بحري ، ونلتقي افراد الحيش والقوات المساندى الاخرر وسط للتكبير والتهليل،فى منتصف مسافة الطريق التقينا ضابطا يتحلق حوله المقاتلون، جاء بموكب من الحماس ، انه (النقيب حامد الجامد) الذى رفع التمام من داخل سلاح الاشارة فى يوم الفتح الكبير، كان مع جنده يؤمن الكريق ويشعله بهتافات النصر وهو يكبر ويهلل مع المقاتلين، وقد تحدث للاعلاميين واستقبلهم وهو يزف بشريات النصر ويعدهم باكمال المهمة وتحرير شهادة وفاة الجنجويد وخروجهم من بحري الى الابد.
نواصل
محمد عبدالقادر
إنضم لقناة النيلين على واتساب